متابعة برقيات وكالات الأخبار، وبعض التعليقات، الطاهر المعز

 ​​1

نقَلَت وكالة “رويترز” (ووكالات أخرى) يوم التاسع من شباط/فبراير 2022 تصريحًا للجنة التّعويضات بالأمم المتحدة (جنيف) يُفيد تسديد العراق، يوم الثالث عشر من كانون الثاني/يناير 2022، آخر دُفعة من مبلغ 52,4 مليار دولارا، “لتعويض الأفراد والشركات والحكومات الذين أثبتوا أنهم تعرضوا لأضرار بسبب غزو العراق للكويت واحتلاله لها سنة 1990”

تأسست لجنة التعويضات في أيار/مايو 1991 بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، وأشرفت طيلة أكثر من ثلاثة عُقُود على استقطاع نسبة 5% من مبالغ مبيعات النفط والمنتجات النفطية العراقية، وتوزيعها بين مصاريف إدارة اللجنة ورواتب وتنقلات وإقامة أعضائها (وهي مرتفعة جدا) وتعويض 1,5 مليون “مُتَضَرِّر من الغزو العراقي للكويت” الذي دام سبعة أشهر، وكانت اللجنة قد تلقّت أكثر من 2,7 مليون طلب تعويض بقيمة 352,5 مليار دولار، ووافقت على 1,5 مليون طلب حصل أصحابها على 52,4 مليار دولارا، منها 14,7 مليار دولارا لصالح مؤسسة النّفط الكويتية.

مُلْحق الخبر:

نقلت وكالة الأنباء الألمانية “د.ب.أ.” تصريحَ السفير الأميركي لدى العراق “ماثيو تولر”، الذي أَكَّدَ يوم الثامن من شباط/فبراير 2022، مُشاركة الجيش العراقي (الذي تُدرّبه وتُسلِّحُهُ وتُشرف عليه قوات الإحتلال الأمريكي) في عمليات عسكرية أمريكية بشمال شرقي سوريا وخصوصًا بمحافظة “الحسكة” السورية التي تحتلها الولايات المتحدة، دون أي تفويض من أي هيئة دولية ودون أي دعوة من الدّولة السُّورية

التعليق:

تم إقرار العقوبات ضد العراق، نظامًا ودولة وشعبًا، من قِبَل الأعضاء الدّائمين بمجلس الأمن، أي من يتمتّعون بحق النّقض (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانا وفرنسا) خلال الأيام الأخيرة من حياة الإتحاد السوفييتي، لمّا كان نظام الصِّين يتَجنَّبُ إزعاج الإمبريالية الأمريكية، ليتمكّن من اكتساح أسواق آسيا وإفريقيا بهدوء، دون منافسة الشركات الأمريكية والأوروبية، ويجمع بقية أعضاء مجلس الأمن حلف شمال الأطلسي والإيديولوجيا التّوَسُّعِيّة العدوانية، والإقتصاد النيوليبرالي، أي إن الولايات المتحدة تتحكّم بالقرار، وتمكّنت من تجميد أكثر من ثلاثين مشروع قرار يُدين الكيان الصهيوني الذي لم يتم إقرار عقوبات ضدّه، رغم المجازر العديدة والإغتيالات…

هل سدّدت الولايات المتحدة تعويضات لمئات الآلاف من أُسَر ضحايا أسلحتها النّوَوِية باليابان، بنهاية الحرب العالمية الثانية، وهل سدّدت تعويضات للسّكّان الأصلِيين الذين أبادهم الغُزاة القادمون من أوروبا، واغتصبوا وَطَنَهُم، وهل سدّدت الولايات المتحدة تعويضات لضحايا المجازر التي أشرفت عليها في إندونيسيا وماليزيا 1965) وخلال العدوان على شعوب جنوب شرقي آسيا (فيتنام ولاوس وكمبوديا…) ولضحايا الإنقلابات والمجازر التي أشرفت عليها وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية في كافة القارات، وخصوصًا بجنوب القارّة الأمريكية؟

