“كنعان” تتابع نشر كتاب “هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة: قراءة في الثورة والثورة المضادة”، لمؤلفه د. عادل سماره، الحلقة (7)

ثورة 1968 الطلابية

حرب الطلاب المدينية

مقدمة

جامحة وساخنة وخلافية ونقدية ومشتبكة كما الشباب نفسه، هذه ثورة الطلاب أيار 1968 بل والعمال كذلك. كم ابتهجتُ بها حين قرأت عنها مقالة في مجلة News Week اليمينية طبعاً. لا زلت أذكر أنني وقفت على باب الزنزانة في سجن رام الله وهو باب من القضبان الحديدية حينها 1968 أي بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في الخامس من حزيران عام 1967.بناية السجن وتسمى المقاطعة  وباب الزنزانة المكون من القضبان هي من  بقايا فترة الاستعمار البريطاني ثم الحكم الأردني قبل أن يقوم الكيان الصهيوني لاحقاً بتحويل أبواب الزنازين إلى صفيح بارد في الشتاء وشديد السخونة في الصيف. وهو نفس بناية المقاطعة التي حوصر فيها ياسر عرفات من قبل العدو إلى أن تم تسميمه رغم أنه اعترف بالكيان على ثلاثة ارباع فلسطين ووافق على حكم ذاتي لبقية فلسطين!, ولاحقاً قامت سلطة الحكم الذاتي برئاسة محمود عباس بهدم المقاطعة وإقامة ابنية ضخمة مكانها بمشهد فخم أقرب إلى البيت الأبيض في واشنطن! وهو ما لا يليق بضآلة سلطة حكم ذاتي تحت استعمار استيطاني اقتلاعي عنصري وتابع للإمبريالية بشكل عبودي. وباختصار، كي اتمكن من رؤية  النًص كان لا بد أن أقف عند باب الزنزانة.

 كما لم أنسَ كم ابتهجتُ لحصول تلك الثورة في كل من الغرب والشرق. لم أضع الغرب والشرق في نفس الموقع بالطبع، لكن نقد الشرق، وإن كان يقود إلى الطرد من “المعبد”، إلا أنه كان ضرورياً. كنت حين اعتقلت 15-12-1967  مع رفاق من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ايضاً طالبا جامعياً، فربما أضفى هذا مزيدا من النشوة حين قرأت المقالة.

كان الطلبة هم الأكثر دورا في الشارع والاحتجاج لكن ليس شرطا وحدهم لإنتاج الثورة أو تحديداً استمرارها فما بالك بانتصارها. يرتد هذا إلى الوضع الاجتماعي للفئة الاجتماعية الطلابية بما فيه فئة العمر والمهنة والدخل والمسؤولية الاجتماعية والمناخ المحيط…الخ. كل هذه تحفز الطلبة على الحراك الحرياتي. لكن هذا الحراك لا يمكنه الوصول إلى ثورة أو الوصول بالثورة إلى منتهاها  التغييري بمعنى إسقاط النظام القائم وإبداع نظام مختلف مضاد ذلك لأن الحاسم في هذه المسألة هو موقع هذا الحراك أو القوة الثائرة في التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية وتحديداً من نمط الإنتاج المهيمن ومدى كونها قادرة على حمل وتثبيت نمط إنتاج آخر كنقيض له.إنها فئة تتوزع بين مختلف الطبقات.

هذا يعني أن القوى الطبقية الاجتماعية الأخرى أي النقيضة للنظام الراسمالي وهي الأهم، المكون الأساسي أو المتولد الأساسي عن نمط  الإنتاج الرأسمالي المهيمن ونقيضة هذا النمط، اي الطبقة العاملة، هي التي يجب أن تنخرط في ثورة التغيير وليس فقط في ثورة الاحتجاج وتقودهما بوعي طبقي سياسي. هذا كان أحد أهم دروس ثورة الطلاب عام 1968.

وهكذا، نفهم بان الثورة كل متكامل واتساع بحجم التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية  سواء من حيث القوى الاجتماعية الطبقية والوعي الطبقي والعمق الثقافي التي بمجموعها تهدف وتوصل إلى الهدف.  بناء على هذا يمكننا قراءة دور الطلاب في  أوضاعهم الطبقية الهلامية الموزعة طبقياً أو على الأقل البعيدة عن  موقع الإنتاج بشخوصهم، والمرتبطة بطبقات متعددة متناقضة في علاقاتها بموقع الإنتاج. فإبن العامل طالب وإبن الرأسمالي طالب ايضاً، وبالطبع يكون السؤال، أين يتموضع وعي ابن العامل او الفلاح طبقياً وثورياً؟ هل يحلم ويتجه للتوصل إلى وضع طبقي برجوازي صغير او طبقة وسطى، أو يرى دوره في الاصطفاف الثوري التغييري؟ وهل يُهيِّىء ابن الملياردير نفسه لإدارة الشركات أم تجذبه الرومانسية الثورية أو يفهم الثورة بوعي عميق.

