- الرقص في حضن بيجن والفيس بوك
قد يخالفني الكثير من الناس بأن من أرسى الإغواء بالعلنية المتهافتة في الأرض المحتلة كان رئيس وزراء الكيان مناحيم بيجن منذ توليه ذلك المنصب عام 1977. قبل ذلك كانت حكومات الكيان تمنع مجرد وضع نعي أو تهنئة بتحرير سجين…الخ كان كل شيء سِرِّياً. مناحيم بيجن بدوره فتح بابا للعلنية وربما كان مستشاروه قد أخبروه بأن هناك الكثيرين ممن يحبون الاستعراض وهو مسلك يقدم للمخابرات مؤشرا في معرفة اين تتجه قناعات الشباب وإن بشكل أولي.
جاءت أوسلو وجرى الحديث عن السلام ووقف المقاطعة والانتفاضة وجرى فتح المكاتب العلنية للتنظيمات…الخ، في بلد يدخل الاحتلال رحمها متى شاء!!! سواء حسب نص المطاردة الساخنة وبدون. بل إن عبارة “المطاردة الساخنة” هي إذلال حقيقي. هذه العلنية لبَّت هدف الترهل الذي احتوته أوسلو في أحشائها. وهذا قاد إلى الصلع الأمني عموما للفصائل ومن ثم لحق به الصلع النضالي.
وعلى المستوى الاجتماعي كان الصلع الإنتاجي حيث اصبحت الريوع إكسير البقاء . ريوع الغرب وأنظمة التبعية والترك والأنجزة وريوع السفارات واوكار المخابرات والمراكز الثقافية ورحلات المؤتمرات التي أغلب من شارك فيها كان بهدف السياحة وشراء الحاجيات وليس حتى بمستوى حوار حتى في التسوية. هذا دون أن ننسى الأخطر وهو الريع غير المباشر اي تحويلات أجور العمال من المحتل 1967 العاملين في مواقع العمل في المحتل 1948.
فالصلع الإقتصادي المتمثل في تقويض مواقع الإنتاج ودفع قوة العمل المحلية بأنواعها لاستجداء العمل في الكيان، وقيام الكيان بالاستيعاب لأنه يعرف ما معنى امتصاص قوة العمل سواء العامل اليدوي أو الطبيب عالي التخصص لأن ذلك تجويف لديناميكيا البنية المجتمعية وليس لأن الكيان عاجز عن جلب عمالة من المحيط التطبيعي العربي أو غيره. وهذه كانت نظرية موشيه ديان منذ هزيمة حزيران 1967 بامتصاص قوة العمل كي لا تشارك في المقاومة وبالتالي شل البنية الإنتاجية ايضاً والتي تغلبت على نظرية بنحاس سابير الذي حاول الفصل الإقتصادي بين المحتل 1948 والمحتل 1967.
لذا، فالحديث عن صفر بطالة في المحتل 1967 هو ايضاً حديث عن صفر إنتاج وهو ما نسميه الصلع الإنتاجي وكثاثة/من شعر كث أو كثافة الاستهلاك! ضحالة إنتاج وكثافة إستهلاك إلى حد الترف! هل هذا بدون تمويل غزير ومسموم ؟ وهل هو لوجه الله! كيف يكون هذا وذاك معاً؟ إلا كونه حالة مشوهة بالتمام والكمال.
قبيل اوسلو كانت الحالة الفلسطينية متكئة على عاملين بشكل اساسي:
· المقاومة المسلحة
· والحركة الطلابية
جاء أوسلو وأنهى المقاومة المسلحة إلى حد كبير، وأخذ البلد إلى صراع على الاستدوال الذي انخرطت فيه عمليا معظم الفصائل. وخلال صراع الاستدوال بدل التحرير كان لا بد من استقطابات متدنية الآربحية والمثال على ذلك تفتيت الحركة الطلابية فصائليا ، ولا داع للحديث عن تفتيت الحركة العمالية حيث اصبح لكل فصيل (طبقة عاملة ونقابة) ولا تختلف الحركة النسائية فما بالك بالنسوية!
يختلف توريط الحركة الطلابية في صراع الاستدوال الفصائلي عن توريط أية طبقة (هذا إن كان صحيحاً وجود بنى طبقية حقيقية) أو شريحة اجتماعية. فعنصر أو مَعين المقاومة الحقيقية هو شبابي، هذا قانون اجتماعي معولم.
فالثورة الثقافية في الصين 1965 كان عنصرها الأساسي طلابي وعنها أخذت الثورة الطلابية في فرنسا والمركز الراسمالي والعديد من دول العالم 1968.
بعد تفكيك الحركة الطلابية التي كانت طليعة مواجهة الاحتلال وتوزيعها على الفصائل جرى تبهيت صورة وجوهر المقاومة حيث اختزلت في صراعات على وسائل التواصل الاجتماعي واستعراضات “مسلحة أو بصور السلاح” داخل الجامعات.
ولست أدري، كيف للبعض الذي تنقد قيادة فصيله التنسيق الأمني ويتفاخر هو بنقدها أن يقوم هو بالتبرع الأمني عبر تقديم الشباب لمخابرات الكيان مجانا.
لا يحتاج الأمر لعلم نفس مخابراتي حتى يتوقع بأن من يحمل بندقية في الجامعة أو يحمل مجسم صارخ يمكن أن يفكر عمليا في عمل مسلح. وإلا ما معنى حرص العدو على صور كل من يشارك في اي نشاط؟ ألا توجد لديه أجهزة فلترة وتصنيف.
