لا إنقلاب في الأردن ممكناً ومنتظراً إلا أمريكي ناعم ولا إصلاحاً سياسياً مزمعاً ولا الأمير حمزة خيار أمريكي ..
التحالف الأمريكي مع القيادة الهاشمية قام على الأردن وليس على كرسي الحكم
فؤاد البطاينة
أجد نفسي وكل من يطالب النظام بالإصلاح الحقيقي بأنه يَدخل في لعبة وليس في مهمة. فغرضه لا يبدو بجيبة النظام. فالأردن دولة لها تاريخها السياسي الحديث المفصل خارجياً. ولا يمكن أن تتخلى القيادة الأمريكية الصهيونية وقاعدتها “اسرائيل” عن الأردن طوعاً أو بسهولة. ومن الصعب أن نعتقد بأن الملك يتطلع بقناعة لاستقرار الدولة أو لديمومة المُلك في ضوء المعطيات الخارجية والداخلية التي يفهمها ولا يمتك مؤهلات القدرة على مواجهتها. فهو يعرف أن حقيقة ومضمون التحالف الأمريكي مع القيادة الهاشمية قائم في الأساس على الأردن كدولة ووطن ومهمة تنقضي. فالحسابات الأمريكية هي لمصالحها وللمخطط الصهيوني وللتركيبة السكانية في الأردن، وكيفية الموازنة بين هذه العناصر الثلاثة، وليس لكرسي الحكم.
أمريكا اليوم حاضرة بقوة على أرض الدولة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وتكبلها بقيود معلنة وغير معلنة. ولم تعد تعطي النظام هامشاً سياسياً إلا بإرادتها. فهي من تحدد سياسة الدولة الداخلية وعلاقتها مع الدول العربية وغير العربية فنرى النظام على سبيل المثال غير قادر على فتح الحدود مع سوريا ومهرولاً للعراق والسبب هو الرغبة الأمريكية . وكذا عدم السماح له بالتعاون أو التواصل بودية مع دول إقليمية رغم انعدام مبررات الجفاء مع وجود المصالح ، بينما تطلب منه التعامل والتعاون مع دول معادية للأردن. وينصاع النظام في كلا الحالتين دون أن يقدم أسبابا مقنعة للشعب.
وإن ما نسمعه من ردود فعل أمريكية إعلامية وصحفية منتقدة لطريقة الحكم في الأردن ومهزئة له وباكية أحياناً هو كلام مفصول تماماً عن حقيقة أن كل ما يجري في الأردن وما وصل اليه هو من صنع ورعاية نظامهم الأمريكي الذي يواكب الفساد المالي والاقتصادي والإداري في الأردن، يُغذيه ويؤرشفه ولا يمنعه، والبنك الدولي وصندوقه الذي يرسم شقاء الدولة وشعبها هو صندوقه، وبالتوازي فإن ما نسمعه من النظام عن عزمه أو نيته في إصلاح سياسي هو مجرد كلام ومشاغلةً مشتركة.
بينما الإستقرار الذي عاشه الأردن لعقود كان هشأ وملغماً ومُصطنعاً لا يقوم على أسسه. ونحن اليوم نعيش مرحلة سعي الصهيوامريكي وأعوانه لإنهاء هذا الإستقرار بكشف الغطاء وتأزيم الوضع الشعبي الداخلي والوضع داخل العائلة المالكة والتمهيد للتخلص من مؤسسة العرش بأعقد وأبلغ المشاكل الداخلية وتوريطها بها. ولكن هذا التخلص لا يكون إلا على الطريقة الأمريكية وفي الوقت المناسب.
التساؤل، ما مصلحة النظام بالتسليم لأمريكا واستمراره بهذه العلاقة تحت مسمى التحالف، وتحمله لمسئولية وطن وشعب ومؤسسة عرش، والإستمرار بتزوير إرادة الشعب بإنتاج مجالس النواب المزورة وكذا الحكومات والقضاء والأحزاب وترك الفساد وتعظيم الضغوطات المعيشية والأمنية ضد شعب بريء. ولماذا لا يبحث عن مخرج شعبي أو دولي أو إقليمي ؟ تساؤل مطروح على ألسنة المواطنين. وأنقل الإجابة كما يقولها الكثيرون، وهي تورطه أو توريطه مالياً وإخضاعه للإبتزاز. بمعنى أن السبب شخصي. وهذا لوصح لا يؤثر على حرص الشعب بالوقوف لجانب الملك، فالشعب في هذا الظرف الدقيق يتطلع لانخراط الملك الشخصي في عمق المسألة الإصلاحية بعيداً عن المسائل الشكلية والثانوية.
الصورة أمامنا غير مريحة للشعب ولا للملك، فيها يستعصي الإصلاح لأسباب موضوعية خارجية مقابل حاجة الشعب الوجودية لهذا الإصلاح المنطوي على التغيير، وفيه أيضاً غموض في مستقبل مؤسسة العرش. ويبدو أن الطرفين الصهيوأمريكي وقيادة النظام يتلمسان طريقيهما بمعزل عن مصالح الشعب الأردني الذي يواجه المشكلة بلا شريك. وأقول طريقيهما لأن الصراع في ظل الصورة فيها أمريكا تتجه لنقل صراعها السياسي إلى النظام ومعه. فليس من سياستها أن تفتعل صراعا مكشوفاً مع الشعوب بل أن تظهر بصورة المنقذ لها، وهكذا هي تصنع الضغوطات على الشعب الأردني وتسعى لاستخدامه أو استثماره بالوكالة لإنجاز مهمتها مع النظام.