فجَّر الطلاب الثورة، ولاحقا تبعهم العمال والفلاحون فتصلَّب عودها واشتد، وانقسم المثقفون والنقابات والأحزاب “الثورية” بين مع وضد وعلى الوسط، والتقطت البرجوازية هذه الإختلالات، وتمكنت من إجهاض الثورة. ومع ذلك خلخلت هذه الثورة البنى الاجتماعية وخاصة الثقافية الفكرية في المجتمع الغرب- أوروبي وخاصة في فرنسا، وهزت كذلك بعض دول الاشتراكية المحققة ووصل لهيبها أو لفح قطاعات طلابية في المحيط.

في العقود الثلاثة التي سبقت الثورة الثقافية كان الجدل الفكري  الثقافي حول الثورة وتحديداً الاشتراكية في أوجه، كان الخلاف الصيني السوفييتي، وكانت مدرسة فرانكفورت الثقافوية بغطاء يساري والتي بقيت غافلة عن مشكلة الكولونيالية[1]!، وكانت فترة باندونغ في المحيط كحالة وطنية وسطية ضد الاستعمار، تقدمية وطنية وقومية  ولكن غير اشتراكية…الخ لنقل لم يكن الاستقطاب الثوري ضمن تيار محدد قيد الإمكان.

وهنا، لا نقصد أن وجود مرجع واحد وحيد للثورة كالكومنترن هو وحده الطريق السليم بمعنى دوره في التجنيد والتحشيد والتثقيف والاصطفاف كموجبات ثورية، ولكن غيابه أدى إلى نتائج اسوأ من أخطائه. ومع ذلك هي حالة أو مرحلة علينا قرائتها جيداً من جهة، وخاصة قراءة قدرة الماكينة الثقافية الأكاديمية الإعلامية النفسية الإمبريالية على اختراق معسكر الثورة وطبعا المجتمعات عامةً هادفة شيطنة اي توجه تقدمي.

من هنا يمكننا القول بأن الانفجار الطلابي كان ضرورة لا يوقفها شيء، كان حدثاً،  ولكن ليس شرطاً أن يتخذ الحدث الطريق الذي نرغب إلا بقدر استعيابنا له وتوجيهنا له. هو حالة، ونحن الذين علينا أن نجعل منه حالة ثورية.  هذا التوجيه قائم على من نحن؟ ما حدود قوتنا وما حدود ثوريتنا؟ وكانت النتيجة أن انتهت أوهام التنظير للاعتماد على الطلبة وحدهم.

ليس هذا انتقاصاً من فعالية الطلبة، ولكن لا بديل عن توفر الأرضية الطبقية العمالية من جهة ولا بد  أن تفرز الطبقة حزبها، لا أن يهبط الحزب على الطبقة من الأعلى. تأخرت الطبقة نسبيا في ثورة الطلاب، وحينما كانت قد ألقت بقضها وقضيضها في الثورة، غاب الحزب. لم يكن للحراك نفسه، الحراك بتعدده وعموميته، حزب أو تحالف أحزاب متبلورة. وغياب الحزب يُفقد الوعي الطبقي هدفه السياسي، الهدف السياسي للطبقة أي الوصول إلى السلطة بغض النظر عن تموضعها كلاسيكيا في السلطة أو الذهاب بعيداً إلى نفي الدولة/كسلطة أصلاً أي عدم تعبئة أسطوانة الدولة بمادة جديدة. كما أن أتون الصراع، لم يفرز الحزب لأن كثيرا من قوى الثورة كانت ترفض الحزبية.

ما أشبه اليوم بالبارحة! فالثورة الثقافية في الصين كانت ضد الحزب نفسه، لأن الحزب كان قد تبقرط وعششت فيه الطرائقية الراسمالية! وفي كميونة باريس، كان الثوريون جزءاً من الطبقة العاملة، وكان أحد أهم مكونات الثورة إما من الفوضويين أو من البؤريين (البلانكيين). ليس بالفكر الثوري ان نقول بأن المطلوب توفر كافة مكونات نجاح الثورة، ولكن لا بد من الاقتراب من ذلك لأية تجربة مقبلة.

أما السؤال الذي غاب تقريباً في معظم المراجعات لمختلف هذه الثورات (الكميونة، والثورة الثقافية وثورة أيار 68، فهو دور الفلاحين، أو تموضعهم؟ رغم انهم، وخاصة العمال الزراعيين في فرنسا شاركوا في ثوة 68، كما أن الفلاحين في انتفاضة 87 شاركوا بشكل واسع رجالا ونساء ضمن جماهير الأرض الفلسطينية المحتلة 1967 أي الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين.

ولأن فرنسا كانت بؤرة ذلك الصراع، فإن تخلي الحزب الطبقي عن الطبقة، عن الثورة، عن الطلبة كان تاكيداً على إجهاضها، وكأنه كان يتهرَّب من مقولة ماو تسي تونغ “تجرَّأة على النصر”.

