لبنان: نهاية بحبوحة ريْع اقتصاد التساقط المعولم، حلقة (3)، عادل سماره

حلقة (3): شرح وتوصيف إقتصاديين لبنانيين للأزمة/المأزق

نعم، استحكمت الأزمة في لبنان فبدأت الكتابة والحديث  والنقد والتشكي منها. يقول البعض بأنه حذّر منها قبل استحكامها، لكن من الصعب إجراء مسح لما كُتب، كما من الصعب معرفة هل وصل ذلك إلى مسامع من يجب أن يسمع؟ ولكن كما يبدو ربما:
·        لا الإقتصاديين ،أقصد المفكرين” دقوا ناقوس الخطر بالقدر الكافي
·        ولا ا.ل.م.ق.ا.و.م​​.ة تنبهت كما يجب للأمر
·        ولا عموم المثقفين
·        ولا المواطن بالطبع.
فهل كان الجميع سعيداً بما يجري وترك الأمر يتدحرج حتى طحن قدميه!
مألوف عالمياً، أن القوى السياسية كثيراً ما تلعب دور القوة الطاردة للمفكرين النقديين حيث يصعب عليها احتوائهم وهضمهم. لكن في الحالة اللبنانية، فإن ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة  لم تقم بذلك، بل ما حصل أن كثيراً من مؤيديها كانوا مدَّاحين للسلاح ولدورها النوعي في مواجهة الكيان لكنهم لم يركزوا على مسألة التنمية.
هذا مع أن حوارات التنمية معروفة في العالم وخاصة “الحوار الهندي والحوار في أمريكا اللاتينية” ناهيك عن ادبيات التنمية عموماً.
لم يتفرَّد لبنان بهذا النمط من الورطات، فقبيل الأزمة الإقتصادية الكبرى في الغرب ومن ثم العالم 1929 كتب كبار الاقتصاديين قبل الأزمة بايام بأن “الاقتصاد يصعد قمة تطور لا نهاية لها”! وحتى أزمة 2007-2008 قلما ألمح اليها أحد.
لكن التقاط التطور أو الحدث له تداعيات مختلفة بين:
·        أزمة بلدان منتجة
·        وأزمة بلدان ريعية
بمعنى أن البلدان المنتجة لديها مقومات النهوض من حيث مستوى التطور وتوفر مواقع الإنتاج حيث الأزمات هناك كامنة في سوء التوزيع وجشع راس المال وفوضى الإنتاج وليس لعدم وجود “خميرة” التطور. بينما في بلدان الريع هناك اقتصاد بلا إنتاج، اي اقتصاد بلا اقتصاد ، وسوق بلا إنتاج، ومستهلكون طفيليون أي ليسوا عاملين/منتجين. ولذا فإن وجوب التنبه في بلدان الريع ضروري أكثر وممكن أكثر.
بعد أن أناخت الأزمة بكلكلها على الطبقة العاملة والفلاحين وحتى الوسطى اللبنانية، كتب كثير من الإقتصاديين تحليلات جيدة أو توصيفات لكيفية توريط لبنان في الاقتصاد الريعي. ويمكننا القول بأن هذه التوصيفات الدقيقة أو كأنها تقول بأن ما حصل كان إغواءً مقصوداً، إن لم نقل مؤامرة بين برجوازية الطوائف والثورة المضادة وخاصة قيادتها الأمريكية الغربية
والنفطيات العربية.
قدم أحد الاقتصاديين حسن أحمد خليل، وهو من داعمي المقاومة حسب قوله، تحليلاً فنياً دقيقاً لتراكم ومسار الأزمة:

