تعليق: انقلاب الموازين والقِيَم في فرنسا الإمبريالية، الطاهر المعز

الحكومة الفرنسية تعتبر الشعب الفلسطيني ظالمًا والكيان الصهيوني مظلومًا

قال المطران (رئيس الأساقفة) “دسموند توتو”، من جنوب إفريقيا: “إن البقاء على الحياد في مواجهة الظلم هو اختيار جانب الظالم”.

في فرنسا لم تدّعي الحكومة وبعض المعارضة (اليمين المتطرف والحزب “الإشتراكي”) الحياد، بل ساندت الكيان الصهيوني، في أعقاب العدوان الأخير على الشعب الفلسطيني (مصادرة مساكن، قصف، اغتيالات …)، ولما طلبت بعض المنظمات الفرنسية الإذن بالتظاهر في باريس يومي 12 و 15 أيار/مايو 2021، دعمًا للشعب الفلسطيني وتنديدًا بالعدوان، حظرت الحكومة كلا التظاهرتين، خلافًا للدّول المعروفة بدعمها غير المشروط للصهاينة، مثل ألمانيا وهولندا، ودَعمَ القضاءُ قرار الحكومة التي بَرّرَ وزير داخليتها قرار الحَظْر الذي باركته وسائل الإعلام، وفيما اعتبرت بعض القوى اليسارية هذا القرار دعمًا مُطْلَقًا ومباشرًا للدولة الصهيونية التي تحتل فلسطين وتضطهد الشعب الفلسطيني، ساندت أحزاب اليمين التّقليدي أو اليمين المتطرف الحكومة الفرنسية وأكدت دعمها للكيان الصهيوني، كما حازت الحكومة اليمينية على دعم بعض قادة الحزب “الاشتراكي” الفرنسي، مثل آن هيدالغو، رئيسة بلدية باريس، أو مانويل فالس، الرئيس السابق للحكومة “الإشتراكية”، وبعض القادة الآخرين المشهورين بدعمهم المُطلق للعقيدة وللدولة الصهيونية.

تعتبر الحكومة وأغلبية أعضاء البرلمان الفرنسي أن الكيان الصهيوني “يقتصر على الدّفاع عن النفس، ضد الصواريخ التي تُطلقها حماس …”، وأعلن رئيس الوزراء “الاشتراكي” السابق مانويل فالس: “على فرنسا أن تدعم بوضوح إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها. يجب على الحكومة أن تحظر كل مظاهرات الدعم للفلسطينيين. هذه المظاهرات ليست سوى تجمعات أشخاص معادين للصهيونية ومن يعادي الصهيونية، فهو معادي للسامية. “

اقتصر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إصدار بيان ، يوم الخميس 13 أيار/مايو 2021  “يدين بشدة إطلاق النار الذي تبنته حماس وجماعات إرهابية أخرى، استهدف الأراضي الإسرائيلية، وعرَّض سكان تل أبيب ومدن أخرى للخطر، ويقوض أمن أسرائيل ومؤسساتها الديمقراطية…”

فرنسا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحظر فيها جميع مظاهرات التأييد للفلسطينيين والاحتجاج على ممارسات الحكومة الصّهيونية، فقد نشرت وسائل الإعلام صورًا عن مظاهرات في الولايات المتحدة (أكبر داعم للكيان الصهيوني) وبريطانيا، الأُم الشرعية للحركة الصهيونية في القرن العشرين، أما الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” ووزيره للداخلية وأحزاب اليمين واليمين التطرف ومعظم وسائل الإعلام، فيعتبرون “إن دعم الفلسطينيين علامة حقد وكراهية ومعاداة للسامية…”

شكل موقف رئيسة بلدية باريس الدّاعم للكيان الصهيوني وللحكومة اليمينية، مفاجأة لبعض رفاقها في حزبها، لكنه في الواقع موقف مُتّسق مع المواقف التاريخية للحزب “الإشتراكي” الدّاعمة للحركة الصهيونية، منذ عشرينيات القرن العشرين، ولمواقف زعمائه التاريخيين، من “ليون بلوم” إلى فرنسوا ميتران، مرورًا بمنداس فرانس وليونيل جوسبان الذي أطرده الشباب الفلسطيني من جامعة بيرزيت…

جنّدت الحكومة الفرنسية، يوم السبت 15 أيار/مايو 2021، في ذكرى النكبة، حوالي خمسة آلاف شرطي، في محيط صغير من مدينة باريس (من ساحة الباستيل إلى حي باربيس مرورًا بساحة الجمهورية)، وأمرت التّجار بإغلاق محلاتهم وأغلقت محطات خطوط المترو والحافلات، وأغلقت سوق الخضار المفتوح، قبل الأوان المعتاد، ولكن الجماهير توافدت بالآلاف، رغم (أو ربما بسبب) تأكيد كافة وسائل الإعلام حَظْرَ المُظاهرة، وتعدّدت التجمعات الصّغيرة (المُحاصَرة بقوات الشرطة والدّرك) ليرتفع علم فلسطين فوق النّصب التذكارية في العديد من الأحياء والساحات، واستخدمت الشرطة العنف الشديد (العصي والقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه الساخنة والإعتقالات والغرامات بقيمة 135 يورو للعديد من الشبان والصبايا…)، لكن المظاهرات بقيت محصورة في بعض الأحياء الشعبية     

تُشكّل الإعتداءات الصهيونية جرائم حرب، بدأتها الحركة الصهيونية، بالإغتيال والتفجيرات وافتكاك الأراضي والبيوت، قبل تأسيس الدّولة، فيما تنتقي وسائل الإعلام التي تمتلكها الشركات الرأسمالية الإحتكارية الأخبار، لتُركّز على بضعة قذائف بدائية ومَحَلِّية التصنيع، ، بهدف مُساواة المُجرم المُحتل بالضحية الواقعة تحت الإحتلال، لأن هذه القذائف تمكنت من مُغالطة منظومات الإعتراض الأكثر تطورًا في العالم، وتمكنت من إدخال الرّعب في قلوب المُسْتعمِرِين المُستوطنين، مغتصبي الوطن…  

إن فرنسا الإمبريالية أحد أَضْلاع الثّالُوث الإمبريالي الصهيوني الرجعي (العربي)، وساندت رئيسة بلدية باريس “آن هيدالغو” التي تعتزم الترشح للرئاسة، سنة 2022، “القرار الشُّجاع والصّائب” للحكومة، وهي من الحزب “الإشتراكي” الذي دعم زعيمه “ليون بلوم” الحركة الصهيونية عندما ترأس الحكومة الفرنسية، سنة 1936، وحصل الكيان الصهيوني من فرنسا على السلاح النووي، والدعم السياسي والعقائدي من منداس فرانس (الصديق المزعوم لبورقيبة)، ورئيسه فرانسوا ميتران (الصديق المزعوم لعرفات) وروبرت بادنتير (بطل التصدي لحكم الإعدام) وجميع هؤلاء من الزعماء الصهاينة للحزب “الإشتراكي”، ولا غرابة فالموقف الإستعماري يجمع اليمين واليسار وبعض أقصى اليسار أيضًا في فرنسا الإستعمارية الإمبريالية… التي لا تزال تحتل مُباشرة العديد من جُزُر بحر الكاريبي، وجزيرة مايوت وجزيرة لاريونيون في إفريقيا وجزيرة كاليدونيا الجديدة وهايتي في المحيط الهادئ وغيرها، ويُشارك الجيش الفرنسي في كافة الحُروب العدوانية الأمريكية من أفغانستان إلى سوريا وليبيا واليمن وإفريقيا…

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.