الاتحاد العمالي سي جي تي حاول تعريف  نضال العمال على انه تقليدي من اجل الخبز والزبدة كطلبات نقابية، والاتحاد العمالي  بي سي اف حاول تعريف نضال الطلبة على انه حركة لإصلاح ولبرلة الجامعة. ولأن هذه كانت من عوامل التحفيز الثوري، لا شك أنها غدت ضمن مطالب وأهداف الثورة، لكنها حدها الأدنى.

في تجربة ثورة الطلاب هذه، خاصة الطلاب، تراجع المعلمون، لم يدعمها ألثوسير، وقام أدورنو باستدعاء الشرطة لاعتقال طلابه حينما بدأوا الحراك. كانت لحظة مثيرة للدهشة الغاضبة حيث تبين الفالق بين التنظير وبين التنفيذ. كان التنظير أكاديمياً والتنفيذ شبابياً! هل كان لا بد من التفارق، التناقض؟ لربما لا. فالطبيعي هو الجمع التفاعلي بين الفكر والممارسة، بين النظرية والتطبيق. لكن هذا لم يحصل.

في فرنسا بل والغرب، جَبُنَ وتراجع  المعلمون، ألثوسير وأدورنو مثلاً، وربما نقول عجزوا عن الانتقال من التنظير إلى التطبيق، ولكن تقدم الفلاسفة المرفوضون لوفيفر على سبيل المثال الذي أعطى مكتبه للطلبة ليكون غرفة عمليات لهم. فالثورة ليست اختباراً للطبقات الشعبية  من حيث وعيها السياسي الطبقي وحسب بل هي امتحان مباشر، تحدٍّ ميداني للمثقفين ايضاً.

هل كان أحد أسباب تراجع المعلمين أنهم أقاموا مواقفهم على هدم الهرم النظري الشيوعي التقليدي اي الاتحاد السوفييتي  دون أن يُقيموا مبنىً نظريًا قائماً بذاته! فلم يتحول ما اقاموه إلى بديل حقيقي.

وحتى البديل الذي طرحه ماركوزة أثبتت مجريات الحدث أنه لم يكن القلعة القادرة على تحقيق النصر. ما ذهب إليه ماركوزة  كانت قلعة بلا قاعدة مادية طبقية، ، كانت محمية من جمهور لا يشكل القوة الإنتاجية لمجتمع، بل كانوا غالباً مهمشين عن مواقع الإنتاج. غاضبون نعم، ولكن المعدات الثورية غائبة. مقاتلون نعم، ولكن  لا يمكنهم حمل المجتمع، مجتمع الثورة تحديداً، على أكتافهم كما الطبقة العاملة متسعة أو حتى ضيقة. أخذت الرجل حماسته وخاصة ضد الماركسية، فانتهى رومانسياً لا ثورياً.

وللمقارنة، رغم فقدان ماو للحزب ومعظم السلطة لكنه لم يتراجع وحاول في ميدان الصراع الشغل مع الجيل الجديد، مع الشباب في الحزب وخارجه، وهؤلاء قطاع واسع من القوة الإنتاجية في المجتمع بمعنى ان طرائقيي الرأسمالية لم يكونوا ليعلنوا انهم طبقة وإن كانوا في طريق التشكل الراسمالي او استعادة ذلك التشكل أو مواصلته من تحت طلاء. ما اقصده أن فريق الثورة الثقافية لم يكن خارج قطاعات الإنتاج.

يقول ماو في الثورة الثقافية: “…على الرغم ان العمال والمثقفين الشباب  ثاروا ضد  الحزب،  فقد فشلت ثورتهم  في تغيير الحزب نفسه،  وحتى حين سُئلوا اين كانت البرجوازية في بلد اشتراكي،  اجاب ماو: “صحيح،  كانت في الحزب الشيوعي  نفسه”  حيث وجدت مكانا مريحا للاختباء  داخل الحزب والوسائل المناسبة لتغطية سلطتها الجديدة، كما نراه  في الصين اليوم،  وها هي اليوم تقوم  او تمعن باتجاه التراكم الأولي لراس المال كما في  القرن التاسع عشر. جميل، وأين يكمن استدخال الهزيمة فلسطينيا؟ إنه يكمن في الزمر القيادية للمقاومة الفلسطينية.

” ان الشعب، والشعب وحده، هو القوة  الفاعلة  في صياغة تاريخ العالم،  بينما كنا نحن انفسنا  غالبا  صبية او جهلة” .

وفي الحقيقة لم يُخفِ الطلبة مصدر التأثير عليهم، حيث كان فكر الشيوعيين الحقيقيين، ماركس، ماو والماركسيين الذين، على اية حال لم يصمدوا أي سارتر، إنما لم يكونوا تلامذة لمدرسة فرانكفورت. لكن دهشتهم في ماركس وماو لم تنضج للتكوين الحزبي.  لعل هذا يوصلنا إلى أن فشل اليسار الجديد نابع من فشل التنظير اليساري الجديد الذي كانت يساريته بقدر عدائه للنظرية الماركسية نفسها، كان شغله إلى حد كبير التقليل من شأن الماركسية.

