بيان مِنْ لجنة المتابعة الوطنية بخصوص الاحداث الراهنة في الأردن وفلسطين المحتلّة

تشهد البلاد الأردنيّة وضعاً شديد التَّوتّر على نحوٍ غير مسبوق. والمسؤول عن هذا هو النِّظام بتصرّفاته غير المسؤولة وسياساته المعادية للشَّعب.

لقد دأب النِّظام، في المدّة الأخيرة، على افتعال الأزمات تلو الأزمات؛ كأنَّ البلاد لا يكفيها ما فيها من المشاكل الَّتي سبَّبتها سياسات النّظام نفسه.

آخر هذه الأزمات، بعد انقطاع الكهرباء عن البلاد كلّها، وبعد مؤامرة الانقلاب المزعومة، وبعد فاجعة مستشفى السَّلط الحكوميّ، هي أزمة النَّائب أسامة العجارمة. اُفتُعِلَتْ هذه الأزمة – كما هو معروف – بذريعة كلامٍ قاله النَّائب العجارمة! فإذا كان النَّائب يُعاقَب على كلامٍ قاله، فأين هي حصانته؟ ومَنْ هو الَّذي يمكن أن يكون بمنجى من العقاب إذا ما عبَّر عمّا يجيش في صدره مِنْ مشاعر تجاه انحراف سياسات النِّظام وفساده واستبداده؟

واليوم، من المقرَّر أن يتداعى الأردنيّون مِنْ مختلف أنحاء البلاد للتَّعبير عن تضامنهم مع النَّائب أسامة العجارمة، ولمؤازرة قاعدته الانتخابيّة الَّتي تمّ التَّجاوز عليها قبل أيّام بالبطش والتَّرهيب وتهديم بيت الشَّعر التَّضامني الَّذي أقامته. هذا الاعتداء الفظّ ضَرَبَ عرض الحائط بكلّ القيم الأردنيّة النَّبيلة المتعارف عليها، وهو يؤكِّد اغتراب النِّظام التَّامّ عن البلاد وشعبها والقيم السَّائدة فيها.

إنَّ حقّ الاجتماع والتَّعبير عن الرَّأي إنَّما هو حقٌّ مكفول بنصّ الدّستور ولوائح حقوق الإنسان والمواطن المقرَّة دوليّاً. ولكنَّنا نرى أنَّ السلطات تصادر هذا الحقّ عنوة، وقد شرعت بإبداء كلّ مظاهر استعراض القوّة وتهديد المواطنين الّذين ينوون المشاركة في الاجتماع المزمع عقده اليوم.

وعليه، فإنَّنا ندين بشدّة هذه الأساليب القمعيّة الفظّة، ونحذِّر النِّظام مِنْ مغبَّة أيّ تصرفات طائشة قد يُقدِم عليها اليوم، كما نحمِّله المسؤوليّة كاملة عن أيّ تطوّرات خطيرة قد تتسبب بها أساليبه القمعيّة الاستبداديّة في مواجهة المواطنين المشاركين في الاجتماع. وفي الوقت نفسه، فإنَّنا ندعو شعبنا بكلّ مكوّناته إلى مؤازرة النَّائب أسامة العجارمة وقاعدته الانتخابيّة. فهذا النَّائب عبَّر عمّا يجيش في نفوس النّاس مِنْ مشاعر مناهضة للفساد والاستبداد، ورافضة لعلاقة النِّظام مع العدوّ الصّهيونيّ، ومتعاطفة مع الشَّعب الفلسطينيّ الشّقيق وقضيّته العادلة ومقاومته الباسلة.

ومع الأوضاع المتفجِّرة الَّتي يفتعلها النِّظام، فإنَّه يعتقد بأنَّ لديه أيضاً متَّسع من المجال ليمارس المزيد مِنْ ألعابه البهلوانيّة الَّتي طالما حاول تلهية النَّاس بها، ومنها لعبة «الحوار» الَّتي يسعى مِنْ خلالها إلى الإيهام بأنَّه راغب بالتّوصّل إلى حلّ حقيقيّ لمشاكل البلاد.

كم دعوة حوار مزعوم جرت طوال العقود الماضية، وكلّها كانت بلا طائل وبلا أيّ نتيجة إيجابيّة، بل بمردود عكسيّ غالباً.. ابتداء مِنْ لجنة الحوار الّتي توصَّلتْ إلى ما سُمِّي الميثاق الوطنيّ، ومروراً بلجنة الحوار الَّتي شُكِّلتْ بذريعة إجراء تعديلات دستوريّة ديمقراطيّة.. ثمّ كانت النَّتيجة فرض تعديلات دستوريّة أوتوقراطيّة زادت صلاحيّات الملك على نحوٍ غير مسبوق، وهذا إضافة إلى ما سُمِّي الأوراق النِّقاشيّة الَّتي كانت سلوكات النِّظام وإجراءاته الفعليّة بعدها معاكسة لها تماماً.

ولذلك، فإنَّنا نعتبر الدَّعوة إلى الحوار الآن مجرَّد لعب عبثيّ في الوقت الضَّائع. ولكن، الشَّعب – لحُسن الحظّ – لم تعد تنطلي عليه مثل هذه الألعاب.