وهل الطالب الملثم لا يعرفه طلبة مخروقون!
لعلها نظرة ضيقة من الفصائل أن تنجر إلى تقاسم جسم الحركة الطلابية مما ينقل النضال ضد الاحتلال إلى مماحكات وحتى اقتتال داخل الجسم الطلابي الوطني نفسه وإلى تبرع بمعلومات أمنية سواء بالاستعراض أو على وسائل التواصل الاجتماعي.
قبيل أوسلو كانت الحركة الطلابية حركة مقاومة واشتباك مع الكيان دون صراعات بينها، كان يشغلها المشروع الوطني. أما اليوم فيشغلها مشروع الاستدوال حتى في مستوى عضو مجلس قروي أو عضو مجلس طلبة في كلية! هذا مستوى لا يليق بوطن محتل.
أما في المقلب الآخر، فإن استمرار هذه الأشكال من الفوضى داخل الجامعات قد أدت إلى الصورة الحالية سواء اقتتال الطلبة أو إغلاق الأبواب أو تكسيرها.
وربما لنا أن نسال:
ترى كيف تفكر قيادات هذه الفصائل ، ولماذا تطلق العنان لتابعيها من الطلبة بحيث يقعوا في مختلف هذه التصرفات؟
أما إدارة الجامعة، أقصد بيرزيت في اللحظة الحالية، فلماذا قررت فجأة حظر هذا النشاط أو الخلل أو ذاك! هل هو نظراً لانحيازها لموقف فصيل أو موقف السلطة؟ وهل هذا هو الطريق المناسب؟
ما حصل مؤخرا من فتح أبواب الجامعة بالقوة ناهيك عن حمل السلاح الناري داخل حرم الجامعة، ليس أمراً لا سابق له وليس خللاً لا يمكن معالجته. لكن أسلوب المفاضلة بين طرف وطرف لا يحل المشكلة بل يبين عجز الإدارة إدارياً، وتخليها عن موقعها الأكاديمي المفترض أن يكون رصيناً.
فروح التمرد هي طلابية اصلا، لكن السؤال كيف يجب أن تتم عملية تقنيتها/فتح قنوات لتسييرها، وهل يمكن لجمها دفعة واحدة بعد إغرائها بالفوضي والمظهرية والاستعراض منذ قرابة ثلاثة عقود!
أذكر يوم 21 نيسان 1963 حين كنا نتظاهر كطلبة لضم الأردن للوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق جُلنا على مختلف المدارس وحينما أغلقت مديرة مدرسة بنات رام الله الثانوية البوابة خلعناها وحين اغلق مدير مدرسة الفرندز المدرسة كسرنا الشبابيك.
لكن ما يحصل اليوم من إغلاق الجامعة على يد فصيل وفتحها على يد آخر يعني أن الصلع وصل الأكاديميا .وهنا اعني مصلحة الطلبة في التعلُّم.
هذا يدفع الطلبة إلى خيارات جميعها مرفوضة:
· إضطرار قسم من الطلبة إلى مغادرة الدراسة لأن اسرهم لا تتحمل إهلاك مداخيلها لصالح رسوم بلا تعليم
· اضطرار قسم من الطلبة للانتقال إلى جامعات محلية أخرى، إن أمكن، مما يزيد العبء المالي على أهليهم وخاصة الأسر محدودة الدخل.
· إضطرار قسم من الطلبة أبناء الأسر المتمولة لمغادرة الوطن
· إضطرار قسم من الطلبة الذهاب إلى جامعات الكيان الأمر الذي يؤكد وجود قوة طاردة محلية للكفاءات وحتى للعنصر الشاب لصالح الكيان.
إن معالجة حالة كهذه تتطلب من كادر الجامعة ومن ثم مجلس الأمناء وضع اسس جديدة للنشاط الطلابي في الجامعة بحيث لا يأخذ اي شكل من الأشكال الفاقعة التي تسيطر على الطلاب، وحصر النشاط الطلابي في الثقافة والمناظرات الفكرية وربما السياسية والابتعاد عن اي مظهر تسليحي.
أليس الوضع الطبيعي للطالب ان يمارس السياسة والعمل النضالي خارج الجامعة؟
وهذا يعني عدم رضوخ إدارة الجامعة لإملاءات السلطة أو الفصائل عموماً. فمن يعرف أهمية التعليم الجامعي وطبعا التطور الفكري والثقافي يجب أن تكون لديه خلفية من هذا القبيل. فالأمر ليس إداريا بحتاً وبالطبع ليس أمرياً.
إن إبعاد السلطة السياسية وقيادات الفصائل عن الجامعات أمر حتمي ومفصلي. فهي من اجل مكاسب انتخابية لمجلس طلبة بدون حركة طلابية تضحي بكل شيء. تخيلوا مجلس طلبة في غياب اساسه الموضوعي وهو حركة طلابية حقيقية!
إن بوسع مجلس الأمناء وكادر الجامعة لجم ما يحصل إذا تخلصوا من تاثير السلطة وقيادات الفصائل، وللعلم كثير من هؤلاء لا خلفية أكاديمية لديهم وبالتالي يلعبون السياسة بالفهلوة وتدبيج العبارات التي تعلموها منذ خمسين سنة. أما حين يجلس طالب كممثل لحركة سياسية وليس للطلبة، مقابل إدارة الجامعة فلن يكون حلاً.
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.