لبنان: نهاية بحبوحة ريْع اقتصاد ​​التساقط المعولم، حلقة (4)، عادل سماره

حلقة (4): توصيفات أخرى بمضمون طبقي…ولا مخرج

يقدم د. كمال حمدان مقاربة تلامس التحليل الطبقي إلى حد ما تجاه انتفاضة 17 تشرين بمعنى أنها كانت صرخة الطبقات الشعبية ، بعيداً عن استغلالها من القوى السياسية الفاشية والأنجزة.
وينتقد:
”  قيام المصارف ب تديين المصرف المركزي بمعنى أن ليس من صلاحياته إجبارها على تديينه. لكنه يرى أن ذلك تم ضمن احتكار مشترك بين القيادات السياسية الطائفية والمصارف.”
يمكن ردَّ تحبيذ المصارف تديين المصرف المركزي  إلى عدة عوامل:
·        التأكد من قدرة المصرف المركزي على السداد ودفع فوائد أعلى، كما أنها تشتري منه سندات بالمقابل، وبالتالي تكون علاقتهما تزاوج ذاتي على طريقة الدودة الشريطية.
·        وجود اتفاق تآمري بين الطرفين ·        عدم وجود سلطة سياسية ذات توجه إنتاجي تقدم تسهيلات للمستحدثين، وهم أنفسهم السلطة بدرجة أو أخرى وبدور أو آخر.
·        سيطرة البرجوازية الكمبرادورية على التجارة الخارجية، وهي منهم، وإغراق السوق بما يحول دون استمرار مواقع الإنتاج المحلية ودون إقدام مستحدثين على الاستثمار الإنتاجي.

يضيف حمدان بأن :
“…البرجوازية لم تخلع الطائفية كبلدان أخرى بل اندغمتا.  لذا حصل تركز الثروة  والودائع والحوكمة الفاسده”
سرُّ هذا الاندغام كامن في سيطرة الشريحة التجارية الكمبرادورية للبرجوازية اللبنانية مما جعل اندغامهما ممكنا علاوة على أن الطائفية في لبنان هي سياسية وسلطوية معاً وهذا يزيد الاحتكار في اعلى السلطة قوة وإدارة ظهر لجمهور هو طائفي النزعة والولاء في النهاية بمعنى أنه قد يحتج في الشارع ولكن دون تهديف إلى او ضد المتهم الحقيقي الذي هو قمته
الطائفية/السياسية. قد تجد ، بل تجد، كتائبي أو قواتي فقيرين في الحراك، لكن هل يهتفا ضد الجميِّل أو جعجع!
ويصل حمدان إلى القطع بأن : “الانتفاضة فشلت امام هذا التحالف “
وهذا صحيح لسببين:
الأول: لأن جمهور الحراك لم يقطع مع ولائه الطائفي
والثاني: لأن مجموعات الأنجزة لم تكن محفوزة برفض النظام بل بتكريس شعار “كلن يعني كلن” خدمة للثورة المضادة مما يُفرغ الحراك من مضمونه الوطني ويوظفه ضد فريق ذي العمامة.
والثالث: لأن الطرف الآخر ، ذو العمامة، لم يُقم شارعه ويدفع جمهوره لمطالب جذرية.
والرابع: لأن الطرف الآخر ملوث بفاسدين وطائفيين حيث يضطر دوماً حزب ذي العمامة لمراعاتهم.
عرض حمدان توصيفاً للفقر في لبنان على النحو التالي:
“… للفقر ثلاثة مراتب:
الفقر النقدي وكان الواقعون فيه عام 2015  قرابة 32 % من السكان ووصلت نسبتهم 72%.
والفقر متعدد الأبعاد: كانت نسبة الواقعين فيه عام  2019 قرابة  42% وصلت إلى 82% عام 2022
و الفقر المدقع: أي الذين بالكاد يحصلون على مأكل ومشرب  كانت نسبة هؤلاء
قرابة ثلث السكان بعدما كانت عام 2015 فقط 8%. وقد ترافق مع هذا انهيار
النظام الصحي والتعليمي الحكومي والخاص…الخ

ثم يضيف:
“… وللإسعاف اخترعوا ترقيعات:
·        شبكات الأمان اشبه بالتسول
·        شبكة امان خدمات البنك الدولي
·        الحصة الغذائية من الدولة”
تفيد ثلاثية إسعاف الفقر ، مع فشل الحرك وتخريبه من الداخل ووجود ثلاثية الاحتكار السلطوي وخضوع الجمهور وولائه لسادته الطائفيين السياسيين بأن الحلول الترقيعية الثلاثة هي المتوقعة فقط في مناخ كهذا.