إذا كانت الإرادة السِّياسيّة للتَّغيير الدِّيمقراطيّ متوفِّرة، يستطيع الملك – وهو صاحب القرار الأوَّل والأخير في البلاد – أن يصدر قراراً بتشكيل لجنة مِنْ قانونيين أكفاء وديمقراطيين لاقتراح التَّعديلات الضروريّة لتحويل النِّظام مِنْ نظام حكم فرديّ مطلق إلى نظام ديمقراطيّ. بخلاف ذلك، فإنَّه مِنْ تحصيل الحاصل أنَّ رموز الفساد والاستبداد لن يكونوا مؤهَّلين للإشراف على إدارة أيّ حوارٍ جادٍّ ومنتج.

لقد تمادى هذا النِّظام في الاغتراب عن الشَّعب ومواقفه وتوجّهاته. وهذا ما رأيناه بكلّ وضوح إبّان جولة الصِّراع الأخيرة بين الشَّعب الفلسطينيّ ومقاومته وبين العدوّ الصّهيونيّ وقوّته الغاشمة؛ ففي حين وقف النِّظام يتفرَّج أو يُطالب بوقف العنف على نحوٍ يشي بالمساواة بين المعتدي والمعتدى عليه، فإنَّ الشَّعب الأردنيّ بكلّ مكوِّناته وقف بقوّة إلى جانب شقيقه الأقرب الشَّعب الفلسطينيّ وهجم بالألوف على الحدود وتمكّن شابّان مِنْ خيرة أبنائه من اجتياز الحدود نصرة للأشقّاء غربيّ النَّهر، وهما الآن أسيران ولا يجرؤ النَّظام على تحريك ساكنٍ لتحريرهما مِنْ قبضة العدوّ. هذا النِّظام المتخاذل نفسه الَّذي كان قد صمت على دم القاضي الشَّهيد رائد زعيتر الَّذي قتله جنود العدوّ بدمٍ بارد على الجسر؛ هذا النِّظام نفسه الَّذي كان قد سلَّم الجنديّ الصّهيونيّ الَّذي قتل مواطنين أردنيين إلى العدوّ في اليوم نفسه لارتكاب جريمته البشعة تلك ليحتفل به نتنياهو كبطل بدلاً مِنْ أن يُعاقب كمجرم قاتل. ولقد كان هذا تفريطاً فادحاً من النِّظام بالسِّيادة الوطنيّة وبالكرامة الأردنيّة، ومثل هذا الكلام يُقال أيضاً عن صمت النِّظام الآن على استمرار أسر الشَّابين الأردنيين وتقديمهما لمحكمة صهيونيّة. وبهذه المناسبة، فإنَّنا نشكر حركة حماس الَّتي أعلنت عن شمول الأسيرين الأردنيين بأي عمليّة تبادل أسرى لها مع العدوّ. كما نشكر أهلنا في الأراضي الّتي اُحتُلَّت في العام 1948 على تضامنهم الكبير مع أسيرينا البطلين.

وبهذه المناسبة أيضاً، فإنَّنا نتوجَّه إلى شعبنا الأردني العظيم بالتَّحية على هبَّته المباركة لنصرة أشقائه في فلسطين المحتلّة أثناء تصدّيهم للعدوان الصّهيونيّ الغاشم الأخير، ولمتابعته السَّير بثبات على طريق النِّضال مِنْ أجل إنجاز التَّحرر الوطنيّ وتحقيق الدِّيمقراطية والتَّنمية الشَّاملة وكلّ طموحاته وآماله المشروعة.

كما نهنِّئ الشعب الفلسطيني الشقيق بالنصر المؤزَّر الذي تحقق له على يدي مقاومته الباسلة وقواه الحيَّة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني في الأراضي التي اُحتُلَّت في العام 1948 وفي الشتات، وبمؤازرة حلفائه في محور المقاومة. وكلّ الاحترام والتَّبجيل لتضحيات شهدائنا الأبطال الذين بذلوا حيواتهم ببسالة مِنْ أجل تحرير وطنهم وشعبهم، وأيضاً للصامدين على أرضهم المكافحين ضدّ الاحتلال الجائر مِنْ أجل حرّيّتهم وتحرّر وطنهم، ولمشاريع الشهداء الجرحى الابطال الذين أُصيبوا في المواجهات مع العدوّ متمنين لهم الشفاء العاجل والكامل.

إنَّ هذه المواجهة العظيمة عرَّت الكيان الصهيوني المُحتل أمام العالم وأظهرته على حقيقته كاحتلال استيطاني عنصريّ بغيض، وأعادت القضيَّة الفلسطينيّة إلى الصدارة في العالم كلّه، كما أعادت تعاطف الرأي العامّ العالمي معها.. وفي الوقت نفسه، فإنَّ هذه الجولة من الصِّراع أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن المقاومة هي الخيار الأوحد والواقعي في المواجهة مع العدوّ الصّهيونيّ ولاسترداد الحقوق السّليبة والأراضي المحتلّة.

وأخيراً، تؤكِّد لجنة المتابعة الوطنيّة بأنَّها لا ترى نفسها إلا في صفّ المقاومين الأبطال ضدّ العدوّ الصّهيونيّ ورعاته وداعميه الإمبرياليين، وجزءاً أصيلاً مِنْ محور المقاومة.

عاش شعبنا الأردنيّ الأبيّ،

عاش الشّعب الفلسطينيّ المكافح،

عاشت المقاومة البطلة.

لجنة المتابعة الوطنيّة – عمَّان – 5 حزيران/يونيو 2021

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.