الصحة تجارة مُربحة، الطاهر المعز

رفعت مجموعة فايزر للمختبرات والعقاقير (أمريكية المنشأ) إنتاجها من لقاح “كوفيد 19” بنسبة الرُّبع، مقارنة بإنتاج سنة 2020، وتوقّعت بنهاية آذار/مارس 2021 أن تتجاوز نسبة أرباحها الصافية 25% بحلول نهاية سنة2021، وبلغت عائداتها، بنهاية النصف الأول من سنة 2021، 33,6 مليارات دولارا، مقابل 19,9 مليار دولار لنفس الفترة من العام 2020، وأرباحها ما يُعادل 10,4 مليار دولارا، مقابل 6,9 مليارات دولارا، بفضل مبيعات اللقاح الذي ابتكرته مع المُختبر الألماني “بيونتيك”، بينما حققت “أسترازينيكا” (أنغلو- سُوَيْدية)  إيرادات بقيمة 15,5 مليار دولار، مقابل 12,6 مليار دولار في نفس الفترة من سنة 2020، وأرباحها ما يُعادل 2,1 مليار دولارا، مقابل 1,5 مليار دولارا خلال النصف الأول من سنة 2020، رغم تقارير عن تَسَبُّبِ لقاحها بحدوث جلطات دموية نادرة، لكن منظمة الصحة العالمية أعلنت أن “فوائده أكثر من مخاطره”، وتوقعت شركات أخرى مثل “موديرنا” و”جونسون أند جونسون”  الأمريكية أيضًا ارتفاع مبيعاتها وأرباحها بفضل إنتاج وتسويق اللقاحات ضد الفيروس التاجي (كورونا، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية و”رويترز (29 تموز/يوليو 2021).

تبيع شركتا “فايزر” و “أسترزينيكا” لقاحهما في 170 دولة، ما رَفَع إجمالي مبيعات وإيرادات شركات الأدوية العالمية خلال النصف الأول من العام الجاري، بفضل إنتاج وتسويق لقاحات وباء الفيروس التّاجي “كوفيد 19″، التي زادت بنحو ثلاثة أضعاف، خصوصًا بعد إقرار معظم حكومات الدّول الغنية برامج التّحصين وتعميم عمليات التّلقيح، شرط تَجاهل وجود اللقاحات التي تنتجها روسيا أو الصّين أو كوبا، وكان للشركات الأمريكية و”الغربية” عمومًا، نصيب الأسد من الإيرادات والأرباح، منها “فايزر”، أكبر شركة عالمية، بسبب مُقاطعة الولايات المتحدة وتوابعها، وكذلك الإتحاد الأوروبي، لإنتاج الشركات الأخرى الصينية والروسية والكوبية، وتمكنت شركة “أسترازينيكا”، بفضل ارتفاع أرباحها من الاستحواذ على شركة التكنولوجيا الحيوية الأمريكية “ألكسيون” ( Alexion ) مقابل 39 مليار دولار، بهدف السّيطرة على علاج الأمراض النادرة وعلى بُحوث علم المناعة…

بعد ظهور أصناف جديدة من الفيروسات المُتَحَوِّلَة، و ارتفاع عدد الإصابات في أوروبا والولايات المتحدة، “نصحت” مجموعة “فايزر” بزيادة جرعة ثالثة لعملية التلقيح، وبذلك تزداد مبيعاتها وأرباحها، خصوصًا بعد زيادة أسعار بيع اللقاح التي أقرّتها في بداية شهر آب/أغسطس 2021، مجموعتا “فايزر” و “مُودِرْنا” بمعدّل ثلاثة دولارات للجرعة الواحدة، بحسب موقع صحيفة “فاينانشال تايمز” (08 آب/أغسطس 2021)، مع الإشارة إلى رفض الإتحاد الأوروبي (الذي اشترى ما لا يقل عن 2,3 مليار جرعة) وشركات صناعة الأدوية الإفصاح عن سعر اللقاحات، بينما قبضت الشركات مبالغ هامة قبل اكتشاف اللقاح، كتسبقة تُساعدها على الإنفاق على البحوث والتجارب، قبل اكتشاف اللقاح وتصنيعه وترويجه…

مكنت اللقاحات المضادة لوباء “كوفيد 19” مجموعات المختبرات وصناعة الأدوية من تحقيق مليارات الدّولارات من الأرباح، رغم ادّعاء بعضها (أسترازينيكا أو جونسون أند جونسون…) بيع اللقاحات دون تحقيق أرباح، خلال فترة انتشار الوباء، لكن الأرقام المنشورة للعموم تشهد بزيادة الأرباح، خلال النصف الأول من سنة 2021، بفضل ارتفاع مبيعات اللقاحات، وبفضل التمويل العمومي، وتواطؤ حكومات الدول الإمبريالية، وبالأخص الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، عبر تمويل البحوث والتجارب وصناعة اللقاحات، وعبر إبْعاد اللقاحات التي أنتجتها شركات غير أمريكية وأوروبية، وعبر تيسير تجربة اللقاح على مواطني البلدان الفقيرة التابعة، والترخيص بتسويق بعض اللقاحات قبل استكمال جميع مراحل التجارب والتّقويمات للتأثيرات الجانبية…