المحركات، مناخ ومجريات الثورة

المناخ الفرنسي/الأوروبي:

أما والطلبة هم المحرك البدئي للثورة، فقد نجم عن ذلك رفضهم إفقار التعليم وخاصة الجامعي، وتأنيث  التعليم  الأساسي وبعثرة التعليم التكنوقراطي  للتعليم الثانوي وخاصة في فرنسا، وهذا دفع  للتفاعل الجماهيري مع هذا الاحتجاج. ورغم أن الاحتجاج على المبنى والجهاز التعليمي هو التحدي المباشر الذي واجهه الطلبة ورفضوه، فإنه هو نفسه كموضوع احتجاج مطلب جماهيري ترافقت معه مطالب ليست طلابية بحتة بل تمس اصل النظام الاجتماعي والسياسي القائم. وقد اتضح ذلك بصورة خاصة في المطالب السياسية  المطروحة ومن اشراك الجماهير  وخاصة في فرنسا. وفي تقاطع هذه المطالب والاعتراضات أصبح الهدف هو التخلص من البناء التعليمي القائم، من النظام الاجتماعي وخاصة بناء الدولة. وهي الدولة التي كان يرأسها الجنرال ديغول ذو الأهمية في فرنسا سواء بتاريخه ضد الاحتلال الألماني في الحرب الإمبريالية الثانية، أو محاولاته بكل ما امكنه هزيمة الثورة الجزائرية إلا أنه قاد فرنسا المهزومة. واتكاء على تاريخه “كبطل قومي برجوازي” في خدمة الرأسمالية جعل الجامعات خادمة لرأس المال الكبير مما تسبب في تسعير الرفض الطلابي.   

كان المجتمع الذي ينشده الطلبة هو المجتمع الحر القائم على الإدارة الذاتية التسيير الذاتي. كان الهاجس هو كيف يمكن  للشعب ان يحل مشاكله بنفسه؟ كان معظم الشعب الفرنسي ميالا الى رفض النظام الاجتماعي الغربي  للراسمالية البيروقراطية الحديثة وضرورة اعادة تقييم اساسية عميقة للقيم الاجتماعية.

تعالي الحكومة الديغولية،  رجعيوها  ساعدا بدورهما الحركة   لتنتشر كالفطر في التحول الى اضراب طلابي على صعيد الوطن  وتمظهر في الحراك الطلابي كانت انطلاقته باحتلال طلبة جامعة نانط مباني الجامعة، ثم حرب شوارع شاملة  بما فيها حواجز  طبقا لتقاليد باريس الثورية، وامتدت الى المعامل والمكاتب . كما قامت أيضا عناصر كبيرة من الشريحة الادارية والمهنية التخصصية بالمشاركة في الاضراب العام  واحتجت على البنية المركزية جدا والتراتبية  والسلطوية في اوساطها.ايضا.

إحتج الصيادلة على مزاياهم  وتضامن مهنيون وعلماء وفنيون وأضرب صحفيوا التلفاز الحكومي  ورفضوا اذاعة  التحريفات التي صاغتها الحكومة، بعض الطلبة اعلنوا الثورة الثقافية، وهتفوا “…  الموت لمجتمع الاستهلاك والموت الزؤام للاغتراب  نريد عالما جديدا وأصليا نرفض عالما يقايض الضمان ضد المجاعة بخطر الموت من الضجر”. ورُفعت شعارات “لن تتحرر الانسانية حتى يشنق آخر بيروقراطي في مؤخرة  آخر رأسمالي” .

 “هذه الثورة التي بدأت لن تتحدى المجتمع الراسمالي فقط بل الحضارة الصناعية”

“لا تغير المشْغَل بل غير حياة التشغيل” “السلطة للتخيُّل”.  

 وحتى بعد تقوية سلطة الديغوليين لم يتصور احد ان  يتسلل ديغول مع جنرالاته إلى المانيا للتباحث في ولاء الجيش له، ورفعت شعارات ضد: وهم الاستقرار اللبرالي، التماسك، موت السياسة، كما تبدد إجماع  المجتمع الراسمالي المتقدم. إذن لا صحة للحديث عن عدم تسيُّس الشباب عمال وطلبة فهم في المقدمة.

وصف  معلق بريطاني ثورة 68: “… انه اضراب خارج السياسة التقليدية…. اضراب ضد  ملل العمل ممثلا في  المصانع الحديثة جدا  الذي يقود للاغتراب  وضد سلسلة الاوامر البيروقراطية المتحجرة ، رفض تفويض السلطة  والافتقار للنقاش الجماعي…انه اضراب ضد نمط من السلطة [2]” . هذه المرة كل فرنسا وليس باريس فقط

  • لذا، حين انتقلت الثورة من الطلبة إلى العمال، وحتى الفلاحين، قررت البرجوازية/الدولة التراجع وتقديم بعض الحلول.

