تعقيب على مقالة الرفيق سيد البدري بعنوان “امبريالية عصرنا والسعي لاعادة انتاج شروط بقائها”
(أنص أدناه)
تعود هذه التوجهات إلى فترة اوباما بشكل أولي ولفترة ترامب بشكل علني. وقد نجح ترامب في إعادة بعض الشركات إلى الداخل الأمريكي، ولكن صدمةكوفيد 19 هي التي خسرته الانتخابات إن لم يكن هناك تزويرا (وقد كتبت عن هذا في حينه في كنعان). ليس صحيحاً ما روجته الدوائر الغربية بأنهم لم ينتبهوا إلى تطور الصين ومن ثم فوجئوا بذلك. هنا نتحدث عن راسمالية تبحث عن الربح الأقصى من أجل التراكم. وبالتالي ما كان يحصل هو ثراء خيالي للشركات الكبرى أو ال 1% من المجتمع مقابل إفقار وتدني مستوى المعيشة للأكثرية الشعبية.
جاء المتغير الحاد في الحرب في أوكرانيا حيث اتضح للاستراتيجيين الغربيين أن انخراط روسيا في الاقتصاد العالمي لم يشغلها عن طموحها في التحول إلى مركز او قطب وبالتالي تم التأكد بأن روسيا لن تكون منطقة عذراء ومفتوحة. أعتقد أن الحجم الحرج للأشكالية في أن كل طرف ادرك مخططات الآخر، ولذا بادرت روسيا بالضربة الأولى لأنها تعرف أن اوروبا سوف تتوقف عن شراء الطاقة منها ذات وقت.
سلوك الغرب تجاه منتجات الصين يمكن فهمه لو أخذنا الأمر على مستوى تنافس سوقي: شركتان تقوم إحداهما بالانتاج بخسارة إلى أن تكسر الأخرى ويكون بوسع الشركة هذه تحمل الخسارة إلى حين إنهاء الأخرى. هذا ماتفكر به الإمبريالية من حيث مقاطعة منتجات الصين. لقد لاحظت أثناء إعداد كتابي عن الصين أن الصين أخذت تميل إلى الانسحاب إلى الداخل Internal Withdrawal لأن الاستهلاك العالمي بسبب كوفيد 19 تراجع، ويبدو أنها تدرك أن الغرب يؤمن بأن يكون الغير سوقا مفتوحة وليست سوقه هو. في عام 1985 ورغم ان امريكا هي صانعة منظمة التجارة العالمي توقفت عن شراء السيارات اليابانية الفاخرة خارقة الاتفاقية! تدرك الصين أن سوقها واسعاً من جهة ومن جهة ثانية فهي تدخل تنافسا على صعيد عالمي مما يعني أن الغرب لن يتمكن من طردها كليا من السوق العالمية. كما أن محاولة الطر د هذه سوف تشل منظمة التجارة العالمية وتقسم العالم إلى معسكرين.
كثير من بلدان العالم سوف تميل للتبادل مع الصين لأن المنتجات أرخص والشروط الإقراضية أفضل. ولكن قد يتم ضرب الصين إذا تمكن الغرب من اجتذاب بلدان توفر عمالة صغيرة عمريا، تقبل بأجور أقل وشروط عمل مجحفة مثل مصر، فيتنام، إندونيسيا، الفلبين…الخ. لأن معظم التقديرات تقول بأن العمالة الصينية تقدمت عمرا إلى حد ما، وتطالب باجور اعلى كما أن سياسة “طفل واحد” تقلل هذه العمالة.
والسؤال هنا يستدعي غرامشي بمعنى: هل الهيمنة الإيديولوجية القومية في الغرب سوف تقنع الطبقات الشعبية بشد الحزام إلى أن يتم تجاوز او كسر روسيا والصين؟ وما هو المدى الزمني لذلك؟ أم ان الشارع هناك لن يقبل على الأقل لفترة طويلة مؤلمة.
فيما يتعلق بالتقنية، هناك كثير من المواد الأساسية والحساسة التي يحتاجها الغرب هي في روسيا. (سأكتب عنها لاحقا). لا أدري إن كانت روسيا والصين متخلفتان في مجال الشرائح بالقدر الذي يُشاع، ولكن هنا أسأل: إذا كانت الصناعات العسكرية الروسية موازية أو متجاوزة للغرب، الا يمكن تحويل أو الاستفادة من التقدم العسكري في المجال المدني؟ هذا ما فعلته أمريكا مع بداية الحرب العالمية الثانية حيث حولت المدني للعسكري ثم عادت للعكس بعد الحرب.