الكرة مرمية بملعب الشعب وطبيعتها من زاويتين، الأولى في ثقافته ومفاهيمه السياسية التقليدية وعدم وعيه على أن همومه الحقيقية هي القادمة وليست القائمه، وبأن قيادة النظام لتاريخه لا تتعامل مع هذه الهموم التي اوراقها عند حلفائها الذين لا تستطيع مواجهتم. والزاوية الثانية هي في تعايشه مع ما يفرضه النظام عليه من ممثلين ومحاورين من نواب أو نخب أو مؤسسات مدنية ممولة أو أحزاب. وكلها تغش النظام والوطن على مذبح علمها بارتباط وجودها واستمراره بالتزامها بنهجه ورغباته التي تعبر عنها وتنفذها حكوماته وأجهزته. فالحوارات والتفاهمات والقرارات هي من نتاج اتفاق الدولة مع هؤلاء. بمعنى أنه منتوج لحوار النظام مع نفسه ولا يؤدي الّا لتكريس وتفاقم الوضع.
فلو كان النظام أكثر وعياً لكانت نواياه أكثر سلامة ولترك هؤلاء وشأنهم في دكاكينهم وفي قبابهم. ولحاور الشخصيات الوطنية التي تمثل الشعب حقاً وتعلن معارضتها لنهج الدولة وتواجه النظام ، فهي التي لديها الرأي الأخر والرؤية المقابلة ولديها الجرأة والحرية والإلتزام الوطني لطرح الحقائق وللإعلان عن فشل أو نجاح الحوار.
ومن زاوية أخرى متصلة بجدية التغيير، فنحن نسمع الملك يكرر اللّاءات للقدس وللوطن البديل والتوطين ومستقبل فلسطين. ولكنني أخاطبه بكل موضوعية، هل مجرد رفضنا والوقوف عنده يكفي لمنع أمريكا وإسرائيل من تنفيذ مخططهم والرضوخ لتلك اللّاءات ؟ أم أن لهذا الكلام استحقاقات يتوجب علينا إنجازها؟ ألسنا نتابع إدارة الظهر لهذه اللّاءات على الأرض من قبل أمريكا واسرائيل دون ردة فعل منا حتى بمجرد حركة سياسية تعطي أمريكا أو اسرائيل رسالة بأن الخطوط الحمر تُلغي كل الممنوعات لكي يُقبض الكلام على محمل الجد؟. وهل فتح أراضي الأردن أمام جيش أمريكا المعلِنة لصهيونيتها والوجه الأخر لإسرائيل يصب في صالح هذه اللاءات ؟ إذاً كيف نفسر الهدف من إعلانها. ليس عندي غير أنها لاءات كورقة للتفاوض عليها لحماية النظام أمام معطيات غير سليمة. فالنظام ينتظر الإنقلاب ويعرف من صاحبه.
فلا إنقلاب في الأردن ممكناً إلّا أمريكي ناعم ً، ولا الأمير حمزة خيار أمريكي أو إسرائيلي في أي سيناريو لهم حتى لو افترضنا خطأ بأن هناك نية للإحتفاظ بمؤسسة العرش. وما الأحداث الأخيرة إلا لتوسيع نطاق الحشد الشعبي وتمتينه وبنائه كلبنة جاهزة لتهديد كرسي الحكم وابتزازه وحلبه الحلبة الأخيرة وذلك بوسيلة إقحام الأمير على سبيل الاستخدام ليشكل اختراقاً لصمت الشعب وفشل الحراك بصفته من العائلة المالكة مستغلين مظلوميته ومحبة الناس لخلقه الشخصي ، ولا شك أن في هذا استغفال لوعي الشعب ولموروثه العاطفي. لكن الأمير حمزة لم يعُد خارج اللعبة فقد شرعنته الدولة شعبياً بطريقة إخراجها للأحداث الأخيرة ، وشرعنت جدليته دولياً، وأصبح من غير الممكن أن لا تحافظ عليه أمريكا ليكون جزءا من لعبتها. والقرار بشأنه قد لا يكون بتوافق النظام مع أمريكا. ولكنا نرجو له السلامة.
وفي الختام كفانا وصفاً وتشريحا ونشراً لما فُعِل ويُفعَلُ بنا وبدولتنا ووطننا. فهذا لم يُنتج لنا إلّا البكاء والشكوى والإتهام والتبرئة وتكريس الواقع والظاهرة الصوتية. بينما المخفي أعظم. نريد كلاماً من الأخر وعملاً انقاذيا. ومن يتعامل مع هذا النظام بنهجه الحالي هو بالضرورة يتعامل مع أمريكا واسرائيل على شعبه ووطنه. لا إصلاح ممكن ولا نجاة لأحد في ظل نهج التبعية للعدو. هذا النهج يجب أن يسقط بتكاتف الملك مع الشعب.
* كاتب وباحث عربي
::::
“رأي اليوم”
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.