صورة من تركيا، نموذج حكم الإخوان المسلمين، الطاهر المعز 

قبل عام واحد من الانتخابات المقبلة، تتعرض هيمنة الإخوان المسلمين في تركيا لمدة 20 عامًا للخطر بسبب أزمة الإقتصد والليرة التي فقدت في عام 2021 أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار، مما رفَعَ نسبة التضخم إلى 36% سنة 2021 وإلى إلى 61% في نيسان/أبريل 2022.

تعتبر تركيا قاعدة إنتاج للعديد من الشركات الصناعية الأوروبية، ما جَعَل من تركيا مُصدِّرًا للكثير من المنتجات إلى دول الاتحاد الأوروبي، لكن تغيرت رؤية المستثمرين الدوليين منذ العام 2016 ( محاولة انقلاب مَشْبُوه) وتراكمت مشاكل الاقتصاد التركي في السنوات الأخيرة، خاصة منذ عام 2018، قبل أت تخلق الحرب في أوكرانيا صعوبات إضافية أخرى أمام اقتصاد تركيا، إذ أدى الصراع إلى ارتفاع أسعار واردات تركيا من القمح والنفط، ما قد يُؤدّي إلى ارتفاع عجز ميزانية تركيا إلى نحو 5% من النّاتج المحلِّي الإجمالي، بنهاية سنة 2022، بالتوازي مع انخفاض الاستثمار الأجنبي، ومع احتداد المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد التركي منذ سنوات، مثل التضخم وتراكم الديون التي تزيد على 400 مليار دولار، بنهاية سنة 2021، ومن أسباب ضُعْف الإقتصاد التّركي اعتماده على موارد غير مُستقرة، مثل الإستثمارات الأجنبية وقطاع السياحة.

وصلت الزيادات في الأسعار إلى 36% في عام 2021 ، وهو أسوأ أداء في العالم بعد الأرجنتين، وهو مُستوى أعلى بسبع مرات من هدف السلطات، وقد يبلغ المستوى الفعلي لزيادة الأسعار في الواقع 82,2% وفقًا لمجموعة أبحاث التضخم، وبالتالي، فإن هذا المستوى أعلى من عتبة التضخم المفرط (الذي يحدده الاقتصاديون عمومًا بين 45%و 100% سنويًا) والذي يُظهر ارتفاع مخاطر الأسعار الجامحة بلا حدود، والتي تجعل من الاستثمار بالعملة المحلية عملية غير مربحة، الأمر الذي يتسبب ميكانيكيًا تقريبًا في انخفاض الليرة التركية، التي فقدت نصف قيمتها مقابل الدولار واليورو، في غضون عام واحد، مما يؤدي تلقائيًا إلى زيادة سعر الواردات (الهيدروكربونات، المنتجات الغذائية ) التي يرتقع نصيبها في ميزانية الأُسَر التركية، حيث ارتفع سعر الغاز بنسبة 50% والكهرباء بنسبة 25% في نهاية الربع الأول من عام 2022، لكن رئيس الدولة يعتقد أنه يجب التركيز على النمو، وذلك بفضل الصادرات التي تُصبح أكثر تنافسية بفضل انخفاض قيمة العملة المحلية التي يُقَوّمُ بها الإنتاج والأُجور، وكذلك بفضل نهب ثروات سوريا ولاجئيها واحتلال قبرص ونهب ثروات ليبيا، وبفضل دَعْم مَشْيَخَة قَطَر. أما بالنسبة للعائلات التركية ، فإن ارتفاع الأسعار يُذَكِّرُ بالتضخم المفرط لعقد التسعينيات التي استغلّه حزب العدالة والتنمية (الإخوان المسلمون) للوصول إلى سدّة الحُكْم، وكان بمتوسط 60% سنويًا على مدار العقد بأكمله ، فكان مَصْدَرًا لارتفاع نسبة الفقر، ولعدم الاستقرار السياسي، ولسيطرة الإخوان المسلمين على كافة المؤسسات ودواليب الدّولة…

بالإضافة إلى أسعار الوقود والكهرباء، ارتفع سعر الطحين والدجاج بنسبة 86% خلال عام واحد، وزيت عباد الشمس بنسبة 76%، والخبز بنسبة 54%، وتُؤشّر طوابير الانتظار خارج المخابز التي توزع الخبز المدعوم من بلديات المعارضة في اسطنبول وأنقرة، إلى ارتفاع نسبة الفقر.

فقدت العملة الوطنية مصداقيتها، وتشير التقديرات إلى أن ثلثي الودائع المُدّخَرَة تتم بالعملة الأجنبية. من ناحية أخرى، كبّلت الدُّيُون الشركات التركية التي حصلت على دُيُون باليورو أو الدولار، ولم يتمكن المصرف المركزي من وَقْفِ نزيف العُمْلَة، رغم ضخ عشرين مليار دولار (حوالي 25% من احتياطياته)، خلال شهر واحد، لدعم العملة المحلية (الليرة التركية) ، لكن أجّل ذلك انهيار العملة، ولم يوُقِفْهُ ورغم إجماع خُبراء الإقتصاد المَحَلِّيِّين على ” إن القرارات السياسية هي سبب التضخم والمشاكل الإقتصادية الأخرى التي أفقرت السكان”، يُصرّح الرئيس أردوغان “إني مقتنع بأن الإقتصاد يسير على الطريق الصحيح، وسوف يتحسن بالإعتماد على تسريع النمو على المدى القصير”

يبحث الرئيس التركي عن حلول أخرى في الخارج. إنه يبتز الناتو (والولايات المتحدة)، من خلال التهديد بمعارضة عضوية السويد وفنلندا في الحلف، وهو يُريد في الواقع دعم دول الناتو لضم شمال سوريا والحصول على دعم مالي إضافي من الاتحاد الأوروبي.