·        “كانت تأتي فلوس/تحويلات المغتربين من الخارج إلى المصارف”
طبعاً، هذا يعوزه توضيح لماذا كان البلد قوة طاردة لقوة العمل الشابة إلى الخارج؟ وهل إغواء الأجور العالية في الخليج هو سبب اساسي لهذا النزح؟هل كان هناك مخطط للتخلص منها كيلا تكن قوة ثورية وايضاً ليتم استحلاب جهدها متحولاً إلى حوالات مالية إلى المصارف؟
مثلاً في الحالة الفلسطينية يحتلف الأمر بسبب الطرد الصهيوني للشعب وفقر الأردن، الذي ضم الضفة الغربية، للموارد مما جعل الهجرات ، وخاصة إلى الخليج، ملاذاً.
·        “كانت تقوم المصارف بإقراض جزء من التحويلات للقطاع الخاص”
وطبعاً كان أهالي المغتربين ينفقون جزءأً من التحويلات على الاستهلاك المظهري الذي نظراً لوجود سيولة مالية وفيرة، يفضلون المنتجات الأجنبية الأمر الذي وسَّع قاعدة الراسمالية الكمبرادورية /أي التي تعيش من استيراد والربح من استيراد منتجات أجنبية. وهذا ساهم في انكماش قطاعات الإنتاج المحلية  التي عجزت عن منافسة المنتجات الأجنبية في بلد يفتح
معدته وفخذيه للريح باسم اللبرالية  الموسعة بأوسع زاوية منفرجة. أي أن فلوس التحويلات كانت تنتهي غالباً ضد تنمية البلد وحتى ضد ما هو موجوداً.
·        “وكانت المصارف تودع الباقي في المصرف المركزي الذي حاكمه رياض سلامه”
وهنا من المهم أن يعرف الناس أن المصارف المركزية في مختلف بلدان العالم الراسمالي ، باستثناء الصين الشعبية،”مستقلة” عن الدولة. وهذا يسمح لحاكم أي مصرف مركزي أن يتبع تعليمات المصرف الفدرالي الأمريكي حتى لو تناقضت مع اقتصاد بلاده يبقى محميا من أمريكا الأمر الذي يحتاج لسلطة ثورية تخلع الحاكم وعلاقاته وتتحكم بالمصرف المركزي وهذا لم يتوفر في لبنان. ولذا، قرأنا كثيرا من النقد على رياض سلامه /حاكم مصرف لبنان مع توثيق لما قام به من “هندسات مالية، وحتى تهريب أموال” وكيف “تملّصت”  سويسرا من إدانته أو الكشف عن الحسابات المنهوبة من لبنانيين إلى مصارفها، وكيف لم تعتقله فرنسا التي وجدت سلطات مطار باريس قرابة مليون دولار ورقية في حقائبه، لم يبلغ عنها، وطبعاً لم تعتقله السلطات اللبنانية ولم يتحرك أحد لا أحزاباً ولا “ثوريين” في تظاهره ضده!!!
ومعروف أن الهالة المزعومة عن حيادية سويسرا هي أكذوبة وأنها الجناح المالي من حرب الإمبريالية أو الثورة المضادة ضد الطبقات الشعبية في العالم وخاصة في بلدان المحيط. وللمقارنة، فإن معظم أموال اليهود الذين كانت لهم أرصدة في مصارف سويسرا، وفُقدوا في المحرقة النازية، تم ضبط أموالهم وتحويلها إما للكيان أو لورثتهم.
·        “كان رياض سلامه يلعب لعبة الفوائد التي يحصل عليها بتمويله الدولة/السلطة”
طبعاً كان يموِّل الدولة بفلوس الناس. اي كان هو والدولة شريكين في الاستفادة من فلوس الناس وكأنها لهم ذاتهم، وهذا شكل غير معلن من مصادرة أموال المودعين تتشارك فيه المصارف والمصرف المركزي والذين يتبادلون السلطة.
·        “و كانت الدولة تنفق على المجالس والمحاصصات”
وهذا يعني أن تحالف السلطة الطائفية والمصارف والمصرف المركزي متفقة على توزيع بعض أموال الناس على مؤيديها لأنهم يشكلون قاعدتها التوظيفية والانتخابية والميليشياوية حين يصبح القتال ضرورياً. وهذا يفسر لماذا ينتخب ويقتتل فقراء الطوائف لصالح سادتهم الذين يقتتلون كلامياً وإعلامياً فقط.
·        يخلص هذا التقييم إلى القول: “فبُنيت ما يمكن أن نسمّيه
الترويكا الاقتصادية بين المصارف ومصرف لبنان والدولة اللبنانية/اي السلطة. وبنيت بذلك حلقة خبيثة حيث تصدّر الدولة سندات خزينة بفوائد مرتفعة بمباركة المصرف المركزي تشتريها المصارف (بالإضافة إلى الرأسماليين الكبار وبعض المدخّرين) مما أدّى إلى ارتفاع رأسمال المصارف منذ 1992 بأكثر من 140 مرة. وأصبحت الدورة الاقتصادية تعتمد بشكل كبير على تدفق رؤوس الأموال من الخارج، بالإضافة الى تغيّر في بنية الأسعار فارتفع سعر الصرف الحقيقي ما أدّى إلى تراجع التنافسية اللبنانية”.
هذا ما يسمونه بشكل خاص الحريرية السياسية، والتي هي حقا الحريرية الاقتصادية التي قادت البلد إلى “التطريب الاقتصادي”. لكن اللافت أن الذين تحكموا بالبلد هم الذين كانت لديهم :للأسف” القدرة على ملاحظة تفشي السرطان في البنية أو التشكيلة الاجتماعية الإقتصادية فضمنوا لأنفسهم عدم الموت.

