سوريا: إما القاتل أو المُنتج/المقاتل، عادل سماره

بهذا القدْر من الحَدِّية أجيز لنفسي القول بأنه في سوريا، إما الفساد أو حُماة الديار/المقاتلين والفلاحين والعمال لأنهم وحدهم باذلوا الجهد المُنتج أي بتنوع المقاتلين من الجندي إلى العامل إلى الفلاح إلى المثقف المشتبك إلى الأم والثكالى إلى كل من ناضل لصمود البلد.

قد يبدو غريباً أن نقول بأنه ليس الأهم زيارة وزير الخارجية الصيني لسوريا بما تتضمنه من توجه شرقا وتوجه صيني غربا وعربيا وتحديداً إلى سوريا  أي  مجيء الشرق نفسه، بكل ما في ذلك من إعادة الإعمار وفرص استثمارية وحتى دخول سوريا ضمن “الحزام والطريق” على أهمية هذه كلها. وهنا لا ننسى أن الأهم إعادة الإنتاج لأن الإعمار فقط هو فرصة لحيتان راس المال الأشنع أي المقاوِل.

هل كان لسوريا منذ الاستقلال وحتى اليوم أن تتعرض لكل هذه المصالح والحقد والدمار والقتل حتى تتجه شرقاً؟ وهل ستتجه حقاً؟ فقرائتنا للعلاقات الاقتصادية بين الجمهوريات عروبية التوجه (مصر، سوريا العراق خاصة) بيَّنت أن 70% من متاجرتها حتى تسعينات القرن الماضي هي مع الغرب وخاصة أوروبا حيث اقتصرت متاجرتها مع الشرق السوفييتي تقريبا على الاضطرر لشراء السلاح.

والمدهش أكثر أن سوريا بعد تفكك الكتلة الإشتراكية ذهبت إيديولوجيا إلى الغرب، بل تغربنت بتنبي السياسة المسمومة “نظام السوق الاجتماعي” إلى أن كان قرار اقتلاعها حتى كتراب.

بينما حين توجهت الصين لبراليا، ركزت على الإنتاج، بغض النظر عن تسمية توجه الصين راسمال أو مزيج…الخ، كما تعافت روسيا بعد فتح رحم روسيا لتلقيح مسموم امريكي خاصة على يد يلتسين وذلك بقيادة بوتين ولو على اسس راسمالية حيث تحالف مع راس المال الإنتاجي وليس الكمبرادوري، هذا مع أن راس المال الإنتاجي هو اساساً  ملك الشعب السوفييتي.

الصين دولة ذات خبرة في التنمية بالحماية الشعبية وفك الارتباط مع المركز الراسمالي العالمي في المرحلة الماوية، وهي المرحلة التي حاولت إعادة تثوير المجتمع بالثورة الثقافية إلى أن  جرى الانقلاب عليها من أجل مدرسة صينية أخرى إتسمت بالانفتاح المطلق على نفس السوق الراسمالية العالمية. وليس هنا موضع المقارنة بين المرحلتين وليس موضوع النقاش، بل النقاش على أو في مستوى آخر.

ما نقصده هو الفساد، قراءة الفساد و مقارنة الفساد. هناك في العالم ثلاثة أنماط من الفساد:

الفساد الحميد

والفساد المضبوط رسمياً.

الفساد الخبيث

يتفق العديد من مفكري التنمية على أن الفساد الحميد هو فساد نهَبَ أو استغل قوة العمل المحلية بما لديه من سلطات مالية أو سياسية أو اجتماعية/طبقية وخاصة بيروقراطيًة، ولكنه يقوم بالاستثمار داخل البلد. وبالطبع الاستثمار بالمفهوم والعملية الراسمالية هو منهج ونهج استغلالي لكنه ليس تهريب الثروة للخارج خدمة لدول المستقر لهذه الأموال اي المركز الراسمالي الغربي بثلاثيته المتغولة المتوحشة (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي واليابان).

