1- غسان كنفان.
2- د.حنا ميخائيل.
غسان كنفاني… أبو الخيزران يعود إلى البصرة
هنا، في عكا، شجرة الميلاد البحرية، ولد غسان كنفاني على كتف البحر.
في ذلك العام، 1936 كان الفلاحون الفلسطينيون يجمعون البنادق القديمة ويعلنون في الجبال ثورتهم الأولى من أجل الحرية… وفي مفارقة غريبة، كان الاحتلال البريطاني هو الهدف المباشر للثورة ولم تجد كتائب المقاومة في المستوطنات اليهودية الأولى، سوى ثكنات خلفية لهذا الاحتلال.
ومثل ومضة عابرة في ليل طويل، سرعان ما تحولت الثورة إلى مشروع مؤجل، بعيد اندلاع الحرب العالمية الثانية وانزلاق الخديعة إلى عباءة الفلاحين وقادة الثورة…
قليلاً من الصبر أيها الفلسطينيون وتعدكم بريطانيا، بعد حسم المعركة النازية، بحل عادل لقضيتكم ووقف الخطر الشيطاني على حواف القرى.
انتهت الحرب، وتهاوى الوحش النازي في العالم كله، لينبعث من جديد عبر موجات المهاجرين اليهود في العنابر البريطانية.
وكان سؤال غسان الفتى مبكراً وعظيماً وهو يشاهد هذه العنابر وهي تقذف اليهود المجدليين إلى حيفا كما تقذف الحاويات والبضائع المهربة.
لم يكونوا موحدين على هذا المصير…
فذات صباح دوى انفجار كبير في ميناء حيفا، وتحولت سفينة اليهود المهاجرين إلى أشلاء على وجه الماء… وعرفت الحقيقية لاحقاً… مئات اليهود الذين اعتقدوا أنهم نجحوا في الوصول إلى ساحل نيويورك… اكتشفوا أنهم على ساحل آخر، فقرروا العودة… فتكفلت العصابات اليهودية بهم وفجرت السفينة بمن فيها… وأنتجت مساداً جديدة…
مساداً… الكذبة الوحيدة في التاريخ التي حملت سفاحاً بدولة في أحشاء أمرأة أخرى كما سيكتب كنفاني لاحقاً…
الطحالب المرعبة تتطاول وتخنق البحر والمدينة ويصبح الكرمل عارياً من صباحاته ومساءاته…
هكذا سقطت طروادة الفلسطينية 1948… وأجبر الكثيرون على الرجيل.
وكان كنفاني الصغير بينهم، من جنوب لبنان إلى دمشق إلى الكويت، وأخيراً إلى بيروت كان المنفى مثل المؤانئ الهاربة الرسم، الرواية، السياسة، الصحافة، مرض السكري والديناميت أخيراً….
أن غسان الروائي، كما سنرى، كان مسكوناً بالخطوط والألوان المضطربة وكان يقول عن تجربته كأستاذ للرسم في الكويت… اللوحة، مرآة ظلال اللاشعور، كما يقول مالرو فتحت هذه الظلال عوالم غير السكري مثلاًً “وكان مصاباً به” والرصاص على الأغلب… نطل من غسان على غسان من الرسم والكتابة على حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية والهدف، الأثيرة على قلبه حتى النهاية.
مجلة مع دزينة رجال وذاكرة يانعة تدق جدران التاريخ بالقوة وتفتح عتباته للقادمين… ونحسب أننا لا نجازف كثيراً في متابعة غسان الواحد في نوافذ ومرايا متعددة.
وفي الأصل والمبتدأ، يظل المشهد البحري… عكا منشية يافا وجبل الكر مل، فاتحة المشاهد والمؤانئ، والمستور الجميل بين التقنيات الروائية وأصابع الصحفي وعضو التنظيم السري…
ولعله وهو يتعرف على الدكتور جورج حبش في دمشق ويخرج من فانتازيا الأدب والألوان إلى الوقار السياسي ويقسم معه على ذلك النشيد الحديدي كان يتعرف هو نفسه على تجلياته الأخرى ويستكملها على الإيقاع الذي لا يناقش… عكا.
الرحلة طويلة، مضنية، غامضة ولا تختزن الكثير من المسرات في أرخبيل لا نظير له في تاريخ الممرات الكبرى من قناة السويس إلى شركة الهند الشرقية بين المهد واللحد على امتداد كنعان وأريحا وأرام العظيمة كان غسان شاهداً فريداً على تحولات الفصول والقبائل والدول والمقابر التي تضيق بها المخيمات.
ومن موت السرير رقم 13 أولى مجموعاته القصصية إلى أرض البرتقال الحزين، ألباب، سقوط الجليل، الرجال والبنادق، عائد إلى حيفا… وأم سعد، الأرض والمخيم والعرق المكدور… إلى أبرز أعماله الروائية… رجال في الشمس، وما تبقى لكم…
ومن المتفق عليه، أن هاتين الروايتين، هما مفتاح أسراره وبواباته لعوالمه وأعماقه التي تمتد من الطفولة الجمعية للمهاجرين في ليالي العبور الفلسطينية إلى المنفى في أربع جهات الأرض.
