“كنعان” تتابع نشر كتاب “صين اشتراكية أم كوكب اشتراكي ودور الثلاثي الثوري”، لمؤلفه د. عادل سماره، الحلقة (2)

الفصل الأول

رواية السلطة

أطروحة دينغ هيساو بينغ؟

أستهلُّ موقف القيادة الصينية بما طرحه دينغ هيساو بينغ نفسه كمؤسس للصين ما بعد الماوية ، وهو مثابة فهمه لسؤال الاشتراكية وذلك لأن الخلاف في الصين وحول الصين يتمحور حول الاشتراكية ومدى اشتراكية الصين من عدمها  ومصيرها:

يقول دينغ:

  1. أن لا يُعتبر الفقر ولا التطور البطيىء الطريق الأفضل للإشتراكية فالمهمة الأساسية للإشتركية هي تطوير القوى المنتجة.
  2. تطور القوى المنتجة هو نقيض شعار لين بياو ومجموعة الأربعة. (يقصد الذين تسلموا الحكم لفترة قصيرة بعد رحيل ماو تسي تونغ ثم أقتلعهم دينغ وفريقه _ع.س)
  3. ليست المساواة ولا الاستقطاب اشتراكية ، الهدف النهائي للآشتراكية هو الرفاه  المشترك، ومع ذلك ، فإن الازدهار  المشترك لا يعني الازدهار للجميع  في نفس الوقت:يجب السماح لبعض الناس وبعض المناطق بالثراء أولاً.
  4. الشيء المهم هو تفعيل كل عامل إيجابي والقيام بكل ما هو ممكن لتطوير اقتصادنا وزيادة القيمة الوطنية الإجمالية للإنتاج مع  ادخال التوزيع التنظيمي  والسياسات الضريبية في نفس الوقت لضمان العدالة الاجتماعية وتحقيق الهدف النهائي من الازدهار المشترك.
  5. لا يعني الاقتصاد المخطط بالضرورة ممارسة اشتراكية ولا يعني اقتصاد السوق بالضرورة ممارسة راسمالية، يمكن ممارسة اقتصاد السوق في ظل الاشتراكية.
  6.  جوهر الاشتراكية هو تحرير القوى المنتجة  وتطويرها  والقضاء على الاستغلال والاستقطاب وتحقيق الرخاء للجميع.
  7. الإشتراكية مصطلح جيد للغاية، ومع ذلك ، إذا لم تقم بعمل جيد، إذا لم يكن  لدينا فهم  شامل لها وتبنينا سياسات  صحيحة، فلن يتم  تفعيل جوهرها  بالكامل. إن الاقتصاد المحلي  النشط سيساعد على  تعزيز الاشتراكية دون التأثير على جوهرها، إن اعظم تفوق للإشتراكية هو انها تُمكن جميع الناس،  فالازدهار المشترك هو جوهر الاشتراكية.
  8. بدون الديمقراطية لن تكون هناك اشتراكية أو تحديث اشتراكي والديمقراطية سمة سياسية مهمة للإشتراكية.
  9. يجب ان يكون هناك مستوى عال من التقدم الإيديولوجي والأخلاقي ، وهو سمة من سمات الإيديولوجيا والثقافة والاشتراكية. أثناء  العمل من أجل حضارة اشتراكية  متقدمة مادياً ، يجب أن نبني حضارة  متطورة ثقافياً وإيديولوجياً  من خلال رفع المستوى العلمي والثقافي للأمة  بأكملها  وتعزيز الحياة  الثقافية  الغنية والمتنوعة  المستوحات من المثل العليا.
  10. يجب بناء الاشتراكية من خلال الإصلاح والانفتاح وسياسة الإصلاح والانفتاح لها تاثير بالغ الإهمية  على مصير الأمة.
  11. وفي نقده لأطروحة ستالين: ” بانه في المجتمع الاشتراكي كانت علاقات الإنتاج والقوى الإنتاجية ( البنية الفوقية والقاعدة اٌلإقتصادية) منسجة تماماً”.

