2-الموجة القومية الثالثة تصنيع إمبريالي
وباللبرالية الجديدة والعولمة … ورثت الثانية
بداية، هذا الباب يستكمل جوهرياً الباب السابق لأن شرق اوروبا هو أحد مسارح موجة القومية الثالثة وأكثرها مثاراص للجدل.
ليست المصطلحات في السياسة بلا معنى طالما هي وصف أحداث وحالات وأوضاع، طالما هي تأريخ للأحداث في أُطر لغوية تشرحها وتعبِّر عنها بهذا المستوى البلاغي الحار أو ذاك. وفي غالب، إن لم نقل مطلق، الحالات، يجري التأريخ على لسان وبخطوط ايدي المنتصرين، لحظة الانتصار وما بعده أي خلال استقرار نظامهم. ويتلو ذلك بالطبع ترسيخ لغته ناقلاً العلاقة بين المنتصر والمهزوم من السيطرة إلى الهيمنة التي في الغالب تؤذي وتُخضِع أكثر مما فعلت السيطرة حين انتصار طرف وهزيمة آخر. لكن السياق الزمني اللاحق لا بد أن يبين إن كان الحدث في صالح البشرية أم ضدها وذلك عبر قوانين الديالكتيك التي هي في التحليل الأخير تؤكدالصعود البشري. فتاريخ البشرية يؤكد غَلَبة المنحى التطوري.
في هذا السياق تبلورت لغة الغرب المركزاني الأوروبي ولاحقا الأورو-أمريكي، فأُعطت أسماء وتوصيفات لمختلف الأحداث، حتى السابق منها على عصر راس المال، أسماء وتوصيفات كما رآها وقرَّر الغرب أن تُصبح مؤكدة لكينونته ونافية لكينونة بقية العالم بكل تعددها وخواصها. وليس الاستشراق سوى أحد تجليات تصنيع تاريخ للتاريخ.
الموجات القومية
أحد هذه المصطلحات ما كرسه خطاب الغرب بتسمية القرن التاسع عشر ب “عصر القوميات” في توصيف للثورات التي حصلت في أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر مترافقة مع الثورة الصناعية حيث تبلورت أكثر ورسمياً حدود وسيادات الدول القومية في أوروبا الغربية خاصة.
ليس موضوعنا طبيعة تلك الثورات القائمة على الثورة الصناعية التي أنجزتها أوروبا الغربية بشكل متناسب/متوازٍ تقريباً، وإنما يرتكز نقدنا على تعميم تلك التسمية المحدودة جغرافياً على سائر العالم. واي عالم؟ بقية العالم أو معظمه الذي كان كلما تقدمت أوروبا الغربية خاصة كلما تم اقتحامه واستعماره ونهبه بمطلق الوحشية. ومع ذلك يتم تعميم التسمية على الضحايا ويتم تدريس هذه التسمية المعممة في كثير من بلدان المحيط مما يخلق حالة من التعمية التثقيفية لتواريخ هذه الأمم بطيها لصالح تأريخ تم تصنيعه غربياً، فترى الأجيال الجديدة أنها في عصر القوميات الأوروبي! بينما هي تحت سقف الاستغلال والتخلف والتبعية. وهذا نمط من الاستعمار الثقافي وهو شديد الخطر، فاستيراد السلع حتى المعمرة التي لا تعيش اكثر من عشر سنوات أقل خطراً من استيراد ثقافة لأن الثقافة تعيش قرونا أو يزيد. فليس أقدم ولا أطول عمراً من الثقافة/الفكر/النظريات سوى العمل فالإنتاج.
كانت موجة القومية الأولى، أو الأوروبية إذن نتاج الثورة الصناعية وتجاوز أوروبا مرحلة التراكم البدائي/الأولي الذي نهب وكرَّس آليات نهب المحيط. وبالتطور الصناعي تجاوز الإنتاج في هذه البلدان حدود السوق القومية التي حرصت الدول السيادية الجديدة على تثبيتها والصراع كل من أجل حدوده، أو ما يفترض أنها حدوده.
في هذا القرن اي التاسع عشر، تقاطع في أوروبا راس المال إدماج الجشع بالتقنية بتوظيف التطور الصناعي من اجل النهب الخارجي والاستغلال المحلي فكان لتوظيف الثورة الصناعية نتائج تحقيق:
- التفوق التسليحي
- التفوق الإنتاجي بما يزيد عن حاجة الدولة القومية
- التوسع الاستعماري عبر الغزو العسكري لبيع المنتجات ونهب الخامات ولاحقا تصدير راس المال وصولا إلى تصدير راس المال العامل الإنتاجي الذي حوَّل الصين إلى ورشة أمريكية وتركيا إلى ورشة أوروبية…الخ وأبقى تقريباً على كامل العالم سوقاً مفتوحة أو ما ارى انه قطاع عام راسمالي معولم[1] تحكمه الشركات ويتم فيه طغيان نهب الريع وتوجه رأس المال من الإنتاج إلى المضاربات، ويحكمه اليوم ديكتاتور تدعمه قطاعت شعبية عنصرية وااس المال بتسمية الأبيض مستخدماً اللون والعرق والدين وكل ما فاض به خياله ليصبح النهب والفتك والعسف مبررا حتى من الله.