2

من دواعي الثورة

تُمْطِرُنا وكالات الأنباء ومراكز الدراسات والبحوث يَوْمِيًّا بأخبار ومعلومات تُثِيرُ الغضب وتدعو إلى الثورة، واخترتُ نموذَجَيْن، من جملة عشرات الأخبار…

شمال/جنوب، توازن مفقود:

نشر “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” (أونكتاد) بنهاية سنة 2021، تقريرًا عن جائحة “كوفيد -19″، أشار: “إن توزيع اللقاحات في جميع أنحاء العالم كان “رديئًا وغير عقلاني” ، حيث توصلت الاقتصادات المتقدمة إلى صفقات توريد لثلاثة مليارات جرعة من اللقاح أكثر مما تحتاجه لسكانها، وهو ما يكفي تقريبًا لتوفير جرعتين للجميع من افريقيا الذين لم يتم تلقيح 10% منهم بنهاية الربع الثالث من سنة 2021″.

من جهته، نشر البنك العالمي يوم 11 كانون الثاني/يناير 2022 توقعات اقتصادية تُؤَكِّدُ ارتفاع دخل الفرد، سنة 2021، بمُعدّل 5% في الدّول الغنية، وبنسبة 0,5% في البلدان الأشدّ فقرًا، خلال نفس السنة، وبخصوص سنة 2022، أكّد تقرير البنك العالمي: “إن التعافي من الجائحة بسرعتين سيزيد من عدم المساواة بين الدّول الغنية والد,ل النامية”، لأن حكومات الدّول الغنية منحت الشركات الكُبرى مبالغ ضخمة من المال العام بذريعة “تحفيز الإقتصاد للتعافي من الأثر الاقتصادي لوباء كوفيد-19″، وهو ما لا تسطيع العديد من الدول الفقيرة القيام به، بسبب الضُّعْف الهيكلي، وبسبب نهب ثرواتها وبسبب الفساد، والعديد من الأسباب الأخرى المتنوعة، ولذا يتوقّع البنك العالمي اتساع الفجوة، حيث سيعود إنتاج البلدان الغنية، سنة 2023، إلى مستوى ما قبل الجائحة (2019)، لكن لن يصل إنتاج البلدان “النامية” إلى مستوى ما قبل الجائحة، بل سيظل إنتاج الدّول الأضعَف أقل بنسبة قد تصل إلى 8,5% من مستوى ما قبل الجائحة، وسوف تزداد مُعاناة المواطنين في هذه البُلدان الفقيرة من ارتفاع نسبة التضخّم، بسبب ارتفاع أسعار السّلع والخدمات الأساسية، ومن نتائج ارتفاع حجم الدَّيْن العام وخدمة الدَّيْن، أي أن العاملين بالدّول الفقيرة يُوفِّرُون إنتاجًا إضافِيًّا يتم استخدامه لتسديد الدّيون، وليس لتلبية حاجة المواطنين، وتتوارث الأجيال هذه الدُّيُون التي ما فَتِئَتْ ترتفع قيمتها ونسبتها من الناتج المحلّي الإجمالي…

أكّدَ “صندوق النّقد الدّولي” ما ورَدَ في تقرير شقيقه “البنك العالمي”، كما أكّد نفس التّوصيات المَسْمُومة التي تضرّرت منها الشّعُوب وفُقراء العالم، وتتلخّص في حث حكومات الدّول الفقيرة على تصفية القطاع العام في مجال الإنتاج كما في مجال الخدمات، واتخاذ مزيد من الإجراءات النيوليبرالية التي عانت منها شعوب العالم، ومنها ما نعرفه منذ نهاية سنة 2021 من ارتفاع كبير في سعر المحروقات والكهرباء وفي أسعار الغذاء، بذريعة ارتفاع أسعار الطاقة والنّقل، في ظل قرارات إلغاء دعم السّلع والخدمات الأساسية، التي تفرضها شروط صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ضمن برامج “الإصلاح الهيكلي”…

