تونس: (1) كل شيء يتحول حتى جمهورية الدين السياس، عادل سماره، (2) في أخطاء حركة النهضة السياسيّة، عزمي بشارة

كل شيء يتحول حتى جمهورية الدين السياس

عادل سماره

آخر قلاع الدين السياسي جرى دكُّها في تونس، وفي ايام قلب قوميسارها السياسي عزمي بشارة ظهر المِجنْ لأحد حوارييه اي الغنوشي وكتب له رسالة نقد من عشرة نقاط (سمعت بها ولم أحصل عليها). وفي حقيقة الأمر فإن بشارة يناور لإخفاء أن فتاواه هي التي دفعت شيخ تونس ليزهو فوق الشعب. إذن إنهار نموذج بشارة “المثالي” كنظام دين سياسي. فلننتظر تغيير توجه تنظيراته.

في جانب آخر، فإن غرفة عمليات الثورة المضادة ضد الأمة،أي الدوحة، وخاصة ضد سوريا تهتز من داخل غرفة نومها. تظاهرات أكبر أو إحدى كبريات القبائل مطالبة بإصرار في حقها في الترشح . هذا حينما قيل للحاكم: “لا بد من بعض البرلمانية” فاجتزئها، فتورط في ذلك، بينما بن سلمان تحايل على الأمر بالسماح للمرأة بقيادة السيارة..

وهذا تعرية لمزاعم بشارة بأن قطر إمارة تقليدية والناس لا تطالب بالديمقراطية!. ها هي تطالب وتقاتل معاً.

فماذا يقول “المفكر العربي” اللبرالي والحداثي والذي في فمه كلمتين:

في حنكه الأيمن :استبداد سوريا والصين وروسيا وإيران

وفي الأيسر: لا ديمقراطية سوريا والصين وروسيا وإيران

ما يهمنا من هذا أمر آخر وأهم متعلق بالجيوش من الأكاديميين الذين رهنوا أو ركنوا عقولهم وكفاءاتهم واصطفوا على ابواب الدوحة ليخصيهم بشارة واحدا واحدة! ماذا يقولون الآن. وماذا عن مثقفين تبدو ملامح طرحهم عروبية لكنهم استمعوا بصَغار لمحاضرات بشارة كعضو كنيست؟

وماذا عن حاملي شهادات الدكتوراة ومنتجي الأبحاث بما يتلائم مع تصفية الثقافة العربية بخبث ومهاره؟ أما من يستكتبهم بشارة فهؤلاء لا يستحقون توجيه كلمة لهم لأنهم سوف يواصلون الكتابة بالأجرة تماماً كما فعل مثقفو م.ت.ف بعد عقود من الكتابة عن غابة البنادق تحولوا لمديح الاستدوال وكان قوميسارهم الفذ فنياً والتطبيعي سياسيا محمود درويش الذي أصر على: 1- إن إميل حبيبي شيخ الصهاينة هو معلمه و2- فتواه بأن “من يخرج على الشرعية يخرج على الإنسانية”و إصراره على:” لا تعتذر عما فعلت”!.

يا للهول حين يكون القلم أخطر من الرصاصة!

■ ■ ■

في أخطاء حركة النهضة السياسيّة

د. عزمي بشارة*

سبق أن بينّا منجزات حركة النهضة ،لناحية الإصلاح الفكري، والتمسّك بالديمقراطية، ورفض الإملاء الديني القسري ،والتكيّف مع علمانية الدولة، والبراغماتية السياسية، والاستعداد لتقديم التنازلات في اللحظات التي بدا فيها الانتقال إلى الديمقراطية مهدّدا وغيرها. نتحدّث هنا عن الأخطاء السياسية التي وقعت فيها ،بوصفها حزبا سياسيا ظل منذ الثورة جزءا من الائتلافات الحاكمة المتغيّرة.

1-تمسّكت حركة النهضة بالسلطة بأي ثمن، حتى حين كان يجب أن تنتقل إلى المعارضة، وحتى حين كان الطريق الوحيد ،هو بناء تحالفات انتهازية ليس فقط في نظر الجمهور الواسع بل أيضا في نظر قواعدها الاجتماعية.

2-كان الثمن الموضوعي للتحالف مع نداء تونس ،المساومة على العدالة الانتقالية، ومكافحة الفساد.

3. كان على حركة النهضة ونداء تونس، واجب انتخاب محكمة دستورية،فهي ضرورة ماسّة في نظام رئاسي/برلماني مختلط.ولكنهما لم يقوما بهذا الواجب. كانت النهضة عموما تشك بالقوانيين والنخب العلمانية، وتخشى تكرار تجربة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.