ومقارنة مع فرنسا،كانت المطالب في إسبانيا محو آثار النازية من التعليم وفي ايطاليا تقليل التفاوت المناطقي والتفرقة الاجتماعية  وفي افريقيا الخلاص من اثر الاستعمار في التعليم وفي امريكا الجنوبية اقامة علاقات وظيفية مع حاجات التنمية.

كان ايار 68 هو المظاهرات الجماهيرية، المتاريس،  المعارك مع البوليس، …الخ كانت ظاهرة عالمية لا اروروبية/فرنسية فقط في  المكسيك المانيا  الصين ايطاليا والولايات المتحدة، تونس تشيكوسلوفاكيا…الخ لم تكن ظاهرة فرنسية خاصة. كانت صرخة وحراك شبابي أممي لم تُلغِ الهزيمة هديرها ووجعها حتى اليوم.

المجريات

ثورة مايو عام 1968 في فرنسا هي فترة عنيفة من الاضطراب المدني سادتها الإضرابات العامة والاعتصامات في الجامعات  واحتلال المصانع  في مختلف أنحاء الجمهورية الفرنسية بدفع من الطلبة والعمال واشتراكيين وشيوعيين. أخذت المظاهرات طابعا جماهيرياً، وأقيمت  المتاريس، واشتبك الشباب في معارك مع البوليس …الخ .

يقول باديو: كانت بداية من طلبة المدارس والجامعات  وهم جزء من الشباب  منقطع تماما عن  الجماهير العريضة وعن الطبقة العاملة… كانت القوة غير العادية فوق العادية  للإيديولوجيا والرموز ، المفردات الماركسية، وفكرة الثورة. ومن جهة ثانية قبول العنف. يمكن تعريفها انها كانت دفاعية ورافضة للقمع، لكن تبقى عنيفة[3]

كانت استلهاما لإبداع ثلاثة عوامل راديكالية: الدعوة للإضراب وقرار الإضراب،  باهتمام قليل  للمؤسسات  الرسمية للطبقة العاملة. قادها عمال شباب من الطبقة العاملة  من خارج منظمة اتحاد العمال  التي دعت له جزئيا  كي تتحكم به لذا لجأ العمال الشباب الى الإضراب الشرس بعيدا عن قيادة النقابات التي مقابل الإضراب لجأت اي  الاتحادات التقليدية إلى شعار  “ايام الفعل النشاط”.

ثم احتلال المصانع وهو استمرار لتقليد  الاضرابات العظيمة 1936 و 1947  لكن هنا (ايار 68) كانت على نطاق واسع. وزرعت الراية الحمراء على أغلب المصانع.

وجرى الاختطاف الممنهج لكبار المدراء ونشبت المعارك في المحيط مع  الأمن  او قوات  سي آر اس.

قادت الثورة حركات متعددة  تتكلم لغة واحدة: الصراع الطبقي، قيادة البروليتاريا للصراع  منظمات جماهيرية وحزب  وكلها تحت الراية الحمراء، ورفض الانتخابات حيث الشعار “الانتخابات هي خدعة”  ذلك لأن الحكومة وبعد شهر من حراك الطلاب وحراك غير مسبوق من الطبقة العاملة قامت الحكومة بانتخابات اتت اكثر رجعية. (قارن مع حكومة تيير في الكميونة وحكومة الكميونة) الانتخابات وضع الشعب في الصندوق 4 سنوات

يرى باديو ان هناك امران يطبعان 68 ولا يزالان حيَّين حتى الآن:

  • ان هناك حركات اجتماعية ملتحمة  بمطالب محددة والاتحادات هي  منظماتها الطبيعية. 
  • ثم هناك عنصر الحزب الذي تواجد في مختلف المواقع الممكنة للسلطة،  والذي يجلب لها، ان كان بوسعي وضعها كما يلي، قوة ومحتوى الحركات الاجتماعية. باديو ص 41

في تفارق عن اعتدال الحزب، بدورهم، استخدم الطلبة  مختلف المصادر المتناقضة  وخاصة التناقض  الذي منع الحكومة  عن مزيد من انتهاك البرجوازية الصغيرة  عِبْرَ مثلا، إعطاء امر  بفتح النار على الجماهير.  لقد قاتل الطلبة بشجاعة وابتكروا وسائل جديدة للصراع  مثلا مجموعات  صغيرة  مسلحة جيدا  ومتاريس   مما اجبر الدولة على تراجع ما،  وارغم البوليس  على اتخاذ  خط عام  بعدم الذهاب بعيدا . وحينما توحدت البرجوازية  والرأي العام ، وصحافتها،  واذاعاتها ضد  هذا “الإفراط”  اضطرت الحكومة  لتراجع ما.

ورغم تمدد الثورة الطلابية في بقاع عديدة من العالم، لكن لم يصل الحراك حد تهديد النظام سوى في فرنسا ومع ذلك بقي صداها في مسمع الطبقات الشعبية في العالم.

