الجزائر هدف قديم متجدد، عادل سماره

يأخذك تحليل الحدث اليومي، الهام وليس العابر،  إلى الضياع إن لم تقرأه في سياقه التاريخي. هذا ما يوجبه النظر في انتقال تركيز حرب الإرهاب التي أُعطيها تسمية “الاستشراق الإرهابي” هذه المرَّة إلى مركز المغرب العربي حتى دون انتهائها ضد المشرق.

هناك قاعدة بشقين متواشجين علينا أخذها بالاعتبار إلى حد الانطلاق منها:

·       إن الثورة المضادة موجودة دائما تحت جلد بلادنا وهي اساساً موجودة قبل الثورة لأن العدوان يبدأ بل بدأ أولاً، ولذا،

·       حين نحلل حدثاً علينا أن ننظر في الداخل أولاً. والتعمق في تحليل الداخل يوصل إلى جذر الحبل السُّري بين العدوان اي الثورة المضادة وأدواتها  من الداخل.

ليس المطلوب قراءة هزيمة العدو الفرنسي في الجزائر من باب الثأر الأبيض لهزيمته بل من باب المصالح الراسمالية اولاً، لأن راس المال يقهره فقدان الربح قبل فقدان الدم، فالربح لراس المال أي لطبقة والدم من الطبقة الأخرى في بلد كفرنسا، مضافا إليها الانقهار العنصري بمعنى “كيف يهزمنا هؤلاء العرب البدو الشرقيون المتخلفون… كيف وَعوا دورهم رغم وجودنا على أعناقهم…فأية غفلة!”.

فاقتلاع فرنسا من الجزائر سواء كاستيطان أو احتلال عسكري هزَّ الاستعمار الفرنسي في كامل إفريقيا، ولذا فإن الأصوات المضادة لوحدة الجزائر الترابية لا شك على تنسيق مع العدو الفرنسي. قد تكون نائمة احياناً لكنها لم تمت، وهذا أحد تجليات وجود الثورة المضادة تحت الجلد، فالحراكيون أيضاً في البلد ناهيك عن الكمبرادور والانفصاليين.

أدوات الانفصال دائماً هي شكل كمبرادوري بالمعاني المصلحية والثقافية وهي قشرة عليا تستغل بسطاء الإثنية أو الطائفية أو حتى التخارج الثقافي. والأخطر في هذه أنها:

·       دائما في حرب مع بقية الوطن

·       ولذا في عمالة للسيد الإمبريالي،

وهذا لا يضير القشرة العليا قط فهو على حساب جهل الشرائح الدنيا وعلى حساب دمها ومجمل حياتها لكنها تستمرفي الخدمة محشوة بحشوة التهييج.

وهنا، يمكن تلمٌّس وجود ودور هذا الاتجاه في حرائق الجزائر عبر أدنى اجنحتها وهو الاشتشراق الإرهابي سواء داعش أو القاعدة، وهو بلا مواربة سليل اسلافه في العشرية السوداء والتي هي نتاج مرحلة ما بعد بومدين، أي نتاج جيل من السلطة الجزائرية المتخارجة والملوثة بمصالحها بما هي كمبرادور من جهة وبلوثة الدين السياسي والفساد من جهة ثانية.

لو استذكرنا، من باب المقارنة، التجربة الفلسطينية، فإن حقد العملاء يدفعهم لحريق الوطن بلا تردد.

جاء وجيىء معاً بالربيع/الخريف العربي حيث أن الثورة المضادة ضد الحراك الشعبي وفي نفس الوقت آلية تحريك الخريف لتدمير الحواضر العربية الرئيسية في المشرق وخاصة جيوشها طالما جرى تقويض، والتقوُّض ذاتياً، لحركة التحرر الوطني العربية، تقويض منهجي وتقوُّض مهزوم، منذ هزيمة 1967.

