تكملة الفصل الأول
رواية السلطة
وَرَدَ في تقرير صندوق النقد الدّولي “آفاق الإقتصاد العالمي للعام 2020”:
“… ارتفاع حجم اقتصاد الصين (أي الناتج المحلي الإجمالي) إلى22.4 تريليون دولارا، مقارنة بالإقتصاد الأمريكي الذي يبلغ حجمه 20,8 تريليون دولارا، وما هذا سوى مؤشر من مجموعة مؤشرات لقياس حجم اقتصاد الدّول، بمعيار “تعادل القُوّة الشرائية”، طورته وكالة الإستخبارات الأمريكية (التي تنشر تقويمًا سنويا لاقتصاد دول العالم) وصندوق النقد الدّولي، والذي لا يُراعي فُرُوق مستويات الأسعار بين الدّول، ويُخفض من الحجم الحقيقي لإنتاج الصين، ويعتبر صندوق النقد الدّولي “إن الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة هو الأساس الذي تقوم عليه مكانتها الإقتصادية بين دول العالم”، لكن ما هو سوى مؤشّر من مجموعة مُؤشرات أخرى، لأن ارتفاع حجم الناتج المحلي الإجمالي لا يعني ارتفاع مستوى عيش العاملين والمُنْتِجين، والمواطنين عمومًا، كما أن العديد من الشركات الأجنبية افتتحت مصانع بالصّين، وتُصدّر إنتاجها (أو الجُزْءَ الأكبر منه) إلى الخارج، حيث أصبحت الصين ورشة التصنيع في العالم، ويُسجل هذا الإنتاج في الناتج المحلي الصيني.
أما بخصوص الإقتصاد الصيني فإن تطور الرأسمالية اعتمد – في بعض جوانبه – أشكالاً مُغايرة للتطور الرأسمالي في أوروبا والولايات المتحدة واليابان، وبقيت الدّولة، وحزبها الذي حافظ على وصف نفسه ب “الشيوعي”، تُدير وتُشرف على تصميم وإعداد المخططات الإقتصادية وعلى تنفيذها، وهو أمر لا يناقض التطور الرأسمالي للإقتصاد، ولا يعني أن الإقتصاد “اشتراكي”، فقد تكثّف الإستغلال الطبقي للعاملين، سواء من قبل الشركات المحلية، أو الأجنبية، رغم ارتفاع الأجور خلال العقد الأخير، لأن النظام الصيني استخلص الدّروس من أزمة 2008/2009، فرَفَع الرواتب، بهدف تنمية الإقتصاد عبر تحفيز الإستهلاك الدّاخلي، بدَلَ الإعتماد الكبير على التّصدير (الذي تباطأ بفعل الأزمة)، وتوسّعت الفوارق الطبقية داخل الصّين، منذ ثلاثة عقود، لكن الهُوّة لم تبلغ ما وصلته الولايات المتحدة وأوروبا، كما أن الشركات الصينية تستغل ثروات البلدان الفقيرة، مقابل الإستثمار في البنية التحتية، لكنها تُغرق الأسواق المحلية بالمنتجات الصينية الرخيصة والرّديئة، التي قضَت على العديد من الحرف والمهن التقليدية في إفريقيا، وعلى الإنتاج المحلي للمنسوجات والملابس القُطْنِيّة، على سبيل المثال، ولهذه الأسباب، ورغم خصوصية تطوره، يعْسُر وَصْف الإقتصاد الصيني بأنه ليس رأسماليا… [1]“
“… ذكرت وكالة الأنباء على لسان غاو هوشنغ ، وزير التجارة في الصين ، في المؤتمر الصحفي للدورة الثالثة للمؤتمر الوطني الثاني عشر لنواب الشعب الصيني في 7 مارس 2015 ، إن أكثر من 100 مليون شخص صيني غادروا البلاد في عام 2014 للتسوق والاستهلاك في الخارج بما يزيد عن تريليون يوان. من بينها ، تم استخدام نسبة كبيرة لشراء المنتجات الأجنبية ، وفقًا لتقرير 315 Gala الذي عقدته CCTV في عام 2016 ، بلغ الاستهلاك الخارجي للمقيمين الصينيين في عام 2015 ما قيمته 1.5 تريليون يوان ، بزيادة 50 ٪ مقارنة بالعام السابق. إن السبب الذي يجعل الصينيين يفضلون “المنتجات الأجنبية” كثيرًا بلا شك – متعلق بثقتهم “بالمنتجات الأجنبية” ، ولكن السبب الرئيسي هو أن جودة و (أو) أسعار هذه السلع الأجنبية أفضل من مثيلاتها الصينية.إذا كان المقيمون الصينيون ينفقون تريليون يوان على شراء المنتجات الأجنبية كل عام وكان مضاعف الإنفاق الاستهلاكي اثنين ، فإن 2 تريليون يوان من الطلب المحلي الصيني يتدفق إلى الأسواق الخارجية كل عام ، وهو ما يعادل المجموع الإجمالي للناتج المحلي الإجمالي البالغ لثلاثة مقاطعات بما فيها قويتشو وقانسو وهاينان”.
بعيداً عن تحليل الأرقام ودلالاتها، فإن هذا يعيدنا إلى اندهاش مواطني بلدان ” الكتلة الاشتراكية” سابقاً بالجينز وماكدونالد وتخيُّل الجنة الأمريكية والغربية عموماً…الخ. فهذا يدل على ثقافة استهلاكية تتماشى كما يبدو مع مغادرة رسمية ومن ثم شعبية لثقافة الثورة والثورة الثقافية في الصين وهذا ما يخدم ويشجع الاتجاه اللبرالي في الصين وهو موجود حتى في الحزب الشيوعي نفسه.
صحيح أن اقتصادات الكتلة الشرقية “الاشتراكية” سابقا كانت هشة وبالتالي تهاوت أمام “المدفعية الثقيلة للبرجوازية –كما قال ماركس في البيان الشيوعي عن البلدان الفقيرة في حينه” وربما لا تقلق القيادة الصينية من هذا النزيف النفسي/الثقافي والمالي إلى اسواق الغرب، ولا تقلق من عمق الاندماج في تلك الأسواق معتمدة على قوة الاقتصاد الصيني الإنتاجية، ولكن المقلق أكثر هو تعمُّق ثقافة الاستهلاك مما يأخذ المجتمع لقبول اية سياسة لا إشتراكية تخترق البلد والقيادة؟
لسنا بصدد مقارنة دفوقات الاستثمار الأجنبي في الصين مع نزيف السيولة من الصين إلى الأسواق الغربية ولكن المهم أن هذه العلاقة هي تعميق الانخراط الرأسمالي ثقافيا وعمليا في المجتمع الصيني نفسه. ولكن إذا وضعنا المئة مليون الذين يصرون على استهلاك المنتجات الرأسمالية الغربية وهي غالبا ترفية أو لأنها أفضل من المحلي، مقابل مئات الملايين ممن يحصلون على أجور ودخل محدود في الصين نفسها، نجد انفسنا أمام تفارق طبقي شنيع في الصين نفسها! وهذا يدفع للتساؤل عن “الاشتراكية بسمات صينية”! حيث من سماتها انخراط الصين في النظام العالمي بدرجة من التبعية النفسية والاستهلاكية من جهة الصين، وتصدير سلعا هائلة لفقراء العالم، وكأن هذه العملية السوقية تقسم العالم نفسه إلى طبقتين معولمتين:
طبقة برجوازية معولمة منتشرة في كل العالم وضمنها طبقة برجوازية صينية متخارجة
وطبقات شعبية معولمة ايضا منتشرة في كل العالم
كما يدل هذا الانخراط الاستهلاكي على ضعف ثقة المواطن باقتصاد البلد بدل أن يضغط لتحسين الجودة.