لم تقترح تقارير صندوق النقد الدّولي أو البنك العالمي أو مصارف “التّنمية” الإقليمية، ولا حتى منظمات الأمم المتحدة إلغاء أو حتى تأجيل سداد الدّيون إلى حين انتهاء جائحة كوفيد-19، بل مدّد صندوق النّقد الدّولي، منذ انتشار الوباء في آذار/مارس 2020، اتفاقيات القروض وشُرُوطُها (التّقشّف وإلغاء الدّعم وتسريح الموظفين وتجميد الرواتب…) في أوج الأزمة الصّحّية التي رافقتها أزمة اقتصادية، أما البنك العالمي فقد قَبَضَ من الدّول الفقيرة، خلال الفترة من آذار/مارس 2020 إلى نيسان/ابريل 2021، أَمْوالاً تَفُوق ما قَدّمَهُ من قُرُوض “لإنقاذ اقتصاد البلدان النامية” (التعبير للبنك العالمي) خلال نفس الفترة، فيما تعاني الشعوب، وكذلك العاملون والفُقراء من الكوارث التي خلّفتها هذه الدّيُون وشُرُوطُها المُجْحِفَة…

المُستفيدون من الوباء:

ارتفعت ثروة أثرى الأثرياء بشكل قياسي، غير مسبوق منذ انتشار وباء “كوفيد-19″، وزادت بأكثر من 1,6 تريليون دولارا، وارتفعت ثروة عشرة منهم بنحو 458 مليار دولارا، فيما ارتفع مؤشر شركات الصناعة الأمريكية بنسبة 23% ومؤشِّر شركات التكنولوجيا بنسبة 27%، من الأول من كانون الثاني إلى العاشر من كانون الأول 2021…

استفادت من هذا الإرتفاع بعض الشركات العابرة للقارات، منها شركات إنتاج العقاقير واللقاحات، حيث أعلنت شركة “فايزر” الأمريكية، وهي أكبر شركة عالمية في قطاع المُخْتَبَرات وإنتاج العقاقير، طَرْح دواء ( Paxlovid ) بداية من يوم الرابع من شباط/فبراير 2022، في أسواق الولايات المتحدة، ووَصَفَتْهُ بأنه “مُضادّ لكوفيد -19″، وللتذكير فإن لقاح “فايزر” هو الأكثر مبيعًا في العالم، رغم ارتفاع سِعْرِ بيعهِ، وعدم تناسب سعر البيع، بمعدّل عشرين دولارا للجرعة الواحدة في الولايات المتحدة،وبلغ السعر مائة دولار، في بداية إنتاج اللّقاح، مع تكلفة الإنتاج التي لا تتجاوز 1,2 دولارا للجرعة، وقبضت الشركة مليارَيْ دولارا من المال العام بالولايات المتحدة، خلال صائفة 2020، لمساعدتها على تسريع عملية البحث عن لقاح، فيما تحتفظ الشركة بالأرباح المالية والفوائد المُنْجَرَّة عن احتكار براءة الإختراع و”المِلْكِيّة الفكرية” لفترة لا تقل عن عشرين عامًا لا يمكن خلالها لشركات أخرى إنتاج لقاح جَنِيس، أو بديل حَيَوِي، يسمح بإعادة إنتاج نفس الدّواء بسعر منخفض، وبذلك تُساهم الشركات الكُبرى في قطاع الأدوية، في حرمان فُقراء العالم من الحصول على اللقاحات والأدوية…

الإستنتاج:

نحن نعيش في مناخ توفرت فيه عوامل الضّغط والإختناق، ولكي نحيا بكرامة، لا خيار لنا سوى مقاومة الإختناق، بالبحث عن الأوكسيجين، لنتمكّن من استنشاق هواء يُساعدنا على البقاء أحياء، وترك إرْثٍ سليم، غير مُلَوّث للأجيال القادمة…

3

آفاق الإقتصاد العالمي، سنة 2022، بحسب رواية صندوق النّقد الدّولي

تقوم إحدى ركائز أكبر اقتصاد رأسمالي عالمي (الولايات المتحدة الأمريكية) على فرضيةٍ يتمثّل جانبها المالي في ضخ السّيُولة النّقدية، عبر القُرُوض الرّخيصة التي يضُخُّها الإحتياطي الإتحادي (المصرف المركزي الأمريكي) للمصارف والشّركات، فتنخفض بذلك تكلفة اقتراض الأُسَر، ما يزيد من حجم استهلاك الشركات والأُسَر والأفراد…