4-كان عليهما تغيير طريقة الانتخابات ،بوضع عتبة انتخابية ،ووضع قانون يمنع السياحة الحزبية، وتشويه صورة الأحزاب. ولكن استمرار طريقة الانتخابات القائمة ،أسهم إسهاما أساسيا في تعطيله.

5-ركّزت النهضة هجومها في الانتخابات الأخيرة على نبيل القروي، إلى درجة شيطنته، وكان المستفيد الوحيد، هو المرشح المنافس سعيّد، الذي لم تنطق ضده بكلمة نقد واحدة، وهو الفاقد لأي برنامج ،والذي يصرّح علنا بمواقف مناهضة للدستور والنظام البرلماني .والأنكى والأمرّ، أنها ما لبثت أن تحالفت مع من شيطنته،فبدت بذلك جزءا من نظام حزبي فاسد لا تهمه المبادئ والقيم ،بقدر ما تهمّه السلطة ومنافعها. خسرت النهضة بذلك مرة أخرى، جمهورا سبق ان أيّدها، ولكنها لم تكسب جمهور القروي.وفقدت تبريرات النهضة فاعليتها هذه المرّة. التحالف مع السبسي (الذي لم يكن بحاجة للتحالف مع النهضة إذ كان بوسعه تشكيل ائتلاف أغلبية في البرلمان من دونها) ،كان لإنقاذ الانتقال الديمقراطي، فما هو تبرير التحالف مع قلب تونس؟ …البقاء في السلطة.

6-سبق أن تحالفت النهضة مع يوسف الشاهد ،ضد حزبه وضد من عيّنه (السبسي) ومع ذلك لم تكسبه حليفا لها، فهو سياسي وصولي لا غير، فاستفاد منها ،ولم تستفد منه. وحاولت أن تكرّر ذلك مع المشيشي، المكلّف المجهول الذي أتى به الرئيس، والذي “عصى” من عينه، وحاول أن يجعل منه مجرّد وزير أول في نظام رئاسي،فأدّت المحاولة إلى أزمة شلّت الدولة طوال عام كامل.حكومة مدعومة من النهضة غير قادرة على العمل، رئيس يفعل كل شيء لشلّ حكومة قامت عكس مشيئته، وبرلمان مشغول بالمناكفات والمشاكسات، كما تبدو صورته.

7-لم تكن أجندة سعيّد ضد النهضة ،التي دعمته في الجولة الثانية من الانتخابات، فليست هذه معركته الأساسية، بل كانت معركته ضد البرلمان لصالح نظام رئاسي فردي، ولكن سهّل عليه تصوير المعركة على أنها معركة ضد الأحزاب والنخب السياسية عموما (وهذا جوهر الخطاب الشعبوي)،أما التركيز على النهضة فيسهّل استقطاب فئات واسعة لديها موقف متأصّل ضد النهضة، وإن كانت غير متعاطفة مع شعبوية الرئيس ،وتفضّل الفرنسية الفصحى على لغته.

8-الغريب ،أن النهضة تفاجأت من وجود أجندة مناهضة للنظام البرلماني لدى سعيّد، مع أنها كانت معلنة، والغريب أيضا أنها لم تتمكّن من التعامل مع شعبوية سعيّد التي لم تتجاهلها فحسب في الانتخابات، بل تعاطفت معها.

9-حين تصدّت النهضة لخوض المعركة مع سعيّد، لم تدرك مدى سوء صورة البرلمان في الشارع التونسي (هيئة من دون فاعلية في حلّ قضايا الشعب ومكان للمناكفات والتهريج، وأصحاب المصالح الفردية المتنقلين من حزب إلى آخر)، وكم تدهور وضعها في الشارع. وظهرت النهضة وكأنها تمثّل صورة الأحزاب المترديّة كلها ، حين أصرّت على رئاسة البرلمان، والإصرار على أن يكون رئيس الحركة (وليس غيره) هو رئيس البرلمان، وقيادة ائتلاف يدعم حكومة معطّلة. ولو كانت في المعارضة لكانت في وضع أسلم بكثير، ولو بقي رئيس الحركة خارج هذه المعمعة، لكان أفضل له وللحركة.

10-ارتكبت الأحزاب الكبيرة الأخرى ،أخطاء أكثر فداحة بالتأكيد، ولكن النهضة كانت الحزب الثابت في الخارطة التونسية منذ الثورة، والأكثر وجودا في السلطة، وإليها وجّهت سهام الخطاب الشعبوي.

*مفكر فلسطيني

:::::

موقع “كواليس”

http://kawaleesnews.com/

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.