لم اقرأ تفصيلا برنامج سيف الإسلام القذافي للانتخابات “المعولمة” في ليبيا ولست ادري إن كان قد نُشر أم بقي كما يقول أحد محامي قضيته بأن البرنامج يقوم على: “التنمية الاجتماعية والإقتصادية الشاملة والتعليم المجاني وفرص العمل والضمان الاجتماعي”، هذا ناهيك عن شعاره السياسي المصالحة والصفح….الخ.
ويبدو أن عدم النشر يرتد إلى اقتناع الرجل وفريقه بأن الوقت مبكر على ضوء الاحتمال لقوى، كما رأوا حينه، هو تأجيل الانتخابات، بمعنى أن الرجل أراد دخول المناخ الإعلامي للحملة الانتخابية.
وها قد تأجلت الحملة بقرار من ما تسمى “المفوضية العليا للانتخابات” وهذا يعني أن يد هذه المفوضية هي فوق قرار ورغبة وحق الشعب العربي في ليبيا! وليس هذا بالأمر العجيب لأن الذي هدم ليبيا هو الذي يزعم أنه سيعيد بنائها، ولكن كما يخدم مصالحه. لا أدري من الشاعر الذي قال:”بالنفط هدمنا لبنان وبالنفط سنبنيه”وهو قول ينطبق على ليبيا وسائر الوطن العربي.
حيث أن قرار الانتخابات من النظام الرسمي العالمي وخاصة جوهره/قيادته الإمبريالية، فاحتلال ليبيا معولم وقرار الانتخابات هناك معولم. وقرار تأجيل الانتخابات بحجج عدة، ربما اهمها القلق من عودة تجربة معمر القذافي مجدداً التي بسببها تم تدمير ليبيا. أو ربما يطلع علينا شيخ دين سياسي ليقول: “حرام إجراء إنتخابات ليبيا في يوم ميلاد السيد المسيح معتبراً ذلك مخالفاً للشريعة”!!
وبغض النظر عن حدود اتفاقنا أو اختلافنا مع تجربة العقيد، إلا أن:
· تدمير ليبيا عولمياً
· والخوف منها مجدداً
تدل على أن الهيمنة اللبرالية الغربية هي عدو للشعوب ولم ترتخي يدها عن عنق ليبيا حتى لو تحوَّرت من يد بيضاء إلى يد تركية مثلا أو غيرها بل وغيرها.
فرغم قبول الليبيين بانتخابات بالمعيار اللبرالي الغربي إلا أن هذا المعيار يناور كي يتخلص من رغبة أكثرية الشعب العربي في ليبيا، أو لنقل رغبة أكثريته!
وأكرر، لا أعرف سوى بعض ملامح برنامج سيف الإسلام القذافي “ليبيا الغد”، مثل، القبول بصندوق الاقتراع، والمصالحة والتسامح، وتوحيد ليبيا وحصر ثرواتها لأهلها…الخ. وبالطبع، لا يدري المرء إن كان هذا وحده جوهر المشروع أم له خطة (ب).
لكن ما أود طرحه هنا بعيدا ربما عن ما يدور في ذهن الرجل وفريقه.
هناك نظرية في التنمية والسيادة يُجمع عليها كثيرون بأن الكيان الصغير لا يمكن له أن يكون مستقلاً، بل يجد نفسه مضطراً للتبعية حتى لو كان غنياً لأن هذا عالم الكتل الكبرى. وفي الحقيقة فإن القذافي قد فهم هذا وحاول الوحدة لكن الظروف لم تؤاته.
وعليه، حتى لو حصلت الانتخابات وفاز سيف الإسلام بما هو الأكثر وطنية وشعبية من غيره كما يبدو، وحتى لو تمت لسلطته السيادة الفعلية على ثروات البلاد، وهذا صعب، فإنه مضطر أن يتذكر بأن الكيان الصغير عرضة للإقتحام إلا إذا كان نووياً بل إن الانتخابات ستجري والأعداء بانواعهم بعد في ليبيا أي الغرب وأدواتهم الإقليمية وخاصة تركيا ناهيك عن ما قامت به وتحاوله قطر والإمارات. أما مصر فلا يعلم توجه حاكمها غير امريكا!
لقد حاول العقيد القذافي الوحدة مع مصر، لكن رحل عبد الناصر باكراً، ليسيطر السادات على البلد ويأخذ مصر إلى حالة قزمية في كل مستوى حيث اقتلع العروبة والتنمية والاشتراكية والتوجه جيوبوليتيكيا لإفريقيا وركَّعها للكيان الصهيوني.
وهنا لابد للمرء أن يستذكر ما قاله هيكل وهو الممتد من فاروق عبر ناصر وصولا إلى السادات فمبارك فالسيسي، ومن هنا خطورته. فأثناء خدمته للنظام الساداتي ساخراً من حماسة القذافي للوحدة. والمفارقة أن هيكل كان لصيقاً بعبد الناصر! وبهذا فهيكل يمثل المثقف النرجسي والقُطري المتدثر كذبا بالقومية.
فهو الذي مما قاله ما يلي:
“…ان أعضاء الناتو كانوا يرغبون في إسقاط نظام ليبيا ونظام ليبيا يستحق أن يُسقط…
في ظل المجلس العسكري المصري ، ادخلوا قوات، لا اسميها مرتزقة.