تستفيد شركات الدول الإمبريالية، ومنها الشركات الأمريكية والأوروبية، من قرارات مجموعة العشرين ومجموعة السبعة، ومنظمة التجارة العالمية بشأن “حماية حُقُوق الملكية”، أو “الحُقُوق الفِكْرِية” ( TRIPS )، التي بدأت تحاول فرضها منذ سنة 1994، وهي “حُقُوق” تخلق عراقيل أمام الدّول الفقيرة التي ترغب تصنيع نُسخة رخيصة من الأدوية أو اللقاحات، لأن هذا “الإنتاج” (أي الأدوية الأساسية) يُعْتَبَرُ “ملكيةً فكْرِيّة” للشركات الإحتكارية العابرة للقارت، التي اشترت براءة الإختراع أو طَوّرت الدواء أو اللقاح، لتفرض بذلك أسعارًا مُرْتَفِعَةً، ما يجعل من صحة وحياة البشر، وكذلك الغذاء والدّواء، مادّة، أو مُنتَجًا، أو سلعة يمكن الإتجار بها كأي سلعة أخرى، وما يمنع إنقاذ البشر، والوقاية من الأوبئة ومن الأمراض المُعْدِيَة، “والتضحية بحياة الشعوب الفقيرة المحتاجة للقاحات والأدوية، لتحقيق مزيد من الأرباح وتوزيعها على أصحاب الأسْهُم”، بحسب تقرير منظمة “أوكسفام” (2019)…

تمكّن عُمّال بعض المصانع، في بلدان عديدة، أو بعض المُتطوّعين، من ابتكار “صَمّامات” تُساعد المُصابين بوباء “كوفيد 19” على تجاوز صعوبة التّنفّس، بسعر دولار واحد (بدل إحدى عشر ألف دولارا)، لكن الشركات الإحتكارية التي تدعمها حكومات الدّول الإمبريالية، هدّدت بمُقاضاة من يتجرّأ على كَسْر الإحتكار، وخفض الأرباح الخيالية التي تجنيها هذه الشركات التي استغلّت الجائحة، لتزيد من أرباحها بمعدّل 40% بفضل انتشار وباء “كوفيد 19″، وعلى سبيل المثال فقد رفعت إحدى الشركات، سعر دواء يتم اختبارُهُ في علاج وباء “كوفيد 19″، من أقل من ثمانية دولارات، إلى حوالي عشرين دولار، للحبة الواحدة، واضطرت هذه الشركة ( صاحبة السّوابق العديدة) على التّراجع، بعد احتجاجات جمعيات المُستهلكين والتّأمين الصحي…

أسفرت برامج “الإصلاح الهيكلي” وخصخصة القطاعات الحيوية، خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، على إعادة هيكلة قطاع المختبرات والعقاقير، عبر عمليات الإستحواذ والإندماج، وابتلاع الشركات الصغيرة، لتُهيْمن أربع شركات على نحو 80% من سوق صناعة اللقاحات البالغ حجمها أكثر خمسين مليار دولارا، سنة 2019، قبل انتشار وباء “كوفيد 10″، بحسب مركز  ( Policy Cures ) الأسترالي، الذي نشر في شهر آذار/مارس 2020 دراسة رَصَدَتْ، لفترة خمس سنوات، القيمة الضعيفة لاستثمار شركات القطاع الخاص (العالمية) في الأمراض المُعدية الناشئة، وضُعْفَ حصة التمويل الخاص بأنشطة البحث والتطوير لأمراض التنفّس (ويندرج “كورونا ضمن هذه الفيروسات)، لأن الشركات الكبرى لصناعة وتسويق الأدوية لا تُرَكِّزُ سوى على الأرباح التي تجنيها من طب الأورام الذي  يستحوذ على نحو 50% من مشاريع أكبر عشرين شركة عالمية للمختبرات والعقاقير، ولذلك يتم التسويق للأمراض “اليتيمة”، أي النّادِرة، حيث يمكن للشركات تحديد أسعار مرتفعة للعقاقير التي تعالج هذه الأمراض، كما تستثمر هذه الشركات مبالغ ضخمة في أبحاث علم “الجينات”، وأمراض السرطان والأمراض النادرة، مثل ضمور العضلات الشوكي، مقابل خَفْض الاستثمارات في الأمراض المُعدية، وتستفيد شركات الأدوية الكبرى من الإنفاق الحكومي على البحث العلمي، رغم انخفاض قيمته، مقارنة بزيادة الإنفاق العسكري، ومع ذلك فهي لا تهتم بصحة البشر، عند حدوث أزمة صحية، مثل انتشار الفيروس التاجي، ولا تهتم سوى بما يعود عليها بأكبر قدْرٍ مُمْكن من الأرباح، كأي شركة أخرى، في أي قطاع اقتصادي، ولذلك اتّسمت قرارات هذه الشركات بصبغة تجارية بَحْتَة، وبتخصيص الموارد المالية للمجالات الأكثر ربحاً مثل علاج الأوْرام، والأمراض السرطانية، وإهمال الأمراض الوبائية المُعدية، والناشئة، كما اتضح منذ بداية سنة 2020، مع تفشي الفيروس التاجي “كورونا”…
قُدِّرَت قيمة إنفاق المَرْضى على شراء أدوية علاج السرطان بنحو 107 مليار دولارا، سنة 2015، ويُقَدَّرُ ارتفاع إنفاق المُصابين ومؤسسات التأمين الصحي، على علاج أمراض السّرطان بحوالي 10% سنويا، تقريبًا، بين سنتَيْ 2015 و 2030، وقُدّرت شركة “ميرك” الأمريكية، التي أنتجت عقار “كيترودا” لعلاج مرضى السرطان، إيراداتها من مبيعاته لوحده، سنة 2020، بحوالي مائة مليار دولار، بحسب وكالة “بلومبرغ” (10 آذار/مارس 2021).  