“… يوجد الفائض الهيكلي أيضًا داخل العديد من الصناعات في الاقتصاد الصيني. على سبيل المثال ، هناك صناعات الطاقة والسيارات والعقارات والبتروكيماويات. وفقًا للتحقيق والتحليل لقدرة إنتاج السيارات في الصين التي أجرتها اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح ، والجمعية الصينية لمصنعي السيارات ، ومركز أبحاث وتكنولوجيا السيارات الصيني ، اعتبارًا من نهاية عام 2015 ، معدل استخدام السعة لسيارات الركاب في السيارات الصينية بلغت نسبة المركبات 81٪ ، بينما كانت المركبات التجارية 52٪ فقط….
قد يكون الخلل الأكثر خطورة بين هيكل العرض الكلي وهيكل الطلب الكلي في الاقتصاد الصيني هو أنه من ناحية ، هناك الكثير من الطاقة الإنتاجية الزائدة ومخزون المنتجات في الاقتصاد الصيني وتعاني العديد من المنتجات من عدم القدرة على أن تُسوَّق، ومن ناحية أخرى ، هناك أكثر من 70 مليون شخص بحاجة إلى التخفيف من حدة الفقر ومشاكلهم من الغذاء والكساء لم يتم حلها بالكامل وعدم تلبية احتياجاتهم الاستهلاكية الأساسية”
والسؤال هنا من شقين:
الأول: هل عدم قدرة منتجات على تحقيق طلب هو فقر العمال هؤلاء؟ مما يعيدنا إلى مشكلة فائض العرض. وهنا هل يكون فائض العرض أو فيض الإنتاج هو شكلا من اشكال الإهلاك الثرواتي المُسبب عن غياب التخطيط والمتسبب في فقر عشرات الملايين إلى جانب عشرات الملايين الذين يسافرون لاستهلاك منتجات من السوق الراسمالي الغربي. هذا مع تقديرنا بأن :
الذين لا يستطيعون شراء حاجاتهم هم الذي غالبا ينتجون هذه الحاجات
والذين غالبا لا ينتجون حاجاتهم يشترون حاجاتهم من الخارج!
في نقد كثيرين للصين (انظر لاحقا) ركزوا على فارق مستوى او معدل الدخل للفرد ومن ثم القدرة الشرائية للفرد بين الصين وأمريكا، ومع أن هذا ليس المعيار، ولكن يغري بقراءة الأمر طبقياً بمعنى القدرة الشرائية للبرجوازية الصينية مقارنة مع الأمريكية وينسحب طبعا على الطبقتين الشعبيتين في البلدين.
والثاني: فإن الطاقة الإنتاجية الزائدة، ومخزون المنتجات هو إهلاك مزدوج لقوة العمل ومخرجات قوة العمل، وهذا يفتح على سؤال متكرر عن طبيعة النظام ومغادرته التخطيط !
“… أطلق الإصلاح والانفتاح الذي بدأ عام 1978 عملية الإصلاح الموجه نحو السوق للاقتصاد الصيني. في عملية الإصلاح والانفتاح في الصين ، يتحول النظام الاقتصادي الصيني من النظام الاقتصادي المخطط شديد المركزية إلى نظام اقتصاد السوق ؛ تزداد أدوار التراجع الحكومية والسوق في تخصيص الموارد ؛ ويتم تعديل العلاقة بين الحكومة والسوق بشكل مستمر. في نوفمبر 1993 ، وافقت الدورة الثالثة للجنة المركزية الرابعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني على قرار بشأن عدة مشاكل تتعلق بإنشاء نظام اقتصاد السوق الاشتراكي لتوضيح أن الغرض من إصلاح النظام الاقتصادي الصيني هو إنشاء نظام اقتصاد السوق الاشتراكي. . عملت الحكومة الصينية على تعميق إصلاح نظام الأسعار ، والنظام الضريبي، والنظام المالي ، ونظام إدارة الخطة ، ونظام الاستثمار ، وملكية وسائل الإنتاج للشركات المملوكة للدولة وغيرها منذ عام 1994. من خلال سلسلة من الإصلاح والتعديل ، تم بشكل تدريجي إنشاء سوق السلع والأسواق المختلفة لعوامل الإنتاج بما في ذلك سوق رأس المال (التمويل) ؛ أصبحت أسعار السلع وعوامل الإنتاج تدريجياً موجهة نحو السوق وتعكس درجة الندرة وعلاقة العرض والطلب للموارد ؛ أصبحت الشركات ، بما في ذلك الشركات المملوكة للدولة بشكل أساسي ، وحدات اقتصادية جزئية لها سلطة ومسؤوليات محددة جيدًا ، ووضع قرار مستقل وتشغيل مستقل وتحمل المسؤوليات الوحيدة عن أرباحها أو خسائرها ؛ تم إنشاء نظام البنك المركزي والنظام المصرفي التجاري تدريجياً ؛ نشأ النظام المالي الحديث والنظام الضريبي المطابق لنظام اقتصاد السوق ؛ تم إصدار وتنفيذ قانون الشركات وقانون العقود وقانون براءات الاختراع وقانون حقوق الطبع والنشر وقانون المحاسبة وقانون مكافحة المنافسة غير المشروعة وعدد كبير من القوانين واللوائح الأخرى لمواكبة بناء اقتصاد السوق وتطويره لتعزيز الانتقال إلى نظام اقتصاد السوق الاشتراكي. بعد ما يقرب من 40 عامًا من الإصلاح والبناء ، أنشأت الصين في البداية نظام اقتصاد السوق الاشتراكي ، ومع ذلك ، لا يزال اقتصاد السوق الحالي في الصين إلى حد كبير “اقتصاد شبه سوقي” ، وليس “اقتصاد سوق كامل” أو ناضجًا وقياسيًا. يسير نظام الاقتصاد الصيني في رحلة التحول من “اقتصاد شبه سوقي” إلى اقتصاد سوق كامل “.