حاجج دينغ من مدخل آخر، بأن الوحدة الأخلاقية والسياسية هي القوة  الدافعة  لتطور المجتمع الاشتراكي. إن الأفكار التي انكرت  وجود التناقضات  في المجتمع الاشتراكي بين القوى المنتجة  وعلاقات  الإنتاج  وبين القاعدة الاقتصادية والبنية الفوقية  أدت إلى  إنكار الحاجة  إلى إصلاح الاشتراكية  وبالتالي  تجمدت النظم الاقتصادية والسياسية.

  1.  الدور الأساسي والقيادي في بناء  الاشتراكية ينحصر  بالحزب الشيوعي الصيني.

في التحليل النهائي بدون قيادة الحزب سيكون من المستحيل تحقيق أي شيىء في الصين المعاصرة، حملة التحديث الاشتراكي يجب ان يقودها الحزب الشيوعي هذا مبدا لا يُنازع.

و من أجل دعم قيادة الحزب  يجب أن  نسعى جاهدين لتحسينها ، تحسين قيادة الحزب.

من الضروري تحسين حالته الحالية والنظام الذي يعمل بموجبه بالإضافة إلى إجراء تغييرات  في تنظيم الحزب. وفي الظروف التاريخية الجديدة  سيصبح  حزبنا حزبا ماركسيا متشدداً. وقوة مركزية قوية  تقود الشعب في جميع انحاء البلاد في جهودهم لبناء مجتمع اشتراكي متقدم ماديا وأخلاقيا “

لقد حققت الصين في مدرسة دينغ ومن بعده كثيراً مما طرحه وخاصة النقلة الإقتصادية الإنتاجية النوعية  إلى حد مُبهر. ولكن في الوقت نفسه انتقل الحزب الشيوعي من حزب الطبقة إلى حزب كل الشعب ولكن مع الحفاظ على السلطة بيد الحزب فقط، اي بدون وجود أحزاب أخرى وهذا يعني ان البلد تحت حكم ديكتاتورية الحزب وليست ديكتاتورية الطبقة العاملة والفلاحين كمنتجين وأكثرية شعبية أو مجتمعية.

وهذا التطور والمختلف معاً كرَّس أطروحة دينغ بأن البلد في سبيل وسياق تطوير قوى الإنتاج لا بد أن يسمح بعدم المساواة كشرط لتطور قوى الإنتاج.

ولكن هذا الانفتاح لصالح التمايز الطبقي فتح الطريق لظاهرتين مقلقتين مصيرياً:

الأولى: انتشار موسع للفساد

والثانية: ظهور طبقة مليارديرات في بلد يعتبر طريقه في التطور طريق الاشتراكية.

بعد  عام 2013، تمكن شي جينبينغ الرئيس الحالي للصين من محاصرة واسعة للفساد، ولكن ماذا عن طبقة المليونيرات؟ فهل كسبها الهائل مشروعاً؟

لندع هذا لسياق البحث ونتائجه.

تتكون مادة هذا الفصل من قراءة لكتابين صدرا في الصين نفسها تؤيدان وتشرحان النظام القائم.

الثورة في جانب العرض بأسلوب صيني

المجلد الأول

Supply-Side Revolution with Chinese Style

Fang Fuqian

يبدأ فانج كتابه بتقديم تعريف أو تفسير لعنوانه نفسه والذي يتضمن موقف السلطة الصينية نفسها وذلك على النحو التالي:

“تفسير العنوان….يعد الإصلاح الهيكلي لجانب العرض للاقتصاد الصيني الذي بدأ في نوفمبر 2015  أساساً  لِ أو مثابة “ثورة صينية في جانب العرض… كان الإصلاح والانفتاح الذي بدأ في عام 1979 هو أول ثورة في الاقتصاد الصيني. لقد كان ثورة داخل نظام الاقتصاد المخطط شديد التركيز وثورة ضد نماذج/موديلات  عزل البلاد عن العالم الخارجي أي ضد التنمية المغلقة”(ص1).

بعيدا عن الوصف اللغوي للتغيير بأنه ثورة/ثوري وهو كخطاب مستمد من الخطاب في الحقبة الماوية، إلا أنه أُستخدِم بشكل مضاد حيث يتضمن نقد السياسات الاقتصادية الماوية ولكن بطريقة ملتوية نوعا ما حيث يستخدم داخل بدل كلمة على أو ضد ما يسميه الكاتب “الاقتصاد المخطط شديد التركيز وعزل البلاد عن  العالم الخارجي” بدل فك الإرتباط حيث يصفه ب “التنمية المغلقة”.

