هذا يوم بدر فاحذروا من أُحُدْ، الحلقة (6) الأخيرة، عادل سمارة

  • حرب الشعب  وصولا إلى خيام تبديل

هل وصلنا عتبة المواجهة الأوضح وربما الأشمل؟ هل كشفت حلقة الحرب الحالية عن مصداقية قولنا بأن هناك عدة ثنائيات متناقضة تفرض نفسها على اي تحليل:

·        حقاً هناك حبلٌ سُرِّي بين تصنيع وبقاء كل من الدولة القطرية والكيان الصهيوني وأداء الدولة القطرية ما كان يؤديه جيش الإمبريالية.

·        وهل حقاً تدهورت حركة التحرر العربية إلى حد الغياب لصالح قوى الدين السياسي  وأنظمة المساومة والإعلام التابع بكل إشكالاته لحكومات محكومة ؟

وهل حقاً تبلور في الوطن العربي معسكران متواجهان متقابلان متناقضان:

·        محور المساومة بحربه الأهلية ضد الأمة

·        ومحور المقاومة ضد مجمل الثورة المضادة.

وهل حقاً يتمركز العدوان ضد مركزيتين:

·        الدولة العربية المركزية

·        والقضية المركزية؟

وإلا، ما معنى أحد عشر يوما من قصف مئات الطائرات والمدافع والبحرية لقطاع غزة بينما لم تُطلق اية دولة قُطرية كلمة تحدٍ أو غضب واحدة! وما ان تمت التهدئة حتى تدفقت المخابرات ووزراء خارجية راس العدوان إلى أنظمة التبعية لإطفاء النار الفلسطينية المتجددة. وحتى أردوغان الذي عودنا على بهلوانياته لم يزد سوى بعض الكلام رغم أن قيادة حماس السياسية في كنفه!

ما أن انقشع غبار ودخان القصف وبان الدم والأشلاء والركام حتى إنقشع ايضا الغطاء عن تعليمات الإدارة الأمريكية للحكام العرب بأن يلملوا الأمور كي لا يرتفع منسوب حراك الشارع العربي من جهة، ولاغتيال النهوض الفلسطيني الشعبي الموحد من جهة ثانية وهذا الأخطر برأيهم. ويكفي أن المعلن حتى حينه مجيىء وزير خارجية ألمانيا وهي عدو يتحرَّق شوقا للحْمنا بعد أن حيل بينه وبين ذلك على يد ضوارٍ أخريات، وليلحق به وزير خارجية قيادة العدوان اي الأمريكي.

كانت فاتحة ما يريدون ويُمْلونه على الحكام والمخابرات العربية المشاركة في لملمة الجريمة على قدرٍ كبير من الوقاحة بإملاء: إن شروط  إعمار غزة أن لا يكن ذلك بأيدي الغزاويين. أي تدفيع شعبنا ثمنا  آخر رغم الدم والدمار.

ويتلو ذلك ما هو أخطر، أي إعادة الوضع لما قبل الحرب الأخيرة :

·        لمحو النهوض الشعبي الفلسطيني الموحد من الشتات إلى الشيخ جراح إلى جِراح غزة إلى رام الله.

·        ومحو بداية النهوض الشعبي العربي لصالح القضية المركزية مما يعيد إلى الوعي الدولة المركزية

·        ولجم التضامن الشعبي  العالمي مع فلسطين كاملة.

هي مؤامرة، لكنها هذه المرة على شكل خطة علنية أي تحدٍّ سافر لتثبيت الكيان بكل عدوانيته، بل لإنقاذه، وهو ما اتضح بشكل خاص على صعيد أنظمة الغرب كاملة وإعادة الثرثرة عن مشروع الدولتين وتقديم التمويل لمواصلة المفاوضات حتى دون اي قيد على مواصلة الكيان أعمال كل من:

·        قضم الأرض

·        حصار غزة

·        الاغتيالات

·        احتلال الأقصى

·        الحرب البوليسية ضد فلسطينيي المحتل 1948

إي إعادة الأمور إلى أسوأ مما كنت عليه قبل الحرب الأخيرة، بمعنى معاقبة الشعب الفلسطيني على استعادة وحدته.

