أمريكا الجنوبية بين الحركة الشعبية ورُسُوخ الدّكتاتوريات المدعومة أمريكيا (الجزء الثالث والأخير)، الطاهر المعز

تغيير الرّؤساء الأمريكيين واستقرار أهداف الإمبريالية الأمريكية

كولومبيا، تعاون نموذجي بين الدّكتاتورية والصّهيونية:  

في كولومبيا، تعتبر الولايات المتحدة والكيان الصهيوني من أكبر الدّاعمين عسكريا للسّلطة اليمينية المتطرفة، بقيادة الرئيس “إيفان دوكي”، ونفذت القوات شبه العسكرية اليمينية العديد من المذابح في كولومبيا، في أيلول/سبتمبر 2020، وهي قوات خاصة تابعة للجيش الكولومبي، بشكل غير ظاهر، تقوم بالإغتيالات وعمليات الإبادة، وأشرف الجيش الصهيوني على تدريبها…

نشر موقع “منْتبرسنيوز” يوم 28 أيار/مايو 2021 مقالاً بعنوان: “طُيُور بِريش فاشي، لماذا تدعم إسرائل الحملة (القمعية) الكولومبية على المُحْتَجِّين؟”

( Birds of a fascist feather : Why Israel is aiding Colombia’s crackdown on protesters – mintpressnews.com – May 28- 2021)  )

انطلق المقال من تحليل صُوَرٍ تداولتها وسائل التّواصل “الإجتماعي”، ونُظهر الصور استخدام القوات الحكومية الكولومبية (بعد القوات التشيلية) أسلحة وعربات مُدَرّعة وطائرات آلية صهيونية، ضد المتظاهرين في العديد من المدن الكولومبية، خصوصًا خلال الإضراب الوطني الشّامل (بداية من 28 نيسان/ابريل 2021)، حيث أعلن المتظاهرون، ومنظمات الدّفاع عن حُقُوق الإنسان، عن وجود خُبراء و”مُتعاقدين عسكريين” صهاينة في مجال القمع، يدعمون قوات حكومة الرئيس اليميني المتطرف “إيفان دوكي”، كما دعموا الجيش الكولومبي بتقنيات أمنية وقمعية وبأنظمة التّعرّف على الوجه، كما دعموه في القتال ضد القوات الثورية المُسلحة، حيث يُعدّ الكيان الصهيوني ثاني أكبَر مُزَوّد حَرْبي لكولومبيا، بعد الولايات المتحدة، كما انشأ ضبّاط صهاينة متقاعدون شركات أمنية تُشغّل المُرتزقة بصفة “متعاقدين أمنيين”، ليسوا أعضاء رسميين في القوات المسلحة الكولومبية ولا يرتدون الزي الرسمي للجيش، ما يسمح للدّولة بإنكار جرائمهم ضد الحركة الثورية والقوى التقدمية واغتيال المُزارعين والصحافيين والنقابيين والسياسيين المُعارضين، ودَرّب الضّبّاط الصّهاينة عناصر الشرطة الكولمبية ومجموعات شبه عسكرية يمينية متطرفة مسؤولة عن معظم المجازر وأعمال الإرهاب في كولومبيا، منذ ما يزيد على خمسة عُقُود، وسبق أن ظهر الرئيس الكولومبي السابق “خوان مانويل سانتوس”، في شريط إشهاري لشركة مُرتزقة صهيونية (غلوبل سي إس تي) مُصرّحًا: “لقد ساعدنا هؤلاء الأصدقاء، الذين اكتسبوا خبرة كبيرة (في قمع الفلسطينيين) على العمل والحفاظ على الأمن بشكل أفضل”…

أعلنت البيانات الحكومية قَتْلَ ما لا يقل عن أربعة وأربعين مواطنا، خلال الإضراب العام، وإصابة أكثر من مائة بالذّخيرة (الصهيونية) الحَيّة، وتم الإبلاغ عن “اختفاء” خمسمائة شخص، خلال مُظاهرات كانت تعبيرًا عن ضائقة اقتصادية، نتيجة السياسات النيوليبرالية للنظام القائم، والتي اتّسمت بخصخصة قطاعات الصّحة والتّعليم والنّقل والمعاشات وخفض رواتب العاملين وفَرْض ضريبة القيمة المُضافة، بنسبة 19%، على استهلاك السّلع الغذائية الأساسية.