في فرنسا تعاون اتحاد الطلاب الثوريين مع اتحاد الشباب الشيوعي الماركسي اللينيني  والجماعة المؤيدة للحزب الشيوعي  الصيني  والشباب الشيوعي الثوري وحركة 22 آذار في العمل الثوري. لكن الشيوعي التقليدي بقي مراقبا. أي لعبت القوى الصغيرة مثل التروتسكية والماوية/ وليس الحزب الشيوعي،  التي لها علاقات  مع قطاع الانتاج   والسنديكالية الفوضوية دورا  حاسما في الدعوة للإضراب  في شركة الملاحة  ورينو. لذا، حينما قررت الديغولية  التحول ضد العمال نالت تراجعاً او على الأقل عدم الاكتراث من قبل  البرجوازية الصغيرة بمن فيهم الطلبة.كان أشد التفاعل من العمال المثقفين الفنيين علميا وتقنيا  هؤلاء تقبلوا مطالب الطلبة وهذا اعطاها الطابع الشعبي ذي العلاقة بمواقع الإنتاج، لكنه لم يوفر لها الحزب القائد!     

هل السبب أنها كثورة شبابية عمالا وطلابا أعلنت وقوفها ضد ما يسمى، صدقا أم تجنياً،الجمود المذهبي الروسي والصيني  والمادية المفرطة وضد الالتزام باي حزب ، أم لأن  هذه القوى لم تكن قد هيأت نفسها وجمهورها والشعب عموما لتلعب دوراً ثورياً يلتقط الحدث بل يساهم في صنعه؟ مما جعل تجاوزها ضروريا.

القوى الشابة اشتراكية الهدف، مثلاً بخلاف كثير من مناضلي الكميونة؟ فهم من الفئات المثقفة  والتي زادت عددا بتطور العلم والتعليم. لذا، كان من اهدافها ازالة الامبريالية والاحتكارات والقضاء على عدم الترشيد الاقتصادي ورفض العسكرة وتخفيض ساعات العمل والتامين الاقصى لمتطلبات الراحة وتحويل الانتاج لتلبية حاجات الاستهلاك،  وتحسين نوعية  واتجاه الانتاج. لكن الإشكالية لم تكن فقط في الخلاف على اية اداة او طبقة، بل في غياب الأداة المناسبة.

هذه الاحتجاجات قادها كوهين-بنديت ولجنة ال 22 آذار من جامعة نانط  في ضواحي باريس. حينها، كان كوهين بنديت ثورياً حيث كتب في كتابه الشيوعية الغاية :البديل اليساري ان ثورة الطلبة بدات لأن المجتمع لم يقدم للشباب سوى البطالة  او اعمالا حولتهم الى ادوات لخدمة الاحتكارات  الراسمالية المتحكمة. كما ان المجتمع يطلب منهم الإذعان لجرائم السياسة الدولية.  مثل حرب فيتنام.

طبعاً تُبرز أغلب الوثائقيات والتظاهرات وتُعلي شأن البعد الطلابي الشبابي التحرري  المتأثر  بقياديين طلبة مثل دانيال كوهن ــ بنديت، وجاك سوفاجو وألان كريفين، وبأفكار ماو تسي تونغ،  وتشي جيفارا،  وهوشي منه/ فيتنام،  وريجيس دوبريه،  وليون تروتسكي، وفرانز فانون، وهربرت مركوزة والمثقفين والأكاديميين مثل جان بول سارتر، وآلان جريسمير، وجان لوك غودار و . أ  ف ستون، وغارودي وغيرهم من المثقفين والمبدعين. لذا، بدأت طلابية وتحولت عمالية في فرنسا خاصة.

كانت للأزمة، كما اشرنا، ثلاثة مظاهر عام 1968: انتفاضة الطلبة و إضراب العمال الجماعي و أزمة الثقة في الحكومة وهو ما قاد إلى الانتخابات البرلمانية. لكن، للأسف تم في النهاية حل كل واحدة من هذه لصالح الوضع القائم status quo.

وقائع الثورة ويومياتها:

لم تكن ثورة 68 باريسية كما كان شأن كوميونة باريس،  لا من حيث الانحصار في باريس ولا من حيث الابتكارات الثورية الشعبية.

“… طلبة مدينة تولوز سبقوا هم أيضاً طلبة السوربون وأسسوا «حركة 25 نيسان/ أبريل». الشيء نفسه بالنسبة إلى تحركات الشغالين، فاحتلال المصانع من طرف العمال بدأ يوم 14 أيار (مايو) في مدينة بوغيني على بعد 400 كيلومتر من العاصمة.
تجارب الإدارة الذاتية سواء في المصانع أو خارجها حصل أغلبها بعيداً عن العاصمة الفرنسية: نانط، لوهافر، الخ. أشرس الإضرابات والمواجهات مع قوات الأمن حصلت بعيداً عن باريس، وحتى المرات القليلة التي استُعمل فيها الرصاص الحي لقتل العمال، كانت في مناطق أخرى: مونتبيليه وكالفادوس.