وهنا يكون السؤال أولاً لنا كفلسطينيين:

فإذا كنا قد فشلنا في اكتشاف قدراتنا كشعب على قلب الطاولة في وجه كامل الثورة المضادة ولم نتوقع أن نفعل ما فعلنا بعفوية انتفاضية، وبالطبع، لم يتوقع الأعداء ذلك ايضا، فهل نضحي بكل هذا ونعيد تتويج من قاد إلى ما وصلنا إليه قبل هذه الحرب؟

هل لدينا فائض قوة نبذرها وقد لا نتمكن من تجميعها لجولة أخرى؟

هل نستبدل الانتفاضة مجدداً باستدخال الهزيمة؟

هل سيرهبنا حجم الثورة المضادة كما كان سابقاً؟

أكدت الانتفاضة أن التحدي والغطرسة الصهيونية بمرتكزاتها الثلاثة (العسكرية والأنثروبولوجية والاستشراقية- أنظر الحلقة 5) قد أيقظت القوة الكامنة لهذا الشعب وعبَّر عن ذلك بتأكيد رمزية المقدس، وحرية المكان في باب العامود كجزء وخطر الإجلاء من الوطن في الشيخ جراح لتأكيد أن المكان ليس سوى جزءاً من الوطن، وتغطية المحتل 1948 بالصواريخ، ونهوض المحتل 1948 بعد سبعة عقود. هي تحديات فجرت قوة كامنة لم يكن  ليفجرها سوى تحدٍ من هذا المستوى.

في القدس وفي المحتل 1948 استيقظت الكرامة الإنسانية وانتزاع الأرض وتفكيك المجتمع، الكرامة التي أُهينت لعقود وتمت رشوتها بالمال والمخدرات وهزها نفسيا تطبيع عديد الحكام الفلسطينيين والعرب لتظهر القوة الكامنة على شكل تحدي مسلح.

ولا يختلف الأمر في غزة التي تعرف جيداً أن الاشتباك مع العدو كلفته دم المدنيين، ولكن التناقض التناحري مع العدو يبرر كل التضحيات.  لذا، يجب أن لا يُعطى الإذن لدعاة الاستسلام.

فهمنا اليوم أن الصمت على  جغرافيات التشتيت وفرض هويات متباعدة على شعبنا كانت شغلا منهجيا علميا نفسيا وليست صدفة او تحصيل حاصل للنكبة.

ولذا علينا اليوم قراءة وإعادة بناء الشخصية الوطنية الفلسطينية الشاملة كمشروع وطني مقاوم  رغم:

تحطيم الحيز الجغرافي الفلسطيني وتكرار تحطيمه ورغم تفكيك البنية المجتمعية والبنية الطبقية والبنية الاقتصادية وحتى النفسية  وهذا ليس التطهير عرقي بل إنهاء شامل للشعب، وليس التطهير العرقي سوى حلقة من حلقاته.

وكل هذا ورائه سؤال: ماذا نعمل اليوم؟

نقطة البدء أن لا نتخلى عن أن فلسطين كاملة سواء في السياسة أو الاشتباك، ومن يتحدث باسم فلسطين فيجب أن يتحدث باسم كل الفلسطينيين اينما كانوا وكما أرادوا، اي إن فلسطين هي وطننا نحن.

أما في الاشتباك، دع مائة زهرة تتفتح، دع كل فلسطيني يساهم كما يرى وكما يمكنه طالما ظهره السياسي محمي بمن يصر على أن حيفا مثل القدس ورام الله.

لا بد من قيادة تنخرط في محور المقاومة، وحينها ليكن تقسيم عمل ضمن المشروع الوطني. دع من يصر على الحديث الدولي الدبلوماسي يفعل على ضوء أن كل الفلسطينين على قلب وطن واحد، وقاتل انت كفدائي لتأخذه إلى التكامل. هذا ما يجب الإصرار عليه. أما متى يتحقق، فهذا أمر الوقت وليس موضع شك.

وفي المستوى الاقتصادي، محلياً وعربياً، لا بد من انتفاضة تنموية، وهي التي انجزناها في انتفاضة 1987 واضعناها مع أوسلو. لا بد من التنمية بالحماية الشعبية أي العمل الاقتصادي التعاوني أي  إنشاء اقتصاد الشعب والطبقة بعيدا عن اقتصاد أية سلطة اقتصادية تنهج اقتصاد السوق المحلي والعالمي وتنخرط فيه تابعة بالطبع. هذا لأن الصراع مديد ويتطلب مشاركة الشعب كظهير للمقاومة .

وهذا يعني وجوب المقاطعة ومواجهة المواطن الفلسطيني والعربي بحقيقة أن استهلاك منتجات العدو هو تطبيع بل خيانة، هو ردف مجهوده العدواني ضد مجهودنا الفدائي المقاوِم.  فلا بد من التثقيف بالاستهلاك الواعي أو الوعي بالاستهلاك. وهذا الوعي يدفع باتجاه :

·        إنتاج ما تتم مقاطعته

·        أو شرائه من الأصدقاء إلى أن نتمكن من إنتاجه.

ورغم أن الانتفاضة التنموية تشترط الحزب الثوري ليقودها ويطبقها، ولكن هذا لا يعني استحالة بلورة  أنوية ثورية من الجنسين للشروع بها وإن ببطء. ذلك لأنها حرب الشعب وهي حرب طويلة من جهة ومتعددة المستويات من جهة ثانية.

