كيف ستكون الإستراتيجية الجديده للكيان الصهيوني .. هل سيعترف بحماس ويتعامل مع المقاومة .. أم سيبحث عن حصار جديد لخنقها في غزة.. وكيف، فؤاد البطاينة

بداية الرحمة وجنات الخلد لشهدائنا العظام، والشفاء لجرحانا والرعاية لأسرنا المتضررة، والحرية لأسرانا، وعاطر التحية لأهلنا في داخل الخط الأخضر. من الواضح تماماً بأن غزة والمقاومة الغزية التي وقف معها الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج والشعوب الحرة هي المستهدفة من واقع استهداف فكرة المقاومة في فلسطين. وهذا ليس لمجرد أنها أداة صمود، بل لأنها الأداة الفاعلة لإسقاط المشروع الصهيوني والتحرير، وفاتحة خروج الاستعمار الغربي. ولينتبه الغافل منا، أن غزة القطعة من فلسطين هي أرض محررة ولا رابطة سياسية بينها وبين سلطة أوسلو في الضفة، وبأن عجز كيان الإحتلال بكل الثقل الأمريكي عن دخول غزة أو احتلالها لم يكن للأسباب المُقالة، بل لاستحالة البقاء فيها. ومن هنا كان حلم الإحتلال أن يصحى ويجد البحر قد ابتلع غزة.

فكان الخيار ابتداء هو حصار غزة لتضعف وتستسلم أو تموت.. وحكومات الغرب، والعالم كله يعرفون قسوة هذا الحصار المستمر المفتوح المدة منذ سنين كجريمة إبادة جماعية لا سابقة تاريخية لها بحق شعب. وكان الإعتماد في هذا على الشقيقة مصر بحكم الجغرافيا. وكان لذلك وما زال بقاء كرسي كل رئيس مصري منذ بداية التطبيع مُرتبطاً بحصاره لغزة لا بغير ذلك. وتجربة الرئيس مرسي كافية فهذا الرجل رحمه الله، زاوَد على مبارك حين أعاد السفير المصري الى تل أبيب وأبدى كل تعاطف مع الدول العربية المُطبعة وتعهد بالحفاظ على كل المعاهدات الدولية السابقة وكامب ديفيد، ولكن هذا كله لم يسعفه، وحُكِم على كرسيه وعليه بالإعدام حين صرح بأنه سيدعم غزة ولن يحاصرها. ومن هنا نقول أن كل أنواع الدعم الذي تقدمه مصر مهما كبُرت لا تسوى. فغزة بحاجة لفك الحصار وفتح المعابر وما دون ذلك يصبح هيناً. لا أخصص النظام المصري ولا النظام الحالي في مصر بل كل أنظمتها منذ التطبيع. ولا نقاش في أن كل الأنظمة العربية المطبعة معادية لفكرة المقاومة وصارمة على غزة وقامت بأدوارها. وإن انفتاحها على حماس أو تعاونها معها كله ملغوم ولخدمة نفسها وخدمة الإحتلال حيثما لزم ذلك.

لقد فشِل الأمرو صهيوني في مسعاه ومخططه لتحقيق غرضه من حصار غزة. فغزة بفضل الله وإيمان شعبها بقضيته وبفضل ما تبقى في هذه الأمة من خير تعاظمت قوتها بدلاً من أن تَضعف، وازداد صمودها وإيمانها بقضيها بدلاً من أن تستسلم، وتعززت الروح فيها بدلا من أن تموت، وارتفع منسوب الصمود والتحدي لدى الشعب الفلسطيني وتصميمه على التحرير، وأصبحت المقاومة مرجعيته، وتلاشت قبضة سلطة أوسلو الأمنية التي كان عجزها عن أداء واجبها في إزاء الثورة الشعبية من طبيعة عجز الإحتلال الصهيوني، لا كرما ولا خُلقاً ولا لتغيير في سياستها نحو المقاومة. واليوم نحتفل بالنصر المؤسس فعلاً للنصر الكبير في التحرير الكامل.وهذا الإنجاز يضعنا أمام سؤال. ماذا بعد أمامهم ليفعلوه، وماذا أمامنا لنفعله؟