الموجة الأولى تخلق نقيضها الموجة الثانية:
لو كان لنا تسمية قرن بقرن الاستعمار لكانت الفترة بين 1850-1950 هي عصر الاستعمار بجدارة. وهذا لا يعني أن الاستعمار بدأ مع هذا القرن حصراً كما لم ينته به ابداً. فعلى الأقل بدأ الاستعمار الراسمالي الأوروبي تحديداً مع مرحلة الراسمالية الميركنتيلية سواء في فترة سيطرة الاستعمارين الإسباني والبرتغالي الممتد على مدار القرون الثلاثة للمرحلة المركانتيلية (1500 ــ 1800) أو إثر هزيمته على يد القوى الاستعمارية الطالعة آنذاك وخاصة بريطانيا، ولا نبالغ إن قلنا لم يتوقف، وإن تعثر أحيانا وهُزم أحياناً أخرى ولكن الروح الشريرة للغرب الاستعماري القائمة على النهب والاستغلال/المصالح المادية، لم تُقتل بعد. ويكفي أن نُشير إلى إرسال فرنسا وبريطانيا[2] اليوم 2018 قوات ضد سوريا في ذيل قوات العدو الأمريكي في محاولة لاستعادة ماضٍ استعماري دموي ولكن بعد ن تهالكت أنياب هذه الإمبرياليات المتهالكة، وإن تدريجيا.
كان القرن السابع عشر حاسماً في صعود الراسمالية وما رافقه من صعود ل لندن ومن ثم نيويورك. بينما رافق ذلك إهلاك إسبانيا وهولندا لبعضهما البعض مما فسح المجال لبريطانيا حيث بدأت حقبة سيطرتها الإمبراطورية. لكن هذا لم يلغِ ابداً حصة لمختلف بلدان أوروبا الغربية في استعمار امريكا الجنوبية وإفريقيا وآىسيا. أي حمل القرن السابع عشر المشروع الاستعماري الأوروبي الغربي المعولم وخاصة بريطانيا وهولندا وفرنسا وإيطاليا والمانيا.
وبالطبع ترافقت مع هذا الاستعمار تنظيرات عنصرية تضفي عليه دورا تقدميا لإخراج المستعمرات “من الظلمات إلى النور”!. وهي تنظيرات قامت على عنصرية طاغية إلى حد إصابة ماركس نفسه بلوثتها رغم إنجازه العظيم ضد راس المال من حينة وإلى عصور مقبلة. أخذت الحماسة الرجل إلى حد تخيُّل أن الاستعمار البريطاني سينقل الهند إلى “الحضارة”، حتى ولو بقسوة ضد الإنسان، ناهيك عن ما كتبه هو وإنجلز عن الجزائر[3].
ولكن، لم تكن هذه قناعة شعوب المستعمرات التي قاومت قدر جهدها وواصلت المقاومة لتحقق انتصارات على امتداد الأرض وخاصة منذ اربعينات وخمسينات وصولا لسبعينات القرن العشرين وهذا ما اسميناه الموجة القومية الثانية والتي امتدت تقديراً من اربعينات وحتى نهاية سبعينات القرن العشرين.
الموجة الثانية سياسية وطنية دون تبلور طبقي وإنتاجي (لذلك انكفأت). لقدترافق مع نجاحها وجود القطبية الاشتراكية مما حماها من الغزو الاستعماري مجددا، لكن أنظمتها ذهبت لتثبيت نفسها/مصالحها إلى تحويل الدولة إلى دولة أمنية. وعليه، قاد تفكك الكتلة الاشتراكية إلى وقوف هذه البلدان عارية أمام عدوان لا يتردد في اقتحامها.
هي إذن ثورة الموجة القومية الثانية/المستعرات ضد الموجة القومية الأولى/ الاستعمار على يد حركات التحرر الوطني وخاصة في آىسيا وإفريقيا حيث كانت ثورات امريكا الجنوبية سابقة على ثورات آسيا وإفريقيا.
قادت هذه الموجة قوى محلية في بلدان المحيط وهي خليط شعبوي في معظم الحالات قادته غالبا شرائح من البرجوازية الصغيرة وقاعدته الطبقات الشعبية وخاصة الفلاحين الفقراء. كانت هذه الثورات محفوزة بالانتماء والإيديولوجيا القومية كحافز ضد الاستعمار. وقد ركزت بالطبع على الثقافة واللغة والتاريخ المحلي في كل بلد. واعتمدت الكفاح المسلح في معظم الحالات وهو كلما كان اشد كلما واجهه الاستعمار بوحشية أعلى، ولعل أوضح الأمثلة وحشية الاستعمار الفرنسي في فيتنام والجزائر ثم أمريكا في فيتنام لاحقاً.
لا ننسى في هذا السياق أن انفلات اليابان من الإحتجاز الاوروبي الغربي للتطور لم يمنعها من التحول إلى استعمار لا يقل وحشية عن الأخريات، وهذا الأمر الذي امتد في دور اليابان حتى اليوم لتحجز لنفسها المقعد الثالث في الثلاثي الإمبريالي إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ليس هناك من اتفاق بعد، إن كان سبب ما آلت إليه هذه البلدان بعد الاستقلال السياسي أو بعد الاستعمار، إن حصل حقاً، هو:
- الانحراف المصلحي الطبقي للأنظمة الحاكمة في هذه البلدان بعيدا عن التنمية المحلية وفك الارتباط راجعة إلى أو مجددة لعلاقات التبعية للاستعمار بتحولها إلى كمبرادور بدل التنمية بالاعتماد على الذات وصولاً إلى فك الارتباط (سمير أمين) منخرطة بشكل تابع في السوق الدولية نفسها.