بعد سَنَتَيْن من تجميد سعر الفائدة، بهدف إنعاش الإقتصاد الرأسمالي من خلال الإستهلاك الدّاخلي، أعلن الإحتياطي الإتحادي الأمريكي (المصرف المركزي) منتصف كانون الأول/ديسمبر 2021، عن اقتراب موعد إنهاء مشترياته من الأصول، بدءًا من مآذار/ارس 2022، بدلاً من حزيران/يونيو 2022، كما كان مُقَرّرًا، ويتجه الإحتياطي الإتحادي الأمريكي نحو رَفْع أسعار الفائدة (ما تُسمّى “المُعدّلات الرّئيسية”)، في بنهاية الرّبع الأول من سنة 2022، بهدف امتصاص التّضخّم الذي صاحب ارتفاع الطّلب على الإستهلاك، وبلغت نسبة ارتفاع الأسعار نحو 7%، سنة 2021، وقد يؤدّي رفع سعر الفائدة إلى تعثر سوق الأسهم، بصورة مؤقتة، وهو ما حَصَل منذ يوم الإثنين 24 كانون الثاني/يناير 2022، في سوق الأسهم الأمريكية “وول ستريت”، ونظرًا لتبعية السياسات الأوروبية للقوة الرأسمالية المُهَيْمِنَة (الإمبريالية الأمريكية)، تراجعت الأسواق الأوروبية بدورها، خلال نفس اليوم…

من جهته، أفاد بيان صادر عن صندوق النقد الدولي (يوم الثلاثاء 25 كانون الثاني/يناير 2022) أن ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية قد يؤدي أيضًا إلى “معاقبة البلدان الناشئة والنامية، التي يتم تحديد ديونها بالدولار”، وهي البلدان التي أنهكَتْها شُرُوط الصندوق وشقيقه البنك العالمي، وبالمناسبة خَفّضَ صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد الولايات المتحدة من 5% إلى 4% متوقعة بنهاية سنة 2022، وخفض كذلك توقعاته للنمو للاقتصاد العالميسنة 2022، من نحو 5% إلى 4,4%، بسبب ما خلقه وباء كوفيد -19 من اضطراب في شبكات إمدادات السّلع على صعيد عالمي، ما يؤدّي حتمًا إلى ارتفاع الطّلب وارتفاع الأسعار، طيلة سنة 2022، وربما حتى سنة 2024، وبالأخص أسعار الغذاء والطاقة، إذا ما تَواصَلت استفزازات حلف شمال الأطلسي (بإدارة الإمبريالية الأمريكية) على حدود روسيا، علما بأن روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة من كبار مُنتِجِي الحُبُوب في العالم، كما تُعتَبَرُ روسيا أحد أكبر منتجي النّفط، وأكبر مُنتج للغاز في العالم…

قَدّر صندوق النّقد الدّولي (تشرين الأول/اكتوبر 2021) خسائر الإقتصاد العالمي، بسبب انتشار وباء كوفيد -19، بنحو 12,5 تريليون دولارا، ثم رفعها إلى 13,8 تريليون دولارا، في كانون الثاني/يناير 2022، وتأثَّر فُقراء العالم، قبل غيرهم، إذْ أدّت أزمة “كوفيد – 19” إلى رُكود اقتصادات البلدان الفقيرة، أما على صعيد الناس الفُقراء فقد أدّى ارتفاع أسعار الغذاء إلى تعزيز صُفُوف من يعيشون في حالة فقر مُدْقَع بما لا يقل عن سبعين مليون شخص إضافي سنة 2021، ويتوقع أن يرتفع عدد الوفيات في البلدان الفقيرة، بسبب احتكار اللقاحات والاختبارات والعلاجات الخاصة بوباء “كوفيد -19” من قِبَل الدّول الغنية، حيث تم تلقيح نحو 70% من سكان البلدان الغنية، مُقابل أقل من 4% من سكان البلدان الفقيرة، بحسب بيانات صندوق النقد الدّولي التي أوردتها وكالة الصحافة الفرنسية ووكالة رويترز يومَيْ 25 و 26 كانون الثاني/يناير 2022

