لبنان: نهاية بحبوحة ريْع اقتصاد التساقط المعولم، الحلقة (2)، عادل سماره

الحلقة (2): الثورة المضادة كسبت جولة الحراك

في قراءة لبنان الريْعي والنضال ضد الاحتلال وخاصة فريق صاحب العمامة تفرض الحالة الفلسطينية نفسها ولا سيما في المستوى الاقتصادي حيث قد لا يصح التنموي.

لا شك أن المستوى والأداء والنتائج النضالية للفريق اللبناني أتت افضل بما لا يُقاس من المستوى الفلسطيني بغض النظر عن البطولات والملابسات، هذا مع انني اعتقد أن الثانية استمرارية للأولى بالمفهوم المشترك والتاريخي.

كما انشغل الفلسطينيون وحصروا النضال في المستوى السلاحي إلى أن أضاعوا البوصلة بسبب الإغراق التمويلي الخليجي الذي لا شك بخطط له العدو الأمريكي ولذا ذهب التركيز إلى الإعلام ومن ثم السياسة وصولاً إلى التسوية وإحلال الاستدوال محل التحرير.

هذا التوجه تحديداً هو الذي حصر الانتفاضة الكبرى 1987 في المستوى السياسي الوطني الشعبي ولم يحولها إلى انتفاضة ثقافية ولا تنموية. وقد كتبت عن هذا كثيرا في حينه في عدة كتب بالعربية والإنجليزية بعنوان “التنمية بالحماية الشعبية”ومنها أطروحتي للدكتوراة المنشورة 1991 ، ولكن كما قالت العرب” لا يُطاع لقصيرٍ أمر”.

فقد كانت مختلف القوى وليس فقط حركة فتح مأخوذة بالفكر اللبرالي او كتابات مرتدين ماركسيين تحولوا إلى منظِّرين للتسوية “السلام” وأتوا مع قيادة م.ت.ف ولجنتها التنفيذية كحاملي الطيب الثقافي لها .ولعل أوضح توجه ما قيل كثيرا “تحويل المناطق المحتلة 1967 بعد عودة م.ت.ف إلى تايون! وحينها كتبت “لا تايوان بعد تايوان هنا اي الكيان”.

يمكننا رد التوجه غير التنموي لدى الفريق اللبناني وخاصة بعد أن بقي فريق العمامة وحده عامود الكفاح، إلى عدة عوامل:

• التركيز المشروع على السلاح في وطن محتل

• الأرضية العقائدية لهذا الفريق وهي فيما يخص الاقتصاد ليست الإشتراكية

• التأثر بالنموذج الراسمالي التنموي في إيران الذي لم يقطع مع السوق العالمية. وهذا طبيعي طالما لم يبدا بالحماية الشعبية ومن ثم فك الارتباط.

• تحول سوريا بعد عام 2000 إلى النيولبرالية أو ما اسموه تلطُّفاً “إقتصاد السوق الاجتماعي” اي ايضاً لم تقدم سوريا نموذجا افضل للفريق اللبناني.

• إعتماد هذا الفريق على الدعم الإيراني،وهو مشروع طبعاً، لكنه ليس ممكنا دوماً بنفس المستوى، وربما هذا ما إتضح بسبب الحرب الاقتصادية الأمريكية ضد إيران، وتأخر التوجه شرقاُ إن كان حصل كما يجب؟

• إنبهار مثقفي ومحللي ورفاق واصدقاء هذا الفريق بالنصر المسلح، وهو عظيم لا شك، وهذا حال دون أن يركزوا على المسألة التنموية، وهذا ليس ناجم عن عجز فكري ثقافي وإنما عن الميل للتقديس وشعور المثقف بالدونية أو التقصير أمام المقاتل مما أعطى المقاتل غرورا والمثقف تبعيةً.

• تركيز الثورة المضادة على بقاء الأسس الاقتصادية اللبرالية واللبرالية الجديدة في لبنان مما جعل سطوة التحالف المصرفي/السياسي/الطبقي/الطائفي هائلا.