هل هذا الوصف التفصيلي وخاصة نهايته تعني الذهاب إلى الراسمالية نهائيا؟ اي منافسة الرأسمالية الغربية باخرى شرقية بمعنى ان الفارق في الموقع الجغرافي! ولا يبقى معنى حقيقياً لإضافة طربوش “اشتراكي” على النظام. ولا نقصد هنا حصر الأمرفي التسمية بل التنبه للفوارق الطبقية الناجمة عن الذهاب إلى اقتصاد السوق جزئيا أو كاملاً. لا يمكن للقارىء أن لا يلتقط العلاقة أو يعْقد العلاقة بين هذا الوصف المتحمس للسوق وبين وجود الفقر والأجور المتدنية ونزيف الفائض الصيني على الأقل:
- فائض الشراء من قبل الأغنياء
- وفائض تحويل ارباح الشركات الأجنبية إلى الخارج
“… في سوق السلع الاستهلاكية الصيني ، زادت نسبة أسعار السوق من أقل من 3٪ في عام 1978 إلى 97٪ وانخفضت نسبة التسعير الحكومي وسعر التوجيه الحكومي من 97٪ في عام 1978 إلى أقل من 3٪ ؛ في المبلغ الإجمالي لشراء المنتجات الزراعية والجانبية ، ارتفعت نسبة تسعير السوق من 5.6٪ في عام 1978 إلى 97٪ ونسبة التسعير الحكومي والسعر التوجيهي الحكومي انخفضت من 92.6٪ عام 1978 إلى حوالي 2٪”.
النسب توضح التوجه للسوق تماما.
“… تُطبق الصين الملكية العامة للأراضي (الملكية الجماعية أو الأراضي الريفية وملكية الدولة للأراضي الحضرية) وتقرر استخدام الأرض (الأرض للاستخدام الزراعي والصناعي والتجاري والتعليمي والتطوير العقاري) ، مساحة الأراضي المستخدمة في مختلف المناطق كل عام وممارسة أسعار الأراضي ذات الاستخدامات المختلفة.
تحتكر الحكومة أو تسيطر بالكامل على السوق الأولية للأراضي في المناطق الحضرية ، وفقط في جزء من المناطق الريفية يمكن تداول الأرض (تحويلها) وتداول الأرض … منخفض جدا. في الواقع لا يوجد سوق للأراضي الريفية.
بالنسبة الى لوائح الأنظمة والقوانين الحالية في الصين ، لا يُسمح لسكان الحضر والريف بالمشاركة في تجارة الأراضي ، وفي هذا الحال من الصعب جدًا نقل الأرض أو تداولها بين الأفراد.
كما لا يزال السوق المالي وسوق رأس المال في الصين قيد الإصلاح والبناء ، كما تم تحرير معدلات الإيداع والإقراض في السوق المالية مع درجة منخفضة من تسويق أسعار الفائدة. تختلف الصعوبات التي تواجه المؤسسات ذات الملكية المختلفة في الحصول على قروض بنكية ، كما أن ظاهرة تقنين الائتمان شائعة. فمن ناحية ، يتم التلاعب بسوق رأس المال من قبل عدد صغير من كبار الرأسماليين. من ناحية أخرى ، يتعايش التدخل الحكومي غير اللائق مع التنظيم الناقص.”
يمكن الاستفادة من عدم تمليك الأرض فرديا، بعد، في الدفاع عن عدم رسملة الصين تماما، وتوقفها، حتى الآن مثلاً، في موقع الملكية الخاصة للسيولة المالية والمنشآت الصناعية دون وصول ذلك للأرض.
فمن اللافت هنا ان تمليك الأرض ملكية خاصة لم يتم بعد. والسؤال هو: هل هذه سياسة تجريبية لما بعد الصناعة؟ أو لأن تجريد مئات ملايين الفلاحين من الأرض سوف يخلق مشكلة أو ثورة اجتماعية ويزيد على الأقل الفرز الطبقي؟ هذا مع أن النظام انتقل إلى مرحلة وسطى باتجاه الملكية الخاصة للأرض بعد ان ألغى الجَماعيات. هل الأمر بانتظار قدرة الصناعة على استخدام فائض قوة العمل من الريف بعد فقدان كثير منهم للأرض؟ أم هل السبب حذر قيادة الصين بعد أزمة جنوب شرق آىسيا وأزمة 2008 واضطرارها إلى اللجوء/الانسحاب ولو نسبيا إلى الداخل؟ قد تسمح لنا مختلف هذه المعطيات بالقول: أو الاستنتاج بأن النظام يقوم ب سياسات تجريبية، فما يحصل حتى اليوم هو اعتماد حذر على التجربة والخطأ، ولكن هذا لا يمنع من رؤية أن التحول إلى الراسمالية هو سيد الموقف.
“…. الموارد الطبيعية في الصين ، بما في ذلك الرواسب المعدنية والأنهار والبحيرات والغابات والجبال والأراضي العشبية والأراضي القاحلة ومسطحات المد والجزر وما إلى ذلك ، كلها مملوكة للدولة. واستخدام هذه الموارد الطبيعية يخضع للتفويض الوطني ويتم تسعيره من قبل الدولة. نتيجة لذلك ، أسعار الطاقة الكهربائية والفحم والنفط والغاز الطبيعي والموارد الأخرى عادة ما تكون المنتجات في الصين مرتفعة للغاية ومشوهة ، مما يؤدي إلى نقد ذلك من قبل الدوائر الأكاديمية والجمهور. تعترف الحكومة نظريًا فقط أن القوة العاملة لها سمة السلع ، لكنها لا تعترف بأنها سلعة ؛ وان سعر قوة العمل في الصين (الراتب) يقوده أو يقرره المشتري وليس من خلال التفاوض بين المورد والمشتري”
ليس من الواضح بعد أن هذا الاختلاط الهائل بين الدولاني والخاص هو بناء على فرز علمي مخطط ومنضبط وبهدف الاستمرار أم هو ضمن التجربة والخطأ. ومع ذلك فمحاولات التميز عن الراسمالية الغربية ليست ناجحة كما يبدو. فالقول ان قوة العمل لها سمة السلعة وليست سلعة او لا يُعترف بانها سلعة هو حديث عائم أو مموه وخاصة إذا كان تحديد الراتب بيد المشتري هو حديث في القانون وليس في الواقع الميداني والعملي. وقد يكون الأمر أقل امتهانا اذا كان المقصود بالمشتري هو الدولة وليس الرأسمالي الخاص سواء المحلي أو الأجنبي.
“… من الشائع جدًا للمضاربة المفرطة ، والتداول من الداخل ، والمنافسة غير المتكافئة ، وشفافية المعلومات ، وتأخر نشر المعلومات في السوق المالية وسوق رأس المال.
إن المنافسة في السوق في الاقتصاد الصيني ليست كافية حيث تتمتع بعض الصناعات أو الأسواق بمستوى عالٍ من الاحتكار أو الاحتكار الكامل.
