بإيجاز: مُتابعات – انتخابات تشيلي، الطاهر المعز

دُعي 15 مليون ناخب، من إجمالي 19 مليون نسمة، لاختيار رئيس الجمهورية، يوم الأحد 19 كانون الأول/ديسمبر 2021، وفاز مُرشّح ائتلاف اليسار (“المُعتدل”) “غابريال بوريك” على خصمه “خوسيه أنطونيو كاست” من اليمين المتطرف، في هذه الدّورة الثانية، بنسبة 56% مقابل 44%، وأصبح بوريك الرئيس المنتخب الذي سيتولى منصبه رسميا في 11 آذار/مارس، خلفًا للرئيس اليميني المنتهية ولايته سيباستيان بينيرا، وكانت هذه المواجهة الانتخابية غير المسبوقة منذ العودة إلى الديموقراطية في عام 1990 بين مرشحين لديهما مشاريع اجتماعية متعارضة تماما، وتابع بوريك صدور النتائج في وسط العاصمة “سانتياغو”، أما منافسه كاست، فتابع صدور النتائج في أحد الأحياء الراقية شرق العاصمة.

يُذْكَرُ أن “بوريك” كان من قادة احتجاجات الحركة الطّلابية، سنة 2011، ضد ارتفاع نفقات التّعليم، ومن قادة الاحتجاجات الشعبية على سياسات عدم المساواة الاقتصادية عام 2019، والتي طالبت بالعدالة الإجتماعية، وأسفرت الحركة عن انتخاب لجنة لإعادة صياغة للدستور رسميا، وهو نائب بالبرلمان، عن ائتلاف يقوده الحزب الإشتراكي الذي لم يُغَيِّر وضعَ البلاد، عندما كانت “ميشال باشليه” رئيسة للجمهورية من 2006 إلى 2010، ثم من 2014 إلى 2018، في بلد لا يزال يستحوذ 1% من أثريائه على 26,5% من ثرواته، بحسب إحدى منظمات الأمم المتحدة (بيانات 2018).

وَعَدَ الرئيس المنتخب بمزيد من الحقوق والرعاية والخدمات الاجتماعية لصالح الفقراء، وتحسين معاشات التقاعد والحماية الصّحّية، وتعهد بجعل البلاد “مقبرة الليبرالية الجديدة”، ما يُناقِضُ تصريحات أخرى له، حيث عَبّر عن “ضرورة الإلتزام بالمسؤولية المالية، لحماية الإقتصاد”، ويقترح برنامج “بوريك” إصلاحًا ضريبيًّا، يتضمّن زيادة مساهمة الأثرياء ، مع ضمان الوصول بشكل أفضل إلى الخدمات الصحية والتربية وإنشاء نظام تقاعدي جديد للحلول محل النظام الحالي الخاص.

حصل اليميني المتطرف “خوسيه أنطونيو كاست”، الذي لم يُخف حنينه إلى ديكتاتورية الجنرال “أوغستو بينوشيه” (1973-1990)، قائد الإنقلاب العسكري، ضد الرئيس المنتخب “سلفادور أليندي”، على أقل من 8% من أصوات الناخبين، سنة 2017، لكنه استفاد من الرفض الشعبي للرئيس اليميني الثّرِي، “سيباستيان بينييرا” (مؤيد الدكتاتورية العسكرية)، فتصدّر الدّور الأول للإنتخابات الرئاسية لسنة 2021، بحصوله على قرابة 28%،  وحصل على نحو 44% في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وهي نسبة مرتفعة جدّا ومخيفة، تعكس التّأييد الواسع لليمين المتطرف وللدّكتاتورية، من قِبَل شرائح هامّة من اليمين “التّقليدي” والمَسِيحي، المناهض للفكر التّقدّمي، والمُعارض للمُساواة بين المرأة والرجل، وبين مختلف مكونات الشعب من الشعوب الأصلية وأحفاد المُستعمِرِين المستوطنين الأوروبيين، كما لا يخفي مُرشّح اليمين المتطرف إعجابه بالرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” وبالرئيس البرازيلي “جاير بولسونارو”، وهو من أُسْرة ثرية، وابن ضابط من جيش ألمانيا النّازية، جاء إلى تشيلي بعد الحرب العالمية الثانية، كما العديد من أقطاب النّازية الذي قصدوا تشيلي والأرجنتين والبرازيل وغيرها من بلدان أمريكا الجنوبية، بإشراف وكالة الإستخبارات الأمريكية، ويُدير “كاست” مكتب محاماة واستشارات قانونية للشركات والأثرياء…

يُعتَبَرُ هذا الفَوْز تَتْوِيجًا لمرحلة من نضالات اليسار في أمريكا الجنوبية، وفي تشيلي، حيث انطلقت احتجاجات تشرين الأول/اكتوبر منذ 2019، من أجل العدالة الإجتماعية، ومن أجل الديمقراطية، وتصفية إرث الدّكتاتورية العسكرية، متمثلة في الدّستور الذي وُضِعَ على مقاس الأثرياء، بدعم من صندوق النّقد الدّولي، واستمرت الإحتجاجات والقمع الدّموي، حتى انتخاب المجلس التأسيسي (لاقتراح دستور جديد) والإنتخابات الرئاسية، في التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر 2021، لكن اليمين “المُعتدل” و “المتطرف”، رَكّزَ خلال الحملة الإنتخابية، على زيادة الإستقطاب والمواجهة، عبر الإستفزاز وتشويه سمعة الخصم، بدل التّركيز على البرنامج السياسي للمترشح، ولئن لم يستطع اليمين الطّعن في نتائج الإنتخابات، لأن الفارق هام، فإنه ( اليمين ) بشقّيْه “المعتدل والمتطرف، قد تهيّأَ لما بعد الانتخابات، وهو بصدد تحضير احتجاجات بأشكال مختلفة، كما يحصل حاليا في “بيرو”، بعد فوز “اليساري” المُعتدل جدًّا “بيدرو كاستيلو”، حيث لم يتوان اليمين عن بث الحقد وازدارء الشّعُوب الأصلية وسُكّان الرّيف، فرئيس بيرو الجديد كان مدرّسًا، نقابيًّا، في مدرسة ريفية، وهو ينتمي إلى شعب “مابوتشي”، أي السّكّان الأصليين للبلاد…   

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.