حتى بعد حراك 17 تشرين:

هل كان تشرين حراكا أم ثورة؟ لا نعتقد ان هذا بيت القصيد ولكنه كان شعبياً. لكن كما قال المرتحل حديثاً مظفر النواب:

“لعل اليمين اشد ذكاءً”.

التقط المسألة الفريق المتصهين في لبنان، بغض النظر عن حجمه العددي وتغلغل بين الحراكيين بعناصره وبمجموعات الأنجزة.

وهنا، كانت الإشكالية، فقد تداخل الشارعان معاً، كل له رؤيته وهدفه. وكما اذكر حصل جدال تجاه هذاالأمر.

كنت مع وجوب الفرز بمعنى أن يكون حراك وطني شعبي منفرزاً عن حراك الثورة المضادة من أنجزة وصهينة وفاشية…الخ.

لكن ما حصل أن فريق ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة خرج من الساحة كلياً في سلوك تطهُّري لا يتوافق مع متطلبات الحالة والتي هي في غاية الوضوح بمعنى أن الصمت عن المطالب يعني تغطية من نهبوا البلد بل قاموا بخصخصة نهبوية لودائع الناس! وهذا مختلف بل أكثر تغوُّلاً من خصخة قطاع عام هو للدولة. ولذا، لم ينفع هذا الفريق تصريحاته بأنه ضد الفساد وبأنه جهز ملفات ضد الفاسدين.

وهذه عناوين مما كتبت:

” دفاعاً عن الحراك …فمضمونه إشتراكي…إلى المركزي وحماية العهد…(2من2) د. عادل سمارة

“تحرك…فقد تحركوا”…ليس المطلوب من المقاومة ان تدخل حرب شارع مقابل شارع، ولكن الحد الأدنى ان يُفرز شارعها عن شارع العملاء، وأن يبلور شارعها فريقا يقابل عون كممثل للحراك وتكون مقدمة مطالبه الفورية…الخ

وفيما يخص شعار “كلن يعني كلن” وذهاب بعضهم لادعاء استعادة الذهب من امريكا، وهو شعار مطروح الآن ايضا، كتبت ما يلي في نشرة “كنعان” الإلكترونية بتاريخ 5 نوفمبر :2019

ذهب الذهب … هل سيعيده كولمبس لبناني! إلى: مجلس الحماية الشعبية إلى جانب المقاومة الوطن بلا مقاومة مجرد مكان. عادل سمارة

وحين سُئل حاكم البنك الفدرالي الأمريكي بين برنانكي، اين ذهبت الأموال التي كدستها البنوك وهي 14 ترليون دولار؟ قال لا أدري، ومع ذلك أُعيد انتخابه حاكما للفدرالي الأمريكي مجددا، ووضعت مجلة “تايم” صورته على غلاف عددها كشخصية العام!

وحينما طلبت المانيا استرجاع ذهبها من الولايات المتحدة كان الجواب: لقد غرق أثناء الفيضانات التي اجتاحت منطقة منهاتن حيث كان مخزنا هناك. سرقه علي بابا والأربعين حرامي.. أما ذهب الصين، فكان رد إدارة الولايات المتحدة من نفس الصنف: “لقد ضاع مع هدم البرجين في نيويورك” . إجابة طريفة تحتاج، إن صح أن البدوي بن لادن هدم البرجين ، أن تدفع مملكة العتمة ذهبا للصين مقابل ذلك!”

كان من نتائج هذه التطورات والقصيرات:

• بقاء حاكم مصرف لبنان في مكانه وبسلطاته

• تعمُّق الفقر والجوع في البلد مما جعل اتهام فريق العمامة بالتقصير أمراً سهلاً

• حصول الانتخابات وارتفاع حصة فريق الثورة المضادة سواء الفاشيين والانجزة وجماعة الروتاري…الخ.

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.