في ذروة هذا الخريف كان حديث وزير خارجية قطر حينها حين تهجم على وزير خارجية الجزائر وهدده بأن دور الجزائر آتي. ولم يكن لوزير خارجية كيان قطر أن يتعالى هكذا لولا أن عقله قد حٌقن بأن سوريا على درب العراق وليبيا وحتى مصر عبد الناصر، وبنفس المصل حُقن قادة حماس في سوريا ضد سوريا. وهذا الحدث يصب مجدداً أو ثانية في البحث عن الثورة المضادة تحت الجلد.

تجاوزت الجزائر الحراك الشعبي في العامين الماضيين بعد إزاحة الرئيس الأسبق بوتفليقة وما واكب عهده من فساد جرت تغطيته بإنجاز إخراج الجزائر من العشرية السوداء. لكن هذا التجاوز كان صفعة للثورة المضادة بجناحيها الداخلي ومعلِّمه الخارجي.

كما أن انتهاج الجزائر دبلوماسية هادئة لا تصل المساومة ولا ترقى إلى النهج الثوري اي لمستوى المواجهة بل الهجوم، ولكن حتى هذا لم يرق للأعداء الذين كان يجب تحريكهم. ولذا كانت طعنة النظام المغربي في إعلان الدعوة لتحطيم الوحدة الشعبية والترابية الجزائرية. وهي دعوة لا تخرج عن التنسيق مع الثورة المضادة عموماً.

وربما كان موقف الجزائر الرافض لإعطاء الكيان عضوية مراقب في الاتحاد الإفريقي هو الذي سرَّع في إطلاق النار في هذا البلد. ومن هنا يكون الإصبع الرسمي المغربي  إظفره صهيونيا وتحريكه فرنسيا أمريكيا.

لم يكن موقف الاتحاد الإفريقي مدهشا لأنه مؤسسة تعاني معظم شعوب بلدانها من فساد الحكام والفقر والتبعية. لكن المدهش ما نُشر عن عدم اعتراض الجزائر على قبول الاتحاد الإفريقي لعضوية الكيان كمراقب،  في صحيفة “القدس العربي/وهذه خطيرة كصحيفة للثورة المضادة، سنكتب عنها قريباً” . فالجزائر هي بلد لا نتوسم فيه سوى الثبات والمصداقية حيث تنتصب هناك أمام اي انحراف محتمل  أرواح مليون شهيد على الأقل، والذين كما كتب الطاهر وطار: “الشهداء يعودون”.

وفي هذا السياق يمكن إدراج وساطة الجزائر بين مصر وإثيوبيا كدور يهدد أعداء الأمة لأن هدف الثورة المضادة  هو مواصلة الإجهاز على مصر البلد وليس النظام طبعاً.

وهذا يفتح على البعد الإقليمي ضد الوطن العربي بأسره وضد الجزائر في اللحظة.

فالإرهاب الذي جرى إما تنشيطه أو زجه في الجزائر هو بلا شك عبر ليبيا وبإشراف العدو التركي. وتركيا القاعدة العدوانية ضد الأمة من الجهة الشرقية الشمالية/الأوروبية، والكيان الصهيوني في الوسط والنظام المغربي في الغرب وإثيوبيا في جنوب الجنوب. وهنا يظهر التنسيق بين الأمم القديمة المجاورة والعدوة  للأمة اي تركيا وإثيوبيا، وبين الكمبرادور عدو الأمة في المغرب وفي قلب هذا التشكيل العدواني يقع الكيان الصهيوني.

رأت الثورة المضادة أنه لا بد من منع أي دور للجزائر في الوضع التونسي الجديد لأن في هذا إنقاذ لتونس وتقوية لدور الجزائر مغاربيا بل ومشارقيا. وهذا ما يؤكده حرص الثورة المضادة على تدمير سوريا في المشرق، فلماذا تسمح لصمود وتقوية الجزائر في المغرب؟

هامش: اعلن المجلس الوطني الفلسطيني انه ضد عضوية الكيان بشكل مراقب في الاتحاد الإفريقي؟ أين هو هذا المجلس! وماذا يمكن لرئيسه ان يقول لجنوب إفريقيا التي ترفض عضوية الكيان بينما هو مجلس فلسطيني يعترف بالكيان كفاعل لا كمراقب!

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.