دأبت الحركات السياسية المتطرفة على استغلال وتحريف النظريات العلمية والاقتصادية والاجتماعية بما يتماشى مع مصالحها واهدافها، من خلال خلق تبريرات ومسوغات تمنحها مشروعية ممارساتها لاعمال غير قانونية و غير اخلاقية وغير انسانية.
ربما يكون اصطلاح المالتوفاشية جديد من حيث التسمية، غير انه من حيث مضمون الأفكار موجود، وان كان بشكل منفصل، كما انه لم تكن تلك الأفكار مبلورة وممتزجة لتشكل ظاهرة سياسية اجتماعية وايدلوجية جديدة متكاملة، كما هو الحال عليه اليوم ، فهو مشتق من ايدلوجيتين موجودتين اصلا ومعروفتين، هما المالتوسية و الفاشية.
النظرية الاولى وضعها الباحث الأقتصادي و رجل الدين البريطاني توماس روبرت مالتوس، والتي تتبنى قناعات بأن النمو الغذائي يزداد بموجب متوالية حسابية ( 2،4،6،8،10،12) ، بينما النمو السكاني يزيد حسب متوالية هندسية ( 2،4،8،16،32،64)، مما يخلق حالة من عدم التوازن بين عدد سكان الكرة الأرضية و الكم المنتج من المواد الغذائية ، وبذلك تكون هناك حاجة للتدخل من اجل اعادة هذا التوازن ، و بناء عليه يرى اتباع المالتوسية والمالتوسية الجديدة، بأن الأمراض و الحروب هي أمر مطلوب و حاجة ملحة ضرورية وظاهرة صحية، من اجل اعادة التوازن بين اعداد البشر وناتجهم من الموارد الغذائية ، وقد ذهب فريق منهم الى حد المطالبة بعدم تقديم المساعدة و العون للفقراء وتركهم لما هم فيه من مرض و جوع، كونهم هم المسؤلون انفسهم عن فقرهم ومعاناتهم، و بأن ذلك هو امر طبيعي و ضروري من اجل تقليص اعدادهم والحد من تكاثرهم.
اما الشق الثاني من الأصطلاح، فهو ماخوذ من الايدلوجية الفاشية المعروفة ، بكل ماتحمله هذه من عصبية قومية وعنصرية عرقية وكراهية للأجانب ورهاب المهاجرين و التوجه للعسكرة و التسلح والتموضع ضد كل ماهو اشتراكي.
الخطير في الامر هو ما يحدث حاليا من تزاوج و تمازج بين الأيدلوجية المالتوسية والأيدلوجية الفاشية ، لتنتج فكر شيطاني مدمر، فكر غير معهود في تاريخ البشرية من حيث خططه وادواته و طرق تنفيذه، والمتمثلة في مخططات لعمليات ابادة بشرية جماعية ، من خلال استخدام واسع لاسلحة جرثومية فتاكة وفيروسات مهجنة جينيا و مصنعة في مختبرات تعد و تمول من اصحاب هذا التوجه الأجرامي وعلى نطاق واسع و غير مسبوق أو معهود، ومن هنا جاءت تسمية المالتو-فاشية الجديدة.
لتفسير ما تقدم يتوجب التوقف عند ما تم الكشف عنه اثناء العملية العسكرية الروسية مؤخرا في اوكرانيا، حيث صرحت مصادر روسية رسمية عن امتلاكها لأدلة دامغة بوجود العديد من مراكز الأبحاث البيولوجية على اراضي جمهورية اوكرانيا ، ممولة و مدعومة من قبل البنتاغون الأمريكي، و التي تقوم بنشاطات و ابحاث مشبوهة لانتاج اسلحة دمار شامل ذات طبيعة بيولوجية، تعمل و تركز على ايجاد و تطوير اسلحة جرثومية تصيب اقوام بعينهم، بناء على دراسات و معطيات جينية خاصة بهم . الأمر الذي يعيدنا مجددا الى جائحة كورونا و نظرية المؤامرة و قبل ذلك الى وباء انفلونزا الطيور و انفلونزا الخنازير، وسابقا مرض نقص المناعة المعروف ( بالأيدز) و في هذه الأيام مجددا مرض جدري القردة.