قررت حكومات الدّول الغَنيّة (اتفاقية يوم الجمعة 31 يوليو/تموز 2020 مع الشركات) تمويل الشركات الكبرى للمختبرات وصناعة العقاقير، عبر طلب كميات كبيرة من اللقاحات، قبل التوصّل إلى نتائج مُؤَكّدة، وقبل تصنيعها، لتصبح هذه الشركات أول وأكبر مستفيد من انتشار وباء “كوفيد 19، وضمنت شركات “فايزر” وبيونتيك وأسترازينيكا وغيرها تسويق مئات الملايين من الجرعات، ما حقق لها قُدْرَة مالية كبيرة وربحية صافية عالية، تُعادل ربحية شركات الإتصالات والتكنولوجية الدقيقة، بمعدّل 30% (في المتوسّط)، على المستوى العالمي، خاصة في البلدان مرتفعة الكثافة السكانية، بفضل تمويل مؤسسات التّأمين الصحي (من مشاركات المنتسبين) لعمليات الرعاية الصحية، ولعلاج الأمراض المزمنة، التي تدر على الشركات أرباحًا ضخمة، لأن هذه الشركات تُنْتِجُ أدوية تُحسّن حالة المُصاب وتُطيل عمره، ولكنها لا تُشْفِيه نهائيا، ليبقى مستهلكًا للدواء طيلة حياته، واستفادت هذه الشركات من تواطؤ الحكومات لممارسة الإحتيال والتّضْلِيل، فرَوّجت في الأسواق العالمية لقاحات فاسدة، كما حَجَبَتْ معلومات عن الأضرار أو التّأثيرات الجانبية لبعض العقاقير…

استفادت شركات الأدوية من خفض الإنفاق الحكومي في مجالات البحث العلمي والطب الوقائي، ومن تدمير البيئة وتَلَوُّثُ المياه والهواء، وتَلَوُّثُ الغذاء بالمُبيدات، ومن خفض مساحات الغابات، وزيادة مساحات الزراعات المُكَثّفة و”الأحادية” ( monoculture ) التي تستخدم كميات كبيرة من المياه ومن المبيدات الضارة بالمحيط وبصحة الإنسان، وارتفع إنتاج الدّواجن والأسماك المَحْقُونة بالمُضادّات الحَيَويّة وتتغذى بمواد مشبوهة، في مصانع مُكتَظّة، بالتّوازي مع التّوسّع العمراني على حساب الأراضي الزراعية والغابات وسواحل البحر، ما يُؤدّي إلى تعدّد الكوارث البيئية والصّحّية والجوائح والأوْبئة مثل “سارس” و “ميرس” و”زيكا” و”كوفيد 19″ (من مجموعة الفيروسات التّاجية)، في ظل سيادة منطق الرّبح، والمُضاربة بصِحّة البَشَر في أسواق المال، وأصبحت الشركات الإحتكارية تتحكم بإنتاج الغذاء وبإنتاج العقاقير الضرورية لصحة الإنسان، لتَخْتار المجالات الأكثر رِبْحِيّة وتُهمل جوانب “الصّحّة العَامّة” والأبحاث غير “الآمنة” (طويلة المَدَى)، أي غير مضمونة الرّبْح الكبير، وفي الأثناء، تحوّلت العديد من الفيروسات إلى سلالات جديدة، تستعصي على العلاج، فتحتكرَ شركات قليلة براءات الإختراع (عبر شرائها) وتحتكر المواد الخام لتصنيع اللقاحات والأدوية، وتتحكّم بالأسعار ليفُوق سعر بيع بعض الأدوية 400% من سعر التّكلفة، ما يجعل هذه الشركات تقف عائقًا أمام البحث العلمي وصحة البشر، وتتحكّم بتوجيه البحوث وإنتاج الأدوية نحو المجالات الأكثرَ ربحية، وإهمال البقية…