أما الفساد المضبوط رسميا أو دولانيا فلعل النموذج الصيني هو الأوضح عنه. هذا اللون من الفساد  هو حتمي طالما يمزج النظام بين الراسمالية والإشتراكية  إلى درجة وجود مليونيرات في الحزب الشيوعي الصيني. وبالطبع ترى القيادة الصينية أن هذه المرونة ضرورية كي لا يتم تهريب راس المال إلى الخارج أي لجعل هذا الفساد حميدا وتحت الرقابة. ويعتور هذا النهج الكثير من التساؤلات نجملها في  مدى التحكم بالفساد وإبداع آليات لذلك.

إذن فتحت القيادة الصينية منافذ مغرية لراس المال المحلي والأجنبي للبقاء في الصين والاستثمار فيها، هذا دون أن تغمض العين عن هروب راس المال الذي لم يجد في الخارج ما هو أدسم.

في سياسة السوق الاجتماعي في سوريا لم يحصل هذا بل خفَّت يد الدولة وبدل أن يستثمر راس المال المحلي في البلد ضخ راس المال إلى الخارج إلى أن كانت الحرب المعولمة ضد سوريا لنكتشف ان 40-60 مليار دولار  امريكي هُربت إلى لبنان وحده! وهذا يبيِّن أن الفساد في سوريا هو الفساد الخبيث.

أما الفساد الخبيث فهو اغتصاب وأخذ خاوات وسرقة الثروة الوطنية وتهريبها إلى الخارج او/و حتى رصدها في الخارج وهذا الفساد متجذر في سوريا. فالفاسدون في سوريا من القوة بمكان بحيث أن اقتلاعهم يخيف السلطة لأنهم كما يبدو جزء من السلطة نفسها. وربما افضل مثال على خبث هذا الفساد، كما اشرنا،  هو وجود أموال سورية هُرِّبت إلى  لبنان تقدر ما بين 40 إلى 60 مليار دولار امريكي كما اشرنا. ولبنان نموذج على الدولة الرخوة  ولا أدل على ذلك أن الراسمالية الطائفية اللبنانية التابعة تقوم بشوي الشعب وهدفها الأساس هو تصفية سلاح المقاومة بل حتى المقاومة جسدياً اي التضحية بالوطن وإعادة لبنان إلى “ماخور” معولم، ولكن دون أن تدري حكومات الطوائف أن هذه الغانية تخلى عنها جمالها، وظهرت غوانٍ فتيات وجميلات في المنطقة:

·       فالنظام البنكي الذي كان “سويسرا” الشرق أي مستنقع تراكم اللصوص العرب سارقي أموال الأمة أصبح في الخليج ومصر مستنقعات بل محيطات وعلانية.

·       وفقد لبنان دوره  كشركة تأمين ترانزيت ونقل الى سوريا والعراق والجزيرة حيث صار لكل بلد طريقه.

·       وفقد لبنان دوره كمركز  مخابرات عالمي حيث تهاوت حركة التحرر الوطني العربية وأشهرت الأنظمة العربية تطبيعها وتبعيتها للإمبريالية والصهيونية.

·       وفقد لبنان دوره السياحي حيث زادت سيولة الخليج فصار بوسع لصوصه السياحة سواء في الأردن وسوريا قبل العدوان او اليونان وتونس والمغرب وتركيا  وإسبانيا…الخ.

·       وأخيرا، جرى تدمير المرفأ الذي كان ينقل البضائع إلى المشرق العربي.

ودون الابتعاد عن موضوعنا، صار المطلوب للبنان أن يتحول إلى لغم ينفجر في المقاومة كي ينهار سد المقاومة وتتدفق الصهيونية لصهينة لبنان، ومن الواضح أن حكومات الطوئف جاهزة لهذا إن تمكنت.

وعليه، ما نخشاه أن يطغى الفساد على الاستثمارات الصينية سواء من لحظة دخولها لسوريا أو عبر مسار توظيفها مما قد يقود إلى إفشال هذا الدور الصيني. بل وما نخشاه أن يتم تحويل اللوم على الصينيين سواء اتهامهم بالفساد ، إرتكازا على وجود فساد في الصين وخاصة الارتكاز على الدور الهائل والمسموم للإعلام الغربي ضد الصين، إنها حرب أقسى من الرصاص. بدوره  فالرئيس الصيني الحالي يقاوم الفساد بشدة.