في مجال العلاقات الإقتصادية، وقّعت حكومة كولومبيا، سنة 2013، مع العدو الصهيوني “اتفاقية تجارة حرة”، وكما أسلفنا، فإن جزءًا كبيرًا من هذه التجارة يتمثل في استيراد كولومبيا أسلحة وخبرات قمعية وتجسّسية صهيونية، يُخْتَبَرُ بعضها على الفلسطينيين كما على السكان الأصليين بكولومبيا، مقابل نهب الصهاينة للمعادن الكولومبية كالفحم، والإنتاج الزراعي كالبُنّ والسّكّر، ففي سنة 2011، شكلت صادرات الأسلحة والخُبراء العسكريين والأمنيين نصف إجمالي الصادرات الصهيونية نحو كولومبيا، وساهم الجيش الصهيوني في طرد السكان الأصليين والمُزارعين من أراضيهم الزراعية الخصبة أو التي يحتوي باطنها على بعض المعادن، وتَرْعَى الإمبريالية الأمريكية هذا التّعاون بين حليفيْن هامّيْن لها، مُثَمِّنَةً دوْرَ كلٍّ منهما في منطقته وخارجها، حيث يتلقّى جيش كولومبيا أسلحة أمريكية بقيمة 461 مليون دولارا، سنة 2021، لتعزيز دوره في تخريب فنزويلا، بذريعة محاربة الإرهاب والجريمة المُنظّمة وتجارة المُخدّرات، وصرّح الرئيس الأمريكي “جوزيف بايدن”، إثر انتخابه، سنة 2020، وقبل تنصيبه، سنة 2021، أنه يُخطّط لتعزيز دور كولومبيا في مساعدة الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى، وزعزعة استقرار الأنظمة التّقدّمية، مثل فنزويلا وبوليفيا، مثلما رعت الإمبريالية الأمريكية دوْر الكيان الصهيوني في دعم الدّكتاتورية العسكرية بتشيلي (1973 – 1990) والدكتاتورية العسكرية بالأرجنتين (1976 – 1983).

نقلت القوات العسكرية والأمنية الكولومبية تقنيات القمع والخبرة الصهيونية إلى الخارج، بإشرافها على تدريب قوات الشّرطة بهندوراس وسلفادور والمكسيك وهايتي، التي تحتلها القوات الأمريكية بغطاء الأمم المتحدة.

سبق أن وصف الرئيس الفنزويلي الراحل “هوغو تشافيز” ( 1954 – 2013 ) كولومبيا بأنها “إسرائيل في أمريكا الجنوبية… فهي أداة للإمبريالية الأمريكية.، وتشن كلاهما حروبًا لا نهاية لها ضد السكان الأصليين، بالتزامن مع الحديث عن السلام الذي تُعرقلان تحقيقه…”، فيما افتخَر الرئيس الكولومبي “ألفارو أُورِيبي”، مُعلّم الرئيس “إيفان دوكي”، بالعلاقات المتينة مع الكيان الصهيوني، الذي نقل إلى كولمبيا تجربة مُصادرة الأراضي وقَمْع السّكّان الأصليين، ليصل عدد النازحين الكولومبيين إلى نحو 7,5 ملايين مواطن، سنة 2017، بحسب الأمم المتحدة، حيث لا يوجد في كولومبيا نظام فصل عنصري رسمي، بل نظام يعتمد مصادرة الأراضي بالعنف وإجبار سُكان الريف على إخلاء ومغادرة مناطقهم، فرارًا من المجازر ومن الصعوبات الإقتصادية…

بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الكيان الصهيوني وكولومبيا، خلال منتصف عقد الخمسينيات من القرن العشرين، ونشر موقع “بريد الأطلس” باللغة الفرنسية، في الخامس عشر من شهر آب/أغسطس 2018، مقالا عن العلاقات التاريخية المتطورة بين نظام كولومبيا والكيان الصهيوني، ويُشير إلى تبادل الخبرات العسكرية والقَمْعِيّة، والدّعم المُتَبادل، فيما أشارت وزارة الخارجية الكولومبية إلى الدّعم العسكري الصهيوني الهام الذي استفاد منه جيش كولومبيا في حربه ضد المنظمات الثورية المُسلحة (مثل “فارْك” و ” ELN “)، وفي قمع احتجاجات صغار الفلاّحين، وتبيع الدولة الصهيونية طائرات (بترخيص أمريكي) وطائرات بدون طيار وأسلحة ومعدات عسكرية للجيش الكولومبي، مع إشراف الضباط الأمريكيين والصهاينة على تدريب الجيش الكولومبي.

تغلغلت العصابات الإجرامية الصهيونية في كولومبيا (وبلدان أخرى بأمريكا الجنوبية) ونشرت وكالة الصحافة الفرنسية ( أ.ف.ب. ) يوم العاشر من كانون الأول/ديسمبر 2018، خبر “اكتشاف عصابة فساد إسرائيلية” تمارس نشاطها في كولومبيا، حيث ألقت الشرطة الكولومبية القبض، بعد سَنَتَيْن من التحقيق والتّقَصِّي، على ست صهاينة وكُولومِيَّيْن إثنَيْن (أحدهما ضابط شرطة)، أنشأُوا شبكة فساد، تُجّنّد نساء فقيرات لممارسة الدّعارة مع السّائحين الصهاينة، وصادرت مبلغ 45 مليون دولارًا، ووُجِّهت لهم تُهَم “الإستغلال والإستعباد الجنسي لفتيات قاصرات ونساء، في حالة فَقْر، وغسيل الأموال، بالإضافة إلى جرائم قَتْل” بحسب بيان القضاء في العاصمة “بوغوتا”، الذي أشار إلى توسيع نشاط هذه الشّبَكة إلى عدد من دول أخرى بأمريكا الجنوبية والبحر الكاريبي…

الوضع الحالي في كولومبيا:

