هل كسب الكيان يوم 29 ايار؟ ربما، ولكن، هل هذه المرة الأولى التي يقوم العدو بهذه المسيرة؟ بالطبع لا.
هل ما حدث يوم 29 ايار وفي العام الماضي بل ومنذ مئة عام كان جميعه في الأقصى أو حتى في القدس ولهما فقط؟ بالطبع لا.
مسيرة راية العدو ليست مكسباً بل شحن إعلامي وسباق بين ضواري الكيان لا أكثر. إنه أحد الطقوس.
إذن: لماذا الكتابة؟
أولاً: الكتابة لأن هناك انفصام بين الحراك الشعبي وبين الحراك الإعلامي الفلسطيني وحتى العربي ، وهذا الذي حقق للكيان مكسباً. فالحراك الشعبي من جنين حتى الخليل لم يكن من أجل الأقصى وحده ولا من أجله أولاً. فالحراك هو ضد وجود الاحتلال وهذه الضدية في عقل ونفس كل فلسطيني ليل نهار ومنذ مئةعام.
ثانياً: طموح الحراك الشعبي هو التحرير ولكن هذا يحجب فهمه في سياق صادق وأصيل، اي ان هذا صراع مديد رغم انه تناحري، لكن يجب أن لا يكون انتحاري أو دفع الفلسطيني للانتحار والاكتفاء بمنحه التصفيق.
ثالثاً: أي دعم أو حديث أو كتابة أو صورة تنسب وجوب الحراك للفلسطينيين فقط هو جزء من مؤامرة تنتهي إلى تيئيس الفلسطيني حين يرى الوطن العربي متفرجاً. لذا يجب تكنيس مؤامرة أقلمة أو قطرية الصراع على حساب قوميته، لأن حصر الصراع والنضال في الفلسطينيين هو نسف للتحرير بوضوح وهذا حلم الاحتلال.
رابعاً: كافة أجهزة الإعلام التي لا تتحدى الشارع العربي بدفعه لمناهضة انظمته التطبيعية هي كأجهزة جزء من مؤامرة مغلفة بالحماسة والتحميس وانتفاخ الأوداج للقضية الفلسطينية أي تكرِّس مؤامرة فك القضية عن عمقها العربي.
خامساً: النضال والحراك الفلسطيني هو دفاع عن الوطن العربي بأجمعه، إنه الشرح البليغ يومياً بأن العدوان والاستهداف من الثورة المضادة وعلى راسها الكيان هو ضد الأمة العربية باسرها، وهذا يستحق التوضيح وليس التغطية.
سادساً: إن إفراد الفضائيات خاصة مساحة هائلة للمتحدثين باسم الفصائل أو السلطة أو منظمات الأنجزة وحزبها يجري تمطيطها باسئلة سخيفة تجر أو ترغم البعض على استلال سيف العنتريات بمعنى :إذا فعلوا سنفعل…الخ إن هذا شَرَك يوقع المتحدثين في ما لا يريدون قوله ونظراً للمكابرة يضطرون للمبالغة وينتهي كضررٍ صافٍ على نفسية الشعب. ومن المضحك حين يكرر هذا القيادي أو ذاك”لدينا غرفة عمليات مشتركة”! طيب يا شاطر ولماذا ألف متحدث؟ وعشرات الفصائل وانقسامات كالانشطار الأميبي؟ إذا كانت هناك غرفة، لماذا فقط في وقت الاشتباك؟ وماذا تفعلون في غير وقت الاشتباك؟ ألا تمارسون التعبئة العصبوية الإيديولوجية كل طرف ضد الآخر بأنه الأفضل. فكيف تعلمني الدين السياسي أو التعصب الماركسي ثم تقل لي: أو لنا قاتلا معاً!
سابعاً: لماذا لدى الفصائل عشرات المتحدثين بينما للعدو متحدث واحد؟
ثامناً: يلاحظ المرء أن الفضائيات تبحث بلهفة عن اي متحدث مما يُقزِّم القضية إلى اسخدامها لتعبئة الوقت المتاح للمذيع ولو بكلام يخدع الجمهور.