منذ الإصلاح والانفتاح ، تم فتح سوق السلع الاستهلاكية وسوق عامل الإنتاج في الصين تدريجياً للشركات ذات التمويل الأجنبي والشركات غير المملوكة للدولة داخل الأراضي الصينية. أدى تنوع اللاعبين الرئيسيين في السوق إلى تحسين درجة المنافسة في السوق بشكل كبير. حاليًا ، المنافسة في الغالبية العظمى من سوق السلع الاستهلاكية في الصين كافية. في الوقت نفسه ، لا تزال بعض الأسواق في الصين محتكرة بشكل كبير ويمنع البعض دخول منافسين محتملين. بالإضافة إلى صناعات الاحتكار الطبيعي مثل مياه الصنبور والغاز الطبيعي، ولا تزال بعض الصناعات تحت سيطرة الدولة التي تحتكرها الشركات المملوكة للدولة. على سبيل المثال ، هناك صناعات الأسلحة والذخيرة والنفط والتبغ والطاقة الكهربائية والاتصالات والطيران المدني والسكك الحديدية.
في الوقت الحاضر ، تهيمن البنوك التجارية المملوكة للدولة وشركات التأمين المملوكة للدولة وشركاتها القابضة على السوق المالية وسوق التأمين في الصين.
لا تزال الصناعات الخدمية المهمة في الصين ، مثل الطب والتعليم والثقافة والنشر والصحف والإذاعة والسينما والتلفزيون ، تخضع إلى حد كبير للاحتكار الإداري للحكومة”.
يسود الحنين إلى المنافسة بين اقتصاديي اللبرالية إثر الهيمنة الطاغية للبرالية الجديدة حيث وصلت الراسمالية في المركز درجة الاحتكار المعمم. وإذا كان مآل المنافسة هو الوصول إلى الاحتكار، وهو ما أكدته الأحداث ويسود اليوم، فهل يمكننا القول بأن عربة الراسمالية الصينية هي في الطريق إلى هناك. قد يصح القول بأن الصين انتقلت من الاقتصاد الاشتراكي إلى راسمالية الدولة. ولكن هذا الخطاب يؤشر إلى رغبة ما في التخلي عن رأسمالية الدولة كي لا تصبح احتكارية لأن هذا النظام ، اي رأسمالية الدولة الاحتكارية هو أقرب إلى الاشتراكية!!!
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، هل الحزب الحاكم والذي اصبح طابعه طبقيا يمكن ان يتخلى عن إمساكه بقطاع الدولة؟ وهل يمكن احتجاز تطور الرأسمالية في الصين ووصولها مآل الرأسمالية في الغرب؟ أي هل للرأسمالية طبيعتين؟
“… لا يتمتع سوق العمل ، وخاصة سوق المواهب ، بتدفق حر للغاية. لا يزال هناك العديد من الحواجز المؤسسية والبشرية أمام تدفق العمالة والمواهب. في منتصف التسعينيات ، حررت الصين القيود على تدفق العمالة الريفية إلى المدن وجلبت كمية هائلة من “الأرباح الديموغرافية” نموًا اقتصاديًا عالي السرعة للاقتصاد الصيني. . ومع ذلك ، لا يزال هناك جمود كبير في سوق العمل في الصين ، ولا يكفي التدفق الحر:
كما يخضع تدفق العمالة الريفية إلى المدن للقيود مثل السكن وتعليم أبنائهم والضمان الاجتماعي والعوامل الطبية والعوامل الأخرى والفصل الحضري والريفي الناجم عن ذلك. لقد بدأ للتو نظام تسجيل الأسرة في الانهيار. بسبب الفجوة الكبيرة في المناطق الحضرية والريفية ، العمالة الحضرية والريفية الحالية”
يقوم السؤال هنا على أسباب السماح بالتدفق العمالي من الريف للمدينة؟ هل هو تدفق عفوي هل دافعه العَوْز، أم الترف؟ أم حاجة المدينة لقوة عمل رخيصة للعمل في الشركات الأجنبية والمحلية هناك؟
هل هذا الفائض هو فائض طبيعي أم هو نتيجة تفكيك الجَماعيات واتباع النظام الجديد الأقرب للملكية الخاصة؟ أي احتلال الأرض بدل “الأرض لمن يفلحها”. وهل نتج عن التفكيك فائض قوة عمل لا بد من استيعابه في المدينة؟ وخاصة إذا لم تتكون حالة نقابية في الريف بمواجهة التفكيك ما يضع الشباب كل في حالة فردانية.
والسؤال الآخر أو سؤال آخر: أليس الطبيعي في بلد فيه تخطيط مركزي أو على الأقل ثقافة التخطيط أن يكون تدفق فائض عمالة الريف إلى المدينة مضبوطا بحيث يجدون حياة مقبولة بدل الهروب من عذاب لآخر؟ لكن الجواب على هذا السؤال هو في ما قرأناه أعلاه من خطاب التخلص من التخطيط!
هل الاشتراكية على الطريقة الصينية هي خلق مناخ المشكلة ثم معالجتها؟ يتضح أن هدف النمو الاقتصادي هو الهدف الأساس وبعد ذلك يمكن الحديث عن مشاكل السكن والأجور وتعليم أولاد الفلاحين المبرتلين!. طبعاً تحدث ناقدوا ومهاجِموا النظام الصيني عن أوضاع العمالة المهاجرة (أنظر لاحقاً).
“…التدفق في الصين لا يزال في اتجاه واحد. يتدفق عدد كبير من القوى العاملة الريفية إلى المدن ، ولكن نادراً ما تتدفق القوى العاملة في المناطق الحضرية ، وخاصة العاملين العلميين والتكنولوجيين ، إلى المناطق الريفية. كما أن تدفق المواهب بين المؤسسات والمناطق المختلفة يعوقه تسجيل الأسر المحلية.”
هذا التدفق مضاد لما كانت تطبقه الماوية بدفع الشباب من المدينة إلى الريف، اي سياسة الريفنة التي كانت تمتص العاطلين عن العمل للعمل في الزراعة. ولو قرأنا هذه السياسة على ضوء أزمة الغذاء العالمية اليوم لربما جاز لنا الاستنتاج بأن تلك السياسة بقيت قائمة على أهمية الأمن الغذائي وخاصة لبلد بحجم الصين.
تكاد توحي فقرة “التدفق” بالالتباس! فإذا كان قد تم تفكيك الجماعيات التي بحجمها تحتاج للعاملين التكنولوجيين بينما الحيازات الصغيرة لا يمكنها ذلك. فما هي إذن حوافز الانتقال المعاكس من المدينة إلى الريف؟ وطالما الصناعة في المدينة فليس هناك ما يجذب الفنيين والتكنولوجيا إلى الريف. وإذا كانتا ثورتي ما بعد ماو قد ركزتا على الصناعة وجذب راس المال الأجنبي للاستثمار فذلك طبعا ألى المدن، فهذا يعني تجاوز سياسة الريفنة الماوية.