ولو قرأنا هذا النص بالخطاب الصيني الماوي لقلنا بأن “الثورة الجديدة” هي الانفتاح على والانخراط في النظام الاقتصادي الراسمالي العالمي بقيادة “طرائقيوا راس المال” Capitalist Roareds. هذا من جهة ، ومن جهة ثانية، ف “الثورة الجديدة سواء 1979 و 2015 هي/هما نقد أو رفض للاستراتيجية الماوية في “فك الارتباط” وهذا ما سنتناوله لاحقاً في غير موضع.

من جهة ثانية، فإن إهمال المصطلح الأساسي  للتنمية في الحقبة الماوية وهو فك الارتباط بتسميته  “التنمية المغلقة” هو نقد غير موضوعي للمفهوم بل ويحوي استهانة ما غير مقبولة منطقياً لأن “مغلقة” تعني في أفضل الأحوال التحجر، هذا مع أن هذه الاستراتيجية التنموية هي التي حققت للصين نمواً لا يقل عن ما حصل بعد 1979 بل إن نمو 1979 وما بعد قد ارتكز على القاعدة التي تأسست في فترة الماوية، والأهم أن الماوية أكثر عدالة شعبية اجتماعية/طبقية  أي بمضمون اشتراكي. هذا ناهيك عن أن “الانفتاح” حصل في فترة الماوية.

والسؤال اليوم، هل ستعود الصين بعد أزمة 2008 وكورونا إلى مستوى من “فك الارتباط”؟ هذا ما سنحاول تلمسه لاحقاً.

"…يعد الإصلاح الهيكلي في جانب العرض الذي بدأ في نوفمبر 2015 ثورة أخرى في الاقتصاد الصيني. الإصلاح الهيكلي في جانب العرض نفسه هو تعديل الهيكل الاقتصادي بشكل كبير وتغيير وضع التنمية ومنهج التحكم الكلي.
 لتحقيق مثل هذا التعديل والتغيير الهام وتعزيز التحسين الديناميكي للهيكل الاقتصادي ونمط التنمية ، من الضروري تعزيز الإصلاح الشامل في العمق وتثوير  النظام بقوة لأنه إتسم بتحجرالهيكل الاقتصادي للصين ، وبعدم توازن الدورة الاقتصادية ونمط التنمية الشامل.
إذا قلنا أن الثورة السابقة (المقصود 1979 ع.س) كانت لجعل اقتصاد الصين أكبر وأقوى ، وتقصير فجوة التنمية بين الصين والدول المتقدمة ، وجعل الصين تتخلص من الفقر في أقرب وقت ممكن ، فإن الثورة هذه المرة هي جعل اقتصاد الصين أقوى وأفضل ، تعزيز بنية الاقتصاد الصيني وتحسين الإمكانات التنموية والقدرة التنافسية الدولية للاقتصاد الصيني لجعله يتخطى بسلاسة فخ الدخل المتوسط ​​ويدخل في مرتبة البلدان المتقدمة"(ص2).
 
حتى الآن، نحن مع وصف للأهداف الداخلية والخارجية للاستراتيجية الجديدة سواء برفع مستوى الدخل أو باللحاق بالبلدان متوسطة الدخل ومن ثم المتقدمة. طبعاً لا يقول الكاتب: الدول الراسمالية المتقدمة التي هي المركز المتقدم للنظام الراسمالي العالمي. وهنا لا نجد معنى لهذا الوصف سوى أنه الانتقال من اللحاق بالرأسمالية إلى منافستها والتفوق عليها ولكن في ميدانها! أي دون أن يتضح بعد هل التفوق عليها لاتخاذ مسار آخر، أو للحلول محلها وبشروطها أو بشروط جديدة. المهم، حتى حينه، فإن التحول يدور في نطاق السوق الرأسمالية العالمية.
ومن جهة ثانية، لا يزال الجدل قائما بصدد تجاوز الصين ل "فخ الدخل المتوسط" كما سنرى في نقد أو معالجةأطراف أخرى للتجربة الصينية فيما يخص هذه المسألة.
 
