- قراءة في كتاب: “إسرائيل وفلسطين – الحل، دولة” لمؤلفته غادة كرمي
نشرت الباحثة غادة كرمي (إنغلترا) عدة مؤلفات باللغة الإنغليزية، منها سنة 2022، كتاب بعنوان “إسرائيل وفلسطين – الحل، دولة “
هل تقتصر المسألة على العنصرية؟
لو افترضنا جَدَلاً احتمال إمكانية إنهاء حالة الإستعمار الإستيطاني الإقتلاعي الإحلالي (كما احتلال فلسطين) بوسائل سلمية ودبلوماسية، يجب التّأكيد على بعض النّقاط، منها تجاهل “إعلان النوايا” – المشهور باسم “اتفاقيات أوسلو” – جوهر قضية فلسطين، أي طبيعة الصهيونية كإيديولوجية استعمار استيطاني أنْكَر وجود شعب فلسطيني، وما نتج عنها من مُخطّطات طرد الشعب الفلسطيني من أرضه، فقد تمحوَرَ النّضال الفلسطيني، منذ أكثر من قَرْن، حولَ مسألة الأرض/الوطن، وتأسّست منظمة التحرير الفلسطينية، قبل الإحتلال الثاني، أي قبل عدوان 1967، من أجل تحرير فلسطين وعودة اللاجئين إلى وطنهم وديارهم…
بعد اتضاح خدعة إقامة “سُلطة حُكم ذاتي إداري” مُستقلة، وانتخابات ومُؤسّسات “دُستورية” تحت الإحتلال، تكاثر نُقّاد “مُفاهمات أوسلو”، وسَلَّمَ معظمهم، بعد تكثيف عمليات الإستيطان ومُصادرة الأراضي والمياه، وهدم المباني وتشريد السّكّان الأصليين للبلاد، بعدم واقِعِيّة “حل الدّوْلَتَيْن”، ويقترحون، بالمُقابل “دولة واحدة” أو “المُساواة”، واختزال مسألة الإستعمار الإستيطاني في “المَيْز العُنْصُرِي”، بينما يعتمد الإستعمار الإستيطاني على إلغاء أو إقْصاء وإبادة السّكّان الأصليين، وفي حالة فلسطين أصبح الفلسطينيون أقلِّيّةً عدديةً في بلادهم، وفي أسفل دَرَجات السُّلّم الإجتماعي، فأي مُساواة يمكن أن تحصل بين المُسْتعمِرِ والواقع تحت الإستعمار، لكن، لو افترضْنا جَدَلاً، إمكانية إنجاز “حل الدّولة الواحدة”، من يُهَيْمِنُ على هذه الدّولة المُتَخَيَّلَة، وهل يُحافظ المستوطنون على ما اغتصبوه من ثروات وأراضي ومساكن اللاجئين أم يتم تجريدهم ومُطالبتهم بتسديد تعويضات، وما مصير اللاجئين، وهل نتناسى، أو “نَغْفِر” دماء الشُّهداء العَرب، ضحايا الإستعمار البريطاني والصهيوني، وهل يمكن مَحْو لوعة الأُسَر وعذاب الأسْرى والمُشَرّدين، وماذا يعني تقاسم الوطن مع المُسْتعمِرِين، من موقع ضُعْف، وأسئلة عديدة أُخْرَى تُبيِّنُ عبثِيّة هذا اللّغو.
توضح غادة كرمي في هذا الكتاب أن المشروع الصهيوني غير عملي، أو غير قابل للتطبيق، وتسببت الحركة الصهيونية ، ثم الدولة التي أنشأتها (بدعم من الإمبريالية) في فشل جميع المشاريع، بما في ذلك اتفاقيات أوسلو لسنة 1993، ومن هنا جاءت ملاحظة أن هناك بالفعل دولة واحدة يحكمها جهاز دولة الإحتلال، وبالتالي تقترح المُؤلِّفَة “دولة واحدة على أراضي فلسطين التاريخية ، حيث يعيش الشعبان على قدم المساواة… حيث يتمتع جميع السكان بنفس الحقوق السياسية والمدنية، وهو حل مستحيل اليوم ولكن الذي لا يزال الحل المرغوب والوحيد “.
