هل يمكننا إنصاف القذافي؟! د. موسى العزب

معمر القذافي .. طموحات كبيرة ونهاية مفجعة!!
بعد واحد وخمسين عاما على ثورة الأول من سبتمبر..

تطورت الاحداث بشكل مبيت وسريع، عبر تدخل الجامعة العربية التي استدعت طائرات الحلف الأطلسي، تواكبها طائرات إماراتية وقطرية، ودعم لوجستي كبير من تركيا.
شملت الضربات جميع الاراضي الليبية مستهدفة بالاساس وحدات الجيش الليبي، حيث نجح “التحالف” خلال سبعة شهور باسقاط النظام، وإغتيال الزعيم معمر القذافي بصورة شنيعة في 20 تشرين أول عام 2011، واضعة بذلك حداً لحكم ذي طبيعة خاصة، قاد خلالها القذافي ليبيا لاكثر من 42 عاماً، قبل أن تتحول البلاد إلى ساحة مرعبة للفوضى والحرب الاهلية، ونهب القوى الاستعمارية.
ينحدر معمر القذافي من قبيلة القذاذفة الكبيرة، حيث ولد في سرت عام 1942، وبقي يحمل معه روح القبيلة.
شكل اثناء دراسته الاولى، مع بعض زملائه نواة حركة ثورية متأثرة بالزعيم جمال عبد الناصر. طرد من المدرسة بسبب انشطته السياسية المبكرة لكنه أكمل دراسته بعد ذلك في الاكاديمية العسكرية في بنغازي وتخرج منها ضابطا عام 1963.
ونتيجة طموحاته المتعددة، أرسل في بعثة للتدريب العسكري في بريطانيا، ثم كون مجموعة من الضباط الاحرار عام 1964، ولعب دوراً جوهرياً في الانقلاب على حكم الملك السنوسي في الأول من أيلول 1969، فيما أطلق عليه لاحقاً اسم “ثورة الفاتح”.
شذ القذافي دوما عن الاعتيادي والسائد، فحظي دوما بقدر كبير من المشاعر الحادة المتناقضة، وردود أفعال قوية، بين التندر والرهبة.
كان يدرك دوما أهمية ليبيا كإحدى أغنى دول النفط في الاقليم، حيث قدرت احتياطاتها النفطية المؤكدة بـ 46.6 مليار برميل، على مساحة شاسعة وعدد قليل من السكان، وما يستدرجه هذا الوضع من الاطماع الغربية على الثروة، والتعطش الداخلي على السلطة الفردية، فأقام القذافي مجده وتأثيره السياسي على ميزات بلاده وثرائها ووضعها الاستراتيجي.
عرف عنه ارتباطه القوي بالناصرية ودعواته المستمرة للوحدة العربية. ترأس مجلس قيادة الثورة في ما اسميت الجمهورية العربية الليبية منذ العام 1969 ولغاية 1977. بعد هذا التاريخ أطلق على نفسه لقب ” الاخ القائد للجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمي”، حتى تاريخ اسقاطها.
استبدل دستور 1951، بقوانين استنادا إلى عقيدته السياسية المستحدثة، اسماها بالنظرية العالمية الثالثة، واعتبرها تجاوزا على الماركسية والرأسمالية على السواء، ونشرها في “الكتاب الاخضر”.
ورغم أنه منح لنفسه دوراً رمزياً في اللجنة الشعبية العامة التي اعتبرت أعلى سلطة في البلاد، إلا أنه جمع بين يديه معظم السلطات في البلاد، وأنشأ الجيش الليبي على أسس مناطقية تقترب من التموضعات القبلية.
ازدادت إيرادات ليبيا بسبب النفط وتصديره، كما حققت أعلى المعايير التنموية مقارنة بدول أفريقيا وظلت خالية من الديون، وخصصت الدولة أموالاً لصالح الرفاة الاجتماعي، تم من خلالها رفع مستوى التعليم ومحو الأمية، وتطوير العناية الصحية، وأمر القذافي مراراً بتوزيع بعض عوائد النفط على المواطنين، وكان يردد دائما “المنزل حق طبيعي لأي انسان”، وأنشأ مصرفاً يقدم للمواطنين قروضا بفائدة صفرية.