- أو أن هذه الأنظمة ورثت بلادا مرهقة هالكة اقتصادياً لم يكن بوسعها إلا الارتباط مجدداً بعدوها الذي أعاد صياغة تحكمه بها بطرق جديدة طالما أن القيادات الجديدة ليست ذات منظور تنموي لإنجاز الاستقلال الاقتصادي مكتفية بالاستقلال السياسي الشكلي والمظهري والذي أهم جوانبه الخطيرة تركيز الإنفاق على بنية وأمن وجيش السلطة وليس على إنتاج الحاجات الأساسية للمجتمع. اي لم تخلق لنفسها إطار الدعم الشعبي بل استبدلته بحزام أمني!
- أو أن كلاً من الكتلة الشرقية وقيادات كتلة عدم الانحياز، التي ضمت معظم بلدان الموجة القومية الثانية، لم تتمكنا من خلق ترابط بينهما في مواجهة الغرب الرأسمالي، سواء لضعف الكتلة الشرقية اقتصاديا، ووصول التحريفية الخروتشيفيةإلى السلطة في الاتحاد السوفييتي، أو لأن قيادات دول عدم الانحياز هذه، ونقصد ذات التوجه القومي التحرري وبعضها الاشتراكي( شو إن لاي، نهرو ، ناصر، تيتو، سوكارنو…الخ) لم تكن قادرة على القطع مع الاستعمار ولم تكن ناضجة التوجه الفكري الاشتراكي، وصاحبها فساد قاد إلى تحولها من برجوازية إنتاجية مفترضة إلى استسهال دور الكمبرادور مسلحا بأجهزة قمع هي الأجهزة الدولانية الأكثر ارتباطاً بالإمبريالية.
على أن ما حصل هو ذوبان نتائج هذه الموجة القومية مما ابقى معظم بلدانها ملحقاً بالسوق العالمية وبالتالي، ونظراً لعدم إنجاز تنمية حقيقية زراعية وصناعية، بقيت سوقا للغرب الراسمالي، ومصدرا للمواد الخام المطلوبة للغرب والتي يتزايد تذبذب سوقها وتغير مبدأ الطلب عليها طبقاً لحاجة الغرب المتبدلة أو بناء على سياساته التدميرية لهذا النظام او ذاك، بل تحول معظمها إلى مستورد للمنتجات الغربية الصناعية وحتى الزراعية. اي بكلام آخر، عادت لتقوية الرأسمالية العالمية والخضوع لنفس طروف فترة كونها مستعمرات لكن هذه المرَّة بقبول إن لم نقل توسلات الطبقات الكمبرادورية الحاكمة في تلك البلدان.
وعليه، فإذا كانت هذه الكتلة وسطية، فإن تراجع الاتحاد السوفييتي نفسه إلى الوسطية قد ساعد كثيرين من هذه الكتلة ، والتي كان العديد من دولها مثابة المحيط الخارجي للاتحاد السوفييتي، إلى تجديد ارتباطها التابع للمركز الراسمالي الأمر الذي همَّش القمة السياسية لصالح طبقة رأس المال الكمبرادوري، والطفيلي والذي انتهى أخيراً إلى تبعية للمركز باسم الوطنية والقومية اي بدون السيطرة أو العصا الاستعمارية السابقة حيث تحولت القيادات “المناضلة” إلى عصىً على شعبها وخدمة للعدو، وصولاً إلى تحالفها المبلور في القطاع العام الراسمالي المعولم. لقد وجد الغرب الرأسمالي الاستعماري نفسه أمام تبعية “وطنية” لأنها ممهورة بخاتم حكام هذه البلدان نفسها تماماً كما وجد الغرب نفسه، لاحقاً، أمام تبعية قوى وأنظمة الدين السياسي العربية والإسلامية ممهورة بطابع القداسة الدينية بل حتى الربانية.
وقد تكون ظاهرة الخليج العربي، مجلس التعاون الخليجي، حالة خاصة جداً في هذا السياق بمعنى أنها لم “تستقل” بنضال قومي، بل لم يكن هذا التوجه مطروحاً لدى حكامها قطعا بما هي انظمة تنصيب إمبريالي. فقد حصلت على أكثر اشكال الاستقلال شكلانية، ولكنها أخضعت نفسها لأكثر اشكال التخادم غير المتوازن مع المركز الإمبريالي. فهي بعكس غيرها من الدول “المستقلة” حديثاً ذات الأمكانيات الشحيحة. وعليه، لم تكن الفوائض المالية النفطية سوى ريعاً تم تكريسه لأدوار تابعة وخطيرة وعدوانية من هذه الكيانات ضد الوطن العربي بأكمله بل على صعيد عالمي.