نستحضر للإجابة الواعية، بأن في فلسطين معادلة طبيعية قائمة يفهمها العدو الصهيوني وترعبه لأن فيها مقتله بطلقة الحقيقة. وهي أنه مهما قصف ودمر وقتل في غزة وغيرها أو استخدم من ترسانة السلاح الأمريكي فلن يحقق هدفه في تمرير مشروعه والبقاء في فلسطين. وتبقى جرائمه جرائم حرب وإرهاب عبثي لا تسعفه وسيحاسبون عليها حسابا تاريخيا. أقول لن يحقق هدفه هذا لأن الفلسطينيين في أرضهم ووطنهم التاريخي ولا يبرحونه ولا مكان لهم إلّا هو لا يستبدلونه بجنات الأرض. بينما في الشق الأخر من المعادلة، فإن ضربات المقاومة الشعبية الواثقة مهما صغر حجمها بالقياس فهي التي تصنع ما يزيد عن توازن القوة ويُقنع الشعب المعار الذي جاء لفلسطين مستوطناً بشتى الإغراءات على العودة لأوطانه في أوروبا، فلم يأتوا ليموتوا بل لكسب فرص أفضل. وعندها يتفكك وينتهي مقوم دولة الإحتلال الإستيطاني الإحتلالي. فمسألة المقاومة بالنسبة للإحتلال مسألة بقاء أو رحيل للمشروع الصهيوني.

نعود للإجابة على السؤال، ماذ عسى العدو فاعلاً بعدَ أن شاء قدر الله ومنطق الأمور أن تخرج نتائج الحرب الأخيرة على غزة كارثية على المشروع الصهيوني وعلى الإحتلال ومستوطنيه، وأن توحِّد بلمح البصر الشعب الفلسطيني في فلسطين كلها وفي خارجها بلا خطوط فاصلة خلف المقاومة. وأن توحد من خلفه الشعب العربي وأن تُدخل غزة والمقاومة الفلسطينية التاريخ من بابه الواسع وتغير موازين القوة بأدوات المقاومة الشعبية. وأقول في هذا أن العدو لا بد وأنه سيرسم استراتيجية سياسية جديدة من واقع المجريات والنتائج التي استخلصتها في محاولة قد تكون هي الأخيرة للإنتصار على غزة والتخلص من كابوس المقاومة. فما هي ملامح هذه الاستراتيجية الجديدة؟

أرى الملامح في ثلاث ركائز، إثنتان منهما لا تقعان تحت سيطرتنا بل هما من شأن إدارة الإحتلال، ولا أعتبرهما جوهريتان بقدر ما هما مساعِدتان للركيزة الثالثة الأساسية في خطورتها والتي تقع مواجهتنا لها في إطار نباهتنا وقدرتنا على إفشالها. أما هاتان الركيزتان المساعدتان. فالأولى هي اعتماد الاحتلال لخطة إدارية أمنية قانونية للتعامل مع العرب داخل الخط الأخضر. ومع أن هذا أمر يتطلبه قانون يهودية الدولة المعلق تطبيقه، إلّا أنه أصبح بعد الثورة الأخيرة ملحاً لكبح مشاعر التوحد السياسي والمصيري مع أشقائهم الفلسطينيين في الضفة وغزه. والركيزة المساعدة الثانية تكمن في تغيير هيكلة سلطة أوسلو بقيادة أكثر تأهيلاً واستعداداً لتنفيذ متطلبات المرحلة ومواجهة ثورة الشعب الفلسطيني الممتدة. فلكل عميل دوره وحدوده وكان دور عباس الأساسي هو في ترسيخ رفض المقاومة وفي شيطنتها، ويقدم نفسه لأمريكا والغرب بهذا الدور الذي ينطلق منه للتعاون الأمني.