كيف؟

كانت لديهم خبرة ملاحظة تذبذب اسعار النفط واثر ذلك على بلدان تلقي الريع مما جعلهم حذرين من عواقب ذلك. بالمناسبة، في منتصف الثمانينات كتب الأمير حسن ولي عهد الأردن حينها مفتخراً بمعدل نمو في الأردن وصل 6%. لكنه لم يتنبه، أو لم يُشر، إلى  أن ذلك بفعل تحويلات المغتربين في الخليج، ولذا، ما ان تراجع سعر النفط حتى توقف النمو إن لم يصل السالب. وحال الأردن اليوم واضح.
بمتابعة التحالف الثلاثي اللبناني لتذبذب اسعار النفط ولاحقاً أزمة 2007-2008  ثم أزمة كورونا تمكن هؤلاء من تحويل/تهريبي/تسريبي لأموال الناس إلى الخارج بمعزل عن وضعها في اية حسابات. اي سرقوا ودائع الشعب.

لذا، كان حراك تشرين محقاً في بدايته. ولكن حصل له ما حصل للودائع حيث وقع في ايدي الأنجزة والقوات اللبنانية وجنبلاط…الخ أي في الأيدي الخلفية لنفس اللصوص. ولذا بقي الحراك صراخا، لم يصل إلى احتلال المصرف المركزي ولا إلى محاصرة ومعاقبة أصحاب المصارف وحاكم البنك المركزي. كان “عواءً” بلا عض. كلام غليظ؟ نعم، لأن الأنياب وُجهت ضد الطرف الذي لا نهب ولا تواطىء بل حمى لبنان أرضا وشعبا بما فيه المصارف من الكيان الصهيوني. لذا، كان شعار “كِلُّن يعني كِلُّن” في خدمة الثورة المضادة! ولكن هذا الطرف الوطني الحقيقي فشل في تجنيد شارعه مقابل شارع الأنجزة والقوات اللبنانية مما أعطى  حراك الثورة المضادة زخماً ساهم في زيادة مقاعد القوات والأنجزة والروتاري في الانتخابات أل “شبه/نيابية” الأخيرة.

والسؤال: هل كان للجناح الفاسد في الثنائي الشيعي دور في منع شارعهم من
الحراك؟ ربما.

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.