في ذكرى رحيل الدكتور صبحي غوشه، عبدالله حموده

 حفل تأبين الدكتور صبحي غوشه

عبدالله حموده

عمّان في 29/4/2021

الحضور الكريم

مضى على فراقنا مع حبيبنا الدكتور صبحي غوشه (730) يوماً.

كنت أتساءل ما الذي يقهر الموت؟

لا يقهر الموت إلا الحجر والكلمة، والكلمة أطول عمراً من الحجر، وأصلب على الزمن وأقدر على مغالبته، الحجر ليس مجرد حجر إنه الأثر التاريخي والتمثال وبصمة الفنان الخالدة.

وأما الكلمة فهي رؤيا شاملة للكون ولذلك نرى أن الكلمات الموهوبة هي حبات عنقود واحد تغالب الزمن وتنتصر عليه.

والدكتور صبحي غوشه ترك لنا إرثاً هاماً … وأنا أعني هنا كتبه وأفعاله مادياً ومعنوياً لا يستطيع الزمان أن يغيبهما.

ترك لنا إرثاً لا يجوز إهماله أو نسيانه من قبل محبيه ورفاقه وطلابه وأبناء العائلة.

إن صبحي يقول لنا ما يهم ليس عدد السنوات في حياتك، بل الحياة في سنوات حياتك.

وهكذا كان حبيبنا منذ عمله كطبيب يبرز لنا دوره كإنسان في خدمة الإنسان. وهكذا كان مع عائلته الصغيرة. لكنه مثل كل الثوريين في العالم تعلم أن العمل الفردي لوحده لا يكفي، فلا بد من التنظيم. وهكذا كان قائداً بحركة القوميين العرب ودفع أثماناً كبيرة في السجون المركزية والصحراوية. وكان في كل ذلك صبوراً متأملاً كيف حدث ما حدث من تصفية للحركة الوطنية.

كانت فلسطين عنوان عمله والوحدة العربية أمله، والقدس في القلب في كل ما يعمل ويكتب.

وعندما جاءت هزيمة حزيران 1967 لم يفقد البوصلة فتوجه إلى المقاطعة الشعبية للعدو وعمل مع رفاقه لدفن رفات الشهداء والجنود حفظاً لأجسادهم وللذاكرة حتى لا تنساهم.

كما عمل للتحضير للعمل المسلح ودخل السجن الصهيوني كما دخل سابقاً السجن العربي. وهناك تعرف على أبطال الأرض المحتلة عام 1948 ومنهم القائد صالح برانسي الذي ساهم بتأسيس حركة الأرض.

وبعد خروجه من السجن الصهيوني تم إبعاده إلى الكويت. واستمر في عمله دعماً للمقاومة المسلحة من جهة، واختار التاريخ ليثبت زيف الادعاء الصهيوني فاسس يوم القدس وجمعية يوم القدس التي من خلالهما كان يسهر مع رفاقه على إقامة يوم القدس سنوياً مع دعوة ما يفيد القضية ويهزم العدو فكرياً ويبعث الأمل في النفوس. إن إسرائيل إلى زوال مهما طال الزمن.

كان يعمل على مساعدة الفقراء وكأنه يردد قول علي بن أبي طالب في أقصر خطبة له: “لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع، وخير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع، وخير ممن قام لله راكع، وخير ممن جاهد للكفر بسيف مهند قاطع، وخير ممن صام الدهر والحر واقع، وإذا نزل الدقيق في بطن جائع كأنه نور كنور الشمس ساطع، فيا بشرى لمن أطعم جائع

شخصياً تعرفت عليه في سنوات الستينات حيث كنت طالباً في كلية بيرزيت وعضواً في حركة القوميين العرب حيث كان يطلب مني توصيل رسالة له واستلم رده عليها.

وعندما عاد إلى عمّان من الكويت التقيت به مع بعض الرفاق وكانت روح التفاؤل مسيطرة على كل كلمة يقولها مركزاً على ضرورة العمل مع الجيل الجديد.