لم تكن هذه الكيانات بحاجة للعب هذا الدور إذا ما قرأنا وضعها على ضوء إمكانياتها، ولكن إذا قرأناه على ضوء كون انظمتها تنصيب إمبريالي، وكونها ترى في القومية العربية الوحدوية خطراً على عروشها، وعلى ضوء تشرُّبها لقناعة أنه لولا الاستعمار لما كانت ولا كان النفط، لفهمنا لماذا اصطفت أنظمة هذه الكيانات سرا سابقا وعلانية لاحقا اصطفافاً مضاداً للقومية العربية ولعبت دور أداة تمول كافة قوى الإرهاب على صعيد عالمي. هي انظمة تقاتل الإنسانية نيابةعن الإمبريالية وخدمة لها. وتكون من نتائج ذلك الكراهية العالمية للعرب والمسلمين، فأي دور لهؤلاء!
تجلت رِدَّة بلدان الموجة القومية الثانية في تبلور “تحالف” معولم بين راسمالية المركز وكمبرادور المحيط متخذا:
- سياسياً، تكوين طبقة رسمية معولمة رأسها البرجوازية الغربية تقودها الشركات الكبرى وذيلها كمبرادور المحيط
- إقتصادياً: تحويل اقتصاد العالم إلى قطاع عام رأسمالي معولم لصالح رأس المال تكون حصة برجوازية المحيط منه هي اقتصاد التساقط. والمفارقة أن تفكك الكتلة الاشتراكية جعلت هذا القطاع معولما تماماً[4]. وبالتالي سياسيا واقتصاديا وثقافيا يمكن الحديث عن طبقة راسمالية معولمة.
- وتحكمت بهذا التحالف المؤسسات المالية والإدارية الثلاث الكبرى المصرف الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. لكن هذا الثلاثي هو في الحقيقة في خدمة سلطة معولمة شكلية وأخرى فعلية. والشكلية هي السلطات السياسية/الطبقة المعولمة المزدوجة، بينما الفعلية هي قاعدتها او بنيتها التحتية ماليا وإداريا اي الشركات الكبرى. وللمفارقة يرأس هذه الشركات الكبرى رأس افتراضي واحد هو دونالد ترامب/و! الذي أصبح بعد عام على رئاسته مثابة المدير العام لشركة عالمية، يعاقب هنا وهناك ويقاطع هنا وهناك…الخ بل ويدير حربا تجارية على صعيد عالمي.
- على أن تفسير هذا العسف الأمريكي بقيادة ترامب/و مرده اساساً السر العسكري التسليحي الذي عززه في بداية الخمسينات الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، الجنرال سابقاً،[5] الذي تنبه إلى إمكانية بروز دول تنافس الولايات المتحدة اقتصاديا بالإنتاج المدني فاتجه لإقامة المجمع الصناعي الحربي الأمريكي لتبقى أمريكا متفوقة عسكريا مما يضمن ويحمي ويفرض مصالحها الاقتصادية، اي استعمارها للعالم. لذا، فالحرب الاقتصادية التي تشنها إدارة ترامب/و حتى على حلفائها الأوروبيين ترتكز على كون امريكا هي القوة والقيادة لحلف شمال الأطلسي الذي هو حلف غزو مختلف بقاع العالم، ويرتكز على أن تمويل هذا الحلف يعتمد بنسبة 90 بالمئة على امريكا. وهنا تبرز حاجة أوروبا واليابان لأمريكا على صعيد خارجي مما يمنعهما من مشاكسة قرارات ترامب العدوانية. فالرجل مدير شركة هي القطاع الرأسمالي المعولم، ويعرف عن ماذا يتحدث.
- يمكننا الاستنتاج بان حلف شمال الأطلسي كأنه بشكل ما امتداداً لمشروع مارشال لإعادة إيقاف اقتصاد أوروبا الغربية على قدميه كي لا تتجه شرقاً، وبأن تحمُّل الولايات المتحدة للعبء المالي لهذا الحلف هو مثابة مساعدات عسكرية على نمط مارشال الاقتصادي لصالح اوروبا الغربية التي لم تعد قادرة على القتال العدواني بمفردها على صعيد معولم[6].
بقي أن نشير هنا، إذا كانت أوروبا الغربية لم تحتجز التبادل التكنولوجي فيما بينها مما قاد إلى تطور متكافىء نسبياً، كما نفترض، لكنها وقد وصلت كل واحدة منها تقريباً إلى إنتاج ما يفوق طاقة السوق المحلية ، أو كما قال ماركس “تدني القدرة الاستهلاكية Under-Consumptionism” الناجمة، اساساً وليس فقط، عن تصاعد القدرة الإنتاجية وتجاوزها لطاقة السوق القومي على الاستيعاب، فقد واصلت حروبها المصلحية البينية سواء داخل جغرافيتها أو خارجها حتى نهاية الحرب الإمبريالية العالمية الثانية كي تسلم القيادة بعدها للولايات المتحدة وتنحني لتلك القيادة حتى حينه ذاهبة إلى “سلام” اقتصادي فيما بينها أي الاتحاد الأوروبي.
لعل إشكالية الاتحاد الأوروبي اليوم ثلاثية :
الأولى: التهديد الداخلي بتفكك هذا الاتحاد بعد خروج بريطانيا شبه المؤكد من هذا الاتحاد، وزيادة سيطرة ألمانيا عليه وهو ما اتضح في قمع اليونان بشروط مجحفة، وزيادة الضغط الشعبي في كثير من أعضائه للخروج من هذا الاتحاد،
والثانية: الصعود الواضح للفاشية أو الشعبوية لتخفيف الوقع إلى السلطة كما في إيطاليا خاصة وتقوية هذه التيارات في العديد من دول هذا الاتحاد.