أما الركيزة الثالثة فهي المؤكدة والأساس والتحدي المشترك بيننا وبين العدو أيً كان لبوسه. إنها غزة ومقاومتها، وإنها من صميم شأننا.. أما كيف نتوقع في هذا الركيزة سلوك العدو الصهيوني فأمامنا احتمالين في المرحلة القادمة. الأول مستبعد ولكنه وارد. وهو الرضوخ لحماس والتوجه للتعاون معها في عملية سياسية كممثلة للشعب الفلسطيني ومقاومته، وقد حدث مثل هذا سابقا عندما تركت “إسرائيل ” النظام الاردني وفضلت التعامل مع منظمة التحرير. أمّا الإحتمال الثاني والمرجح فهو محاولة الكيان التي تبدو الأخيرة في تطوير الحصار على غزة لخنق المقاومة. وقد يسعى الصهيوني لابتكار وسائل جديدة في هذا. وهذا أمر إن حدث ونجح فسيكون بالغ الخطورة.

ومما سمعته في هذا على سبيل المثال وليس التوثيق فقد يسعى الصهيو أمريكي لإثارة موضوع الحماية الدولية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة والذي رفضه الإحتلال باستمرار. وبهذا نؤكد ثانية على أن غزة محررة وتأخذ على عاتقها تحرير باقي فلسطين ولا حماية دولية مطلوبة لها سوى رفع الحصار الّلا قانوني ولا إنساني.وبغير ذلك فإن أي تدخل أجنبي يمس أرضها أو سماءَها أو ماءَها تحت ستار حماية المواطنين الغزيين من قصف الطيران الصهيوني مثلا هو ملعوب خطير ولا يؤدي إلّا إلى تكبيل المقاومة وسلاحها الصاروخي وغيره. فالمقاومة الغزية تقوم على استغلال الأجواء أكثر من الأرض بكثير. وعلى المقاومة الفلسطينية وساستها أن ينتبهوا لهذا الملعوب الخطير وأن يتفحصوا كل المبادرات السياسية، فكلها صهيونية وكلها تستهدف المقاومة في المرحلة القادمة. أما الضفة الغربية كأرض محتلة فلا يحكم حماية المدنيين فيها سوى اتفاقيات جينيف وسبق لمجلس الأمن أن اتخذ قرارات بانطباقها على الأراضي الفلسطينية المحتلة ولم تطبق.

أما ما علينا فعله فهو كثير ولا ينقص الشعب الفلسطيني الخبرة والدراية ولكني أقول، على شعبنا في كل فلسطين أن يبقى موحداً تحت سقف شرعية المقاومة. ومن العار أن نعترف أو نتعامل مع سلطة أوسلو أو مع أي بديل عنها من عملاء الإحتلال. ولا وحدة وطنية مع غير الوطنيين ولا حكومة وطنية إلا على مفهوم المقاومة. ولا سياسة إلّا سياسة المقاومة. فالكلمة اليوم للشعب الثائر. ولأنظمتنا أقول، أعمى البصر والسمع والعقل والسياسة من يعتقد بأن حماس لحماس مصلحة في التدخل في الشأن الداخلي للدول العربية وأنظمتها. وأن عليها أن تسبق أمريكا والكيان في الإعتراف بشرعية حماس والمقاومة الغزية كلها، وإن لم تتق الله ولا تحسب حسابا للبطلان القانوني والإنساني لحصار غزة عليها أن تنصاع لإرادة شعوبها في هذا. وللنظام الأردني أقول كفاك لعباً على كل حبل تصادفه. مصلحة الأردن والأردنيين هي مع حماس واحتضان حماس. فهي الصوت الوحيد الذي يقف مع أردنية الأردن ورفض كل مشاريع التوطين وتصفية مكونات القضية على أرضه. وهذا هو وقت الشعوب العربية بأقطارها لتقف بوجه أنظمتها المتخاذلة والمتواطئة. فالمعركة معركتنا جميعاً.

كاتب باحث عربي

:::

“رأي اليوم”

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.