تاسعاً: ليس من حق اي فصيل أن يتعهد ولا يفي بتعهده. فمن جهة، من الخطورة جر المتحدث إلى ما لا يمكن لفصيله القيام به، ومن الأخطر أن يتعهد ولا يفي. لأن هذا:
- في مرحلة يوهم الشعب
- وحين التكرار يقود إلى إحباط
- كما يعتاد القادة على توهيم الناس مما يعني عدم احترامهم للجمهور والقضية.
عاشراً: حين لا نكون جاهزين للحرب الفاصلة فلا عيب، لكن العيب في الادعاء. فلنتذكر المزايدات ضد عبد الناصر عشية عدوان 1967 حينما كان يكرر أن مصر غير جاهزة للحرب الفاصلة.
حادي عشر: من واجب كل صادق وصدوق أن يقول للشعب بل للأمة بأن محور المقاومة ليس جاهزا لحرب فاصلة كما أنه ليس منسجماً بعد بعكس محور الثورة المضادة. فحركة حماس، مثلاً، لا تزال أقرب إلى العدو التركي والعدو القطري منها إلى إيران وسوريا. وكأن الله في انقره والدوحة فقط.
ثاني عشر: وليتاكد كل الناس أن قول الصدق لن يُحبط الحراك الشعبي الفلسطيني، فمختلف المؤامرات والتطبيعات لم تحبط الشعب بل مستوى الأداء النضالي يكبر ويتخذ اشكالا نوعية. إن جوهر الحراك الفلسطيني هو الإصرار على بقاء ال.م.ق.ا.و.م.ة باشكالها، اي لا بد من عمليات م.س.ل.ح.ة بين حين وآخر، ولا بد من مقاومة شعبية تتصدى للاستيطان ولتدنيس الأقصى ولا بد من مقاومة ثقافية وفكرية ونفسية…الخ. وكل هذا يحصل كمبادرات شعبية حرة ودائمة تعلو وتهبط بمعزل عن:
- عن أوامر أو تصريحات من قيادات الفصائل
- وعن أداء الفصائل فهي للحق تقوم بدور ايضا
- وعن أداء محور ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة
ثالث عشر: نعم جميل أن الناس تستلهم نضالها من قوتها الكامنة في التحدي والنضال وليس من نفخ الإعلام أو تصريحات هذا وذاك.
رابع عشر: إن علينا كشف وفضح استخذاء العديد من الفصائل في علاقاتها بالأنظمة العربية التطبيعية مما يلجمها عن التحريض ضد هذه الأنظمة، بل إنها تحافظ على علاقة علنية مع هذه الأنظمة وهذا مسلك ضد عروبة القضية ويحصرها فلسطينيا، ولا يبحث العدو عن أكثر من هذا.
خامس عشر: إن فصل القضية عن عمقها الشعبي العربي يُطرب الأنظمة من جهة ويُصوِّر القضية كما لو أنه مشكلة حقوق إنسان وليست قضية وطن محتل وشعب مُقتلَع ومن ثم مشروع تحرير.
سادس عشر: إن الحراك الشعبي الموضعي والموقعي هو الممكن في هذه المرحلة وليست الحرب الجبهية/من جبهة مواجهة شاملة.
سابع عشر: إن من يقف في مقدمة العدوان ضد فلسطين ويطلق النار نيابة عن الكيان هي الأنظمة العربية والمثقفون التطبيعيون/الطابور السادس الثقافي، ، ولذا يجب تحشيد الشارع العربي للتصدي أولا لهؤلاء وليس الانحصار في تطريبه بالنضال الفلسطيني دون أن يُطلب منه القيام بمهمة رفض التطبيع وتعميق المقاطعة وحتى تفكيك مفاصل قوى الأمن بل وكامل النظام في بلاده تمهيدا لإسقاطه.