والثالثة: الهجمة العقوباتية الأمريكية بقيادة ترامب/و والتي يُفترض/ربما أن تؤدي إلى تماسك هذا الاتحاد أو بعضه، اي الراسماليات الأوروبية.
لقد اختتمت موجة القومية الثانية مرحلتها بأزمة مزدوجة في المركز والمحيط مما نقلها إلى وضعية الانتصارات المهزومة.
فيما يخص المركز الإمبريالي لدينا مشكلة قوى التفجير الداخلي التي تدفع للتفكك ، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأزمة اليونان وإسبانيا والبرتغال، وذهاب إيطاليا باتجاه شعبوي. هذا من جهة، والحرب الاقتصادية الأمريكية كونها امتدادا للأزمة الاقتصادية الممولنة منذ عام 2008، مما يوجب التماسك الأوروبي الداخلي من جهة ثانية، وحاجة البرجوازيات الغربية لحلف الأطلسي العدواني سواء على صعيد عالمي او ضد روسيا خاصة من جهة أخرى. وهذا يبين تناقض طبقي على الصعيد الأوروبي حيث الراسماليات رغم العقوبات الأمريكية هي لصالح بقاء الاتحاد الأوروبي والعلاقة مع امريكا، مقابل الضغط الشعبي الذي لا تمثله الشركات ولا تمثله، إلى حد ما، مصالح أوروبا المحمية بحلف الأطلسي على صعيد عالمي!
أما على صعيد المحيط، فأزمته أكثر شدة كامتداد لأزمة المركز إلى جانب التزام هذه البلدان بعدم اعتماد سياسات حمائية باوامر من الثلاثي المزدوج: الثلاثي السياسي الطبقي الراسمالي ” الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، والثلاثي الاقتصادي المالي التجاري اي المصرف الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. في هذا المناخ ذهب المركز لتخليق الموجة القومية الثالثة.
الموجة القومية الثالثة:
إذا كانت الموجة القومية الأولى هي التعبير عن الصعود البرجوازي في أوروبا الغربية مرتكزا على محرك الثورة الصناعية وفيض الإنتاج الذي يدفع بالضرورة إلى البحث عن اسواق نظراً لعجز السوق المحلي لكل بلد عن استيعاب منتجاته وهو ما اسماه ماركس Under Consumptionism ، وحاجته للمواد الخام غير المتوفرة لديه، وتنافس كل بلد مع الأخريات على الأسواق ومواقع الثروة ولاحقا تصدير راس المال…الخ ،وكانت الموجة الثانية هي بزخم الوعي القومي في المحيط وعسف الاستعمار طبعاً، فإن الموجة الثالثة مختلفة المنبت بشكل خاص. فالموجتان الأولى والثانية هما من دينامية ذاتية لهذا البلد أو ذاك، نبت محلي بغض النظر عن المآلات بينما الموجة الثالثة هي تصنيع خارجي ووليد سفاح للامتداد الطبقي للموجة الأولى الراسمالية في حقبة العولمة. لذا اتخذت شكلا تآمريا رجعيا وخطيراً. بقول آخر، كانت الموجة القومية الأولى ثورة رأس المال محليا، والاندفاع النهبوي والاستغلالي عالميا، وكانت الموجة الثانية ثورة الشعوب ومن ثم تواطؤ/خيانة البرجوازية المحلية التي تحولت إلى كمبرادور وطفيلية، فإن الثالثة هي صناعة الثورة المضادة، اي هي أدنى وأحط اشكال التحالف بين شرائح برجوازية كمبرادورية وطفيلية في المحيط وبين راسمالية المركز. وهي التعبير التطبيقي لإحدى أهم سمات العولمة أي إلغاء السيادة القومية لبلدان المحيط لصالح سيادات شكلية وتابعة بالمطلق والمفتوح لحراك رأس المال الشركاتي خاصة وبالطبع مع حصر السيادة القومية في المركز الإمبريالي وصولاً إلى أعلى درجة من تطبيق السياسات الحمائية. وكل هذا قائم على انتقال الإمبريالية إلى حقبة العولمة باسسها : التصحيح الهيكلي، الخصخصة، النيولبرالية، عدم التضبيط، تحرير التجارة الدولية…الخ.
والنيولبرالية كتنظير فلسفي اقتصادي للعولمة رافقها خطاب وشغل على تغيير الدور الطبقي للعمل في مواجهة راس المال. وهذه اخطر فرق الهجوم ضد الثورة. نتحدث عن ما يسمى مجتمع ما بعد الصناعي والهدف منه الوصول إلى ما بعد الثورة أي إلى تأبيد الراسمالية/السوق. وهنا كان التركيز على انتهاء دور الطبقة العاملة في الثورة، طرح قريب أو نسخة أخرى من أطروحة هربرت ماركوزة حيث رأى الثورية في البروليتاريا الرثة.