“… رابعًا ، هناك الكثير من الموارد والسلطات الخاضعة لسيطرة الحكومة. غالبًا ما توجد ظاهرة التدخل الحكومي المفرط وسوء السلوك”
هذا بالطبع خطاب التحول عن القطاع العام أو الدولاني. وغالبا ما تتم معالجة هذا الأمر عبر التوجه للخصخصة بدل التركيز على الضبط والمراقبة ومحاربة الفساد وتعميق ثقافة الاشتراكية. ولو دفعنا هذا النص إلى الأمام أو منتهاه فهو متقاطع مع خطاب اللبراليين الغربيين في إدانة الصين الحالية فما بالك الصين في الفترة الماوية!
“… إنشاء وبناء المشاريع وتسويق المنتجات الجديدة لا تزال بحاجة إلى موافقة والحصول على الختم من العديد من الدوائر الحكومية. بعض الموافقات المذكورة أعلاه ضرورية ، لأن بعض المشاريع والإنتاج يشمل الأمن القومي والأمن الاقتصادي ، فضلاً عن المعايير البيئية والصحية. ومع ذلك ، فإن بعضها لا يفضي بالفعل إلى تنمية اقتصاد السوق ويحتاج إلى التخلص التدريجي والإفراج عنه. على سبيل المثال ، طورت إحدى الشركات في بكين نوعًا من مواد العزل الصديقة للبيئة قبل بضع سنوات وكان سعر المنتج مساويًا لتلك المنتجات المماثلة. لكن مادة العزل الجديدة الخاصة بها لم تتمكن من فتح السوق لأن الإدارة الحكومية ذات الصلة لم توافق على إدخال هذه المواد إلى دليل المشتريات الحكومية.”
يمكن فهم هذا كحالة نموذجية على بطء البيروقراطية، لكن السؤال المهم هنا: هل الإشكالية في الاشتراكية أم في الخلل البيروقراطي؟ وهل المعالجة هي في مغادرة الاشتراكية أم مغادرة البقرطة؟ فكثيرا ما يتم التذرع بتحجر البيروقراطية للخروج على الاشتراكية.
“… تظهر بعض نتائج الأبحاث التجريبية في الدائرة الاقتصادية الصينية أيضًا أن نظام اقتصاد السوق في الصين لا يزال قيد الإنشاء وأن مستوى تسويقه بحاجة إلى مزيد من التحسين. وفقًا لتقرير عام 2005 حول تنمية اقتصاد السوق الصيني التي قدمها معهد الاقتصاد وإدارة الموارد بجامعة بكين للمعلمين ، كانت درجة تسويق اقتصاد الصين في عام 2003 هي 73.8٪. وفقًا لنتيجة البحث الذي أجراه تشين داندان ورين باوبينج ، بلغ مؤشر التسويق للاقتصاد الصيني في عام 2006 نسبة 78.2٪. كان المستوى الحرج لاقتصاد السوق الذي حدده هذين البحثين 60٪. … على عكس اقتصاد السوق الأوروبي الذي يمثله اقتصاد المملكة المتحدة ، يتميز اقتصاد السوق الصيني بالعديد من خصائصه الخاصة. من بينها ، هناك نوعان من السمات المميزة والأكثر أهمية ، بما في ذلك أصل النظام المختلف وأساس النظام المختلف. أولاً ، أصل نظامه مختلف. لم ينشأ اقتصاد السوق الأوروبي الذي يمثله اقتصاد المملكة المتحدة ، واقتصاد السوق الصيني من الاقتصاد الإقطاعي ، بل من الاقتصاد المخطط.
.. استند إنشاء نظام اقتصاد السوق البريطاني من النصف الثاني من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر على أساس الثورة البورجوازية في أربعينيات القرن السادس عشر وانقلاب الحكم المطلق للحكام الإقطاعيين. لقد كانت عملية تدمير مستمر للنظام الاقتصادي الإقطاعي والهيكل الاقتصادي واستمرار إنشاء الملكية الخاصة لرأس المال ونظام السوق الحرة. كان من المفترض أن يحل إنشاء نظام اقتصاد السوق هذا محل جميع الامتيازات في المجتمع الإقطاعي بحرية رأس المال والانضباط الذاتي وحرية التعاقد وتقييده ، بالإضافة إلى استبدال التدخل الحكومي والسياسة التجارية بالمنافسة الحرة والتجارة الحرة. منذ إنشائه رسمياً ، تبنى نظام اقتصاد السوق هذا أيديولوجية عدم التدخل وكان له خصائص استخدام آلية السوق لتقرير تخصيص الموارد والسماح للحكومة بدور “الحارس الليلي”. على الرغم من أن اقتصاد السوق الرأسمالي تحول من حرية المنافسة إلى الاحتكار في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، وساد تدخل الحكومة بعد الثورة الكينزية ، وكان السوق لا يزال الآلية الرئيسية لتخصيص الموارد وتعديل العملية الاقتصادية. ص 67″
من غير الواضح هنا ما الفارق في المآل رغم اختلاف البدايات بين كون النظام الصيني الحالي آت من ماض مخطط وكون البريطاني آتٍ من “تدمير النظام الإقطاعي” ذلك لأن النتيجة تحول راسمالي في الحالتين. بالمقابل، لا ترى الماركسية أن التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الرأسمالية دمرت ، بمعنى التدمير وخاصة في بريطانيا التشكيلة الإقطاعية بل حلت محلها تدريجيا دون قطع حاد وبديناميكية برلتة قوة العمل الفلاحية علاوة على أن الانتقال أخذ شكل تمفصل أنماط الإنتاج. كما حافظ النظام الجديد على السوق وعلى الملكية الخاصة وأعطاهما بعدا وأفقا أرحب مع تأجيج جوهر الاستغلال.
صحيح ان دور الحكومة قد تقلص في الرأسمالية في حينه، أما التجارة الحرة فقد ثبت على صعيد عالمي أنها كانت مجرد شعار أو غطاء وحتى اليوم، فالراسمالية تثرثر عن حرية التجارة بينما تمارس الحمائية. أي ان الراسمالية مارست المنافسة على الصعيدين:
فعلى الصعيد المحلي فُتح باب المنافسة ليبتلع الكبير الصغير في النهاية وصولا إلى الاحتكار المعمم كما شرح سمير أمين
وعلى الصعيد الدولي فكانت منافسة دولية ناهيك عن الاستعمار واحتجاز تطور المحيط.
واليوم، فإن المنافح عن حرية التجارة هي الصين في مواجهة تبني الإدارة الأمريكية سياسة حمائية سواء إدارة ترامب أو بايدن!