أنتجت شركة “تُورِنْغ فرماسوتيكال” الأمريكية دواء ( Daraprim ) لعلاج بعض حالات مرض نقص المناعة (إيدز)، وقرّرت، سنة 2015، زيادة سعر الحَبّة الواحدة، من 13,5 دولارا، إلى 750 دولارا، ما أثار ضجّة واحتجاجًا، فخفضت الشركة سعره قليلاً، لكنها رفضت بَيْعَهُ بالسعر القديم، متعللة بإعادة استثمار الأرباح في تطوير الأدوية، وهو ادعاء كاذب، لأن الشركات الإحتكارية تستعيد استثماراتها بعد ثلاثة إلى خمس سنوات، من ترويج الأدوية في الأسواق، من خلال رفع أسعار الأدْوية التي يُسدّدُها المرضى ومؤسسات التّأمين الصّحّي، وتُوزّع الأرباح على مالكي الأسهم، بهدف اجتذاب رؤوس أموال جديدة، وبهدف رَفْع سعر الأسهم في أسواق المال والمُضارَبَة، وهي مُضارَبَة بصحة البَشَر، وسبق أن أشارت مجلة “فوربس” التي تهتم بأخبار الأثرياء، إلى الإرتفاع الكبير لأرباح شركات الأدوية، طيلة عقدَيْن، رغم انخفاض عدد اللقاحات والأدوية الجديدة، وأشارت المجلة أيضًا إلى تَغَوُّل “مُجَمّع صناعات الأدوية”، وتواطؤ الحكومات التي أقَرّت قوانين تتضمن بُنود “إخلاء الذّمة” (عدم تحمل أي مسؤولية) عند حُصُول “أضْرار جانبية” للقاحات والأدوية التي تشتريها الحكومات والمستشفيات والمُؤسسات العمومية، وتمكنت هذه الشركات من إرشاء النّوّاب والخُبَراء، وتأجير خدمات الخُبراء لإعداد مشاريع القوانين التي تُراعي مصالحها، ولإعداد التقارير العلمية التي تُشكّك بِصحة بُحوث ودراسات الباحثين الذين يكشفون حِيَلَها والأضرار الجانبية للقاحاتها وأدويتها، أو عدم جدواها، في العديد من الحالات، كما تمكّنت شركات الأدوية العالمية الإحتكارية (مثل “فايزر” و “جونسون أند جونسون” و “سانوفي” و “تاكيدا”…) من إخضاع المنظمات الدّوْلية، مثل منظمة الصحة العالمية التي دعمت، بمساندة دول من أمريكا الشمالية (مثل كندا) ومن أوروبا (منها ألمانيا) ومن آسيا (منها اليابان)، “الإئتلاف من أجل ابتكارات التّأهّب للأوبئة” (Coalition for Epidemic Prepradness Innovations- أو CEPI )، وخصصت هذه الدّول، وكذلك منظمة الصحة العالمية، مبلغ 750 مليار دولارا، لهذا الإئتلاف، من أجل تسريع تطوير اللقاحات لعلاج الأوبئة التي انتشرت حديثًا، منها “كوفيد 19″، ولكي “تحصل جميع الدّول على اللقاحات بأسعار معقولة”، وتمكّن مُمثّلو شركات الدّواء، داخل إحدى لجان الإئتلاف، من إجبار المُنظّمة والدّوَل المُشاركة على التراجع عن هذا المبدأ أو “الحَقّ”، لأنه يتعارض مع “حرية الأسواق” ومع “حق المُستثمرين” في الحصول على القدر الأعْلَى من الأرباح، بالمقابل، تحاول بعض الحكومة، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة، احتكار “حق” استخدام أي مُضادات لفيروس “كوفيد 19″، أو أي لقاح قد تكتشفه الشركات، وضغَطَت شركات الأدوية على منظمة الصحة العالمية، للتخلي عن برنامج “التّأهُّب للأنفلونزا الجائحة”  ( Prepare for Pandemic Influenza – PIP )، لأن تبادل البُحُوث بين العلماء وبين البُلْدان يتعارض مع مصالح الإحتكارات، ورضخت منظمة الصحة العالمية، ومراكز البحث العلمي، ما جعل التبادل يقتصر على الأنفلونزا، ولا يتعداها إلى أي مرض مُعدِي آخر. أما الولايات المتحدة التي تُمثّل مصالح الشركات الإحتكارية بأنواعها، فإنها خفضت حصتها من تمويل المنظمة، بنسبة 50%، وخفضت بعض الدول، وكذلك البنك العالمي، تمويل بعض المنظمات مثل “مراكز السيطرة على الأمراض، والوقاية منها” ( Centers for Desease Control and Prevention- CDC )، ما جعل هذه المراكز مُهدّدة في وُجُودها، وما حَرَمَ الفُقَراء، داخل الدّول الرأسمالية المتقدّمة، أو في البلدان الفقيرة، من الخدمات الصّحّية، حيث لا تَحْظى الأمراض التي تُصيب السكان الأكثر فَقْرًا، على الصعيد العالمي، سوى بأقل من 10% من الإنفاق العالمي على الأبحاث الطبية، بسبب “غياب الحوافز المالية في أسواق البلدان الفقيرة”، وتُقدّر قيمة إنفاق 90% من سكان البلاد الفقيرة، بأقل من قيمة إنفاق نحو 350 مليون شخص من سكّان البلدان الغنية، إذ لا يتجاوز إنفاق المواطن الواحد على الرعاية الصحية (سنة 2018) في بلدان إفريقيا، جنوب الصّحراء الكبرى، عشرة دولارات، سنويا، ما جعل العديد من شركات احتكارات العقاقير تتخلّى عن إنتاج لقاح شلل الأطفال، وأدوية علاج أمراض مثل الليشمانيا، وغيرها، وهَدّدت شركة “نوفارتيس” بالتّخلّي عن بيع دواء ( كوارتم ) لعلاج “الملاريا”، رغم تحقيقها أرباحًا بقيمة تفوق 320 مليون دولارا، من بيعه في إفريقيا، لكن نفس الشركات العالمية تستخدم فُقراء العالم لاختبار أدْويتها، بتكاليف لا تكاد تُذْكَر، قبل حصولها على الترخيص النهائي، وقبل طَرْحها في الأسواق، بحسب منظمة “أوكسفام”.