يركز هذا التنظير على أن مجتمع الصناعة والاقتصاد الجديد بما هو مجتمع الأوتوميشنن وتكنولوجيا المعلومات قد خلق، أو خُلقت على هامشة طبقة عمال الخدمات التي لا ينطبق عليها كلُ من تعريف الطبقة العاملة من حيث شروط تعريف البروليتاري كطبقة عاملة صناعية خاصة، ولا كطبقة صاحبة مصلحة مباشرة /مُلحَّة في الثورة، مما يُبهِّت دور هذه الطبقة في الثورة . ذلك لأن عمال الخدمات، أو “طبقة”عمال الخدمات هي مؤقتة، تشغيل جزئي تحت الطلب/ عند الطلب، غير رسمية، بلا عقود عمل رسمية، بلا تأمين وضمانات كافية…الخ. هذه الطبقة تعمل في خدمة طبقة متماسكة تراتبية مهيمنة هي البرجوازية وخاصة في نخبة الشركات الكبرى العابرة للقوميات. بكلام آخر، جموع هائلة العدد تحت الاستغلال، شديدة التفكك (حتى حينه على الأقل) يتم تشغيلها من بنية متحكمة منظمة ومبلورة تقريباً في طبقة معولمة.
أمام الإجهاز البرجوازي في المركز على نضال ومكاسب الطبقات الشعبية، أو إلى جانب ذلك تم التوجه، ولا سيما بعد تفكك الكتلة الاشتراكية إلى إعادة استعمار المحيط الذي غادر إيجابيات الموجة القومية الثانية متهافتاً إلى مرحلة البيدق/ للرُخ. وهنا كانت وصفة اللاسيادة على صعيد عالمي لتجريد هذه البلدان من بقايا محاولات الاستقلال ولتبقى مختلف بلدان المحيط فاتحة أسواقها للريح.
على قاعدة اللاسيادة، تم استيلاد/استعادة وإحياء نزعات إثنية وطائفية ومذهبية أكثر مما هي قومية ترفع شعاراتها شرائح من الكمبرادور من جهة ومثقفي الطابور السادس الثقافي للتنظير لها من جهة ثانية، وتوكيل أجهزة/منظمات الأنجزة للتسويق التنفيذي. وكل هذا بمقادير تافهة من التمويل.
أما تنفيذياً، فهي بهدف تفتيت مختلف الدول التي لم تنضوِ تحت عباءة الإمبريالية الأمريكية والثلاثي الغربي عامة حيث أن الدويلات او الكيانات الصغيرة تابعة وضعيفة ومعتمدة على حماية الغرب ولكن الأهم انها تفتح أسواقها بالمطلق. هذا إضافة إلى أن كل كيان جديد في بلد كان واحداً يصبح في حالة حرب مع جاره مما يجعل الجميع في حاجة ملحة للغرب من جهة وأداة تسهيل دور القطاع العام الراسمالي المعولم من جهة ثانية والذي في نهاية النهايات يخدم الدور المعولم للشركات الكبرى التي وإن بدأ دورها في الظهور في بداية سبعينات القرن العشرين كما كتب عنها ستيفن هايمر، فإنها وصلت قمة سيطرتها مع حقبة العولمة التي يمكن التأريخ لها بنهايات القرن العشرين. وهي سيطرة محاطة بخطاب وإطراء إيديولوجي بليغ يلخص دور هذه الشركات.
“… ان الرجال الذين يديرون الشركات المعولمة هم الأولون في التاريخ الكفؤين من حيث التنظيم، وحيازة التكنولوجيا، النقود، وايديولوجيا تمكنهم بجدارة من العمل على ادارة العالم كوحدة اقتصادية متكاملة … ان ما يطلبونه جوهريا هو حق تجاوز الدولة القومية وعملية تحويلها[7].
بهذا المعنى فإن الشركات هي التي التهمت سيادة الدول. ولكن هل كل الدول؟ بالطبع لا، رغم أكاذيب أنظمة المركز وخاصة الولايات المتحدة.
وهذا يؤكد طبيعة أو جوهر الموجة “القومية” الثالثة حيث تدير ذلك السياسة الأمريكية سياسات هذه الكيانات الجديدة الخالية من السيادة مما يسمح للشركات بالحركة الحرة فيها نافية اي دور حقيقي للسيادة ما خلا سطوة القمع المحلي.
“… إن الحدود السياسية للدول القومية هي ضيقة جدا وقاصرة عن تعريف افق وانشطة الأعمال العصرية…وعلى العموم فإن هذه الشركات التي انجزت رؤية معولمة لعملياتها تميل الى التعامل مع عالم ليس فقط السلع بل كل عوامل الانتاج بحيث يمكن ان تحول وتتنقل بمنتهى الحرية.[8]“
لا مكان للولاء لا للمكان ولا للجماعة (اي/بل للشركة)
لم يكن القطاع العام الرأسمالي المعولم وليد حقبة العولمة وهزيمة العمل لصالح راس المال، بل هو من صلب الجشع والسيطرة الراسمالية.
في المذكرة رقم E-B34 الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة موجهة إلى رئيس، الإدارة الأمريكية في 24 تموز 1941 تم تلخيص أو إجمال فكرة “The Grand Area” بأن الحد الأدنى لها هو معظم ما ليس ضمن سيطرة المانيا، اي نصف الكرة الغربي المملكة المتحدة وبقايا الكومنولث وشرق الانديز الهولندي والصين واليابان”.
