كتب الراحل تيسير قبعة كراسة صغيرة في سجن نابلس المركزي بعنوان المؤامرة وذلك في أواخر عام 1969م، وكان معتقلوا الجبهة يدرسونها ويناقشون بمعلوماتها كوادر القوى الاخرى الموجودة في السجن .
وكراسة المؤامرة حددت أعداء المقاومة الفلسطينية في الأردن بالرجعيات العربية واسرائيل والدول الاستعمارية وعلى راسها أمريكا . كما تنبأت بأن النظام الاردني مقبل على ذبح المقاومة مدعوما من معسكر الأعداء وأن المقاومة قد تحصل أو لا تحصل على دعم واسناد لتدافع عن نفسها بالرغم من أن وحدات من الجيش العراقي والسعودي كانت تعسكر في الاردن .
وكان حجم المعلومات المتاحة في السجن شحيحة ومصدرها الاذاعة الاسرائيلية وجريدة
“اليوم” وما يتسرب من أخبار عبر المعتقلين الجدد من الدوريات وأحيانا تقع صحيفة جروسلم بوست الإسرائيلية في الأيدي .
ما يهم في الأمر بضع نقاط صغيرة:
1- كان كادر فتح يجادل ضد هذا التحليل ويرفضه ويبرر ذلك بأن لا قوة في الدنيا تستطيع سحق المقاومة وأن النظام الأردني لا يمكن أن يجرؤ على فعلها .
2- بعد وقوع الواقعة ومع استذكار النقاشات بين المعتقلين ، تقدم كبيرهم بالقول أن ما في الكراسة لم يكن تحليلا ودراسة بل هي معلومات سربها الأمريكان لجورج حبش بصفته مسيحي . وكما فهم في حينه بأنه بهذا دافع عن ضيق أفقه في التحليل وتتبع الأخبار التي كانت كلها تؤشر إلى أن النظام الأردني يتخذ الترتيبات العسكرية اللازمة لهذه الخطوة وأنه كان جاهزا فما أن تقرر وقف إطلاق النار على الجبهات إثر مشروع روجرز وسيسكو حتى سحب النظام قواته من الأغوار وأخذ يحاصر عمان وجرى ما جرى .
3- حينها بدأت أعلم بأن النظم التابعة إنما تتلقى الأوامر من خلال مندوبي الدول الإستعمارية والتي بدورها تضع حلفها كله في صورة الأمر مسبقا وكذلك تقوم الدولة المعنية بإعلام أصدقائها ومن يعنيهم الأمر وتتخذ الإجراءات لتحول دون إعاقتها من أية أطراف إن أمكنها ذلك .
وتقوم وقامت أمريكا وإسرائيل بحماية النظام واسناده إلى أن أنجز المهمة – المذبحة .
أمريكا اليوم تحذر تركيا من عملياتها في سوريا .
وتركيا وفقا للبروتوكولات المعمول بها بين الدول تكون قد أبلغت أمريكا وكل حلف الناتو وإسرائيل ولا بد كذلك أن تبلغ روسيا بالعملية وحدودها قبل بدايتها .
وعلى أية حال فما دام الإعلام ينشر الأخبار والتصريحات فإن الكل يعلم من حلفاء وأعداء سوريا والأمة العربية عن قرب وقوع العملية والجدول الزمني للقيام بها سواء بدأت بعد أيام أو أسابيع أو أشهر.
وأن أهداف تركيا وهي رأس حربة الناتو وتحارب باسمه وبالنيابة عنه ، اهداف تركيا هي الاستمرار في اجهاض سوريا والحصول على ما تستطيع من الغنائم والمكاسب وتسيطر على أجزاء أخرى من سوريا وتستمر في عدوانها على سوريا والعراق وأي جزء من الوطن العربي بهدف تكريس التجزئة وتعميقها وإهلاك الدول وخاصة الجمهوريات وتكريس تبعيتها للدول الراسمالية وتحطيمها اجتماعيا واقتصاديا وروحيا من أجل توطين الهزيمة وسحق الأصوات المعارضة والوقوف في وجه حلف المقاومة وضربه مما يحقق مصالح الغرب الإستعماري واسرائيل والحكام الرجعيين العرب والقوى الرجعية العربية بما فيها قوى الدين السياسي بصفتها تتلقى الأجر ماليا وبالعفارم!.
أما كل ما يشاع عن معارضة أمريكا للعملية العسكرية فهو في سياق تجليس الأجواء ودراسة ردود افعال الحلفاء ومواقفهم .
نعود للمؤامرة مرة ثانية : فإن الحلف المعادي لسوريا والأمة العربية هو ذاته وهو متآمر حتى مخ العظم على سوريا وفلسطين ولبنان ومقاومته وعلى كل شبر في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج .
وأهداف هذا الحلف متداولة بين أطرافه ويوزعون الأدوار بمعزل عن التصريحات والفبركات وكذلك بمعزل عن التسبيب والمبررات . فالاهداف مدروسة دائما ويعملون على تحقيقها قدر طاقتهم وفي الأوقات التي يرونها .
ويقف أمامهم القوى الرافضة التي تعمل جهدها لإفشال هذه الأهداف وهذه السياسات وتعطيلها أو سحقها كلما استطاعت .
وقد استفدنا من كراسة المؤامرة مسألة مهمة جدا في التحليل السياسي تبدأ من تحديد المعسكرات وآلية وأدوات فعلها وتعمق فهمنا حول هذا الموضوع مع مرور الأيام .
ولكن الأتباع لا يعقلون ، وإن شرحت لهم لا يفهمون ، وإن عجزوا عن مجاراة التحليل يضيقون ويتهمون ، ثم يرون النتائج الكارثية على أوطانهم ولا يبالون ،صم بكم عمي فهم لا يفقهون ،وخاصة عندما يرون الدولارات ويقبضون .
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.