تناقل كثير من المثقفين العرب مقالات لصهاينة يتفجعون على مصير الكيان قبل هبة القدس وبشكل موسع خلالها وهي جارية الان. وتم التركيز على ما كتبه “أرييه شافيت في صحيفة هآرتس الصهيونية” بعنوان “علينا ان نرحل”.
لست متأكدا إن كان شافيت كتب المقالة هذه الأيام أم سابقاً مع ان هذا لا يغير كثيرا في ما اود سرده في هذه الأسطر.
أعادني هذا المقال إلى عام 2000 حيث أجرى شافيت حوارا مع الراحل إدوارد سعيد في جريدة هآرتس نفسها يوم 18 آب 2000 . وكنت قد ترجمته ونشرت مقالا مطولا لي ، في مجلة كنعان، العدد 103، تشرين أول لعام 2000 ص ص 5-24) عن المقابلة نفسها وعن ما كتبه بعد ذلك بايام أي يوم 25 آب 2000 صهيوني آخر هو ميرون بنفنستي (1934-2020) والذي كان لفترة نائب رئيس بلدية القدس المحتلة والذي اقامت له امريكا مركزا بحثيا باسم West Bank Data Project تخصص في وضع دراسات وابحاث وخرائط عن مصير الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان آخر ما خلص إليه قبيل إنتفاضة عام 1987 اي الكبرى بوقت قصير مفاده: ” إن الصراع وصل ربع الساعة الأخير، وبأن الفلسطينيين قد استسلموا”.
وهذا الموقف من بنفنستي مهم لسببين:
الأول: أنه اعتبر نبوءة مؤسسي الكيان قد تحققت بأن “العربي يركع وبأن بقاء الكيان مرهون فقط بركوع العرب. وكان ضمن ردودي عليه وأمثاله ما أشرت إليه في كتابي “من احتجاز التطور إلى الحماية الشعبية 1988” حيث ناقشت التخلف لدى الكيان في فهم شعبنا بما هو ناجم عن تخلف استشراقي، عنجهية القوة وقراءة أنثروبولوجية للصراع.
والثاني: أن الانتفاضة قد قلبت كل الموازين وذهبت مزاعم بنفنستي أدراج الرياح.
شعب صغير ممزق كفر به كثيرون يقلب الطاولة على راس مخطط الثورة المضادة بقيادة واشنطن!!
ولعل ما خدع بنفنستي عام 1987 هو ما خدع قيادات الكيان الحاليين نتنياهو وبينبيت…الخ واضيف على ذلك انهيار أنظمة عربية تطبيعيا لصالح الكيان إلى الحد الذي بدت الأمور معه وكأن الشعب الفلسطيني قد استسلم ليواجهوا اليوم الهبة الجارية على كامل فلسطين واشتداد موقف الشعب العربي.
لا اهدف من ما أورده ادناه مناقشة او نقد إدوارد سعيد، بمعنى ان هذه المقالة ليست لهذا الأمر، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الصهاينة لا يتغير موقفهم المتعالي بالمرونة ابداً.
سأل شافيت إدوارد سعيد: ” لماذا رميت حجرا تجاه الجنود، اجاب لأن هذه كانت رغبة ابنته لتعرف من يرمي الحجرمسافة أطول اياها أم أخيها” (كان ذلك عند بوابة فاطمة بعد تحرير الجنوب اللبناني –ع.س)
فيما يخص حل الصراع أجاب سعيد:
“لا حل للصراع دون اعتراف اسرائيل بالمسؤولية الأخلاقية” !!
وفيما يخص رحيل الصهاينة أجاب سعيد:
” أن اقول ما كان يجب ان تاتون كأني اقول عليكم ان ترحلوا . انا ضد ذلك …انا دوما ضد رحيلكم . ما كان عليكم ان ان تفعلوه هو ان تفهموا ان هذه الأرض مأهولة بشعب”
ومرة أخرى عن الحل قال سعيد:
“… الحل بلجنة الحقيقة والتسامح كما حصل في جنوب افريقيا واعتقد اننا نحن الفلسطينيين الذين يجب ان نقوم به… إنها اذن قضية محددة جدا اذا سالتني بشكل مجرد اود القول انا لي حق العودة تماما كما هو لزميلي اليهودي بموجب قانون العودة الإسرائيلي.”!!
إلى أن يقول سعيد: “…ان العالم الذي نشات فيه هو عالم ملفق ان مفهوم اعادة التوطين العودة الى البيت هي في اساسها مستحية. .. لم افهم قط القول بفكرة ان هذا مكاني انت خارجا، لا ابارك العودة الى الاصل، او الأصل النقي، لا اؤمن بهذه كلها لا اريدها لنفسي حتى لو كنت يهوديا” !!
هنا تحمس شافيت وقال: “تبدو يهوديا جدا”
فأجاب سعيد: “انا آخر مثقف يهودي… انا الحواري الحقيقي لأدورنو… انا الهودي الفلسطيني”
لكن الغربي أن كل هذه المرونة من سعيد، ولا نقول أكثر من مرونة، واجهها ميرون بنفستي بعندهية صهيونية لا يمكن تحملها. فكتب الرد في نفس صحيفة هآرتس كما اشرنا أعلاه:
كتب بنفنستي: ” في ذلك اليوم التاريخي الذي فكك البريطانيون الحواجز وغادروا ، كنا هناك نلتقط بقايا الذخائر التي تبعثرت منهم أثناء المغادرة، أما ادوارد سعيد فكان قد وصل القاهرة التي هربت إليها اسرته ، فورا بعد اول طلقة رصاص في اواخر 1947…والآن فإن سعيدا يتفجع على مصيره، وان علي انا ان اشعر بالذنب بسبب انتصاري على التضحيات التي قدمها والداي، على حقيقة انهما بقيا وقاتلا، بينما هو وامثاله هربوا. الم يحن الوقت كي يذوي سحر ادوارد سعيد ، وان نبقى وحدنا كي نتكلم لغة بسيطة ، حيث هناك يتم الحوار الحقيقي” هآرتس 25-8-2000 بالانجليزية
وهكذا، فإن بنفنستي لم يُطق حتى مرونات سعيد، ناهيك بانه يكذب بوضوح حيث ينكر أن الاستعمار البريطاني لم يغادر إلا وقد أعطاهم من السكين حتى الطائرة المقاتلة.
كان من الطريف لو بقي بنفنستي حيا إلى اليوم، ليرى أن نبوئته الفاشلة قبيل انتفاضة 1987، تتكرر اليوم مع هبة القدس وكل فلسطين. وهذا كما يبدو ما يراه آرييه شافيت ومختلف أنواع الصهاينة.
وحبذا لو بقي سعيد حياً لرأى ما يعيد لأسرته اعتبارها بعد إهانات بنفنستي ويعيد له توازنه بحيث لا يدعو لحوار مع كيان يحاورك بالطائرات المقاتلة.
ولكن، المطلوب أن يراه العربي والفلسطيني بحيث يبني على هذه الهبة/الانتفاضة من جهة أ وأن يحول دون إجهاضها في مشروع تصفوي كما حصل باتفاقات اوسلو.
كل ما يحصل جميلا، ولكن السؤال: في كيف نحول الوردة إلى شجرة باسقة؟ هذه مسؤولية المنتفضين خاصة. ليقولوا بوضوح:هذا مسارنا وكل قيادة تود أن تبقى عليها أن تفعل.

_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.