قدّرت منظمة الدفاع عن دافعي الضرائب في الولايات المتحدة ( Accountable US ) أن مُدَراء خمس شركات أدوية (فايزر ، موديرنا ، نوفافاكس …) حققوا من المُضاربة بأسهمهم، خلال فترة الحجر الصّحّي، بين 15 أيار/مايو و 31 آب/أغسطس 2020، أكثر من 145 مليون دولارا، فيما تُطَوِّرُ هذه الشركات لقاحات ضد وباء الفيروس التّاجي (كوفيد 19) بواسطة المال العام، وتبجّح المدير التنفيذي لشركة الأدوية الأمريكية العملاقة “فايزر” ( Pfizer ) بإعلان النسبة المُرتفعة لفعالية لقاح الشركة (وفقًا للبيانات الأولية)، فارتفعت أسهم الشركة، واغتنم مديرها التنفيذي الفُرْصَة لبيع 5,6 ملايين سهم، كما باع العديد من المديرين التنفيذيين في شركة موديرنا أسهمًا، خلال الفترة المذكورة، بقيمة فاقت مائة مليون دولار، بعد إعلان الحكومة الأمريكية أنها تعهدت بضخ حوالي 2,5 مليار دولار، إذا ما تمكنت الشركة (موديرنا) من إتمام تجارب اللقاح الذي تنتجه، رغم عدم طرح شركة “موديرنا” أي عقار جديد منذ إنشائها سنة 2010، لكن إعلان الحكومة رفع سعر السّهم الواحد من 19 دولارا إلى تسعين دولارا، خلال خمسة أشهر، وباع رئيس شركة “نوفافاكس” ( Novavax ) أسهمًا بقيمة 4,2 ملايين دولارا، بعد إعلان الحكومة الأمريكية ضخ تمويل للشركة بقيمة 1,6 مليار دولار، يوم 18 آب/أغسطس 2020، بحسب منظمة الدّفاع عن دافعي الضرائب التي أكّدت أن الإعلان عن قُرْب موعد إنتاج لقاحات جديدة تزامن مع هبوط في أسعار الأسهم، وبفضل هذه الإعلانات، السّابقة لأوانها، لأنها لا تضمن أَمْنَ وفعالية هذه اللقاحات، ارتفعت قيمة الأسهم واستفاد المديرون التنفيذيون قبل غيرهم، ليجْنوا أرباحًا هامة، في سياق أزمة صحية واقتصادية عالمية…

عندما تمول الدولة بُحُوثَ الشركات الخاصة، وعندما تشتري الدّولة مسبقًا، منتجًا غير موجود بأسعار مرتفعة، قد لا يقع إنتاجه أصلاً، يرتفع سعر السّهم، وبذلك تقوم الدّولة بتأميم الخسائر وخصخصة الأرباح.

تتمتع مجموعة “فايزر” بدعم قوي من أجهزة الدّولة الإتحادية الأمريكية، وبدعم جهاز إعلامي ودعائي (إشهاري) مُهَيْمن وناجع، ما هَمَّشَ أكثر من أربعين لقاحًا لا تزال في طور التّجارب، ومن بينها عشرة لقاحات بلغت ما تسمّى “المرحلة الثالثة” من التّجارب، وتُحاول حكومات أوروبا والولايات المتحدة تفادي طرح اللقاح من قِبَلِ شركات صينية أو روسية، بدأت تجاربها في وقت مُبَكِّر، وتمكَّنت من إنتاج لقاحات ناجِعة قبل “فايزر” الأمريكية أو غيرها من شركات أوروبا وأمريكا الشمالية…

ارتفعت أسهم مجموعة “فايزر” الأمريكية، بنسبة 8%، يوم إعلانها عن نتائج منقوصة وضبابية لِلِقَاحِهَا، وتمكّن “ألبرت بورلا”، المدير التنفيذي في شركة “فايزر”، من تحقيق أرباح بلغت 5,56 ملايين دولار، وحقّقت نائبته أرباحًا بقيمة 1,8 مليون دولارا، بحسب موقع صحيفة “فايننشال تايمز” (مساء الإثنين 09 تشرين الثاني/نوفمبر 2020) …

تجاهلت وسائل الإعلام إعلان إنتاج لقاح “سبوتنيك” من قبل شركة روسية، وكذلك إعلان شركات صينية (سينوفاك و سينوفارم و كانسينو بيولوجيك ) منذ وقت مُبكِّر، وقبل الشركات الأوروبية والأمريكية، إنتاج لقاحات بنهاية سنة 2020 أو بداية سنة 2021، وبدأت التجارب السريرية للشركات الصينية والإختبارات على نطاق واسع، في روسيا وفي أمريكا الجنوبية (البرازيل وتشيلي) وفي الجزيرة العربية، لكن ضُغُوطًا أمريكية عرقلت بعض مراحل الإختبارات، في إطار التنافس أو خطط الولايات المتحدة لإقصاء الصين من المُنافسة…