“… بدأ بناء نظام اقتصاد السوق في الصين في الإصلاح والانفتاح في عام 1978. كانت عملية إصلاح وتحويل مستمرة لطريقة تخصيص الموارد. بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949 تبنت النظام شديد المركزية للاقتصاد المخطط وانتقلت إلى النظام المخطط لاقتصاد السلع الأساسية في الثمانينيات ثم إلى نظام اقتصاد السوق الاشتراكي منذ منتصف التسعينات. إنها عملية تحويل طريقة تخصيص الموارد في إطار هيكل النظام الاشتراكي ، وبالتالي ، فإن عملية بناء اقتصاد السوق في الصين هي عملية تغيير وانتقال مستقل ، ولكنها ليست عملية ثورية لنظام واحد يطيح بنظام آخر.”
صحيح أن الإطاحة تأخذ شكلا عنفياً، ولكن عنف التحويل الاقتصادي الإجتماعي، إن لم يكن جسديا، وربما لغياب مقاومة حقيقية للتحويل كونه من أعلى، اي هو تحويل وليس تحولاً، فهو عنيف ايضا، وهذا ما اتضح في تصفية التعاونيات/الجَماعيات وتحويل مئات ملايين الفلاحين إلى العمل المأجور في المدن. وكما اشرنا أعلاه، فإن العبرة ايضا في النتيجة اي التحول إلى الراسمالية ولم يتضح بعد وصولاً إلى اين! يجد القارىء، لاحقاً وخاصة في منشورات مجلة مونثلي ريفيو ، آراء توضح أن التحويل لم تتم مواجهته عنفياً بسبب ضعف البناء النقابي للفلاحين ولاحقاً للعمال.
“… من منظور طريقة تخصيص الموارد أو آلية التخصيص ، فإن عملية بناء اقتصاد السوق الرأسمالي التي تمثلها المملكة المتحدة هي عملية تراجع تنظيم السوق وزيادة تدخل الحكومة (الدولة الإقطاعية). في عملية نمو اقتصاد السوق ، تعمل قوة رأس المال باستمرار على إزالة جميع العقبات التي تعيق تنميته الحرة. لكن عملية بناء الصين لاقتصاد السوق الاشتراكي هي عملية تدخّل حكومي تراجع التخطيط الاقتصادي وتنامي تضبيط السوق. من خلال الإصلاح المستمر للنظام الاقتصادي ، استمرتقليص تدخل الدولة وسيطرتها على الموارد والأنشطة الاقتصادية وذلك لإفساح المجال أكثر فأكثر للسماح للسوق بتخصيص الموارد وتعديل الأنشطة الاقتصادية.
“… ثانياً ، يختلف اساس النظام. حتى الآن ، وحده اقتصاد السوق في الصين بُني على أساس النظام الاشتراكي، بينما مختلف أنماط اقتصاد السوق الأخرى كلها مبنية على أساس نظام رأس المال. على الرغم من ان النظام الاقتصادي الراسمالي والنظام الاشتراكي في العالم اليوم كليهما نظم مزيج عام-خاص وبان نظاما راسماليا نقيا او اشتراكيا نقيا لم يعد ايا منهما موجودا، بل ذلك نادرا فالنظام الاقتصادي الاجتماعي في الصين حاليا تقوده الملكية الاشتراكية العامة والنظام الاقتصادي الاجتماعي في البلدان الغربية تقوده الملكية الخاصة”
هناك معنىً ما لهذا الطرح، لكنه أيضاً تبسيطي بمعنى: هل هذا مآل نهائي؟ واي النظامين مرشح، أو فيه نوايا أو قرار اللحاق بالآخر؟ وحتى في غياب القرار فإننا لا نعتقد أن هذه نهاية مسار اي من النظامين وذلك على أساس التحول كقانون تاريخيي للمجتمع البشري.
“… يعتقد بعض العلماء أن النظرية الاقتصادية الكينزية هي إطار عمل تحليلي خاطئ وأن نظرية وسياسة “العربات الثلاث” هي “حيل مضللة”. يدعو بعض العلماء الآخرين إلى “التخلي عن كينز والعودة إلى هايك. ” … في رأيي ، الآراء المذكورة أعلاه أحادية الجانب وقد ارتكبت خطأ “إما هذا أو ذاك”. إنه اقتراح خاطئ لمناقشة “ما إذا كان الطلب (الإجمالي) أكثر أهمية أو (العرض الكلي) أكثر أهمية”. وفقًا للتحليل في بداية هذا الكتاب ، يتم تحديد إجمالي الناتج وكمية العمالة ومستوى السعر العام ومتغيرات الاقتصاد الكلي الأخرى للاقتصاد في عملية الطلب الكلي والعرض الكلي المترابطين والمتفاعلين لتحقيق حالة التوازن. لا يمكن للقوة على جانب إجمالي الطلب ولا القوة على جانب العرض الكلي أن تحدد التوازن أو الإنتاج الفعلي والعمالة والسعر فقط. سيتم تسويق الناتج فقط مع طلب السوق ؛ وسيتحقق الطلب فقط من خلال إنجازات الإنتاج. إنه مبدأ اقتصادي بسيط.”
صحيح ان العرض الكلي والطلب الكلي مترابطان، وصحيح أن الانحياز ل ساي في كون العرض يخلق طلبه أو كينز الطلب يخلق عرضه، ولكن النظريتين واجهتا معاناة على الصعيد الاجتماعي العملي. كان كينز عملياً أكثر لأنه أسس لتدخل ما للدولة مقابل ترك السوق لآلية عمياء، اي أسس كينز لخلق الطلب والذي بدوره يحفز العرض، وإن كان لا يحل المشكلة دوما، وهذا ما أدى إلى تبني الخصخصة واللبرالية الجديدة ولرواج النقودية. أما النتائج فما رأيناه 2008 واليوم مع وباء كورونا.
“… وأشار ماركس إلى أن الإنتاج يعمل كعامل استهلاك. يخلق المواد للاستهلاك. بدون إنتاج ، لن يكون هناك كائن استهلاكي “.” تصبح المنتجات منتجات واقعية فقط في الاستهلاك “. “الاستهلاك يخلق حاجة الإنتاج الجديدة ، والتي هي أيضًا الدافع الذاتي المثالي للإنتاج. والحافز الأخير هو الشرط الأساسي للإنتاج.”
“… يؤكد قانون Say’s على العرض ويعتقد أن العرض يحدد الطلب ؛ بينما يؤكد قانون كينز على الطلب ويعتقد أن الطلب يحدد العرض. يبدو أن هذين القانونين متعارضان تمامًا وغير متوافقين. ومع ذلك ، فإن كلاً من قانون ساي وقانون كينز تم تأسيسهما في ظل ظروف معينة. من منظور الإطار التحليلي للعرض الكلي للطلب الكلي ، فإن كل من قانون ساي وقانون كينز صحيحان في بعض الجوانب ومن جانب واحد في جوانب أخرى.