في إطار محاولاته لحل المشاكل الاقتصادية، قبل انتخابات 2023، توجه الرئيس أردوغان، نهاية شهر نيسان/أبريل 2022 إلى السعودية للمصالحة مع العائلة المالكة، ولتحقيق أهداف اقتصادية واستراتيجية، على ظهر الشعوب العربية في فلسطين وسوريا واليمن، ويُتَوقّع أن تُسْفِرَ الزيارة عن حصول تركيا على قروض عاجلة من السعودية والإمارات وقَطَر، وعن ارتفاع حجم التبادل التجاري والسياحة والرحلات، بعد تسوية بعض الخلافات، كتلك التي نجمت عن اغتيال “خاشقجي (السعودي الأمريكي) في تركيا، فضلا عن الخلافات الناجمة عن مُساندة تركيا لمشيخة قَطَر، خلال الأزمة الخليجية، ويتوقع مجلس الغرف التجارية السعودية “ارتفاع حجم وقيمة استيراد السلع التركية في أكبر سوق عربية”، ما يُخَفِّفُ من الضغوط المتزايدة التي يواجهها الاقتصاد التركي، وتندرج محاولة رئيس تركيا تحسين العلاقات مع السعودية في إطار أشْمَلَ، تمثل في مُراجعة ملف العلاقات الإقليمية والدّولية، حيث تزامنت مع تسوية الخلافات مع الكيان الصهيوني ومصر والإمارات…

إثر انخفاض سعر اللِّيرَة من جديد إلى 17 ليرة مُقابل الدّولار، اتّهم الرئيس التُّرْكي، منتصف أيار/مايو 2022، “قُوى داخلية وخارجية مُعادية”، بالمُضاربة بسعر العُملات الأجنبية في محاولة لتدمير الإقتصاد التركي”. أما أحزاب المعارضة فتُشير إلى بيانات أخرى، يحاول أردوغان تجاهُلَها، مثل ارتفاع نسبة البطالة إلى 19%، ما جعل حوالي ثُلُثَيْ شابا البلاد (من 18 إلى 35 سنة) يُصرّحون، خلال استفتاء، إنهم يَئِسُوا من إصلاح وضع البلاد، ويرغبون في مغادرة البلاد، لو توفّرت الفُرْصَة، كما تُشير البيانات إلى ارتفاع نسبة التضخم السنوي إلى 70%، بحسب بيانات معهد الإحصاء الحكومي و180% بحسب المُعارضة، وإلى ارتفاع الدّيون الخارجية إلى حوالي 470 مليار دولارًا، يحين موعد تسديد 160 مليار دولارا منها قبل نهاية السنة الحالية 2022، وتراجُعِ احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبية من حوالي 85 مليار دولارا بنهاية 2021 إلى ناقص 67 مليار دولار (أي – 67 مليار دولارا) يغطّيها المصرف بالاقتراض الخارجي، بالدّولار، بفوائد مرتفعة فاقت نسبتها 9% للدولار، فيما تُواصل الحكومة تنفيذ برنامج الخصخصة، وبيع مؤسّسات القطاع العام بقيمة سبعين مليار دولار، إلى شركات محلّية وأجنبية، يتملكها (كُلِّيًّا أو جُزْئِيًّا) أفرد أُسْرة الرئيس وأقاربهم، الذين استفادوا كذلك من عمُولات الوساطة لشركات أجنبية وتركية، ومن سرقة المال العام، عبر تنفيذ مشاريع البُنْيَة التَّحْتِيّة بقيمة تتجاوز قيمتها الحقيقية، ويعتمد حزب العدالة والتنمية على الناخبين الأُمِّيِّين وشبه الأُمِّيِّين أي حوالي 47 مليون مواطن (من إجمالي حوالي 85 مليون نسمة)، يُساند معظمهم حزب العدالة والتنمية، ويُصدّقُ اتهام كل من يكشف عمليات السرقة والإحتيال بالعداء للوطن وبالعمالة لقوى أجنبية، وتمكّن حزب الإخوان المسلمين (العدالة والتّنمية) وزعيمه أردوغان من السيطرة على البلاد ومؤسساتها كالإعلام والأمن والقضاء، وتعزيز أركان حكمه من خلال نَشْر الجهل والتجويع…

هذا وَجْهٌ من وُجُوه تركيا التي يعتبرها الإخوان المُسلمون العرب قُدْوةً ومِثالاً للحكم الرّشيد… 

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.