الواقع أن المشاريع التي تتحدث عنها غادة كرمي هي مشاريع إقصاء للشعب الفلسطيني والشعب الفلسطيني هو من رفضها، لأن دولة الإحتلال لم تتوقّف يومًا عن استعمار ونهب وطن الفلسطينيين الذين خانهم القادة الذين روجوا لأوهام حول “سلام عادل ودائم” لكنه افتراضي، لأن التاريخ علّمنا أن الإستعمار لا يتنازل بمحض إرادته عن أرض أو وطن استعمَرَهُما بالقُوّة، بل يُفاوض عندما تشتدّ المُقاوَمَة وتتوسّع المُقاطعة السياسية والإقتصادية والثقافية والأكاديمية والرياضية، ليُصبح ثمن الإحتلال مُرتفعًا، فتنخفض الإستثمارات وإيرادات السياحة ويهاجر المستوطنون ينخفض عدد المُستوطنين الجدد…
تُوَضّح الباحثة غادة كرمي أن الدّولة الواحدة تعني “مشاركة الجميع في انتخابات ديمقراطية، وإنشاء برلمان واحد أو دولة اتحادية بمؤسسات إقليمية، والعيش مَعًا، كما يحصل في سويسرا وإسبانيا وبلجيكا وألمانيا وحتى في الولايات المتحدة”، واستلهام نموذج مدينة “بروكسل” (حيث تتقاسم مجموعتان لُغَويتان مقاعد المؤسسات والهيئات التنفيذية) لتطبيقه في القُدْس.
تعترف غادة كرمي: “إن الوجود اليهودي الإسرائيلي في فلسطين التاريخية ليس حضورا طبيعيا”، وتُضيف :”لكن الفلسطينيين اليوم مجبرون على التعايش معه”، وتكرّر تشبيه مُقترحها (ومقترح كل من يدعو إلى تقاسم الوطن والتّعايش مع المُستوطنين) بما هو “معمول به في سويسرا وبلجيكا وإسبانيا”، وتُضيف بشكل اعتباطي مُسْقَط، لا محل له من الإعراب في سياق حَلِّها المزعوم: “لا يمكن أن ينجح أي حل إذا لم يشمل عودة ستة ملايين لاجئ “
تدّعي الباحثة أن مُقترحها “المُساواة في الحقوق” يُحْرِجُ الكيان الصهيوني المُسْتَعْمِر الذي يَفْرِضُ على الشعب الفلسطيني “الاختيار بين قبول الاستعمار أو المغادرة”، وتُعوِّلُ على “منظمات في إسرائيل وفلسطين تتحرك الآن في اتجاه المساواة في الحقوق… من الآن فصاعدًا، تعتبر المعركة من أجل المساواة في الحقوق المدنية والسياسية أولوية، كما كانت في جنوب إفريقيا حيث لم تكن مسألة تقسيم تقسيم البلاد إلى قِسْمَيْن، مَطْروحة… لقد بَيَنت لنا الحركة المناهضة للفصل العنصري الطريق…”، وهذا بيت القصيد.
إن تشبيه وضع الشعب الفلسطيني بوضع شعب جنوب إفريقيا غَيْر صائب: لقد بقي شعب جنوب إفريقيا في أرضه، رغم الإستغلال والإضطهاد والإستعباد والعَزْل في مناطق مُغْلَقَة، وبقي أصحاب البلاد يُشكّلون أغلبية سُكانية داخل وطنهم. أما الحل فقد بقي منقوصًا، ولا يمكن الإستدلال به، فقد حافظَت الأقلية من المُستعمرين الأوروبيين البيض على امتيازاتها، ولا تزال تتحكم في مفاصل الإقتصاد، ويتلخّص ما حَصَل في إنهاء الميز العنصري القانوني، بالتزامن مع انهيار الإتحاد السوفييتي، ومع ارتفاع الثمن الإقتصادي والسياسي لنظام الميز العنصري الذي تفاوض مع قيادة المؤتمر الوطني الإفريقي، بزعامة “نيلسون مانديلا”، لمدة سنَتَيْن، وأسفرت المفاوضات عن مُحافظة المُستوطنين على ما نهبُوه من أصحاب البلاد الشّرعيين، والسّماح بارتقاء جُزْءٍ من كوادر المؤتمر الوطني الإفريقي ومن فئة قليلة من السُّود، بضع درجات السُّلّم الإجتماعي…
رغم مساوئ الحل الذي تم التوصّل إليه في جنوب إفريقيا، فهو لا ينطبق على وضع فلسطين، حيث أغلبية الشعب تعيش خارج وطنها، وحيث لم يتبقَّ من الأرض سوى القليل، وعلى أي حال فلن تقبل أي قُوّة مُستعمِرَة التنازل عمّا اكتسبته بقوة السلاح، دون إجبارها واضطرارها لاختيار الحل الأقل سوءًا والأقل إضرارًا بمصالحها. أما من حيث المبدأ فلا يُعْقَلُ أن يقترح أحدٌ تقاسُم الوطن مع المُحتلّ، فذلك استسلام مجاني ولا مُبَرِّرَ له، بل وجبت الدّعوة لتكثيف وتيرة وأشكال المقاومة وخلق ميزان قُوى داخلي وخارجي لصالح المقاومة، حيث توجد حاضنة شعبية عربية للمقاومة…
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.