ينشر الجيش والشرطة والجماعات شبه العسكرية العنف في البلاد، منذ أكثر من ستة عُقُود،و يعاني الشعب الكولومبي من العُنف الرسمي دون محاسبة أو متابعة ومعاقبة مرتكبيه، منذ خيانة “فرانسيسكو دي باولا سانتاندير” للقائد الثوري “سيمون بوليفار” في القرن التاسع عشر، حيث لم تتوقف الأوليغارشية الكولومبية أبدًا عن خَنْق أي صوت حُر وأي احتجاج وأية محاولة للثورة على الأوضاع السيئة القائمة، واتخذ العُنف منحى ومنعطفًا أكثر مأساوية مع اغتيال “خورخي إليسر جايتان”، سنة 1948، ومثّل ذلك الحادث المأسوي أساسًا لحرب لا هوادة فيها ضد الفئات الكادحة والفُقراء والسّكّان الأصْلِيِّين للبلاد، والمناضلين النقابيين والسياسيين المُعارضين للرأسمالية ولكبار مالكي الأرض، لا تزال هذه الحرب الطّبقية متواصلة، بدعم من دكتاتوريات العالم، وبدعم مباشر من الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني، وظهر ذلك بشكل جَلِيٍّ خلال الإنتفاضة التي بدأت بنهاية سنة 2020، وخصوصًا خلال الإضراب العام، حيث استمرت التّعبِئة الشعبية خلال أكثر من ستة أسابيع من بداية الإضراب الوطني الذي بدأ في جميع أنحاء البلاد يوم 28 نيسان/ابريل 2021، تستمر التعبئة (يوم العاشر من حزيران/يونيو 2021) ولم تُظْهر الحكومة إرادة سياسية للحوار حول مطالب الشعب، وأهمها وقف القمع ضدّ المتظاهرين  الذي احتجّوا على السياسات النيوليبرالية للحكومة اليمينية للرئيس “إيفان دوكي”، وتُطالب لجنة تنسيق الإحتجاجات بالتفاوض على مطالب مختلف القطاعات، وتوقيع اتفاقية مُلْزِمَة للحكومة، وعقد ممثلو لجنة الإضراب الوطنية ولجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (IACHR) اجتماعا مع منظمات حقوق الإنسان المحلية (تمبلورس و إنديباز وباييس…) يوم الثامن من حزيران/يونيو 2021، ودعا البيان الصادر عن اللقاء والمؤتمر الصحفي المشترك، الحكومة الكولومبية إلى استئناف عملية الحوار لمعالجة الأزمة الاجتماعية المستمرة، والكف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات أمن الدولة خلال الأسابيع الستة الماضية من الإضراب الوطني، وكانت الحكومة قد منعت وصول اللجنة في السابق لكن اضطرت للسماح بالزيارة، بعد ضُغُوط خارجية عديدة، وسبق أن نشرت العديد من المنظمات المحلية والخارجية تقارير عن حالات الوفاة والإصابات في الوجه، والإعتقال التعسفي والإختفاء القسري ، والعنف الجنسي والعُنصري ضد النقابيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ، فضلاً عن المجازر في المناطق الريفية النّائية أو في الأحياء الشعبية الفقيرة بضواحي المُدُن، وتفيد معطيات معهد دراسات التنمية والسلام، بين تشرين الثاني/نوفمبر 2020 وأيار/مايو 2021 ، وقوع ما لا يقل عن 110 مجزرة بإجمالي 446 ضحية، واغتيال 342 من القادة الاجتماعيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، و 74 من الثوريين الموقعين على اتفاقيات السلام مع الحكومة.

يصِف الشعب الكولومبي منظومة الحُكْم الحالية ب”الأُورِيبِيّة”، نسبة إلى “ألفارو أوريبي فيليز” الذي تم انتخابه سنة 2002، في سياق الحرب الأهلية التي تمزق البلاد بين الدولة الكولومبية المدعومة من قبل الميليشيات شبه العسكرية والكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية من جهة، والقوات الثورية المُسلحة الكولومبية وجيش التحرير الشعبي، من جهة ثانية، ويُعْتَبَرُ “أُورِيبي” حارسًا أمينًا لمصالح الشركات العابرة للقارات، خاصة الأمريكية، التي تستغل الثروات المعدنية والزراعية للبلاد، وتستولي على أراضي السكان الأصليين والمُزارعين، وتستولي على إنتاج الفلاحين والحِرَفِيِّين، وهو مدافع شرس عن النيوليبرالية التي أرهقت الكادحين والفُقراء، واتّسمت فترة حُكْم أوريبي بارتفاع معدل الاغتيالات والمذابح الانتقائية، وزيادة نُفُوذ كبار مالكي الأرض وعصابات تُجّار المخدرات التي تدعم جيش ومليشيات النظام خلال الحرب الأهلية للحرب الأهلية، مقابل الإستحواذ على الأرض، وطَرْد ساكنيها وأصحابها، كجزء من الحرب ضد “الأعداء الدّاخليين” للنظام وللعصابات (الإقتصادية والعسكرية ) التي تدعمه، فضلاً عن الدّعم العسكري الأمريكي الذي يعتمد على وجود سبع قواعد عسكرية أمريكية في كولومبيا، لمحاربة نظام فنزويلا، ولقصف أراضي “إكوادور” سنة 2008…

