الأردن: هل نتسامى بشرفنا فوق ذاتنا ؟وضعنا لا يحتمل “رعاع سياسي”، فؤاد البطاينه

العائلات التي حَكمت في الوطن العربية بدعم استعماري صهيوني كان على قاعدة فساد سياسي مطلق مقابل كرسي سلطة بفساد مطلق عنوانه المال . في هذه المعادلة كان حظ الأردن قاتلاً للدولة وإنسانها ، وعدم استقرار لسلطتها . فمن ناحية ، الفساد السياسي في الأردن يعني ما يتخطى دعم المشروع الصهيوني في احتلال فلسطين إلى احتلال وطن الأردنيين كجزء من وعد بفور وكجغرافيا حيوية لبقاء اسرائيل . ومن ناحية أخرى أن الفساد المالي المقترن بالإداري في الأردن له خصوصية غير موجودة في أي دولة نامية بالعالم ، لأن الأردن لا يمتلك موارد أو مورداً أساسياً كالنفط كي يُغرف الفساد منه وتبقى الدولة قائمة وموازنتها تُرفد والمواطن يعيش ، حيث من الطبيعي أن يُغرف الفساد في حالة الأردن من جيوب وبطون الأردنيين ومن أصول أرضهم ودولتهم ومقدراتهم . *

من مهازل المسيرة الأردنية التي يجب على الأردنيين إدراكها أن الصهيونية وصلت مرحلة أصبح فيها افتراس الأردن واستعادته كوديعة أمراً مرهوناً ومرتبطاً بخلع الحكم الهاشمي بعد أن اختُزلت العائلة بشخص واحد . بمعنى أن الصهيونية أصبحت تعتبر أن هذه القيادة باتت عبئاً عليها وبأنها لا تصلح للمرحلة التالية التي انجزت قاعدتها السياسية والأمنية في مساحة المشروع الصهيوني الإحتلالي في القطرين ، وأنجزت من ناحية ثانية مهمتها في منع تشكيل هوية سياسية وطنية أردنية، ونزع ارتباط الأردنيين بالدولة وأرضها كوطن وبعد أن قامت قيادتها الرابعة بتفكيك عرى الدولة الأردنية وتسليم قرارها ، وبأن قناعة تشكلت لديهم بأن الأردنيين عاد لا يهمهم سوى العيش وأسبابه البيولوجية ويرحبون بمن يحكم هذه الأرض ويحكمهم ويقدم لهم احتياحاتهم المعيشية ، وجيشهم الوطني أصبح ثانويا أو رديفا بتمركز الجيش الأمريكي الغاشم القوة على الأرض الأردنية .*

فالواقع السياسي على الأرض الآن في الأردن هو أن أمريكا هي من تمتلك السلطة والقرار وليس الملك ونظامه التنفيذي . وأن الفساد الإداري والمالي في الأردن تحول الى لعبة سياسية أمريكية تطوَّر هدفها من هدم الدولة وإفقار الشعب وتجريده من ملكية أصول الدولة وإلهائه عن قضيته السياسية الإحتلالية إلى هدف هدم شرعية نظام الملك دولياً وأردنياً تمهيداً لركوب موجة الشعب الأردني بقيادة عميلة أردنية تقتضيها المرحلة القادمة لتتناغم مع قيادة سلطة أوسلو المنتهية لنفس المصير . وما إشعال ملف الفساد على النطاق الدولي رغم عمره المديد ، واستخدامه لفتح صراع داخلي اقتصادي الطابع بين الأردنيين والملك إلّا في ذات السياق . النظام الأردني أصبح في الواقع خلفنا نحن الأردنيين والمواجهة الحقيقية هي بين الأردنيين وأمريكا كذراع إسرائيلي عسكري احتلالي يختبئ خلف صورية النظام . فمن المهم جداً لأمريكا أن لا يسمع العالم أو المجتمع الدولي بأن للشعب الأردني قضية سياسية أو رفضاً للوجود والسياسة الأمريكيتن في الأردن .