دخول العمال:

بدأت التحركات العمالية في أيّار (مايو) 68 بالإضراب العام يوم 13 أيّار قبل أن تبدأ حركة احتلال المصانع يوم 14 منه (مصنع «سود ـــ أفياسيون» بالقرب من مدينة نانط) لتنتشر ككرة الثلج في كامل فرنسا وتشمل عشرات المدن ومئات المؤسسات الاقتصادية. لم يقتصر الإضراب على المصانع الكبرى أو القطاع الخاص فقط، إنّما شمل أيضاً المؤسسات الصغرى والمتوسطة ومؤسسات القطاع العام، بما فيها وسائل الإعلام التابعة لديوان الإرسال الإذاعي والتلفزي الفرنسي.
تطور عدد المضربين عن العمل من 200 ألف شخص يوم 17 أيّار ليصل إلى قرابة 10 ملايين عامل يوم 26 منه. لم يكن على المضربين مواجهة قوات البوليس وميليشيات رؤوس الأموال والشيطنة الإعلامية فحسب، إنّما كان عليهم أيضاً أن يصمدوا أمام ضغوط و«خيانات» النقابات والحزب الشيوعي الفرنسي وكل الرفاق الذين لم يستسيغوا هذا الفلتان العمالي الذي يكفر بالأطر التقليدية وتوجيهات الزعماء. حاول الحزب الشيوعي والنقابيون المقربون منه كبح/ لجم انتفاضة العمّال في محاولة لاسترداد دورهم كرعاة للطبقات الشعبية ومفاوضين باسمها مع السلطة السياسية وأرباب العمل. مثلت «مفاوضات غرونيل (25 ــ 27 أيّار1968) التي جمعت ممثلين عن النقابات وأرباب العمل والدولة أولى الضربات لتحركات العمّال عبر إقرارها رفع الأجر الأدنى المضمون وتدعيم العمل النقابي وعدة «مكتسبات» أخرى. صحيح أنّ أغلب العمّال واصلوا إضراباتهم، لكن الخلافات بدأت تدب في أوساطهم: بعضهم يعتبر الاتفاق مرضياً في حين يراه آخرون دون المأمول وأن ميزان القوى في صالح المضربين ويمكنهم نيل المزيد. طوال فترة الإضراب والصعوبات المادية عدم الحصول على أجر، بالإضافة الى بداية ردة الفعل الديغولية من مظاهرات مساندة للنظام والحصول على دعم الجيش وعوامل أخرى أضعفت تدريجياً حماسة ووحدة المضربين… بدأ العمّال يعودون إلى مراكز عملهم منذ منتصف حزيران (يونيو) 1968 في وضع ما بين الانتصار والانكسار. ومع هذه العودة التدريجية بدأ الموت البطيىء للثورة في عمر أشبه بعمر كنيونة باريس وشابه لاحقا حصار الكيان الصهيوني لبيروت الذي انتهى بترحيل المقاومةالفلسطينية إلى مقبرتي تونس واليمن. حقاً تتشابه التراجيديات.

دخول الفلاحين:

 شهدت مدن فرنسية عدة تحركات ومظاهرات فلاحية تُعدُّ بالعشرات، وشارك فيها مئات الآلاف خصوصاً خلال الفترة الممتدة من 22 إلى 26 أيّار أي في أوج الأحداث. تركزت هذه التحركات أساساً في منطقة الغرب (جهات البريتاني والبايي دو لا لوار) والجنوب (جهة لونكدوك روسيون) والوسط الشرقي (جهة الرون ألب) حيث يوجد ثقل كبير للمزارعين ومربي الماشية. لم يكتفِ الفلاحون بتنظيم مظاهرات قطاعية، بل انضموا في بعض الأحيان إلى الاعتصامات الطلابية والعمّالية في الجامعات والمصانع أو في أماكن أخرى مثل ما حدث في مدينة نانط حيث التحق آلاف من الفلاحين بالعمّال والطلاب الذين سيطروا على وسط المدينة ومقرّ البلدية، وبدأوا في إدارة ما يشبه «الكومونة». هناك الكثير من الصور والفيديوهات تُظهر جرارات الفلاحين في قلب «الساحة الملكية» التي غيّر المعتصمون اسمها ليصبح “ساحة الشعب”.
في الحقيقة، تحركات ونضالات الفلاحين (نتحدث هنا عن عمال الفلاحة وصغار الملاكين)، بدأت قبل أيّار 68 بسنوات. فالفلاحة (الزارعة وتربية المواشي) التي كانت إلى حدود الخمسينيات تُشغّل ثلث الفرنسيين تقريباً، تراجع ثقلها بحكم تطور الصناعة وقطاع الخدمات ونزوح الكثير من أبناء الأرياف إلى المدن الكبرى والمتوسطة. كما أنّ نمط الإنتاج الفلاحي شهد تغيرات جذرية، منها تراجع الفلاحة العائلية لصالح المستغلات الشاسعة التابعة لكبار الملاكين وشركات صناعة المواد الغذائية. هذه التغيرات خلقت طبقة عمّالية ـــ فلاحية تعمل في المزارع والمستغلات الكبيرة وسط ظروف صعبة وبأجور متدنية. كما أنّها صعّبت الأمور على صغار الملاك الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على الإنفاق أكثر والرضى بمداخيل أقلّ لمواجهة المنافسة. كما ان انتشار الأفكار الماوية في الأوساط اليسارية الفرنسية جعل مناضلين يهتمون أكثر بعالم المزارعين ومسائلهم ويسعون لتثوير هذه الطبقة”[4].