تنتج كولومبيا أكثر من 70% من الكوكايين على مستوى العالم، ويُستخدم هذا الإنتاج الضّخم من المُخدّرات لتخريب البلدان المجاورة (فنزويلا والبرازيل) وللتهريب نحو الولايات المتحدة، عبر المكسيك، ويستخدمه النظام القائم لرشوة بعض الفئات كالقُضاة، ولشراء الضّمائر، كما تتسم البلاد بانتشار العُنف المسلّح، حيث يقتل الجيش ورجال العصابات الإجرامية المُسلحة آلاف المواطنين، خاصة في الأرياف، وتم اكتشاف العديد من المقابر الجماعية التي دُفِنَ بها آلاف الضّحايا، مثل مقبرة “لاماكارانا” و “فيلا ديل روزاريو” والعشرات من المقابر الجماعية “السّرّيّة” الأخرى، وتدّعي قوات الجيش أنها قتلت “إرهابيين”، أي مقاتلين من المنظمات الثورية المُسلّحة، وكانت هذه المجازر، وعمليات افتكاك الأراضي، سببًا في النزوح القَسْري لملايين السّكّان من المناطق الرّيفية، ولا يمر يوم واحد دون اغتيال الفلاحين والنقابيين والنساء، ما أدّى، سنة 2019، إلى انتفاضة مجمل الفئات المُسْتَغَلَّة والمُضْطَهَدَة والمُتضرّرة من هذا النظام ومن ارتفاع عدد حالات وفاة الفُقراء تنيجة انتشار وباء “كوفيد 19″، ومن حُكومة الرئيس “إيفان دوكي”، تلميذ “أوريبي”، في مادّة الفساد وتمتين العلاقات مع عصابات المخدّرات والمليشيات اليمينية المُسلّحة التي تُموّل الحملات الإنتخابية للرؤساء اليمينيين، من “أورويبي” إلى “دوكي”، وتشتري الأصوات وتهدّد المُعارضين، بل وتغتالهم، بينما ينهار قطاع الصحة العمومية ويرتفع عدد الواقعين تحت خط الفقر إلى أكثر من 42,5%، وبلغ عدد العاملين بالقطاع الموازي، والمحرومين من الحقوق الإجتماعية 11 مليون (سنة 2017)، وتزامن هذا الوضع المُزْري مع زيادة قيمة الإنفاق العسكري إلى أربعة مليارات دولارا، وتمويل الميزانية من رفع ضريبة القيمة المُضافة على السلع الأساسية، ومنها الغذاء وخدمات الكهرباء ومياه الشُّرب، من 5% إلى 19% ضمن ما ادّعى الرئيس “دوكي” أنه “إصلاح ضريبي”، بينما يُهرّب الأثرياء المُخدّرات والثروة، ويتهرّبون من تسديد الضّرائب، فكانت القطرة التي أفاضت الكأس، فتوسّعت رُقعة الحرب الطّبقية في الأرياف وفي المناطق الحَضَرِيّة، في أحياء الطبقة العاملة بالمُدُن الكُبْرى…

تدعم الولايات المتحدة النّظام القمعي الدّموي بكولومبيا، خدمةً لمصالحها، ونُذكّر مرة أخرى بوجود سبع قواعد عسكرية أمريكية بأراضي كولومبيا التي أصبحت، سنة 2017، شريكًا رسميًا لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ولذلك ليس من مصلحة الإمبريالية الأمريكية تغيير الوضع وإزاحة التحالف الطبقي الحاكم، خلال انتخابات 2022…

لم تحتل أخبار القمع بكولومبيا حيزًا هامًّا في البلدان ووسائل الإعلام والمنظمات التي تدّعي الدّفاع عن حقوق الإنسان، وهي منظمات دولية (عابرة للقارات) يتم تمويلها من قبل بعض المُؤسسات الرأسمالية “الخيرية” مثل “أُوبن ديمُكْراسي” (جورج سوروس) ومن الأوقاف والمنظمات شبه الحكومية الأمريكية والأوروبية، ما يجعل هذه المنظمات الحقوقية العابرة للقارات، تنشر بيانات عديدة ضد حكومات إيران وفنزويلا وسوريا، ونيكاراغوا وبوليفيا، وضد حماس وحزب الله، وتتجاهل أو تورد بيانات خجولة بشأن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والعديد من الحُكومات العميلة لها…