لا تنشُرُ الشركات العابرة للقارات أي دراسة علمية متكاملة عن الأشخاص الذين خضعوا للتجارب، ولا عن حالتهم الصحية الكاملة، ونسبة المُصابين مِمَّن ظهرت، أو لم تظْهَرْ لديهم أعراض الإصابة، وما إلى ذلك من بيانات تُمكّن من إجراء دراسة نقدية للنتائج المُعْلَنَة من جانب واحد، بل تكتفي الشركات ببيان صحفي مُقْتَضب، وتُمثل مجموعة “فايزر”، أكبر شركة عالمية للمختبرات والعقاقير، نموذجًا للشركات الإحتكارية التي لا تتردّد في المُتاجرة بصحة وحياة البشر، ما دامت المضاربة بالصحة تُمكنها من تحقيق الأرباح، بل وزيادتها، ولا تطرح شركة “فايزر” (ومثيلاتها) مقدار الدّعم الحكومي من سعر التكلفة، بل تعتبره كاستثمار أو كإنفاق من جانبها، بحسب “مرصد الشفافية لسياسات الأدوية”، الذي أعلن أن الإتحاد الأوروبي سارع بعقد صفقة شراء ثلاثمائة مليون جرعة، سنة 2020، دون تحديد سعر الجرعة الواحدة…
تُشير وكالة الأدوية الأوروبية ( EMA )، المسؤولية عن الترخيص لترويج الأدوية في أسواق الإتحاد الأوروبي، في أحد منشوراتها عن التجارب السريرية، بشكل عام، إنه كلما زاد عدد الأشخاص المُشاركين في تجربة الدّواء أو اللقاح، كلما ضَاقَ هامش الخطأ، وتتوجب دراسة أعراض المرض بين المتطوعين الذين تم تطعيمهم، وكذلك الحُدُود الزّمنية للحماية التي يُوفّرها اللقاح، والآثار الجانبية، خلال فترة زمنية مُعيّنة بعد التطعيم، ولم تُقدّم شركتا “فايزر” و “بيونتيك” معلومات وإجابات عن هذه التساؤلات المشروعة.

لقد تم اختبار اللقاح بشكل أساسي على الشباب الأصحاء، بدل الأشخاص المستهدفين، أو المعرضين للخطر أو كبار السن، ما يترك ثغرات في عملية تقويم المنتجات الصحية. أما سعر الجرعة الواحدة فيُقَدّرُ بثلاثين دولارا في الولايات المتحدة، ليصل سعر اللقاح الكامل (جرعَتَيْن ) إلى ستين دولارا للشخص الواحد، ما يجعله حكرًا على الدّول الغنية، التي تحتكر مجمل الإنتاج.

لقد طورت “فايزر”، وشركات أخرى رأسمالية احتكارية مُعَوْلَمة، لقاحًات باستخدام مبالغ كبيرة من المال العام، التي وجب أن يستفيد منه قطاع الصحة العمومية أو الفُقراء والمُعطّلون عن العمل، والمواطنون بشكل عام…

نشرت مجموعة من الشخصيات ومن المنظمات (من بينها منظمات تدافع عن حقوق المُصابين بأمراض مُزْمِنَة)، بنهاية شهر أيار/مايو 2020، بيانًا يدعو إلى جعل قطاع الصحة قطاعًا عامًّا، وجعل إنتاج القطاع العام للأدوية، من الأولويات السياسية والإقتصادية والصّحّيّة، وذلك إثر إعلان حكومات الدّول الرأسمالية المتطورة أنها لا تمتلك مخزونًا من الأقنعة وأجهزة الوقاية من الأوبئة، ما عَجَّل بانتشار وباء الفيروس التّاجي، ولاحظت هذه المنظمات نقص الأدوية في المستشفيات العمومية، منذ أصبحت الصحة تجارة خاضعة لقوانين السوق، وبالأخص، إثر خصخصة إنتاج الأدوية وأدوات الوقاية الصحية، ليصبح تعظيم الأرباح هدفًا وحيدًا لتصنيعها وترويجها، في حين تستفيد هذه الشركات الرأسمالية من المساعدات الحكومية، بدون شُرُوط، وفي حين يُحْرَمُ الفُقراء من الرعاية الصحية، ما يجعل المواطنين يُسدّدون ثمن الأدوية والمنتجات الصحية مَرّتَيْن على الأقل: مرة من خلال دعم البحث، بأشكال متعددة ، ومرة أخرى من خلال شراء الأدوية بأسعار باهظة، ما انفكت ترتفع دون أي مبرر.