ينتقل المؤلف إلى عقد مقارنة بين حالتي الأزمة في جانب العرض والإصلاح الهيكلي في كل من الصين والولايات المتحدة بادئا بالهدف من ذلك في الصين نفسها:
 
"… إذا قلنا أن الهدف الرئيسي للإصلاح والانفتاح في عام 1979 كان تحرير القوى المنتجة ، وتعزيز الزيادة في إجمالي العرض ، والقضاء على اقتصاد النقص وتحسين مستوى الدخل القومي للفرد ومستوى المعيشة باستمرار ، فإن الهدف الرئيسي من العرض – الإصلاح الهيكلي هذه المرة هو تحسين هيكل العرض الكلي ، وتطوير قوة دافعة جديدة للنمو، وتحسين جودة التنمية الاقتصادية ومعيشة الناس وتعزيز القدرة على التنمية الاقتصادية المستدامة والتنمية المتوازنة"...P1-2
كما في مواضع عدة، فإن مضمون هذا الخطاب هو مضمون لبرالي  يُعيدنا إلى ما حصل بعد تفكك الاتحاد السوفييتي حيث ساد "احتلال/اختطاف المصطلح" من قبل لبراليي الأمم المتحدة كاستخدام التنمية الاقتصادية المستدامة، وكما نلاحظ، ليست حتى الاجتماعية بمضمونها الطبقي. ثم ينتقل إلى أساس برنامج الإصلاح الهيكلي الذي بدأ في الولايات المتحدة:
 
"… إن الإصلاح الهيكلي لجانب العرض ليس أصلاً من الصين. في فترة إدارة ريغان في الثمانينيات ، نفذت الولايات المتحدة الإصلاح الهيكلي في جانب العرض على نطاق واسع. ومع ذلك ، فإن الإصلاح الهيكلي الحالي لجانب العرض في الصين لا يتمثل في استخدام أو نسخ إصلاح العرض في الولايات المتحدة بشكل عشوائي. إن الإصلاح الهيكلي لجانب العرض للاقتصاد الصيني هو مهمة رئيسية اقترحتها الممارسة الاقتصادية الصينية ومتطلب موضوعي للتنمية الاقتصادية الصينية في المرحلة الجديدة والطبيعة الجديدة. الإصلاح الهيكلي الحالي لجانب العرض في الصين يختلف جوهريًا عن إصلاح العرض في فترة إدارة ريجان في الولايات المتحدة. إنه إصلاح هيكلي لجانب العرض "على الطريقة الصينية" أو ثورة إمداد على النمط الصيني".
 
في الواقع لا يقدم هذا الشرح تمييزاً حقيقياً بين الإصلاحين بل هو محاولة إخفاء اساس التوجه الراسمالي لكليهما. أما تعبير على النمط الصيني فلا يوضح الكثير. ولكن لنرى لاحقاً.
"… تم تنفيذ إصلاح العرض في فترة إدارة ريغان في الولايات المتحدة في سياق وقوع اقتصاد الولايات المتحدة في حالة ركود تضخمي في منتصف وأواخر السبعينيات. أصبح معدل التضخم أعلى وأعلى مع ركود النمو الاقتصادي وزيادة معدل البطالة. نتج الركود التضخمي عن أزمتين نفطيتين في السبعينيات ، مما أدى إلى زيادة كبيرة في تكلفة الإنتاج وتكلفة المعيشة في الولايات المتحدة ، وكذلك حرب فيتنام التي انخرطت فيها الولايات المتحدة ، والتي أدت إلى قدر هائل من العجز المالي والديون الحكومية. ، وعدم توازن الهيكل الاقتصادي واستمرار انخفاض نمو الإنتاجية. وصف مقال نُشر في Business Week بالولايات المتحدة في 17 سبتمبر 1979 خلفية جيل إصلاح العرض ومدرسة التوريد في فترة إدارة ريغان التي "بسبب النمو الاقتصادي الضعيف في السنوات العشر الأخيرة ، تم تكثيف التضخم. P.2-3.... خلال هذه الفترة ، كان اقتصاد الولايات المتحدة يعاني من نقص في السلع ، وتباطؤ في نمو الإنتاجية ، واستثمار متدني لرأس المال ، وقدرة إنتاج غير كافية للصناعة التحويلية. من الواضح الآن أن المشكلة الرئيسية هي كيفية تحفيز العرض بدلاً من تحفيز الطلب ". أدت هذه الخلفية الاقتصادية إلى انتشار مدرسة التوريد والتحول الكبير في السياسة الاقتصادية لحكومة إدارة ريغان. تخلت الحكومة عن سياسة تحفيز الطلب الكلي للكينزية التي اتبعتها حكومة الولايات المتحدة منذ صفقة روزفلت الجديدة وتحولت إلى إصلاح العرض وإدارة العرض الذي دعت إليه مدرسة التوريد".
 