4

تجارة القَتْل بالتّبغ

انخفض عدد مُدَخِّنِي السّجائر في العالم من 1,32 مليار إلى 1,3 مليار إنسان، سنة 2020، أو ما يُقارب 22,3% من سُكّان العالم، ويتسبب استهلاك التبغ في وفاة أكثر من ثمانية ملايين شخص سنويا، بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية التي نشرتها ضمن تقرير صدَرَ يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

يمثل سوق التبغ العالمي حوالي تريليون دولارا سنة 2020، بهامش رِبْح مرتفع أعلى بمقدار 12 نقطة من أرباح مُؤشّر سوق الأسهم الصناعية بالولايات المتحدة ( S&P 500 ) ، يتراوح بين 17,7% (شركة إمبريال براندس”) و 43,5% ( شركة بريتش- أميركان توباكو)، ووزّعت هذه الشّركات أرباحًا نَقْدِيّة سَخِيّة على مالكي أسْهُمِها، سنة 2020، بقيمة 7,4 مليارات دولارا لمالكي أسهم شركة فليب موريس، وبقيمة 6,5 مليارات دولارا للمُساهمين في شركة “بريتش أميركان توباكو”، وهما من ضمن الشركات الخمس التي تُهيمن على السّوق العالمية، منها شركة التبغ الوطنية الصينية بحصة قدرها 43,6% والشركة الأمريكية “فيليب موريس إنترناشونال” بحصة 13,9% وشركة التبغ البريطانية الأمريكية بحصة 12,2% وشركة “اليابان للتبغ” بحصة 8,5% والشركة البريطانية “إمبريال براندز”، بحصة 3,5%، وتمكّنت هذه الشركات الضّخْمَة من الإلتفاف على حملات التّوعية من مخاطر التّدخين، بتنويع أنشطتها، وإنتاج منتجات أنظمة تسخين التبغ أو “المبخرات” التي أصبحت تُشكل نحو رُبُع مبيعات شركة “فليب موريس”، بعد استحواذها على الشركة البريطانية “فِكتورا”، المُصنّعة لأجهزة الإستنشاق الطبية، ومن خلال اكتساح قطاعات جديدة، مثل بيع الحشيش، في البلدان التي تم رفع حظْر استهلاكه، وقطاع الأدْوِية (علاج ضحايا التّدْخين!!! )، فضلاً عن سيطرة هذه الشركات على القطاع المُوازي لبيع السجائر، بدون تسديد الرّسُوم التي تُشكل نحو 86% من سعر بيع السجائر في بعض البلدان الأوروبية…

تشكل السّجائر الإلكترونية واحدة من الخدَع التي تُروّجها وتستفيد منها شركات التّبغ، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، بتقديمها كبديل عن التّدخين التقليدي للسّجائر، أو للمساعدة في الإقلاع عن التدخين، وهي في الواقع تحتوي على مكونات ضارّة، منها نيكوتين التبغ والكحول في بعض أنواعها، ومنذ سنة 2017، رَوّجت شركة أمريكية سجائر إلكترونية تحتوي على أملاح النيكوتين، وسُرعان ما اجتذبت المُراهقين وارتفعت مبيعاتها رغم سعرها المرتفع، وتُواجه الشركة عددًا من القضايا في المحاكم الأمريكية، بتهمة “تشجيع المراهقين على استهلاك النيكوتين”، بعد إثبات الأضرار التي تلحقها هذه السجائر الألكترونية من اضطرابات الجهاز التنفسي وأمراض الرئة، بحسب “مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” بالولايات المتحدة…

من جهة أخرى تمارس شركات التّبغ ضغوطات كبيرة على الباحثين (والمراكز التي تُشَغِّلُهم) بهدف عدم نَشْر نتائج الدّراسات التي تُبيّن أضرار التبغ، عبر التّدخين التقليدي أو استهلاكه بواسطة التّبْخير أو السجائر الإلكترونية، وعلى سبيل المثال ضغطت الشركات والحكومة الإتحادية السويسرية على جامعة “لوزان”، سنة 2017، بهدف عدم نشر بحث أظْهَر ارتفاع نسبة أوكسيد الكربون والنيكوتين وبعض المواد المُسَرْطَنة في السجائر الإلكترونية.