ماذا نسمي هذا غير أنه تحويل العالم إلى قطاع عام، للشركات طبعاً. من هنا نفهم لماذا تم استهداف الدول التي لم تكن مستسلمة تماما للانخراط في السوق العالمية أي سوق سيطرة الشركات، الاتحاد السوفييتي السابق، يوغسلافيا، العراق، سوريا ، ليبيا، اليمن…الخ.
هذا إلى جانب حفاظ الثورة المضادة في حقبة العولمة على الكيانات الشبيهة بالتي يتم تصنيعها في الموجة القومية الثالثة مثل قطر، والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وأريتريا…الخ ولا سيما دورها حيث تستخدم كرأس حربة ضد أي نظام تقدمي.
وطبقاً لدور وممارسات دويلات هذه الموجة، يمكننا الاستنتاج بأن الكيان الصهيوني هو مثلها الأعلى، وقد يكون محرك مواقفها السياسية وبالطبع عبر دوره في استراتيجية الثورة المضادة.
تخليق هذه الموجة “القومية” يفرض التساؤل: ترى هل وجود قطب او قطبيات أخرى يمكن أن يلجم هذا التخليق ودوره؟
بالمعنى العام الإجابة نعم حتى رغم أن القطبيات الأخريات رأسمالية أو على الطريق تدريجياً إلى الرسملة. فتخليق هذه الموجة ترافق مع انتقال الراسمالية من الإمبريالية إلى العولمة، وتفكك الكتلة الاشتراكية مما أعطى رأس المال فرصة الإجهاز على بقية السوق العالمية. وهذا يفتح على تساؤلات حول مدى تمكُّن القطبيات الصاعدة أي روسيا والصين، ومدى جديتها في مواجهة الغرب الراسمالي، وحدود تلاقي مصالح الطرفين، واين يمكن أن يتخاصما…الخ، مما يقود بلا مواربة إلى وجوب أن تعتمد كل أمة على نفسها أولا دون أن تركن كثيراً لأي دعم خارجي في عالم راس المال حيث التحالفات بينما محور الثورة المضادة هو أكثر انسجاما بضغط مصالحه وتوازن علاقاته التي مضى عليها الزمن الكافي للتبلور.
إن الحري بالانسجام الداخلي والتماسك هي الأمم والشعوب التي تتعرض للاستغلال والتفتيت وحتى للاحتلال المباشر أو بالإنابة من قبل الثورة المضادة لأنها تقاتل أو تقاوم من اجل البقاء ودفاعاً عن حقوق جلية.
إن ما يبعث الأمل بإمكانية لجم الثورة المضادة وأدواتها من طراز الموجة القومية الثالثة هو الصعود السريع للعولمة ووصولها سريعا أيضاً إلى مأزقها ولا سيما الانهيار الاقتصادي المالي منذ عام 2008 والذي لم يتم تجاوزه بعد.
ويكون السؤال: هل حقبة العولمة هي الأخيرة للراسمالية؟ أم أن العمل او الثورة ليسا مهيئين بعد! وخاصة على ضوء ضعف القوى التقدمية في المركز، وانتهازية ما يسمى المجتمع المدني في تواطئه مع استغلال راس المال للمحيط سواء بالتبادل اللامتكافىء أو حتى شن حروب استعمارية عسكرية مباشرة أو بالإنابة ضد المحيط الذي فعلت فيه حقبة العولمة عبر أداتها الموجة القومية الثالثة فعلها حيث حلت الطائفية والمذهب بقيادة قوى الدين السياسي محل الطبقة والهويات المتصاغرة محل الهويات الكبرى ومحل السرديات الكبرى. أي حلول من يستدعي الاستعمار محل من يجب أن يقاومه.
انتهى عصر الأحكام القطعية وتحويل التنبؤ العلمي إلى تأكيدات ستأخذ مجراها على الأرض. ولكن بالمقابل، فإن القيمة في مواصلة المقاومة المعولمة، وهي السيرورة التي تتحول إلى حدث وطوبى لمن يكن جاهزاً لالتقاط مفاتيح الحدث والمرحلة التي يأخذ مجراه فيها، وحينها يكون التحول والتغيير تاريخيا إلى الأمام.
استخلاص مقارن
الحدث في الأرض صنع بشري يأتي في أغلب حالاته صدفة وفجأة ودون إنذار. أمّا ما ليس فجأة فهو تفاعل الإنسان معه سواء الجماهير عموماً هذه الطبقة أو تلك أو هذا الحزب أو ذاك ، هذا المفكر أو غيره. لذا، ما وصل إليه الفكر البشري ليس سوى قراءة للواقع ومحاولات لاستقراء القادم أو رسم طريق لما هو آت أو كما يجب أن يكون. هكذا يجب أن نقرأ أطروحات مفكري الثورات وقادتها مثلا، ماركس في الشيوعية، ولينين في الثورة الاشتراكية، وستالين في تثبيت الدولة السوفييتية وماوتسي تونغ في ثورة الاشتراكية ذات الدور الكبير للفلاحين والمضمون القومي التحرري، وفرانز فانون في العنف الثوري، وسمير امين في فك الارتباط، وكاسترو في اشتراكية الدولة الواحدة في فك الوحش وتشي جيفارا في أممية المقاتل والجزائر في إذلال دولة عظمى واقتلاع كيان استيطاني والقافلة تطول.