قد يكون أثر الأزمتين النفطيتين عارضاً في الولايات المتحدة التي تمكنت من استحلاب الفوائض الخليجية المتأتية من النفط (كما يقول كتاب اعترافات قاتل اقتصادي- جون بيركينز). ومن جهة ثانية، فإن السبعينات والثمانينات قد شهدتا خروج شركات من المركز إلى المحيط في حركة رأس المال العامل الإنتاجي بحثا عن معدلات ربح أعلى ودوافع أخرى وهذا لا شك له علاقة بالأزمة في جانب العرض هناك. كما ان الانتقال الشركاتي إلى الخارج كانت للصين حصة منه بعد 1979. 
صحيح أن الريجانية تخلت عن الكينزية، ولكن ما تجب الإشارة إليه هو أن الريجانية ذهبت باتجاه عدم التضبيط De-Regulation  وهي سياسة ديكتاتورية الطبقة الراسمالية حيث تم تقليص دور وحجم الدولة وتقليص الضرائب على الأغنياء واستحلاب الفقراء، وهذا لا شك له اثره في جانب العرض من جهة ، ومن جهة ثانية، فإن سياسة عدم التضبيط هي الأساس الداخلي وراء الأزمة في الولايات المتحدة حيث أُعتُمدت لعلاج مخلفات أزمة الهزيمة المتشعبة في العدوان ضد فيتنام.
"… بعد الربع الأول من عام 2010 ، بدأ النمو الاقتصادي في الصين في الانخفاض وانخفضت إنتاجية العمل والإنتاجية الإجمالية للعوامل (TFP). ومع ذلك ، فإن المشاكل الرئيسية التي يواجهها الاقتصاد الصيني ليست نقص السلع والقدرة الإنتاجية غير الكافية للصناعة التحويلية ، ولكن فائض الإنتاج نسبيًا والفائض المطلق من المنتجات المنخفضة الجودة. والأهم من ذلك ، أن الاقتصاد الصيني كان يعاني من الانكماش بدلاً من التضخم منذ أن انخفض في الربع الأول من عام 2010. وهو يظهر أن الاقتصاد الصيني يواجه حاليًا مشاكل رئيسية غير دافعة للنمو وتراجع الطلب في السوق. مثل هذا الوضع الاقتصادي يختلف اختلافًا كبيرًا عن فترة إدارة ريغان. "
 
صحيح أن هذا التشخيص للاقتصاد الصيني مختلف عن أمريكا ريجان. ولكن كلا الإقتصادين مأزوم والمرضين رأسماليّْين. وهنا كان على الكاتب ان يُشير إلى أن انخراط الصين في السوق الدولية عبر منظمة التجارة العالمية كان من الطبيعي أن يؤدي إلى أزمة اقتصادية في الصين حيث انخرطت في توسيع حصتها من السوق العالمية ولم تركز على توسيع معدة السوق المحلية مما جعل تأثير أزمة 2008 كبيرا على الاقتصاد الصيني نفسه وهذه سياسة انفتاح متعاكسة مع فك الارتباط. فمن سمات هذا الانخراط توجه الصين إنتاجيا للتصدير الأمر الذي زاد اعتمادها على التسويق في الخارج لتواجه ازمة التسويق مع انفجار ازمة 2008 في المركز والعالم بأسره.  أما عدم جودة المنتجات الصينية فهو عامل إضافي إلى الأزمة في الصين ولكن الانخراط في السوق الراسمالية العالمية هو السبب الأساس.
وهذا ما اقتضى من السلطة في الصين إعادة التوجه للسوق المحلية، تقوية الطلب المحلي طالما الطلب الدولي في حالة تراجع، وهذا يطرح السؤال أو التساؤل: ما معنى ومضمون العودة إلى السوق المحلية؟إلى الداخل، وهل هي عودة اضطرارية ولو نسبياً إلى فك الارتباط؟ عودة تكتيكية لتجاوز الأزمة؟ أم هي إعادة اعتبار لفك الارتباط وتخلٍ ولو نسبي عن اعتبار تلك الاستراتيجية بأنها كانت مغلقة كما وُصفت أعلاه؟ هذا هو السؤال بمعنى: إن عودة لفك الارتباط غير ممكنة حيث بُني الاقتصاد الصيني على نظرية الاقتحام للسوق العالمية وتتوج ذلك حتى الآن على الأقل بمشروع طريق واحد حزام واحد، ومع ذلك لنرى.
 