ثامن عشر: يجب وقف التكاذب بأن القضية عربية/إسلامية. لا ابداً هي عربية فقط وإدخال مصطلح إسلامي هو إيديولوجيا وليس من الدين في شيء، إنه بحث عن دور قيادي في مواجهة القيادة المتنفذة لمنظمة التحرير. أما في حالة غير العرب فلا فرق بين إندونيسي وبين روسي يتضامن مع القضية أو لا يتضامن. ليس دحش “إسلامي” هو فقط ضد العرب المسيحيين، بل هو مشروع إحباط للشعب الفلسطيني مؤداه ان مليار ونصف مسلم:
- تعترف معظم انظمتهم بالكيان
- أنظمتهم أدوات للإمبريالية
- أنظمتهم قامعة لشعوبها الفقيرة والمقتتلة ذاتيا
- تركيا “الخلافة ” المزعومة تعتدي كل يوم على سوريا والعراق وليبيا وتشجب الفدائيين الفلسطينيين. أمس 29 ايار 1934 ذكرى تسليم الاستعمار الفرنسي جزءا من سوريا للاستعمار التركي. وبصراحة، أستغرب كيف اقامت سوريا من حينها لليوم اية علاقة دبلوماسية أو اقتصادية…الخ بفرنسا وتركيا؟ولا أقول أن تقوم سوريا بحرب عليهما بهذه البساطة ولكن العلاقة تسليم بالاحتلال. (لافت أن متاجرة مصر وسوريا والعراق مع الغرب/العدو كانت أكثر مما هي مع الشرق/السوفييتي الذي على الأقل لم يكن عدوا)!
إن وصف المقاومة بإسلامية يعني أن من حق كل فصيل ان يضيف إيديولوجيته: أي مسيحية، ماركسية، شيعية، سنية، يسارية، يمينية…الخ. إن هذه التسمية مناكفة “دين سياسي” وليس إيماناً، إنها للمنافسة السياسية وليست للتوحيد النضالي.
أخيراً، إن التصدي الشبابي من الجنسين لمسيرة أعلام الكيان هو بصراحة تحرير معنوي للقدس والأقصى. إنه إصرار على وجود سلطتين في فلسطين سلطة احتلال وسلطة حقيقية شرعية سلطة أهل البلد سلطة شعبية وتناقضهما تناحري.
إن ما يُقلق الاحتلال هو كابوس عدم تسليم الفلسطيني بسيطرة الاحتلال بما هو مدعوم تماما من الثورة المضادة وخاصة الصهاينة العرب. الاحتلال يكاد يفقد عقله: كيف لم يخنع هؤلاء؟ هنا القوة الحقيقية وهي فلسطينة عربية من أتباع الديانتين! وهذا معنى التحرير المعنوي موقعيا وموضعياً والذي لن يُقتلع.
أذكر عام 1985 كنت في جامعة لندن/بيركبك كوليج. دعاني أحد المشرفين للاستماع لمحاضرة ل سوسيولوجي صهيوني اسمه تسفي سوبيل من جامعة حيفا.
كان تساؤله الرئيسي في كل المحاضرة:
(أستغرب أن الفلسطينيين في “إسرائيل” يتصرفون كأنهم الأكثرية وهم ليسوا حتى 20 في المئة من المجموع)!
قلت له لأنهم:
- أولاً: اصحاب الأرض وهذا الشعور قائم على الحق وبأن الأكثرية معتدية ولا بد من طردها وهذا تحرير معنوي
- وثانياً: يرى هؤلاء الفلسطينيون أنهم جزء من الشعب الفلسطيني والأمة العربية ولذلك هم أكثرية حقيقية.
بقي أن نقول:
أولاً: إن محور ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة بما فيه كل الفصائل الفلسطينية الفاعلة في اية لحظة يجد نفسه قادر على الحرب لن يتواني.
ثانياً: لقد اثَّر عدم إطلاق صواريخ ضد الكيان يوم أمس نفسياً على الفلسطينيين وحتى على الشارع العربي المتفاعل والواعي، ولكنه لن يوقف حراكه الشعب الفلسطيني، ” وإن غداً لناظره قريب”.سيواصل الشعب دوره ما أمكنه ذلك، وليس عليكم هنااااااااااااك سوى أن تَصدُقوا مع أنفسكم وتحرضوا الشعب العربي، هذا مهم.
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.