وينتقد حمدان دُعاة الفدرلة:
“… هناك دعوات للفدرلة من قِبَل من يدفعون ضرائب لأن الخدمات  تُوزع على المناطق”
والفدرلة هي مقدمات للتقسيم في النهاية، ولعل هذا اشبه بما حصل في يوغسلافيا. ولكن الحالة مختلفة لأن لبنان بمجموعة هو جزء من سوريا، وحينما تستقر سوريا ستكون حياة اي كيان صغير في لبنان غير ممكنة بعيدا عن العلاقة بسوريا. هذا علاوة على أن الحنين إلى “تايوان” مارونية لم تقبل به الإمبريالية بمعنى انه “لا تايوان هنا غير تايوان/اي الكيان”
فالإمبريالية تجاه التوابع العرب هي تستحلِب ولا تُحلب.
ولكن، متى تتعافى سوريا؟ بل متى لا يتوقف تقسيمها واغتصاب تركيا المتسع لأراضيها؟ لذا، كلما ازداد تخريب لبنان فهو مثابة الهزات المرتدة للتخريب الكبير ضد سوريا كي “تُكوِّع” إلى جانب مختلف الأنظمة الحاكمة في الوطن الكبير حيث تقوم تلك الأنظمة بدور لصالح الإمبريالية على أقطارها (الإمبرلة الذاتية).
وينتهي حمدان إلى توجيه النقد لرفض خطة رئيس الوزراء السابق حسان دياب التي: ” أفشلتها ألأوليغارشية الطائفية ورحيل قوة العمل” .
ولعل هذا الرفض دليل على أن الأوليغارشية الطائفية هي في وضع المتمكن من موات الشارع وتحديداً اصحاب الودائع بمعنى عدم قيامهم باحتجاج فعلي، وهو ما دعى له الخبير حسن أحمد خليل متعجباً من استسلام أصحاب الودائع التي جرى أخذها تقشيطا لا  مجرد نهباً.
أما رحيل قوة العمل، فلا نعتقد بأن هناك فرصة لذلك في عالم مأزوم اقتصاديا وصحياً من واشنطن وحتى صنعاء. ولعلها نكتة سمجة أن نقول بأن ما تتمناه الطبقات العاملة على صعيد معولم في حقبة انتصار رأس المال على العمل،  تتمنى الرحيل! ولكن إلى اين، وهذا يعيدنا إلى أطروحة الراحل سمير امين بوجوب النضال لأجل اممية جديدة، اي “يا عمال العالم إتحدوا، بدل أن ترحلوا.
لعل أكثر من ، أو من أكثر ، من نادى بوجوب إتخاذ السلطات في لبنان لقرارات جذرية هو د. حسن مقلد الذي قال في لقاءات عديدة بأن على الدولة:

·        التوجه تبادلياً إلى الشرق وإلى إيران
·        وعدم الارتهان لصندوق النقد الدولي.
·        واعتماد سياسة التنمية والإنتاج.
والحقيقة أن هذه الأسس ضرورية وتكامل بعضها بعضاً.
ولكن لا يمكن أن تعتمدها أية حكومة في لبنان بتركيبة سلطاتها طبقياً وسياسياً وارتباطاتها إقليمياً ودولياً.
فالتوجه شرقاً هو إشكالية  في كافة البلدان العربية التي ابقت على موروث علاقتها بل ارتباطها بالاستعمار حتى بعد خروجه الشكلي من الوطن العربي.
قد يُدهش القارىء بأن مصر وسوريا والعراق بعد ما يسمى الاستقلال في العقود التي تلت بداية النصف الثاني من القرن العشرين كانت:
·        من ناحية سياسية وقومية ضد الغرب وأقرب أو “حليفة” للاتحاد السوفييتي السابق وخاصةتسليحياً. والسلاح هو حماية للبلد كالأمن الغذائي مثلاً.
·        ولكن من ناحية اقتصادية/تجارية تحديدا كانت مبادلاتها مع الغرب الراسمالي قرابة 50% بينما مع الكتلة الشرقية ما بين 8-15%. (أنظر عادل سماره: البريسترويكا، حرب الخليج والعلاقات العربية السوفييتية،  1991 ص ص 103-107.). أليس هذا الحال عجيباً!، فهذا العشق للمُغتصِب الغربي مفهوم في حالة حكام بلدان الخليج ولكن ليس مفهوماً في حالة أنظمة قومية/تنموية/إشتراكية التوجه!
ومع أن د. مقلد ركز على التوجه اللبناني إلى إيران، فإن إيران نفسها بالكاد اتجهت شرقاً لولا العدوان الاقتصادي الغربي عليها بما يسمى لغواً العقوبات.
 اما الارتهان لصندوق النقد فهو أمر لا رجعة عنه من سلطات الطوائف والمصارف سواء بسبب الحاجة أو مساهمة الرأسماليين المحليين في تهريب الأموال إلى الخارج.
والدعوة إلى التنمية والإنتاج جِدُّ صحيحة، ولكن أين سلطات لبنان من هذا.
يقول المثل الشعبي في فلسطين
” وين كلبك والغزال”!
باكراً استشعر لصوص البلد الأزمة مع بدء دخول لبنان في حلقة مفرغة تبدأ بخروج الاموال المحلية والأجنبية من البلد مما يزيد الطلب المحلي على العملة الاجنبية(الدولار الامريكي مثلاً). وهنا دخل البلد في مصيدة قانون جريشام حيث يحدث ازدياد  حاد وفجائي  في كمية العرض بالنسبة  للعملة الوطنية  وهذا يخلق  خطر انهيارها  مقابل العملات الاحتياطية.
ولترقيع الوضع حاول حاكم المصرف المركزي مكافحة انهيار العملة المحلية عن طريق  انفاق العملة الصعبة الموجودة  لديه في الاحتياط وخاصة على شراء الدواء والقمح…الخ.
لكنه في الوقت نفسه اتفق مع المصارف على عدم إعادة الودائع لأصحابها وحدد مقدار ما يُسمح للمودع بسحبه وهي مبالغ ضئيلة وغالبا باليرة اللبنانبة مما زاد من عدم الثقة بالعملة المحلية حتى وصل سعر صرفها 30 ألف ليرة للدولار.
وبدوره يشارك صندوق النقد الدولي في المضاربة عبر ضخ أموال كقروض مما يزيد المساهمة في تقويض الاصول الوطنية، مع ذلك يتم التوجه إليه مجدداً، بل يراه رئيس الوزراء الحالي ،ميقاتي، المسيح المالي المخلِّص!
منذ العام الماضي تحدث بعض اللبنانيين عن حل باللجوء أو العودة للذهب!
وخاصة شربل نحاس صاحب حركة “مواطنون ومواطنات في دولة” وقدم برنامجا منمقا وتبنى شعار “كلن يعني كلن” أي خلطه بالعداء لفريق ذي العمامة؟ فكيف تبني دولة واقتصادا وأنت تنادي بقتل البندقية التي خلقت وطناً من جديد!