يقول باديو ثورة 68 في فرنسا تأثرت  بمساقات الثوسير  و لاكان التي  لا يمكن التقليل من شأنها، نظرا لمحتواها  وما يسمى البنيوية  التي هيمنت عليهما،  ونظرا لطريقة عرضهما  للمؤسسة الجامعية (بالمعنى الحقيقي)  التي سقطت في حالة تجمد مريح  واطاعة سادتها.  (لكن الثوسير لم يقف مع الثورة ولاكان انحنى لميتران بعد 20 سنة!)  بينما خان أدورنو طلابه فوراً. ربما لم يكن يتخيل أن الثورة هي خارج النص الأكاديمي.

تواطؤ:

بعد أقل من شهر على أحداث أيّار 1968 العاصفة في باريس ومدن فرنسية أخرى، وافق أكبر اتحادات العمال الفرنسيين (كان يسيطر عليه الشيوعيون) على وقف الإضرابات واستنئاف العمل في المصانع في مقابل منافع وتنازلات ماديّة محدودة للعمال من قبل المالكين والدولة. هذا النموذج من المناورة السياسيّة بأقل التكاليف، سمح للرأسماليّة الأوروبيّة بتجديد نفسها داخل طور جديد. إذ ما لبثت الأحزاب اليسارية واتحادات العمال وتيارات الاشتراكيين ـــ الديموقراطيّين في دول أوروبا الأخرى، أن تسابقت بدورها لقبول رشى مشابهة، ونفذت رغبات الرأسماليين بوقف القلاقل وإعادة تطبيع الاستغلال.

وصل الأمر، كما اشرنا، إلى سفر الرئيس/الجنرال  شارل ديغول لساعات بسرية كبيرة ودون إعلام أحد حتى رئيس وزرائه جورج بومبيدو إلى ألمانيا وذلك لمقابلة صديقه الجنرال الفرنسي جاك ماسو ليتأكد من ولاء الجيش له خوفا من محاولته الوقوف في صف المتظاهرين. ربما تذكر ديغول ما حصل في الكميونة حيث انضمت وحدات من الجيش للثوار.

انتهى الأمر بالموافقة على حل الجمعية الوطنية والإعلان عن عقد انتخابات برلمانية جديدة في يونيو والتي خرج منها الديجوليون أكثر قوةً.

لعل ما يفرق الثورة الطلابية عن شعارات او طموحات الكميونيين أنها كانت أكثر رومانسية لا سيما برفع شعارات مثل: “سلطة الطبقة” بينما الطبقة لم تكن جاهزة لمواصلة النضال من أجل سلطتها   و “ثورة الشباب” بينما الشباب وحده لا يمكنه إنجاز الثورة لمداها التغييري التحولاتي، و”الاممية الطلابية الجديدة” وكأن الأممية مجرد رغبة حماسية لا تحوُّل في التشكيلات ومواقع وخاصة علاقات الإنتاج.

ولكن، لا ننسى أنه تبلور على هامشها اليسار الجديد وهو ضد الامبريالية ومن الطبقة الوسطى رغم ضعفه فيما يخص التقاط الأهمية القصوى للطبقة العاملة وهي الرافعة التي تحمل النظام الراسمالي، الرافعة التي بوسعها هدمه. ولا يقلل من دورها توسع الطبقة العاملة وتعدد شرائحها وحتى تنافس  بعض شرائحها بينياً.

ومن مساهماتها إدانة الراسمالية والامبريالية والحروب وتحويل البشر الى آلات. وكذلك ضمن مجرياتها أنها فتحت الطريق لكل من  حركة المرأة،  ومن ثم  حقوق وتحرر  المثليين …الخ.

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.


[1] يخالُ الباحث أحيانا بأن هذه المدرسة جرى بنائها وتواصل شغلها كما او كان تخصصاً في النازية ثأراً لليهود من المحرقة وكأن هذا شغلها الحصري أو كأن العالم هو النازية واليهود وأوربا الغربية والولايات المتحدة. وعليه، إذا كان هناك  من مثالٍ على المركزانية الغربية فهذه مدرسته اللصيقة.

[2] Arghadh, John. The New French Revolution (New York, 1969, p. p. 62, 465, 468

[3] The Communist Hypothesis, Alain Badiou, Verso, 2015 , p.p. 36- 35

[4]هذا مقتطف من مقالة محمد رامي عبد المولى الأخبار اللبنانية الجمعة 1 حزيران 2018