أما مجموعة “فيليب موريس” لصناعة التّبغ فقد كثفت مما يُمْكن تسميته ب”الإستثمار الوقائي المُربح”، فاستحوذت على شركة “فكتورا”، التي تسوق أجهزة الاستنشاق الطبية، المُستخدمة في علاج الأمراض التي يسببها التدخين، وبذلك، وبعد عُقُود من تحقيق أرباح ضخمة من صناعة وتجارة التّبغ، أصبحت الشركات العملاقة للتبغ تستثمر في صناعة وبيع أجهزة مخصصة لمكافحة الأضرار الصّحّية لمنتجاتها…

5

وضع جديد يتطلب أساليب وَوَسائل نضال جديدة

أدّى ضُعْفُ الصّف المُقابل للرأسمالية إلى إطلاق صيحات الإنتصار، من قَبِيل “نهاية التّاريخ” و “النّصر النهائي للرأسمالية النيوليبرالية”، أو إعلان بداية مرحلة تاريخية جديدة تتمثّل في “صراع الحضارات”، وهيمنت الإمبريالية الأمريكية على العالم، وعزّزت نُفُوذَها العسكري من خلال توسيع انتشار حلف شمال الأطلسي، وترفُضُ أن تتقاسمَ النُّفُوذ مع أي قُوّة رأسمالية أُخْرى، لا من الحُلفاء كاليابان وأوروبا، ولا من الخُصُوم كروسيا والصّين، مع التّهديد بحل الخلافات بواسطة الحرب، وشن الحُرُوب بالوكالة، عبر الحُلفاء كالكيان الصّهيوني أو العُمَلاء كصهاينة الخليج، أو عبر الفاشيين الجُدُد من حُكّام بعض دُوَل أوروبا الشرقية…

حدثت خلال هذه العُقُود الثلاثة من الهيمنة الأمريكية المُطْلَقَة أزمات مالية واقتصادية عديدة أهمها أزمات 1997/1998 وأزمة 2008/2009، ثم أزمة وباء “كوفيد -19″، واستغلت الإمبريالية الأمريكية والقوى الرأسمالية النافذة (يُشكّل صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية إحدى واجهاتها الظّاهرة) هذه الأزمات لإعادة هيكلة الإقتصاد الرأسمالي العالمي، وزيادة حِصّة رأس المال، مُقابل خَفْضِ حصّة العَمَل والعاملين، ويتم إعلان هذه الخطوات، إما بشكل علني، خلال مؤتمرات المنتدى الإقتصادي العالمي (دافوس) أو مناقشتها، سِرًّا ودون ضجّة إعلامية في مؤتمر “بيلدربيرغ” أو خلال اجتماعات “غير رسمية”، تضُمُّ أكبر شركات ومصارف العالم، من أجل الإتفاق على سُبُلِ إدارة الأزمات (مثل أزمة “كوفيد-19”)، والإستفادة منها، واستغلال فترات الأزمات (المالية والإقتصادية والصّحّية والإجتماعية…) لتغيير قواعد اللُّعْبَة، وإعادة صياغة العلاقة بين الدُّوَل، كما بين السلطة (الإقتصادية والسياسية) والمواطنين أفرادًا وجماعات، شعوبًا وطبقات وفئات مختلفة…

قبل عام واحد، ناقش قادة الدّول الكُبرى في المنتدى الإقتصادي العالمي (دافوس – أواخر كانون الثاني/يناير 2021) مع ممثلي المصارف والشركات العابرة للقارات ومؤسسات “بريتن وودز”، سُبُل استغلال جائحة “كوفيد -19″، وإدارة حركة التجارة والإقتصاد العالمي، وكذلك حركة سُكّان العالم، بواسطة التكنولوجيا الرقمية…