بدأت الدولة اللبنانية بشراء الذهب منذ  الخمسينات والستينات اي قبل انشاء المصرف المركزي 1964  حيث اخذت تشتري سبائك الذهب  بالفائض الاحتياطي  لتعزيز العملة الوطنية.وضعت الدولة الذهب في خزائن خاصة ولكنها خافت أن تستولي عليه وتسرقه الميليشا فقررت  وضعه  في مكان محصن في امريكا وهو فورت نوكس  في ولاية كنتاكي! هههه يا حرام!.
(أنظر عادل سماره:   صين إشتراكية أم كوكب إشتراكي ودور الثلاثي الثوري 2022  ص ص 377-78).
لكن لبنان بعد الحرب “الأهلية، ومجيء كارثة الحريرية السياسية التي عودته على الإنفاق العالي، وتصحُّر مواقع الإنتاج بدأ يقترض من امريكا بالدولار  منذ 1996 وهي قروض غير محمية مما يسمح لمحاكم أمريكا ان تضع يدها على موجودات لبنان في الخارج اذا عجز لبنان عن السداد  والموجودات هي  الذهب الذي يبلغ مقداره 286 طن اي حوالي 12 مليار دولار قيمة هذا الذهب المفترض أنه موجودات قابلة للاستعمال.
ولكن، لأن لبنان تنازل عن حصانته السيادية لتطمين الدائنين لا يحق له الادعاء بحصانة موجوداته الذهبية في أمريكا وخاصة أنها الدائن الكبير. وعليه تكون المحاكم الأمريكية صاحبة القرار  لذا يمكن للمحاكم الأمريكية وضع اليد عليه. وهذا ما يتجاهله شربل نحاس في “الهوبره” ما قبل الانتخايات، فماذا يقول اليوم؟ هل سيذهب إلى واشنطن لحمل الذهب على حمار صغير  كحمار الكاتب المصري الساخر عبد القادر المازني! وحده ديغول الذي
أجبر أمريكا على استعادة الذهب الفرنسي، وبعدها لم يتمكن أحد من ذلك.
فأمريكا لا يعوزها توفير سبب للهف ذهب الآخرين.وهنا نتذكر حين سُئل برنانكي  حاكم الفدرالي الأمريكي الأسبق  عن أكداس ذهب مختلف الدول في امريكا فقال ضاعت حينما حصل طوفان على مواقع التخزين. فالويل لمن “يوصي القرد بمعط الجلد”!
ما يتبقى للبنان للسداد هو من:
·        تحويلات العمالة في الخارج
·        استثمارات في الخارج
·        مال سياسي من الخليج  وإيران
الان والبلد لا ينتج وتراجعت هذه الموارد فاستحكمت الأزمة.

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.