ومع استقراره في عمّان حيث مارس الطب في عيادته في منطقة الشميساني هذا من جهة، واستعداده لنشاطه الوطني والقومي من جهة أخرى.

وعندما طلبت منه شهادة شخصية عن المرحوم الشهيد ناجي العلي، رحب بذلك وقدم كلمة مؤثرة عن ناجي العلي.

وساهم وأسس في إيجاد فرق فنون شعبية من الأجيال الجديدة لحمل الرسالة الوطنية والقومية قولاً وغناءً وتراثاً جنباً إلى جنب مع مركز دراسات القدس والعمل اليومي لجمعية يوم القدس والمرأة من أجل القدس، والجمعيات المقدسية التي ساهم في وجودها وفعاليتها.

كان أكثر شخص يحترمه هو المناضل القومي بهجت أبو غربية، فقد كان أستاذه في الابراهيمية وأستاذه في النضال، وقال لي يا عبدالله كل بيان تعملوه أو تصدروه ويوقع عليه بهجت ضع اسمي معكم دون سؤال.

كتب تجربته في الحياة السياسية في كتابه “رحلة في الذاكرة من 1929 – 1971” وفي كتابه “شمسنا لن تغيب” كتب إلى روح الفنان الذي امتشق ريشته سيفاً ليحارب بها الأعداء في وقت سكتت فيه المدافع إلى روح فنان الشعب إليك يا ناجي العلي.

وفي كتابه عن الحياة الاجتماعية في القدس في القرن العشرين تناول فيه كل مناحي الحياة والذي أهداه إلى المناضلة وداد قمري عزيزة على قلبي ورفيقة الدرب التي عاشت القدس بحلاوتها ومرها وناضلت من أجل تحريرها وسيادتها، سوف نستمر في العمل والأمل وسوف ننتصر.

وكتب في إهدائه كتابه “رحلة من الذاكرة” إلى الرفيق عبدالله حموده: ” هذه بعض الذكريات لأحداث جمعتنا على طريق تحرير كامل التراب الفلسطيني ولازالت مستمرة حتى نحقق النصر ونحرر فلسطين من البحر إلى النهر ونقيم فلسطين الحرة والنصر للثابتين على مواقفهم.

وكان الدكتور صبحي رئيس مجلس أمناء جائزة المناضل القومي بهجت أبوغربية لثقافة المقاومة، وقام بواجبه خير قيام محافظاً على روح العمل الجماعي وروح الجائزة. فأعطيت الجائزة الأولى للمناضل بسام الشكعة، والثانية للمناضل القومي هاني الهندي، والثالثة لكل من صالح برانسي وعبدالرحمن النعيمي، وأخرى للمناضلة العربية الجزائرية جميلة بوحيرد، وأخرى للشاب المقدسي الشهيد بهاء عليان، وأخرى للمناضل ضافي الجمعاني، والجائزة الأخيرة للمثقف المشتبك الشهيد باسل الأعرج.

كان ودوداً مع الجميع، مؤمناً برسالة بهجت أبوغربية الوطنية والقومية، وكان يجمع ولا يفرق.

وفي هذا المساء يقول لكم كيف نمشي في الطريق الطويل بدون دليل، ودليلنا كما كتب هو معنا العودة إلى الميثاق القومي عام 1964 لنسف اتفاقيات الذل والعار مع العدو واتفاقيات التنسيق الأمني واتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة التي يجب أن نعمل لإسقاطها.

وهو يقول لكم هذا المساء: كلما زادت الغيوم وتلبدت السماء بالظلام حول شعبنا نرى انتفاضاته الجبارة في الداخل في أم الفحم وحيفا ويافا وغزة وخاصة في القدس.

إن ما يعمله أبناء القدس اليوم يعطينا الأمل. ولهذا فيجب أن نحارب اليأس ويبقى الأمل دائماً أمامنا.

صحيح أن طريقنا طويل لكن لدينا الدليل الميثاق القومي وذلك وصيتي لكم.

شكراً لكم أيها الحضور الكريم في هذه الاستعادة لهذا المناضل الكبير الذي أحب شعبه ولن ينساه.

والسلام عليكم ورحمة الله

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.