آفاق الإحتجاجات بأمريكا الجنوبية:

نجحت الإحتجاجات في تشيلي وكولومبيا وبيرو، رغم القمع الشّديد، في توضيح صورة الإستقطاب الطّبقي، وارتباط الأنظمة الحاكمة بعصابات الإجرام والمتاجرة بالبشر وبالمُخدّرات، ولعبت الإنتخابات دور المُتَنَفّس في تشيلي وفي بيرو، وفي بوليفيا، وقد يُصبح “غوستافو بيترو” الرئيس المُقبل في كولومبيا (29 أيار/مايو 2022)، وأظْهرت الحُكومات التّقدّمية في بلدان مثل البرازيل وفنزويلا وبوليفيا وإكوادور، أن اليسار بقي حبيس المنطق الرأسمالي (الكينزي) ولم يتمكّن من تغيير موازين القُوى الطبقية، ومن السيطرة على الإعلام ومنظومة التعليم وغيرها، ولا تتجاوز إنجازات اليسار بأمريكا الجنوبية، تحويل الفُقراء إلى مُستهلكين، بواسطة فُتات الرّيع الذي توزعه الحكومة وارتقاء بعض الفُقراء، بواسطة التعليم، والسّكن (خصوصًا في البرازيل) إلى فئات من البرجوازية الصغيرة التي تثور على النظام، عندما يعجز عن توزيع الرّيع، وتصطف وراء فئات البرجوازية العميلة…

بالإضافة إلى هذه العوامل الدّاخلية، تقف الإمبريالية الأمريكية بكل قواها لسدّ الطّريق أمام أي قوة تقدّمية بالعالم، وخصوصًا بأمريكا الجنوبية، وتستعين الولايات المتحدة بأوْفى حُلفائها (مثل الكيان الصّهيوني) لإدامة الفوضى وللسيطرة على الوضع في أمريكا الجنوبية، وتنظيم الإنقلابات العسكرية (تشيلي) و”الدّستورية” (البرازيل) والهجمات الإرهابية ومحاولات الغزو من الخارج (كوبا وفنزويلا)، وشن الحملات الإعلامية المتتالية، وغير ذلك من الوسائل، خدمة لمصالح الإمبريالية الأمريكية وشركاتها العابرة للقارات، ومُجَمّع الصّناعات العسكرية الأمريكي…

طبّقت العديد من أنظمة دول أمريكا الجنوبية الوصفات النيوليبرالية التي يدعو لها البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي والدول الرأسمالية الإمبريالية، واعتمدت على الجيش والشرطة والمجموعات والمُسلّحة والمليشيات اليمينية المتطرّفة، لِفَرْضِ نمط الحُكم الذي يقوم على ائتلاف رأسمالية الرّيع وكبار مالكي الأرض وتُجّار المُخدّرات، و​​وُكلاء الشركات الأجنبية العابرة للقارّات، وترسّخ هذا التّحالف على مَرّ العُقُود، خاصّة سنوات الدّكتاتوريات العسكرية في تشيلي والأرجنتين والبرازيل وغيرها، لذلك ليس من السّهل تغيير نمط الحُكْم والإنتقال سلميًّا إلى نمط آخر للإنتاج ونموذج آخر من المجتمع، ولا يختلف الأمر كثيرًا في البلدان العربية، حيث تمكّنت القوى الرجعية من الإلتفاف على انتفاضات شعوب تونس ومصر والبحرَيْن، وحَوّلت الإمبرياليةُ العراق وسوريا وليبيا إلى خراب…

يتطلب التغيير وجودَ قُوى ثورية مُنظّمة، وتحالفات محلية وإقليمية، وعالمية، لتنسيق النضالات والدّعاية لها وخلق شبكات تضامن دولي، عابر للحُدُود، بعد أن ظَهَرت حُدُود التّغْيير بواسطة الإنتخابات، وفق قواعد اللعبة التي حَدّدتها القوى الإمبريالية ووُكَلاؤُها…

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.