هناك الكثير من البلدان التي زعمت أن الاستثمارات الصينية استغلالية ،بينما بالمقابل هناك بلدان أكثر لها موقفا إيجابيا من الاستثمارات الصينية.

دعونا نقول بوضوح، قد تكون هذه فرصة سوريا الأخيرة لإكمال الانتصار الميداني وإلا سيضيع كل ما بُذل من دم وجهد. وليس هذا المطب بالقليل، لأن بقاء سوريا يعني فتحاً جديداً في الوطن العربي ، نقصد سوريا المقاومة والعروبة والوحدة.

■ ■ ■

ملحق

نشرت ما يلي كموضوع متعلق بالاستفادة من تجربة العدوان بين الاتحاد السوفييتي وسوريا  في  النشرة الإلكترونية  ل”كنعان”، السنة الحادية والعشرون – العدد 6049 10 تمّوز (يوليو) 2021).

أقترح الاطلاع عليه.

بين روسيا وسوريا تشابه الأزمة … تفارق الحلول

عادل سمارة

بعد الثورة البروليتارية/العمالية عام 1917 ، بدأ لينين ورفاقه في بناء الاشتراكية في البلد الزراعي المتخلف في روسيا. من عام 1914 إلى عام 1917 ، عانت روسيا من خسارة كبيرة بسبب الحرب مع النمسا. كان لابد من تطوير البلد المتخلف. لكن في عام 1918 ، اندلعت حرب أهلية داخل روسيا. كل الرجعيين اتحدوا ضد الثورة. في هذه الحرب الأهلية لروسيا ، قُتل 12 مليون روسي. تضررت البنية التحتية لروسيا بشدة. جيوش 14 دولة في العالم وقفت إلى جانب أعداء الثورة. بحلول عام 1921 ، كان الاتحاد السوفيتي دولة مدمرة بالكامل.

بعد نقاش في الحزب ألغيت العملة في روسيا. تم إدخال نظام المقايضة. تم أخذ الحبوب من المزارعين بالقوة. كان هناك نقص حاد في الحبوب والغذاء والأسلحة في البلاد. كان من المهم جدا تنظيم الجيش. غادر عدد كبير من الروس المتعلمين والمهرة روسيا في ظل هذه الظروف.

في ظل هذه الظروف ، في عام 1921 ، قدم لينين “السياسة الاقتصادية الجديدة”. ألغيت جميع الممتلكات الخاصة. تمت استعادة العملة. تمت استعادة النظام. تسيطر الدولة على التجارة الخارجية. تم منح المزارعين الإذن الكامل لبيع سلعهم. في ظل السياسة الاقتصادية الجديدة ، مُنحت الرأسمالية بعض الفسحة.

 بحلول عام 1923 ، بدأت الآثار الإيجابية لهذه السياسة في الظهور. في عام 1924 مات “لينين”.

في سوريا اليوم عدوان أوسع وأخطر وأعداء من الداخل السوري والعربي وخاصة التركي والصهيوني والغربي عدوان معولم بسلاح الدين السياسي والمال والبنادق طبعاً لا بل الدبابات والطائرات المسيرة. هرب من سوريا الممهنون والمتعلمون لأنهم يحملون ثروة من دم الوطن ليبيعوها في الخارج للنجاة بجلدهم/ن.حلول فردية مبنية على سرقة ثروة ليست ملكهم كأفراد. عرضوا انفسهم للاستغلال ممن يدمرون سوريا.لعل ألمانيا نموذجا، عدو مريض وعنصري يدعم عملاء الكيان الكر-صهاينة ويستغل العمالة الماهرة السورية. لكن ما يجب ان تفعله سوريا هو ما فعله السوفييت، بتعديل بتوسيع بنقد لا يهم، المهم أن تكون مفاصل الدولة الأساسية بيد النظام بعد تنظيف السلطة من الفاسدين.

ملاحظة: من كتابي القادم عن الصين

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.