الأردنيون وقادة تشكيلاتهم السياسية الفاشلة معنيون بالتصرف بوعي ، وبإدراك طبيعة خطورة المرحلة الإستعمارية المتقدمة ولعبتها . أمريكا الآن هي من تدير الصراع في الداخل الأردني وهي من تدير ملف المعارضين الذي ما زالوا فاشلين وعاجزين عن مأسسة معارضة أردنية بخطاب وسلوك المرحلة . الأردن الآن في مواجهة مباشرة مع المشروع الصهيوني وبحاجة لتمثيل شعبي سياسي نضالي واعي وذكي . لننتبه ، لقد مررنا بمرحلة استعصاء وعدم إدراك عبثية إدانة ومخاطبة الحكومات بدلاً من الملك بعد فوات الأون ، والآن علينا أن نعقل عبثية وضرر مخاطبة الملك بدلاً من أن نخاطب أمريكا أمام شعبها والعالم قبل فوات الأوان . وعقلية الفزعة أو التهديد لا نمتلك وسيلتها ولا مصداقيتها ولسنا بحاجة إلى مزيد من إحباطات لشعب من نخبه . نحن الآن نواجه حقيقة نتائجها كارثية برعاع سياسي أجوف بنكهة أطلال العشائرية وطعم هوس الأيدولوجيا المقبورة . وبعيداً عن التشبيه فالبعض منا يتذكر في إحدى مراحل الصراع بين الكوريتين كيف كانت الشمالية ترفض التفاوض مع حكومة الجنوبية وتصر على التفاوض مع أمريكا بصقتها صاحبة القرار .*

يتساءل المرء ، ما هي السيناريوهات الأمريكية المرسومة للتحولات في الأردن .فقد كانت الرسالة الأولى للملك عبدالله الثاني مع استلامه السلطة أن ينسى إرث ابيه السياسي ويتمسك بعقد إنشاء الدولة مع جده عبدالله الأول وأن ينتبه للشأن الداخلي والإقتصادي ويترك السياسة تجري وفق العقد بالرعاية الأمريكية . وأتذكر بأول جلسة معه وهو ملك أحضرها مع أخرين قوله ( بدنا نشتغل على الاقتصاد ، إقتصاد إقتصاد ، السياسية حكي فاضي ) . وأدركت حينها بأننا ندخل في مرحلة عميقة . وكانت السياسة الأمريكية قد تلخصت بعبارة قالتها سفيرة أمريكية في مناسبة عامة بأن أمريكا لا تقبل من يقول لها كلمة ” لا ” . إن هذه السيناريوهات لا بد وأن تكون بعدد التوقعات لردود الفعل على الساحتين الدولية والأردنية . أما الساحة على الأردنية فعناصرها الشعب والملك والجيش . وعلى هذه الساحة وحدها يُصنع الحدث ، والردود في الساحة الدولية ، ولذلك فإن التركيز الأمريكي على الداخل الأردني هو الأساس . *

فأمامنا في الداخل الأردني العناصر الثلاث . الشعب منها فعلُه حاسم ، وقيل عندما ينهض الشعب تنتهي اللعبة . والنهوض لا يُعبر عنه ولا يكون إلاً جماهيرياً وفي الشارع . وهذا يحدث إما كعمل واع ومنظم ومُنتج ، أو كعمل تخريبي يكون وبالاً على الجميع . والحالة الثانية مرتبط حدوثها حين يعم الجوع والظلم وتتوسع الجريمة . ولكن أمريكا لا تفضل ذلك ولا تريده ، ولا تريد بنفس الوقت أن تخفف العبء عن الشعب وتفسد أثره الإيجابي عليها . ومن هنا فإن أمريكا في سباق مع الزمن لقطع هذه المرحلة بأمان .

*

أما الحالة الأؤلى ،والتي فيها تكون ردة الفعل الشعبية جماهيرية منظمة أمنة ، فالطريق أمام تحقيقها سالكة ،ودعونا كنخب وذوات وزعامات من قصة بطش النظام فهو لا يقع في الصالونات والمؤتمرات واللقاءات النخبوبية ، بل يقع في حالات التشظي والخروج للشارع بأعداد قليلة . وتكلمت بالأسباب في مقالات سابقة . فالقصة الحقيقية هي في هروب المؤهلين سياسياً واجتماعيا من المسؤولية الوطنية بحجج وذرائع مهما كانت فهي لا تساوي وطنا ولا شعباً ، إنها الخيانة العظمى . أما عنصري الملك والجيش فعلى الجميع وخاصة النخب بأنواعها أن تُسقط من حساباتها الذرائعية المعادلة المتصلة بالعنصرين ، فمن غايات الوجود العسكري الأمريكي الأساسية في الأردن هو التكفل بضبط هذه المعادلة والتحكم بها . فهل يبزغ فجر الرجال الأردنيين الوازنين سياسياً واجتماعياً وقيادياً من الذين لا يرون لأنفسهم ومصالحهم ومعاركهم أدنى قيمة أمام وطن يُغتصب وشعب يستغيث بهم أن اسموا بشرفكم . فنحن نتكلم عن خروج الشعب طوعاً لا في ثورة جياع . وهذا لا يكون إلا بقيادة ممأسسة من هذا العيار .

من صفحة الكاتب على الفيس بوك

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.