ضمن حزمة التهديدات الأمريكية للاتحاد الروسي ضم الرئيس الأمريكي تهديدا للاتحاد الروسي بوقف تعامل هذا الاتحاد بنظام “سويفت”، الأمر الذي ينبىء بمزيد من العدوان الاقتصادي من قبل الولايات المتحدة ضد الاتحاد الروسي بمعزل عن وجود قرار بعد بتصعيد تلك الحرب إلى حرب عسكرية أم لا قريبا او بعد حين.
كما تقول جوجل: “نظام سويفت هو الترجمة المالية للتجارة السلعية والخدماتية الدولية فهو شبكة مراسلة واسعة تستخدمها البنوك والمؤسسات المالية الأخرى لإرسال واستقبال المعلومات بسرعة ودقة وأمان ، مثل تعليمات تحويل الأموال”.
لكن جوجل لم تقل بالطبع بأن الولايات المتحدة هي المتحكمة بهذا النظام.
فماذا سيفعل الاتحاد الروسي؟ لنعد لما فعله الاتحاد السوفييتي.
إثر انتصار ثورة اكتوبر 1917 قامت الأنظمة الرأسمالية الغربية وخاصة الإمبرياليات منها بإعلان حربين على الثورة البلشفية:
· حرب المقاطعة والعزل واتهام الاتحاد السوفييتي ولاحقا بقية الدول الاشتراكية في شرق أوروبا بأنظمة الستار الحديدي في حين أن الستار قد فُرض عليها من الغرب نفسه. وبالمناسبة، فإن نفس الأنظمة الغربية تهاجم الانفتاح الصيني على السوق الدولية!
· وشن حرب بجيوش قوامها مليون ونصف المليون جندي إضافة إلى بقايا جيش القيصر والجنرالات البيض.
لم يكن في سياسة السوفييت فك الارتباط بالسوق والنظام الراسمالي العالمي . كان الهدف المباشر على الأقل هو إقامة نظام اشتراكي. وهو الأمر الذي حصل جرائه خلاف لم يتوقف بعد بشأن إقامة الآشتراكية في بلد واحد.
على أية حال ليس هذا موضوع نقاشنا الآن.
بيت القصيد أن الاتحاد السوفييتي ذهب باتجاه التمحور علىى الذات والتحكم بالفائض المحلي ومن ثم فك الارتباط بسبب المقاطعة العدوانية الغربية ، اي لم تكن استراتيجية فك الارتباط قد تبلورت في أوساط البلاشفة، لكن الحصار والمقاطعة قادت إلى انتهاج السوفييت استراتيجيات أدت تطوره السريع رغم خسائره البشرية في الحربين الإمبرياليتين الأولى وخاصة الثانية.
كان مآثر ستالين أنه رفض المشاركة في اتفاقات “بريتون وودز عام 1944 وأرسل وفدا غير رفيع لحضورها، ولكن الأهم أنه وضع البنك المركزي في الاتحاد السوفييتي بيد الدولة، وبقي كذلك إلى أن بدأ تفكك الاتحاد السوفييتي. (انظر كتابنا قريبا: “صين اشتراكية أم كوكب اشتراكي).
يتابع العالم في الأيام الأخيرة تهديدات الولايات المتحدة ضد روسيا بعزلها عن نظام سويفت المبادلاتي المالي الدولي. وهو عمليا أمريكي.
وتكون أهمية وحساسية هذا النظام أكثر كلما كانت الدولة، ناهيك عن الأفراد أكثر نشاطا في التجارة الدولية.
بل إن أهمية اي اقتصاد هي بمقدار طلب السوق الدولية على منتجاته.
وبالطبع فإن روسيا ضمن الدول ذات الوزن في التجارة الدولية وبالتالي في نظام سويفت.
وعليه، فإن تنفيذ امريكا لتهديدها ضد روسيا لن يُسقط ولكن سيعرقل الاقتصاد الروسي.
معروف أن روسيا ومجموعة بريكس تخطط لمبادلات فيما بينها بعملاتها الخاصة كما وتسعى لاعتماد عملة خاصة مفصولة عن الدولار.
ولكن، فيما لو سارت روسيا في هذا الطريق وصولا إلى فك ارتباط اقتصادي ولو تدريجي فهل هذا في مصلحة الصين كورشة تصدير للعالم والحائزة على تريليوني دولار على شكل سندات الخزانة الأمريكية. فهل الضغط على روسيا هو أيضا لخلخلة التضامن الروسي الصيني في المستوى النقدي؟ وهل عدم إصدار نقد خاص بديلا للدولار بين دول بريكس يُعاق من قبل الصين؟
وإذا كان هذا التوجه قد سار ببطء حتى حينه، فإن التهديد الأمريكي و/أو تنفيذ هذا التهديد سيرغم موسكو على التوجه الجاد لفك الارتباط المالي الدولي باقتصادها.
وإذا حصل هذا فهو مقدمة لتشجيع كثير من الدول لفك الارتباط الاقتصادي بالنظام العالمي.
ويبقى السؤال: هل يمكن للسلطة في روسيا وكذلك الصين أن تتقدم باتجاه فك الارتباط المالي والتجاري؟ هذا سؤال برسم التحديات وطبيعة المصالح وجذرية القيادة.
لن نقل بأن هذا توجه اشتراكي، ولكنه على الأقل تخلص ما من قيود النظام الراسمالي العالمي بما يتضمنه من ضعضة لهذا النظام ايضاً، وهذا ما يجيز لنا القول بأن أمريكا تهدد أكثر مما تنفذ هذا التهديد. أما حصوله فيعني أن العالم مقبل على خضات عميقة وشديدة.
يبقى وجوب الملاحظة بأن بوتين حاول مرتين وضع البنك المركزي تحت سيطرة الدولة ولكن جميع الأحزاب هناك رفضت الاقتراح، وللمفارقة رفضه ايضا حزب بوتين والحزب الشيوعي! ألا يدل هذا على لوبي لبرالي أمريكي في كليهما؟
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.