من هنا وجوب وفائدة الإضاءة على تجارب الثورات في العالم بمعزل عن مآلاتها المباشرة أو غير المباشرة وخاصة على ضوء الشبه بين بدايات القرنين العشرين والحادي والعشرين حيث أُفتتحا بصعود قوى اشتراكية، بغض النظر عن انتصارها في الأول وانتهائها بهزيمة بعد سبعة عقود وتراجعها في الثاني حيث لا ندري مآلات التراجع الجاري حالياً، لأن العبرة هي أن البشرية لن تتوقف عن النضال من أجل الاشتراكية مهما كانت الظروف مجافيةً. هذا ما كان وراء قراءة الأحداث في هذا الكتاب وهي ليست سوى نماذج من ما حدث في هذا العالم.
مع نهاية هذا الكتاب، نحاول تكثيف الدروس المستفادة من العرض الموزع بين تجربة وأخرى، حيث تعرضنا له والإشارة إلى تقاطعات مختلف أو بعض التجارب التي عولجت في متن الكتاب.
ربما مظلومية الثورة الثقافية مقارنة مع كميونة باريس والثورة الطلابية 1968 والانتفاضة الفلسطينية 1987 أنها وحدها التي لم يتوقف الخلاف حولها حيث الانقسام تجاهها شديد الحِدَّة، فريق ضدها بالمطلق وفريق مُفعم بحبها بينما الأحداث الثلاثة الأخرى كان الجدل تجاهها أقل بين من هو معها ومن هو ضدها.
كانت كميونة باريس أول حرب غوار المدن قامت بها البروليتاريا ضد دولتين عظميين تحالفت ضدها برجوازيتيهما رغم كونهما في حالة حرب. ولكن إذا لم يكن هناك ما يوجب تحالف البرجوازيتين الألمانية والفرنسية رغم حربهما فإن أحد شعارات الكميونة توجب على البرجوازيتين التحالف حيث يقول بيانها الأول: “يجب إغلاق باب الحروب والغزو”. كيف لا، والكميونة حين ثارت كانت ثورتها متزامة مع التوسع والغزو الاستعماري ودخول الراسمالية مرحلة الإمبريالية.
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
[1] نوقش مصطلح قطاع رأسمالي عام معولم في موضع سابق.
[2] أما والاستعمارين الفرنسي والبريطاني وقد هرما كشعوب ايضاً، لكن العدوانية والجشع للنهب والعيش على ريع من الغير لم يتوقف، لذا أشبه دورهما الآن في محاولات تجديد دورهما ولو كاستعمار تابع بما كتبه أمير الشعراء العرب أحمد شوقي: رأيت على صخرة عقرباً…وقد جعلت ضربها ديدنا. فقلت لها إنها صخرة…وطبعك من طبعها ألينا. فقالت صدقت ولكنني…أريدُ أعرِّفها من أنا.
[3] أنظر عادل سمارة
Terrorist Orientalism in a State Form. Using Marxism, Christianity and Islam to Dismantle Arab Homeland. Adel Samaraو Kana’an – The e-Bulletin كنعان النشرة الإلكترونية Volume XV – Issues 3781- 3782. 24 march 2015
[4] قد يكون افضل شاهد على هذا ما تقوم به إدارة الولايات المتحدة الحالية، إدارة ترامب من فرض عقوبات تجارية تقريبا على كل العالم وخاصة شركاء أمريكا بما هي راس سيطرة هذا القطاع العام الراسمالي المعولم.
[5] ربما بنى أيزنهاور عقيدته في التفوق التسليحي المطلق على حقيقتين، قيام أوروبا المسلحة جيدا بتدمير الدول التي كانت سابقة لها في التطور الاقتصادي الصين والهند، اي اعتماد القوة دخولا إلى الاقتصاد، ثم خروج امريكا الأقوى بعد الحرب الإمبريالية العالمية الثانية.
[6] لعل الاستثناء فيما يخص قدرة دول أوروبا الغربية على شن عدوان هنا وهناك هو من جهة الأمر الأمريكي لها، ومن جهة ثانية اختيار حالات معينة بشن عدوان محدود وباشتراك مع دول أخرى. هذا ما حصل مؤخراً بمشاركة فرنسية للعدوان ضد اليمن إلى جانب العدوان السعودي الإماراتي حيث تشارك فرنسا في نزع ألغام إعاقة العدوان، كما ارسلت فرنسا قوات رمزية ضد سوريا مساعدة للكرد الصهاينة، هذا ناهيك عن مشاركة مختلف دول الناتو تحت مظلة أمريكا في تدمير ليبيا وإسقاط نظام الرئيس القذافي.
[7] Richard J. Barnet and Ronald E. Muller,Global Reach: The Power of the Multi-national Corporations (New York: Simon and Schuster, 1974), pp. 13, 15-16, as cited in Howard M. Wachtel, The money Mandarins: The Making of Supra-national Economic Order (Armonk, N.Y.: M.E. Sharpe, 1990), p.6.
[8] “ Cosmocorp: The Importance of Being Stayeless,” Columbia ournal of Worlf Business 2, no. 6 (November-Decemberc1967), as quoted in Jeff Frieden, “The Trilateral Commission: Economics and Politics in the 1970s, in Holy Sklar (ed), Trilateralism: The Trilateral Commission and Elite Planning for World Managemant (Boston: South End Press, 1980), pp. 63-64.