هنا يبرز سؤال يفرض نفسه و يدعو الى العودة لتبني نظرية المؤامرة من جديد ، هو لماذا تقوم مؤسسة عسكرية امريكية ممثلة بوزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون) و باعتراف رسمي منها بتقديم المساعدات و الدعم المالي و الانخراط في نشاطات مراكز ابحاث بيولوجية؟
تقول بأنها ذات طبيعة علمية سلمية، و لا تقوم بذلك اجهزة امريكية متخصصة في مجال شؤون الصحة العالمية كوزارة الصحة مثلا ؟؟؟
هذا يدعوا ايضا الى الأخذ بعين الاعتبار ما جاء في الفيلم الوثائقي، الذي قامت ببثه قناة الميادين في فترة ما قبل جائحة كورونا تحت عنوان (فيروسات ديبلوماسية ) ظهرت فيه الصحفية البلغارية ( بتروفا ) و هي تقوم بتصوير مركز ابحاث لوغار التابع للبنتاغون في العاصمة الجورجية ( تيبلسي) و توثق شهادات المواطنين الجورجيين القاطنين على مقربة من المختبر و تقوم بطرح اسئلة (في اقلها محرجة) على الموظفين المدنيين الامريكين العاملين في المختبر والذين يتمتعون على غير العادة بحصانة ديبلوماسية في مختبرات ادعوا انها انشئت لاغراض سلمية.
الجدير بالذكر أن مركز لوغار هو واحد من مئات مراكز الابحاث البيولوجية المنتشرة في اكثر من اربعين دولة عبر العالم و تديرها و تمولها و تقوم بالتغطية على نشاطاتها وزارة الدفاع الامريكية ( البنتاغون).
مما تقدم نستطيع التوصل الى استنتاج منطقي ، بأن هناك مخططات جهنمية غير مسبوقة تجمع بين فكر مالتوس البريطاني و افكار هتلر الألماني النازي الفاشي، و التي يعد لها هؤلاء المالتوفاشيين الجدد والذين ينتمون بالطبع للعرق الأبيض، من اجل القضاء على اعداد كبيرة من البشر ممن ينتمون لقوميات اخرى باعتبارها اما عدوة أو منافسة لهم ( الصين و روسيا )، و كذلك اقوام من اعراق اخرى باتت تشكل عبء عليهم كفائض سكاني ( العالم الثالث من دول اسيا و افربقيا و امريكا اللاتينية )، وهم من وجهة نظرهم مجموعات طفيلية غير منتجة ، لم تعد هناك حاجة لها و لا بد من التخلص منها ، بعد ان تم تجاوز دورها التاريخي في عملية الإنتاح عبر تاريخ الاستغلال البشري، والتي كانت مرهونة و متغيرة بتطور ادوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج خلال مرورها في مراحل و تشكيلات اجتماعية – اقتصادية سابقة كمجتعات العبيد في دول العبودية و القن في دول الأقطاع ثم العمال في دول رأس المال من خلال ممارسة التفوق الطبقي والأستحواذ على الثروات و الميزات الأجتماعية و الأقتصادية ، هؤلاء سوف يتم الأستغناء عنهم و عن دورهم في عملية الأنتاج والأستهلاك، في ظل ما توصل اليه التقدم العلمي و التكنولوجي و المعلوماتي الذي يمتلكونه، بحيث يحل مكانهم الروبوتات و الأدوات التي تقوم على استخدام الذكاء الاصطناعي من غير الحاجة للعمالة البشرية.
هذا التوجه الخطير الذي بات يواجه البشرية ، يستدعي أن تأخذ الأمور على محمل الجد ، وأن تقوم الشعوب و القوميات المستهدفة باجراءات فعالة تأخذ طابعا امميا انسانيا للتصدي للأنانية و الكراهية و الجشع و العدوانية التي تتملك هؤلاء المالتوفاشيين الجدد و لما يعدونه من مخططات شيطانية تتعارض مع الطبيعة البشرية و تقوض كل القيم الأنسانية.
* استاذ جامعي و قنصل فخري سابق
براغ 22.06.2022
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.