وأرسل 300 عسكري، 30 طائرة وقام ب 12 طلعة جوية، وقدمت قطر 60 عسكري وقامت ب8 طلعات جوية، والسويد 122 عسكري و 8 طلعات، والامارات 35 عسكري و 12 طلعة، والأردن 30 عسكري و 12 طلعة جوية. وحصل في القاهرة التمهيد من الجامعة العربية وخاصة مجلس التعاون الخليجي بالتدخل وقد عمل الناتو بقرار من الجامعة وطلبوا من مجلس الأمن حماية المدنيين ، جميعنا دخلنا البعض اعترض أما مصر والمجلس العسكري فقد ايد ذلك”.
وبالطبع هذه عينة من المشاركين الصغار في العدوان،اي أن الأساس هي قوات الناتو.
حين تقرأ حديثا كهذا تشعر بأن الرجل بل تتأكد بأنه عدو لهذا البلد العربي. وقد راينا طبعا ما آل إليه الوضع.
وفي السياق المعادي نفسه مقالات عديدة كتبها التروتسكي جلبير اشقر تاييدا لتدمير ليبيا. وكذا كتب الكاتب الروسي حينها بوريس كاجرلتسكي الذي زعم بأن القذافي لم ينفق شيئا على ليبيا! وحتى يناقض نفسه في مقالته نفسها، فأحيانا يكتب بأن القذافي طور ليبيا حداثياً، وأحياناً يقول إنَّ ثروة ليبيا هربتها الشركات الليبية إلى الخارج، وإنَّ البطالة وصلت 30 بالمئة وعم الفقر…الخ. والمهم أنّه في هذه المقالة يزعم بأن ليبيا بعد القذافي هي أقرب حالة عربية إلى الثورة البلشفية وبشكل أخص الثورة الفرنسية؟ كيف يمكن لأحد أنْ يزعم هذا! ففي يوم 14 آب 2012 تناقلت وكالات الأنباء أنَّ ليبيا سوف ترسل دبابات للإرهابيين الوهابيين في سوريا (الجيش الحر) بموافقة الولايات المتحدة. (أنظر كتابنا ثورة مضادة إرهاصات أم ثورة، منشورات فضاءات، عمان، 2012)
هذه المواقف سواء العدوان المجرم ناتوي او استتباع عربي أو الأقوال الرخيصة للهيكل أو الحقد التروتسكي لأشقر أو التخرصات ل كاجرلتسكي تبين لنا حقيقة مُرة ومحرجة وهي أن هذا لا يجتمع إلا ضد بلد عربي لأنه يحصل في فترة تقويض العروبة، وهو نسخة اسوأ من العدوان ضد العراق والنتيجة نفسها.
وحيث فشل القذافي في الوحدة مع مصر، وورطه السادات ضد الانقلاب الشيوعي في السودان، أخذ الرجل بمحاولة حيازة النووي لليبيا.
ولا ندري إن كان وثق أم جزع من الإمبريالية فقام بتفكيك المشروع.
وعليه، ما يجب أن يتذكره سيف الإسلام وفريقه هو أن المناخ الذي جعل تدمير ليبيا سهلاً ومجانياً لم يتغير سواء على صعيد الموقف الإمبريالي أو على صعيد التجزئة الرسمية العربية. وبأن ثروة ليبيا هي كعب أخيل ليبيا وليست مصدر قوة ورفاهية طالما هي ثروة لبلد:
· ليس بحجم كبير حيث يصعب احتلاله، لنقل إيران مثلاً
· وليس بسلاح نووي يحمي به نفسه.
· وليس بواقع عربي وحدوي ولا حتى تنسيقي بل لعب رسميا دور العدوان والقوادة.
صحيح ان ليبيا ثرية ولا تحتاج مساعدات كما حال لبنان أو تونس…الخ
لكن الثروة والسكان الأقل تؤكد هشاشة الدولة مهما كان نظامها وطنياً.
فاليوم ليست المشكلة فقط ان البلد الصغير مضطر للتبعية غنياً كان أم فقيراً كما كان الأمر في عصر القطبين. بل إن المرحلة الحالية هي مرحلة عائمة وزلِقة تتجه نحو تعدد القطبية ولكن لم يكتمل ذلك، بمعنى أن مناخ احتلال ليبيا الذي لم يردعه أحد لا يزال قائما إلى حد ما، بل إن جنود أكثر من احتلال لمَّا تخرج بعد وخاصة التركي.
وهذا يشترط على ليبيا الجديدة، إن حصل، أن تجد طريقها باتجاه تكتل فدرالي في المغارب العربية.
وهذا يفتح على ما ذكرناه قبل ايام أي إنزياح المركز العربي الرسمي باتجاه الجزائر وتونس وربما الصحراء وموريتانيا. فالصراع العالمي وتناقض المصالح وتعددها وجشع راس المال وسواد الدولة القومية عالمياً في هذه الحقبة من الزمن تتطلب قوة بنيوبة ذاتية للصمود والمواجهة. وليبيا وحدها لن تتمكن وقد تسقط في المأزق مجدداً.
هل لدى فريق سيف الإسلام أمورا كهذه؟ بمعنى إن حصل ووصل الرئاسة أن يلجأ سريعا لوحدة ما فدرالية أو كونفدرالية مع الجزائر مثلاً وتونس ولو في المستوى الرسمي ؟ وهو ما قد يعيد فرصة المغارب العربية جميعاً ويُحاصر نظام المخزن الذي يتحول إلى قاعدة للكيان! أي هل لدى سيف الإسلام رؤية ودراية وقناعة أن المطلوب السيف العروبي ووجوب صقله رغم ثلمه؟ لا ندري.
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.