"...استند إصلاح العرض في إدارة ريغان إلى الاقتصاد السائد لمدرسة التوريد والنقد في ذلك الوقت. ومن حيث تدابير الإصلاح ، فقد  طبقت بشكل رئيسي سياسة إدارة التوريد والتكيف الهيكلي لمدرسة التوريد وسياسة العرض النقدي المستقر للنقد. بينما يعتمد الإصلاح الهيكلي في جانب العرض الذي اقترحته الحكومة الصينية بشكل أساسي على جوهر المشاكل الاقتصادية الرئيسية للصين في المرحلة الحالية ومطالبة الاقتصاد الصيني بتعميق الإصلاح وزيادة التنمية ، بدلاً من الإستناد إلى نظرية معينة قائمة للاقتصاد. حتى أنها ليست ذات صلة بقانون Say أو مدرسة العرض أو اقتصاديات Reagan. .. في الواقع ، منذ الإصلاح والانفتاح ، انطلقت إجراءات الإصلاح الرئيسية وتعديل السياسة التي أدخلتها الحكومة الصينية عن الظروف الوطنية والواقع الوطني للصين في ذلك الوقت ، بدلاً من النظرية القائمة. ..يعد كل من الإصلاح والانفتاح في الصين وإقامة نظام اقتصاد السوق الاشتراكي القائم على القضاء على الاقتصاد المخطط عملًا رائدًا غير مسبوق. هذه الجولة من الإصلاح الهيكلي في جانب العرض هي أيضًا على "النمط الصيني" أو ذات الخصائص الصينية".
 
لعله "خطاب اللعنة"  استخدام عبارة "القضاء على الاقتصاد المخطط"، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، هل حقا أن وجود السلطة بيد الحزب  ووجود شركات بيد الدولة، هو "تخلص" من التخطيط الإقتصادي؟ 
أما فيما يخص قانون ساي، فلعل العبرة الأساسية فيه أنه، بدون وعي أو قصد، يدفع باتجاه الاستعمار. هذا ما يهمنا، فطالما الإنتاج هو الأساس، وطالما هناك ثقة بأن المنتجات ستجد طريقها للاستهلاك، ولو "على المدى الطويل"، كما يحاجج من تحمس ل ساي مقابل النقد الكينزي، ، فإن عدم قدرة السوق القومي على استيعاب المنتجات، ولنقل على المدى القصير والمتوسط، فذلك  لن يدفع المنتجين للانتظار بل للبحث عن اسواق خارج الحدود القومية.

بالمقابل، تجد في ويكيبيديا  دفاعا عن ساي مثل:

"...قانون أسواق ساي هو قاعدة اقتصادية تقول أن الإنتاج هو مصدر الطلب. وفقًا لقانون Say ، عندما ينتج الفرد منتجًا أو خدمة ، فإنه يتقاضى أجرًا مقابل هذا العمل ، ومن ثم يمكنه استخدام هذا المبلغ للمطالبة بسلع وخدمات أخرى. كثيرًا ما يُساء تفسير قانون ساي  أن "يخلق العرض طلبًا خاصًا به" ، وهو أمر خاطئ بشكل واضح. إذا كان هذا صحيحًا ، يمكن لأي شخص أن يفعل ما يريد من أجل لقمة العيش وينجح فيه.

ينص قانون الأسواق في Say’s على أن توفير سلعة أو خدمة يخلق طلبًا على تلك السلعة أو الخدمة. درس جان باتيست ساي ، الاقتصادي الفرنسي الكلاسيكي ، طبيعة الأسواق في كتابه 1803 بعنوان “رسالة في الاقتصاد السياسي” وطرح وجهة نظر مفادها أن العرض يخلق طلبًا خاصًا به وأن الوكلاء الاقتصاديين يجب أن يشاركوا أولاً في الإنتاج قبل أن يتمكنوا من طلب السلع و الخدمات في السوق”.