تتضمن الشروط المسبقة التي يتضمنها قانون Say’s ما يلي: 1. تتسم آلية سعر السوق بالمرونة الكاملة ويمكن أن يضمن تعديلها التلقائي إمكانية تصفية جميع أنواع الأسواق في الوقت المناسب. 2. يمكن أن يضمن التعديل التلقائي لسعر الفائدة إمكانية تحويل جزء الدخل الحالي غير المستخدم للاستهلاك (المدخرات) إلى استثمار. وهذا يعتمد على فرضية افتراضية مفادها أن الفائدة هي مكافأة المدخرات وتكلفة الاستثمار ومعدل الفائدة مرن تمامًا. 3. المال محايد وهو فقط وسيلة التجارة.
يؤثر التغيير في مبلغ المال فقط على المتغير الاسمي بدلاً من المتغير الفعلي في الاقتصاد. 4. يمكن أن يضمن نظام التوزيع في المجتمع الاقتصادي تحويل إجمالي الناتج وإجمالي الدخل المقابل إلى نفس المقدار من الطلب الفعال.
إعتقد قانون ساي أن العرض هو أمر حاسم وأساسي في العلاقة بين العرض والطلب والعرض يخلق الطلب. إذا تم وضع عامل النظام جانبًا ، فإن هذا التفكير يكون صحيحًا على المدى الطويل ، لأن العرض الكلي هو عامل حاسم رئيسي لنمو الناتج الإجمالي (النمو الاقتصادي) على المدى الطويل. بشكل عام ، من منظور الاقتصاد الكلي ، فإن الموارد والتقنيات المتاحة على المدى الطويل ثابتة ، وبالتالي فإن الناتج الإجمالي المحتمل ثابت (منحنى إجمالي العرض طويل الأجل عمودي). ومع ذلك ، يمكن تعديل السعر والراتب بحرية وبشكل كامل. نتيجة لذلك ، يمكن أن يتطابق الطلب الفعال مع قدرة العرض الكلي ويمكن إنتاج إجمالي الناتج المحتمل بشرط التوظيف الكامل. على المدى الطويل ، لا يؤدي العرض إلى إنشاء موضوع الطلب (الاستهلاك) فحسب ، بل يخلق أيضًا دخلاً ، وهو دائمًا ما يتم استخدام القدرة على دفع الدخل الذي لا ينفقه الناس في الفترة الحالية للاستهلاك المستقبلي.”
ينطبق هذا الشرط الماركسي على اقتصاد البلد الواحد كما ينطبق على السوق العالمية. لذا، تتجه الصين مؤخرا نحو توسيع القدرة الاستهلاكية للاقتصاد الصيني بعد أن ضاقت فرص التسويق على صعيد عالمي بعد ازمتي 2008 ووباء كوفيد 19. بل تستفيد من توقف عجلة الإنتاج في كثير من بلدان العالم كي تعود بالعجلة لما قبل 2008، ولكن، هل عولمة الاقتصاد الصيني هي الشرط الأساسي الإنساني المناسب؟ فليس المهم معرفة او وجود شرطا أساسيا للإنتاج بل الشرط الإنساني له.
يتسم هذا العرض لنظريتي ساي وكينز بتفكير راسمالي تماما، فهل هذه خصائص الاشتراكية على الطريقة الصينية؟
صحيح أن كلتا النظريتين أتت في مرحلة معينة من تطور الراسمالية. ولكن المهم في نظرنا أنهما اي المفكرين هم من أعمدة الفكر الاقتصادي البرجوازي الذي يأخذ بالاعتبار العوامل الاقتصادية بعيدا عن مفاعيلها الاجتماعية، أخذ الإنتاج بعيدا عن صحة ورفاه المُنتِج. لذا يكون الحديث عن العرض والطلب عن الإنتاج والاستهلاك وتقاطع هذا مع ذاك كما لو كان الأمر رياضيا بحتاً. فحينما يقل الطلب فذلك يعني قلة الدخل والأجور اي عجز المستهلك عن كفاية حاجاته الأساسية وعجزه عن كلفة الطبابة وتعليم اولاده….الخ
كلتا النظريتين طبقيتين، بعكس ما يزعم البعض انهما تجريدات نظرية، ذلك لأنهما تقومان على قراءة والاعتماد في التحليل على الملكية الخاصة اي مصلحة الطبقة البرجوازية وعلى فاعلية الإنتاج منفصلة عن حقوق من يُنتج. ولذا تتحدثان عن العمل والإنتاج …الخ وما تهملانه هو اقتصاد وحياة الطبقات الاجتماعية الأخرى والتي هي الأكثرية الشعبية المتكاثرة بينما القلة البرجوازية متضائلة العدد متسعة الثروة!
من هنا، لافت بشكل سلبي حصر خطاب الكاتب في مستوى تحليل توافق وتناقض النظريتين بعيدا عن العامل الاجتماعي، وهو العامل الذي كان يحكم الاقتصاد الصيني في فترة الماوية.
“… ومع ذلك ، فإن قانون Say له جانب واحد. 1. على المدى الطويل ، يمكن تكييف قدرة العرض الكلي للاقتصاد مع إجمالي القوة الشرائية ، ولكنها قد لا تكون كذلك على المدى القصير ؛ يمكن أن يكون إجمالي الطلب على المدى القصير أقل من إجمالي العرض أو أكبر منه ، لذلك قد يواجه الاقتصاد مشكلة عدم كفاية العمالة على المدى القصير أو قد يكون الناتج الإجمالي الفعلي أقل من مستوى المعدل الطبيعي لإجمالي الناتج ، . 2. في اقتصاد لا تتوفر فيه قدرة إنتاج كافية أو طلب كبير أو في مرحلة مبكرة من التطور الاقتصادي ، فإن الزيادة في العرض أو التوسع في الإنتاج هي بلا شك الأهم وأهمية العرض أعلى من أهمية الطلب ؛ ومع ذلك ، في اقتصاد به فائض في الإنتاج وقدرة إنتاج زائدة أو في اقتصاد ذي قدرة إنتاج أو عرض عالية التطور ، قد لا يزيد إجمالي الطلب بالضرورة بشكل متناسب مع زيادة العرض الكلي. 3. إذا كان نظام التوزيع وامتلاك الثروة في مجتمع اقتصادي غير منطقيين وكانت الفجوة بين الأغنياء والفقراء كبيرة جدًا ، فلا يمكن تحويل إجمالي الناتج وإجمالي الدخل المقابل إلى نفس مقدار طلب التأثير. نتيجة لذلك ، لا يمكن تحقيق التوازن بين إجمالي الطلب وإجمالي العرض.”