أصبح الوباء وسيلة لزيادة أرباح الشركات الرأسمالية التي تُطالب باحتكار اللقاح لفترة طويلة (بمعدل 15 سنة) بناءً على قواعد “براءات الاختراع”، التي حَدّدتها الشركات متعددة الجنسيات لصناعة الأدوية، بعد تدمير الأنظمة الحاكمة في أوروبا والولايات المتحدة، وغيرها من الأنظمة الرأسمالية المتقدّمة في دول “المركز”، القطاع العام ومنظومة البحث العلمي (باستثناء البحوث الأمنية والعسكرية) والرّعاية الصّحّية، عبر خصخصة قطاع الصحة، بغيْر شفافية، ما يعرض صحة المواطنين، والفقراء منهم بشكل خاص، للخطر، وأصبحت شركات المُختبرات والعقاقير تُطَوِّعُ البحوث والإنتاج الدوائي والقطاع الصّحي بمُجْمَلِهِ (الوقاية واللقاحات والأدوية والعلاج والأجهزة والمعدات الطبية…) لقوانين السوق، ولا تخضع لاحتياجات المجتمع المحلي أو الإنساني، لأن التعاون الدّولي ضروري لمجابهة الجوائح والأوبئة.
لذلك وجب إبعاد قطاعات أساسية مثل الغذاء والمياه والصحة وغيرها عن منطق السوق وإخضاع تسجيل الأدوية والمنتجات الصحية لمنطق المصلحة العامة، فعندما تُمَوِّل الدولة بُحُوثَ الشركات الخاصة، وعندما تشتري الدّولة مسبقًا، منتجًا لا يزال قيد التجربة، بأسعار مرتفعة، يرتفع سعر السّهم، وبذلك تقوم الدّولة بتأميم الخسائر وخصخصة الأرباح.

استفادت شركات المختبرات والعقاقير في أوروبا وأمريكا الشمالية، من الدّعم الحكومي (من المال العام)، لتتمكن من منافسة شركات الأدوية الصينية والرّوسية والكوبية، وحصلت شركة “موديرنا” على دعم من الحكومة الأمريكية بقيمة 2,5 مليار دولارًا، لتوفير مائة مليون حقنة من اللقاح الذي طورته، فيما وقّعت مجموعة “فايزر” عقدًا مع الحكومة الأمريكية، بقيمة 4,1 مليارات دولارا، لتوفير لتوفير 200 مليون حقنة من لقاحها، ما يرفع أرباح الشركتين من اللقاح، وظهر ذلك من خلال ارتفاع ثروة المدير التنفيذي لشركة “موديرنا” لتبلغ 4,8 مليارات دولارا، مع الإرتفاع الكبير لقيمة أسهم الشركتَيْن الأمريكيتين في سوق المال…

الواقع أن سوق المال لا تخلق الثروة، وإنما يخلقها العاملون بجهدهم البدني والذّهني، ولذلك فإن ارتفاع ثروة هؤلاء الرأسماليين يُعتَبَرُ سرقة لجهود الأُجراء والعاملين…

خاتمة:


تعمل شركات الأدوية، مثل أيٍّ من الشركات الإحتكارية الأخرى، على تنمية أصولها المالية، وإنشاء شركات وهمية، في الملاذات الضّريبية، لتفوق قيمتها الأُصول الثابتة، أو رأس المال الثابت (المصانع والآلات والتجهيزات)، واستثمار هذه الأصول المالية في الأسواق المالية، وفي عمليات الاندماج والاستحواذ التي تعزّز مكانتها في قطاع المختبرات وصناعة الأدوية، وأشار تقرير “المركز الهولندي للأبحاث حول الشركات متعدّدة الجنسيات” ( SOMO ) إلى زيادة الإحتياطات النقدية المُجَمّعَة بين سَنَتَيْ 2000 و 2018، لسبع وعشرين شركة من قطاع صناعة الأدوية، من 83 مليار دولار، سنة 2000 إلى 219 مليار دولارا، سنة 2018، وبَرعَت الشركات الأمريكية للأدوية في التّهرب من الضرائب، وإخفاء مبالغ مالية ضخمة في الملاذات الضريبية، أو عبر إنشاء الشركات الوَهْمِيّة، ورفعت هذه الشركات من دُيُونها، بشكل مُصْطَنَع، من 61 مليار دولار سنة 2000 إلى 518 مليار دولار، سنة 2018، ولم تتجه هذه المبالغ المُقْتَرَضَة نحو الإستثمار في الإنتاج، أو البحث العلمي، وإنما نحو عمليات التّوسّع المُستمر، ولشراء الأسهم، والإستحواذ على شركات أخرى، وأصبحت هذه الشركات تجني الأرباح (لتوزيعها على مالكي الأسهم) من حقوق “المِلْكِيّة الفِكْرِيّة”، ومن الزيادات الكبيرة في سعر اللقاحات والأدوية، ومن المال العام، وتعتبر هذه الشركات أنها غير مَعْنِيّة بموضوع الصّحّة العامّة، وغير معنية بشفاء المُصابين، بل معنية بتحقيق أكبر قدر من الأرباح، وتوزيعها على أصحاب الأسهم، لترتفع قيمة هذه الشركات في السوق، ولتجتذب الإستثمارات، وأصبحت هذه الشركات تُمثّل عقبة في طريق البحث عن اللقاحات التي تُجنّب العالم انتشار الأوبئة، مثل وباء “كوفيد 19″، وذلك رغم استفادة هذه الشركات (من خلال الحكومات ) من المال العام، كما رفضت شركات كبرى للأدوية المُشاركة، سنة 2017، مع منظمة الصحة العالمية في برنامج تطوير لقاحات للقضاء على بعض الأمراض المُنتشرة في إفريقيا وآسيا، وشكل انخفاضُ العائداتِ المالية (الأرباح ) السّبَبَ الرئيسيَّ للرّفض، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” (03 آذار/مارس 2020)…

