حلف شمال الأطلسي، حلف عُدْواني أمريكي، الطاهر المعز

كان “جوزيف بايدن” يشغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما (من 2009 إلى 2017)، من الحزب الديمقراطي، ومنذ كانون الثاني/يناير 2021، أصبح “جوزيف بايدن” رئيسًا للولايات المتحدة، بدلا من “دونالد ترامب”، من الحزب الجمهوري.

قد تختلف سياسة الحِزْبَيْن الأمريكيّيْن بشأن العديد من القضايا الدّاخلية، في حُدُود “الثّوابت” التي تجمع الحِزْبَيْن، فضلاً عن اتفاقهما بشأن المكانة المُهَيْمِنة للإمبريالية الأمريكية في النظام الاقتصادي العالمي، رغم الإختلاف بشأن أشكال وأدوات الهيمنة التي بدأت تهتزُّ أركانها، بفعل منافسة الصّين، لكنها ليست مهددة في المدى القصير، لذا فإن انتقال السلطة الأمريكية (الرئاسة والأغلبية البرلمانية) من رئيس إلى آخر، ومن حزب إلى آخر، لن يُشكّل قطيعة، ولن يتغيّر جوهر السياسة الخارجية، بل “بَشَّرَ ” الرئيس بايدن مُجَمّعَ الصناعات العسكرية “بعودة الولايات المتحدة لقيادة العالم”، وادّعى بايدن أن ذلك يعني “العودة إلى الوضع الطبيعي”، ربما بعد إعادة النّظر في بعض التكتيكات والخطط، ويُشكّل الإنسحاب الرسمي من أفغانستان، بندًا من بُنود إعادة انتشار القوات العسكرية الأمريكية التي تعتدي أحيانًا باسم أو بغطاء حلف شمال الأطلسي، ولن يتغير جوهر السياسات الدّاخلية، لأن الولايات المتحدة تقُود النظام الرأسمالي، المبني على الإستغلال الفاحش وعلى الميْز بين مختلف شرائح الطبقة العاملة والفُقراء، لتحقيق القدر الأكْبَر من الأرباح، ولنفس الغرض، تعمل الإمبريالية الأمريكية على زعزعة استقرار بعض الدّول، في أمريكا الجنوبية وآسيا وإفريقيا، وحتى في أوروبا، وعلى شن الحُرُوب للهيمنة على ثروات ومواقع بعض البلدان، كما لتصريف إنتاج الصناعات الحربية، ولردْع المنافسين، وأهمّهم روسيا والصّين…

يُشكّل حلف شمال الأطلسي أداة تُهيمن عليها الإمبريالية الأمريكية، وتستخدمها لخدمة أهدافها كدولة، ولِإجبار البلدان الأعضاء (الحُلفاء ) على شراء الأسلحة الأمريكية.

أسّست الولايات المتحدة “حلف شمال الأطلسي” (ناتو) سنة 1949، لاحتواء الإتحاد السّوفييتي الذي تمكّن بجهود أبنائه، دون مُساعدة، من تحرير أراضيه ومن تحرير أوروبا الشرقية والوُسطى، من الإحتلال الألماني النازي، وبرّرت الولايات المتحدة إنشاء الحلف ب”دَرْء التهديد الذي تشكله الكتلة الشرقية على العالم الحر”، و”العالم الحُر” هو النظام الرأسمالي العالمي، ما اضطر الاتحاد السوفييتي، بعد أكثر من ست سنوات، إلى إنشاء التحالف العسكري المعروف باسم “حلف وارسو”، سنة 1955، ولئن انحَلَّ حلف وارسو بانهيار الإتحاد السوفييتي، فإن الإمبريالية الأمريكية عزّزت حلف شمال الأطلسي، بِدُوَلٍ لا تقع على المحيط الأطلسي، بل في شرق أوروبا وفي أماكن أخرى عديدة من العالم، وخصوصًا على حدود روسيا والصين، وتغيرت عقيدة حلف الناتو الذي ينص قانونه الأساسي على عدم التدخل سوى في حالات العُدْوان المُؤَكّد على أحد أعضائه، ما سَبّبَ أزمات عديدة، آخرها الأزمة الحالية بأوكرانيا، على حدود روسيا، وروّجت الولايات المتحدة وحلفاؤها أن روسيا بصدد الإستعداد لغزو أوكرانيا، فاضطر الرئيس الأوكراني إلى طلب التهدئة، وتندرج “أزمة أوكرانيا” ضمن مشروع تطويق روسيا والتنكّر للالتزامات التي تعهدت بها الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، قُبَيْل انهيار الإتحاد السّوفييتي، من عدم توسيع حلف “ناتو”…

تُشير الوقائع إلى انضمام  جميع دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي، وإلى حلف شمال الأطلسي، بما فيها الدول المُجاورة أو القريبة من روسيا، من دُوَيْلاَت البلطيق إلى بولندا، مرورًا برومانيا والمجر وبلغاريا، واضطرت روسيا، سنة 2008 إلى الرّد بحزم على الإستفزازات الأمريكية انطلاقا من جورجيا التي أصبحت رأس جسر عسكري أمريكي/أطلسي. أما في أوكرانيا فقد نظّمت الولايات المتحدة الأمريكية، سنة 2014، انقلابا بمشاركة المليشيات اليمينية المتطرفة، التي ورثت تقاليد التعاون مع الإحتلال النازي، مع تغيير إسم المُحتل، من ألمانا إلى الولايات المتحدة، وأدّت تلك الأحداث إلى إزاحة الرئيس والبرلمان المنتخَب، كما أدّت إلى إعلان انفصال المناطق ذات الغالبية الناطقة بالروسية في شرق البلاد، بسبب ما كان يستهدف ساكنيها من قمع ومَيْز، وهي مناطق كانت تابعة لروسيا، قبل تأسيس الإتحاد السوفييتي…

بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، أصبح حلف شمال الأطلسي لا يُدافع عن أعضائه، بل يُهاجم ويُدَمِّرُ ويُقسِّمُ دولاً بعيدة عن المحيط الأطلسي، مثل العراق، سنة 1991 و 2003، والصومال في بداية تسعينيات القرن العشرين، ويوغسلافيا، سنة 1999، وأفغانستان سنة 2001، وليبيا وسوريا، سنة 2011، ثم اليمن ودول أخرى في إفريقيا، بذريعة مكافحة الإرهاب، أو بذرائع أخرى مثل “نشر الدّيمقراطية”، بالقوة والتّدمير والإغتيال…   

يتمثل دور حلف شمال الأطلسي في الدّفاع عن مصالح ومخططات الولايات المتحدة، العضو المُهَيْمن على الحلف وعلى العالم، وأدّت هذه الهيمنة إلى عَسْكَرَة الدّبلوماسية الأمريكية، والسياسات الخارجية لأعضاء الحلف، لذلك وجبت المُطالبة بحَلّ حلف الناتو، لأنه لا يُساهم في حل الخلافات بالطرق الدبلوماسية، بل هَمّشَ دَوْر الأمم المتحدة ( رغم الهيمنة الأمريكية عليها) وحَوَّلَ العالم إلى ساحة معارك، بإشراف الإمبريالية الأمريكية، لتقويض سيادة الدّول وإرادة الشعوب…    

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.