إن مقاطعة منتجات الأعداء هو تفكيك لمفاصل شبكاتها الربحية التي تمتد في مفاصل الأمة. وكما كتبت بربارا برادبي:

” بوسعك إرغامي على العمل في منجمك، لكن لا يمكنك إرغامي على استهلاك منتجاتك”.

وهذا نقوله للتاجر (أي الكمبرادور الذي يُغرق السوق بمنتجات العدو) بوسعك الحصول على رخصة الاستيراد من سلطة تابعة للسوق العالمية ومن ثم الاستيراد، وبوسعنا رمي ما لديك في الشارع  أو تركه عندك حتى يتعفن.

وبوسعنا تفكيك مفاصل مؤسسات/مستوطنات  الأعداء الاستخباراتية والثقافية والدبلوماسية والاقتصادية برميها بالحجارة كي يرحل بها أو تضطر أجهزة القمع المحلية أجهزة السلطة التابعة  لحراستها بكل الصَغار والوضاعة فيتم تفكيك اجهزتها بإشغالها  في حماية مصالح اسيادها وفي هذا تفكيك للوعي المستلب للشارع حيث يدرك حينها أن هذا البِزَّات والنياشين وجيبات المطاردة هي في خدمة العدو.

يجب أن نبني هذا المشروع على ما اشرنا إليه عديد المرات، أي على كنزين يجري اكتشافهما:

·         بداية إسترداد الشارع العربي من قوى الدين السياسي وأنظمة التبعية

·        وانعتاق الجيل الفلسطيني الجديد بما لم نتخيله نحن.

وفيما يخص الكيان، فإن لحظة الصراع الحالية تطرح عليه سؤال الوجود وسؤال العودة للمنفوية اليهودية بعد أن وجد أن حياته هنا هي الحرب وحسب وبعد أن اكتشف الغرب سِرَّيْن أساسيينْ:

الأول: على المستوى الرسمي الإمبريالي فإن هذا الكيان صار بالكاد يحمي نفسه بعد ان كان يتمتع بقصف اية عاصمة عربية كما لو كان في سهرة عرس، لم يعد يُنتج. وبعد أن كان استثمارا استراتيجيا يُنفق عليه القليل فيُعطي الكثير عبر احتجاز تطور الوطن العربي، فها هو يتحول إلى فشل استراتيجي.

والثاني: بعد أن تزايد الوعي الشعبي عالمياً بأن هذا الكيان بؤرة حرب وعدوان وأن الفزاعات التي روَّجها على مدار قرن لا أساس لها.

يقولون في اوساط الكيان أكثر مما نقول بأن هذا المشروع لم يعد مجدياً، وبأن دفع دماء جديدة لن يغير في  المعادلة شيئاً.

كان ذلك 1988 في الطريق من حيفا إلى القدس في راحلة عمومية حيث جلس إلى جانبي شخص قدم نفسه مهندس طيران  وخلال الحديث قال إنه فرنسي ويحمل الجنسية الفرنسية وبأن زوجته ذهبت إلى باريس لتضع هناك وليحمل المولود الجنسية الفرنسية. حينها تذكرت المنفوية، وكيف يرى هؤلاء ما نراه وطناً يرونه مكانا.

وبعيداً عن تقاطع رؤيتهم مع رؤية قوى الدين السياسي بان الوطن مكان، فإن تعمق الشعور داخل الكيان ب اللاجدوى من هذا المشروع والشعور بل الاقتناع بأن محورالمقاومة وبالظهير الشعبي المُقاطع ورافض التطبيع قد ترك أنظمة وطبقات التسوية خلفه وأمعن في المواجهة المتعددة اي في حرب الشعب بحرب الغُوار وحرب التنمية بالحماية الشعبية  وحرب الثقافة، فإن المستوطنين قد يبرز من بينهم نبيٌ أرضي ينصح ويعظ بأن هذا المشروع لا جدوى منه ولا مستقبل له، فيذهب على طريق الانقسام إلى مستويين:

·        المستوى الأبيض الإشكنازي من متوسطي الثراء إلى البرجوازيين الذين يحملون جنسياتهم الأصلية سيحملوا الحقائب ويغادروا  كما قال هرقل: “سلام عليك يا سوريا، سلام لا لقاء بعده”

·        والمستوى الشرقي الفقير الذي سيبقى ويعود إلى شرقيته.

وحينها ستكون عودتنا من الخيام إلى البيت والأرض وقد يكون جزء من الحل: خيام تبديل.

ولكن، ستعمل الثورة المضادة ضد كل ما اشرنا إليه، وسيكون اشتباكاً داخلياً وذاتياً، وستتم مساومات وتسويات وصراعات، وسيعود طرح الدولة أو الدولتين… الخ.

ولكن، من حيث رؤيتنا هذا ما نره.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.