 
لعل أشد النقد ل ساي كان من ماركس الذي التقط مسألة الاستعمار وكتب:

“.. من ناحية أخرى ، إذا كانت علاقات الإنتاج الحديثة ، أي رأس المال ، داخل مجتمع ما ، قد تطورت كلياً، ثم استولى هذا المجتمع على  منطقة جديدة ، على سبيل المثال المستعمرات ثم يجد ، أو بالأحرى ممثله ، الرأسمالي ، أن رأسماله لم يعد رأسمالًا بدون عمل مأجور ، وأن أحد الافتراضات اللاحقة ليس فقط ملكية الأرض بشكل عام ، ولكن ملكية الأرض الحديثة ، ملكية الأرض في حال أن الإيجار الرأسمالي باهظ التكلفة ، وبالتالي يستبعد الاستخدام المباشر للتربة من قبل الأفراد. ومن هنا جائت نظرية ويكفيلد عن المستعمرات ، التي تبعتها الحكومة الإنجليزية في أستراليا بمديح [1]

… ومن هنا يأتي  الإفراط في الإنتاج  باكثر من القيمة الاستعمالية وبالتالي من التبادل نفسه. هذا هو الشكل المُسِّف لSay – يتم استبدال المنتجات للمنتجات فقط ؛ لذلك ، تم إنتاج الكثير على الأكثر من نوع واحد من السلع  والقليل جدًا من الآخر.[2]

كما يقول ماركس  ايضا في كتابه ” الأصول“:

المجنون ساي 1767-1832 الذي اختصر الاقتصاد السياسي بشكل سطحي  وهو رجل أعمال أشاع وابتذل مذاهب آدم سميث في كتاب  مدرسي  ”   Traite ‘d’e’economie politique” ونشره ، باريس 1803[3].

طبعاً عالجت روزا لكسمبورغ  مسألة الاستعمار أو التوسع الجغرافي من المناطق المتقدمة إلى المستعمرات لتصريف الفائض ناهيك عن الجدل بأن الحل في التوسع الجغرافي، الذي طبعاً ينتهي في حدود الكوكب، أو التطوير الداخلي…الخ.

“… لا يمكن للصين التي لم تتخلص بعد من دور الحزب أو تحديدا دور الدولة ان تعالج الأزمة في جانب فيض العرض بنفس سياسات الولايات المتحدة التي عالجت أزمة جانب العرض على اسس راسمالية تامة. وهنا حقا لا يمكن للصين اعتماد قانون ساي  P. 4-5

قد يتضح هنا ما يطلقون عليه الخصائص الصينية التي هي خصائص اقتصاد يراوح بين بقاء التوجه الاشراكي  والتحول إلى الراسمالية وهذه ليست خاصية صينية  بحتة.
 
"… يتم تنفيذ الإصلاح الهيكلي لجانب العرض في الصين في السياق الرئيسي للقدرة المفرطة ، والتي يمكن تحليلها في نموذج إجمالي العرض الكلي للطلب ، وهو الإطار التحليلي الأساسي للاقتصاد الكلي. يمكن قياس حالة الاقتصاد الكلي لبلد أو اقتصاد من خلال مؤشرات مثل الناتج الإجمالي (الناتج المحلي الإجمالي أو الدخل القومي الإجمالي) ونموه والسعر وزيادته (التضخم) ومعدل التوظيف أو معدل البطالة وفائض التجارة الخارجية أو العجز".

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.


[1] Karl Marx, Grundrisse: Foundations of the Critique of Political Economy (Rough Draft), Translated with a Foreward by Martin Nicolaus. Penguin Books  In association with New left Review,1973.p. 278.

[2] Ibid p.p 423-24

[3]  Ibid p. 94

كارل ماركس ، جروندريس: أسس نقد الاقتصاد السياسي (مسودة أولية) ، تمت ترجمته بمقدمة بقلم مارتن نيكولاس.كتب البطريق بنجوين

بالاشتراك مع New left Review ، 1973.