يصنف بعض النقاد القذافي بالغوغائي أو المستبد، أو الحالم المفصوم عن الواقع، وقد وجهت انتقادات متكررة لحكومته لقيامها باعتقالات كيفية للمعارضين وممارسة عمليات تعذيب.
في نهاية الثمانينات، ورغم انكار الحكومة فقد حصلت ليبيا على أسلحة كيميائية وأنشأت خلية سرية للحصول على مقدرات نووية، ولكن كل ذلك تعثر، وتبددت الجهود.
في عام 2008، جمع القذافي زعماء القارة الافريقية ومنح نفسه لقب “ملك ملوك افريقيا” وطرح بقوة فكرة “الولايات المتحدة الافريقية”، والعملة الأفريقية الموحدة، وهي الخطوة التي شكلت تحديا للأطماع الاستعمارية في القارة السمراء، وخاصة لفرنسا وبعض الدول الغربية.
دعم القذافي عدداً من حركات التحرر الوطني، وعرف عنه ولعه بالمنابر وإلقائه للخطب الحماسية؛ حيث مزق ميثاق الامم المتحدة من على منبرها لعدم التزام الدول الكبرى بتطبيق بنوده، وتنبأ بما سيحصل لقطر مع دول الخليج، وبعد مأساة العراق، توجه إلى الزعماء العرب، وحذرهم من ” الدور القادم عليكم جميعاً”! وصرخ موبخاً “لماذا تعقد قمة وأبو عمار في الأسر”؟، و “لماذا لا نحقق بشنق صدام .. أليس رئيساً لدولة عربية ؟!” ، ورغم تأييده لحركة التحرر الفلسطيني، فقد فاجأ الجميع عندما دعى إلى تأسيس دولة “إسراطين”!!.
لقد وصل توتر العلاقات مع الغرب ذروته عندما قامت الطائرات الامريكية بقصف مقر القذافي عام 1986، فقام على أثرها بتسوية قضية لوكربي، حيث دفعت ليبيا تعويضات بنحو 2.7 مليار دولار، وسلمت اثنين من مواطنيها المتهمين بالتفجير للقضاء الاسكتلندي.
وبعيد أسر الرئيس صدام حسين، رحب القذافي بفريق عمليات التفتيش للتحقق من برامج ليبيا لاسلحة الدمار الشامل، ثم أمر بتفكيك برنامج ليبيا النووي وتسليم كل ما يتعلق بالبرنامج وأسماء من تعاون معه إلى الولايات المتحدة الامريكية.
مع بدايات التمرد المسلح ضد السلطة المركزية، تدخلت قوات التحالف بقيادة حلف شمال الاطلسي بقوة غاشمة لاسقاط القذافي، تم تجميد جميع أصوله المالية، وأرصدة ليبيا، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لتوقيفه بتهم جرائم ضد الانسانية، وسلم مقعد ليبيا لما سمي بالمجلس الوطني الانتقالي، وشنت على ليبيا غارات جوية مدمرة.
خسر القذافي معركة طرابلس بعد مقاومة ضارية، وتم ملاحقة موكبه وقصفه بواسطة الطائرات الفرنسية، وقد اعتقل قرب مصراته حيا مع وزير دفاعه وأحد أبنائه، تعرض للضرب والإيذاء العنيف من قبل مجاميع مسلحة تحت اشراف “التحالف الغربي” وتم اغتياله مع مرافقيه في 20 تشرين أول 2011.
طالبت المفوضية العليا لحقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية بالتحقيق في ملابسات إغتياله دون جدوى.
عندما ترددت اخبار عن نية القذافي مغادرة ليبيا واللجوء إلى بلد خارجي، قال عنه الرئيس الفنزويلي الراحل تشافيز:
“لن يغادر القذافي ليبيا، فهو من نوع الرجال الذين يموتون وهم يحاربون”، وهذا ما كان!

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.