تمكّنت الرأسمالية العالمية من فَرْض مُراقبة مُعْظَم سُكّان العالم، خلال فترة وجيزة من الحجر الصّحّي والحبس المنزلي، بواسطة التّلقيح الإجباري، وبواسطة التكنولوجيا الرّقمية التي تُمَكّن من تحديد مكان تواجد الأفراد، ومن التّعرّف على وجه كل فرد، وسوف يُؤَدِّي الإغلاق الإقتصادي إلى إعادة هيكلة كافة قطاعات الإقتصاد العالمي، وتفْلِيس المحلات والشركات الصغيرة، في قطاعات تجارة التّجزئة والمقاهي والمطاعم والفنادق والرعاية الصحية، ونقل السّلع والأشخاص، وغيرها، وإعادة تجميعها، عبر تعميم الإستخدام الرّقْمِي، تحت هيمنة شركات كُبْرى عابرة للقارات، وبذلك تمكّنت شركات التكنولوجيا الرّقمية الأمريكية (مثل مايكروسوفت أو أبل) وكذلك شركات المختبرات والعقاقير (مثل فايزر) من تحقيق قفزة كبيرة، خلال سنة واحدة من الحجر الصّحّي، بدعم من السّلُطات الأمريكية التي تمكّنت من لَجْمِ تطور تقنية “جي 5” الصينية، وحظْر توزيع اللقاحات الروسية والصينية والكوبية، ضد فيروس “كورونا”…

استفاد الأثرياء من فترة الحجر الصّحّي فارتفعت ثرواتهم بشكل قياسي، ليس بفضل الإستثمار في الإقتصاد المُنتِج، بل من خلال المُضاربة بالأسهم في أسواق المال، وبفضل المال العام الذي حصل عليه الأثرياء والشركات الكُبرى، خلال فترة انتشار وباء “كوفيد-19″، كما ارتفعت أرباح شركات إنتاج وبيع الأدوية، وشركات الإتصال والبَيْع عن بُعد، بشكل قياسي، وبذلك شكّلت الجائحة فُرْصَةً لإعادة هيكلة الإقتصاد العالمي، وفُرْصَةً للسيطرة على الطّبقات والمجموعات والأفراد، في كافة بلدان العالم، من خلال فَرْض التّباعد الإجتماعي، وتجريم أي اجتماع أو مظاهرة، وشكلت الجائحة تعِلّةً لإلغاء ملايين الوظائف، ولتصفية قطاعات مثل التعليم (لتعميم التعليم عن بُعْد بواسطة آلة “روبوت”)، وتصفية الحِرَف والعمل اليدوي…

أدّت هذه التّحوّلات إلى زيادة ثروة الأثرياء، كما سَلَفَ ذِكْرُهُ، وإلى ارتفاع حجم دُيُون البلدان الفقيرة، وإلى تسريح ملايين العُمّال، وتعميق الفجْوَة الطّبقية وزيادة حدّة الفَقْر، لكن هناك بعض أشعّة الضّوء، جاءت من كوبا التي تمكنت، رغم الحصار، من تصنيع مَصْل (لقاحٍ ) مُضاد لفيروس “كورونا”، كما جاءت من الهند، حيث صَمَدَ الفلاّحون طيلة عام كامل، رغم الظروف المناخية السيئة ورغم القمع والجوع، وتمكنوا من إرغام حزب “بهارتيا جاناتا” وزعيمة “نانادرا مودي” العُنصري والتّسلُّطِي، على التّراجع، ربما ؤقتا، وجاءت بعض أشعّة الضّوء من أمريكا الوُسْطى والجنوبية، حيث عاد اليسار (رغم مُيُوعَتِهِ) إلى التّصَدِّي لليمين الموالي للإمبريالية الأمريكية، وتحقيق بعض الإنتصارات…

إننا مُطالبون بدراسة تأثيرات هذا الواقع الجديد، ودراسة الوسائل المُلائمة للتّصدّي لسُلْطة رأس المال المُتعاظمة…

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.