تبقى أمامنا نقطتان:
الأولى: هل سيقود العدوان الاقتصادي الغربي إلى تجذير اجتماعي في روسيا والصين بمعنى الخطى الثلاث:
· تنمية بالحماية الشعبية
· فك الارتباط
· والتوجه للاشتراكية؟
وهذا ما حاولت تبيانه في ختام كتابي عن الصين بمعنى تحالف ثلاثي ايضا:
· دور الشيوعيين الحقيقيين في الصين
· دور الأنظمة التقدمية في المحيط
· ودور القوى التقدمية في المركز
والنقطة الثانية: فإن هذا الاستقطاب قد لا يسمح بمساحة لقطب ثالث هو عدم الانحياز لا سيما ,ان هذا القطب زلق جدا طبقاً لتجربته السابقة (وهذا عالجته في كتابي عن الصين في الفصل الثاني في تحليل ورقة الرفيق سمير أمين وآخرين).
■ ■ ■
إمبريالية عصرنا والسعي لاعادة إنتاج شروط بقائها.
١- إخراج الصين من السوق العالمي.
٢- تجديد بنية وسائل الإنتاج وفق تقسيم عمل دولي جديد وتكنولوجيا جديدة .
سيد البدري
لأول مرة فى التاريخ منذ نشأة الإمبريالية كظاهرة راسمالية عالمية، نجد انها تختار قطع راوبطها بسوق بلد ما أو شبه محيط ما، فهذا سلوك جديد عكس كل ممارسات الراسمالية المعولمةالسابقة، فمن المعتاد أن تسعي البلدان البازغة والباحثة عن امتلاك شروط التحرر الوطنى والاقتصادى وأن تقوم بفك الارتباط مع السوق العالمى، فى المقابل تضغط الإمبريالية لإعادة الهيكلة لتلك البلدان وأجبارها على الاندماج فى السوق العالمي، من موقع المحيط أو شبه المحيط .
الان جاء اليوم الذى نرى فيه بأم اعيننا كيف تحاول الرأسمالية المعولمة أن تفك بنفسها ارتباط الصين بالسوق العالمى عوضا عن ممارسة الضغط لدخول الصين إليه، وذلك خشية تحول الصين من شبه محيط إلى مركز جديد له خصائص مختلفة، من شانه أن يضعف نفوذ المراكز القديمة بتنافسه معها، وبسبب من الأزمة الهيكلية الغير مسبوقة فى خصائصها، والتى كان للنمو التكنولوجى الصيني وسعي الصين واشتراطها توطين فنون الإنتاج داخليا، أن يفاقمها ويعطيها صفات جديدة تختلف عن سابقاتها.
فكل الأزمات الهيكلية السابقة على الأزمة الراهنة، كانت بسبب من فعل قانون ” ميل معدل الربح للهبوط ” بصورة اساسية ، اما الازمة الحالية وبسبب من تقسيم العمل الدولى الجديد والذى استفادت الصين منه بمراكمة عوامل الاستقلال نتيجة وجود سلطة الحزب، وذلك الحسم فى اشتراط توطين التكنولوجيا والذى قدمته الامبريالية بارادتها فى معظم الصناعات، جعل لهذه الأزمة كيفية جديدة.
فهل يفتح هذا التحرك من قبل المراكز تجاه الصين باب عودة الصين إلى التوجه نحو الداخل، ومن ثم تصفية وحصار شكل الملكية الرأسمالية الخاصة الحالى، وينتصر التيار الثوري فى الحزب الصيني ليعيد البوصلة من جديد إلى خصائص الاشتراكية الصينية لتكون مرتكزا عالميا للثورة ضد الرأسمالية المعولمة، أم ستؤثر النخبة الليبرالية الموجودة بالحزب الشيوعى بنسبة ليست بالقليلة، على خيارات الصين وتدفع الاقتصاد الصينى لإعادة الهيكلة الجديدة التى تفرضها الإمبريالية( تغيير وسائل الإنتاج الراسمالي وقاعدته التكنولوجية)، وتدخله فى سباق تسلح يستنزفه، لتكتب نهاية التجربة الصينية فى السعي الاشتراكية؟”
8 شباط 2021
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.