وهما أكثر من تداعيات مجردة، أو شهادة وجدانية دافئة، أو محاكمة لمرحلة كاملة بل استشرافات حادة للخيارات الصعبة واستعادة لقانون الصراع كما هو، وكما ينبغي أن يكون…
وهما أيضاً، محاولة قل نظيرها للتعرف على المشترك في الأدب العالمي وأدواته المعرفية المعاصرة للكشف عن القبيح في المشهد العالمي وأدانته والتحريض ضده… ومن المفهوم أن هذا الترميز كلغة مشتركة ليس ترميزاًَ مجرداً خارج السياق الحي، بل بدلالته كما سنرى.. تماماً كما استحال الموت الحي لكنفاني إلى واحد من الترميزات الكبرى في الثقافة الفلسطينية والعربية…
صدرت رواية رجال في الشمس عام 1963…
وبدون أن يقوم كنفاني بإدانة الانفجار النفطي الذي هز الصحراء العربية القاحلة كان موت الرجال الثلاثة “أبو قيس، أسعد، مروان” وهم يحالون الاقتراب من رائحة الزيت الجديد… أدانه ضمنية للإهمال الفلسطيني من هذا التحول وإشارة غير مباشرة لعلاقات السفاح مع التهجير الناجمة عن الاحتلال الصهيوني.
كان خزان أبي الخيزران صورة أخرى للآبار الملعونة التي بدأت تفيض الزفت والكبريت على الأرض المنسية…
كما حرص كنفاني على كشف وإدانة البحيرة الراكدة في الأعماق الفلسطينية ولعلهم حاولوا ولم يسمعهم أحد…
وكانت المفارقة مرعبة بين الموت الفلسطيني في المطلاع بعد الدقيقة السابعة، وبين الخلق الكوني في اليوم السابع.
وفي الرواية الثانية، ما تبقى لكم 1966 استدار كنفاني تماماً بعيداً عن الطائر الأسود والزمن الموحش والصحراء الماكرة… وكان ذلك في ضوء انفجار الثورة الفلسطينية واكتشافه لرواية فوكنر: الصخب والعنف…
فالجنوب قد يكون مهزوماً ولكنه ليس عقيماً… وهذا مأثور همنغواي أيضاً على لسان العجوز في يومه الأخير في عرض البحر. في عمله الجديد، ما تبقى لكم، أخذ الزمن والصحراء عند كنفاني دلالات مختلفة تماماً هذه المرة…
أن حامد، وهو يحاول الهرب من غزة إلى والدته في الأردن بسبب الفضيحة التي لاحقت شقيقته مريم مع أحد الخونة، زكريا…. ليكتشف خلال الصدام مع جندي إسرائيلي، في صحراء النقب أن الصحراء متواطئة معه، جزء منه، امتداد لذاكرته، للبحر، عكا وجبل الكر مل… وهي صحراء المطلاع التي اغتالت الرجال الثلاثة تحت الشمس…
ويكثف كنفاني رؤيته المدهشة الجديدة في ثلاثة تقاطعات:
– مريم التي تقتل زكريا في اللحظة نفسها التي يقوم فيها حامد بقتل عدوه الإسرائيلي.
– الساعة المعلقة على الجدار التي يتصاعد صوتها بإيقاعات سريعة حلزونية…
– ثمة زمن جديد مفتوح غير الزمن الإسرائيلي المغلق على الهزيمة الأولى 1948.
الشهيد الدكتورحنا ميخائيل، في ذكراه
في مثل هذه الايام من تموز 1976وبعد استشهاد الحاج حسن قائد المقاومة في طرابلس ، كلف الدكتور حنا ميخائيل (ابو عمر) بقيادة منطقة طرابلس خلال الحرب الاهلية بين اطراف الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية وبين الكتائب والقوات الانعزالية.
خلال انطلاقته مع مجموعة من رفاقه من ميناء صيدا باتجاه طرابلس فقد الاتصال مع القارب الذي كان يقلهم والارجح ان دوريات صهيونية – انعزالية بحرية اعتقلتهم واغتالتهم ، فمن هو الدكتور حنا ميخائيل:
ولد الدكتور في رام الله ودرس في جامعة برينستون وهارفارد وحاضر فيهما لاحقا وكانت اطروحته في الدكتوراة (نظرية الحكم السياسية في الاسلام وخاصة الاحكام السلطانية عند الماوردي) .
وقد انضم الى حركة فتح قبل ان يغادر الى الاردن ثم لبنان .
عرف مبكرا برفضه لكل اشكال واوهام التسوية مع العدو الصهيوني وتوصل مع كثيرين داخل حركة فتح وخارجها الى ضرورة بناء تنظيم ماركسي عربي على الطريقة الفيتنامية ، حيث عايش تجربة فيتنام عن قرب وتلقى دورة عسكرية طويلة متخصصة في حرب العصابات .
عرف ايضا بملاحظاته النقدية الداخلية على ما اسماه السلوك الغوغائي على الساحتين الاردنية واللبنانية ومحاولات تهميش الحركة الوطنية في البلدين والتعامل معهما من زاوية التوظيف وليس التحالف .
2021-07-11
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.