تعتبر منظمة الصحة العالمية، أن صحة البشر حق أساسي من حقوق الإنسان، ولا تُقاس بغياب المرض فقط، بل هي “حالة من الرفاه البدني والعقلي والاجتماعي الكامل”، لكن خصخصة قطاع الرعاية الصحية وخفض الإستثمارات الحكومية، وغير ذلك من القرارات السياسية، تسببت بتدمير قطاع الصحة العامة والمُستشفيات العمومية، والوقاية، فأصبح القطاع العام عاجزًا عن مواجهة الطوارئ والأوبئة، فيما يعتبر القطاع الخاص أنه مَعْنِيٌّ فقط بتحقيق الأرباح وتوزيعها على مالكي الأسْهُم، في ظل النظام الرأسمالي الذي ضَخّت حُكوماته ( التي تُمثّل مصالح الإحتكارات) المال العام في خزائن المصارف والشركات الكبرى، ومنها شركات المُختبرات وتصنيع العقاقير، وخفضت ميزانية البحث العلمي (باستثناء البحوث ذات الصبغة الأمنية والعسكرية) واكتشاف أو تطوير لقاحات الوقاية وأدوية علاج العديد من الأمراض، ما يُعرّض الإنسانية لمزيد من المَخاطر، وفي المقابل استفادت الشركات الخاصة من المال العام، لِتُساهم الحكومات في تأميم خسائر ومخاطر الشركات الخاصة، وخصخصة الأرباح…
في المقابل، تمكنت “كوبا”، رغم الحِصار المُستمر منذ ستو عُقُود، ورغم قِلّة المَوارد، من دعم شركات القطاع العام (بالتعاون مع الصين) التي تمكنت بدورها من تطوير بعض الأدوية، ومنها “إنترفيون 2 ب” الذي تُنتجه وتوزعه شركة “بيو كوبا فارما”، منذ 1986، وفي الصين ظهرت النتائج الإيجابية لهذا الدّواء الكوبي، الذي ساعد، منذ أواخر 2019، في إيقاف بعض أعراض الإصابة ب”كوفيد 19″، كما عاينت إيطاليا هذه النتائج الإيجابية، واشترت “كميات كبيرة” (لم تكشف عنها حكومة ووسائل إعلام إيطاليا) دواء إنترفيرون بكميات كبيرة، واستقبلت عشرات الأطباء الكُوبِيِّين لمساعدة المُستشفيات الإيطالية في علاج المُصابين، وأرسلت كوبا أدوية، وفِرقًا من الأطباء، إلى العديد من البلدان المتضررة للمساعدة في مكافحة تفشي وباء “كوفيد 19″، كما تمكنت كوبا من تحقيق تطورات هامة في علاج مرض الزهايمر (الخَرَف) وعلاج المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (إيدز)، لكن الإمبريالية الأمريكية تقف حجر عثرة في وجه وصول هذه الأدوية إلى الفُقراء في العديد من البُلْدان، بسبب الحصار والحَظْر التجاري، الذي تفرضه على كوبا، وبسبب العقوبات التي تفرضها على أي شركة أمريكية تتجرأ على التعامل مع كوبا…

تقتضي المصلحة العامة إنشاء تحالف عالمي من أجل زيادة الإنفاق الحكومي على البحث العلمي والطّبِّي، وزيادة دعم قطاع الصحة العمومية وإلغاء دعم الشركات الخاصة، وتفعيل الحق في الوقاية والعلاج، والصحة المجانية مع ضمان جودتها، لتحقيق “الأمن الصّحِّي”، وتحجيم نُفُوذ شركات المُتاجرة والمُضارَبَة بصحة البشر، عبر تشديد الرقابة على التجارب التي تُجريها على الأدوية واللقاحات الجديدة، للحد من التّلاعب بنتائج التّجارب، ما يستوجب فك الإرتباط بين المكاتب الحكومية أو الدّولية لمراقبة سلامة الأدوية والشركات المُصنّعة والمُتاجِرَة بها، وإلغاء عقود الشراكة بين المؤسسات العمومية وشركات المختبرات والعقاقير، وإشراف الجامعات ومراكز البحث العمومية على تدريب وتأهيل الأطباء والطّلبة والعاملين بالقطاع الصّحّي، واستبعاد القطاع الخاص من المؤتمرات الطبية ومن التّدخّل في عمل الأطباء والمهنيين في قطاع الصحة، لأن هدف الشركات يقتصر على ترويج مُعِدّاتها وأدْوِيَتِها، كما وجب حَظْر تمويل هذه الشركات لنشاط جمعيات المهنيين والأطباء والباحثين وجمعيات المُصابين بأمراض مُزمنة، واتحادات طلبة الطب والصحة العمومية…     

(عن “رويترز” + وكالة الصحافة الفرنسية- متابعة من 30 حزيران/يونيو إلى 10 آب/أغسطس 2021 )

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.