“… شمل الشروط الأساسية التي ينطوي عليها قانون كينز ما يلي:
قدرة الإنتاج الاقتصادي متطورة للغاية، آلية سعر معدل الأجور النقدية ، وأسعار السلع ومعدل الفائدة ثابتة أو جامدة ، العملة غير محايدة، الميل الهامشي للاستهلاك (MPC) يقع بين 0 و 1 ويظهر اتجاها للانخفاض، تتقلب الكفاءة الهامشية لرأس المال (هامش الربح المتوقع للاستثمار) على المدى القصير وتنخفض على المدى الطويل، هناك ظاهرة توزيع الدخل والثروة غير العادل في المجتمع الاقتصادي.
عندما يتم استيفاء هذه الشروط ، يصبح الطلب الفعال هو المحدد الأساسي للعمالة قصيرة الأجل والإنتاج الإجمالي.
إن لقانون كينز محدوديته. 1. عندما تكون قدرة العرض الإجمالية للاقتصاد مؤكدًة، فإن حجم ونمو الطلب الفعال يحددان درجة تحقيق قدرة العرض الإجمالية ، ولكن الطلب لا يمكنه تحديد قدرة العرض ونموه. 2. لا يعني التوازن الكمي لإجمالي الطلب وإجمالي العرض أن الاثنين متطابقان أيضًا في الهيكل. قد يظهر الاقتصاد فائض العرض لبعض المنتجات ونقص المعروض من المنتجات الأخرى في فترة معينة. 3. على المدى الطويل ، يلعب الإنتاج (العرض) دورًا حاسمًا. بدون الإنتاج ، لن يكون هناك هدف للتوزيع والتبادل والاستهلاك. يقرر إنتاج معين استهلاكًا معينًا وتوزيعًا وتبادلًا وعلاقة معينة بين هذه العناصر المختلفة “.
“… من وجهة نظر تحليلية ، فإن قانون Say هو نتيجة تم الحصول عليها من منظور التحليل على المدى الطويل أو طويل المدى للغاية ، في حين أن قانون Keynes هو حكم مستمد من منظور التحليل على المدى القصير. على المدى الطويل أو المدى الطويل جدًا ، يلعب العرض دورًا حاسمًا في إجمالي الإنتاج الفعلي. لذلك ، لن تكون هناك مشكلة في “اختيار واحد من اثنين” فيما إذا كان قانون Say صحيحًا أم أن قانون Keynes صحيحا.
” … من منظور تاريخ التنمية الاقتصادية ، اعتقد علم الاقتصاد السائد أن العرض كان مهمًا في فترة المدرسة الكلاسيكية ، واعتقد أن الطلب كان مهمًا عندما سادت الكينزية ثم اعتقدت أن الطلب مهم مرة أخرى عندما سادت مدرسة العرض. ويبدو أن الاقتصاديين ليسوا”مخلصين” لا للعرض ولا للطلب. من خلال مزيد من الدراسة ، ليس من الصعب العثور على عدم ولائهم لا للعرض ولا للطلب بناءً على مرحلة التنمية الاقتصادية التي هم فيها والبيئة الاقتصادية الحالية. تتغير وجهة نظرهم بسبب التغيير في الوضع ، مما يعني تغيير الظروف الاقتصادية. نظرًا لأن كلاً من قانون ساي وقانون كينز قد تم تأسيسهما في ظل ظروف معينة ، فإن النظرية الأصلية القابلة للتطبيق لا تنطبق عندما تتغير الظروف الاقتصادية وتكون هناك حاجة إلى نظرية جديدة.
نشأ الاقتصاد الكلاسيكي في فترات صعود اقتصاد السوق الرأسمالي ، وتأسيس الرأسمالية ، والانتقال من الحرف اليدوية الورشة إلى صناعة الآلات. في هذه الفترة الانتقالية الكبيرة وعصر التغيير الكبير ، كان تطوير رأس المال واقتصاد السلع ضروريًا بشكل موضوعي: 1. للتخلص من الاستبداد الإقطاعي وقيود السياسات التجارية على تطوير اقتصاد السوق الناشئ ، وعرقلة دعوة المذهب التجاري نظريا. 2. لتطوير الإنتاجية بقوة لتعزيز زيادة العرض ، وذلك لإرساء الأساس المادي للنظام الرأسمالي. في مثل هذا السياق ، كان الاقتصاديون الكلاسيكيون يعترفون عمومًا بخلق العمل للثروة ، وطرح ويليام بيتي ، مؤسس الاقتصاد السياسي الكلاسيكي ، الشعار المعروف جيدًا “العمل هو أبو الثروة والأرض هي أم الثروة …
أما آدم سميث ، مؤسس نظام الاقتصاد السياسي الكلاسيكي ، فكان مكرسًا جهده أيضًا لاستكشاف مصدر الثروة الوطنية للبلد وسبب نمو الثروة. كان يعتقد أن العمل هو مصدر الثروة الوطنية وأن نمو الثروة الوطنية يعتمد على سرعة تطور تقسيم العمل ومقدار تراكم رأس المال. في رأيه ، هناك طريقتان لزيادة الثروة الوطنية ، وهما تعزيز إنتاجية العمل وزيادة العمالة المفيدة ؛ في حين أنه في تطوير تقسيم العمل ، فإن استخدام الآلة وتحسين تكوين العمل من شأنه تعزيز إنتاجية العمل وزيادة تراكم رأس المال من شأنه أن يزيد عدد العمال المستفيدين المعينين بذلك. عندما طرح ساي اقتراح “سيخلق الناتج الإجمالي بالتأكيد نفس المقدار من إجمالي الطلب” في بداية القرن التاسع عشر ، وصل فكر المدرسة الكلاسيكية في تقييم العرض إلى ذروته… على عكس الاقتصاد الكلاسيكي في فترة المراهقة من اقتصاد السوق الرأسمالي ، كان كينز في فترة منتصف العمر لاقتصاد السوق الرأسمالي. على أساس الثورة الصناعية ، تأسس النظام الرأسمالي أخيرًا وتطور اقتصاد السوق بسرعة”.
هذه الفقرات المطولة، قصدت إيرادها بشكلها الُمملْ، هي اختصار لنص أطول منها، وهي مجرد شرح مدرسي للنظريتين، بل أكثر في الاقتصاد الراسمالي الكلاسيكي. أوردتهما كي أبيِّن أن الكاتب يحيد كثيراً عن المسألة الأساسية وهي أن يخبرنا ما هو جوهر ومآل اقتصاد الصين بعد الماوية، وتحديداً فالكاتب يتناول المعايير النظرية البحتة للعرض والطلب دون أن يتطرق لنتائج ذلك واقعياً وميدانيا في المجتمع، اي توسع الاستغلال، ودرجة الاستغلال الواقع على المنتجين، تحصيل القيمة الزائدة، وتوزيعها على راس المال المحلي والأجنبي. واذا كان التحليل النظري المجرد صحيحا، والمقارنة بين ساي وكينز، فإن هذا يظل بعيداً عن التغيرات في الوضع الطبقي في الصين، وهي الأمور التي سنرى كيف ركز عليها الكثير ممن نقدوا التجربة الصينية الجارية.
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.