حديث د. عادل سماره في الندوة التي عقدتها اللجنة الشعبية للتضامن مع الاتحاد الروسي في مركز بوتين الثقافي في مدينة بيت لحم يوم الجمعة 24 حزيران2022.
إخترت عنون هذا الحديث ب: الرغيف قبل المدفع، بناء على تأثير الحرب الدفاعية الروسية على صعيد عالمي في المركز والمحيط على حد سواء، إذ أوضحت أزمة كوفيد 19 ومن ثم الحرب الأخيرة أن من ينتج/يملك الرغيف هو في وضع اقوى وخاصة إذا ملك المدفع.
إن اتساع نطاق ونوع ودرجة المشاركة في هذه الحرب يعطيها بجدارة وصف حرب عالمية ثالثة، بغض النظرعن عدم وحدة أدوات أو ميدان الصراع وهذا قاد إلى تجاوز كونها مجرد حرب دفاعية روسية في مواجهة عدوان علني ملموس وصل حدودها.
لافت في هذه الحرب أن الغرب جنَّد شعوبه سريعاً ضد روسيا مما يؤكد نجاح التعبئة والتحشيد الطبقي البرجوازي الرسمي بداية الأمريكي وفي ذيله الأوروبي بأن روسيا عدو لأوروبا وأن هذا العدو إذا ما قوي فبالتأكيد سوف يكتسح أوروبا، لعلها فزاعة منذ أيام نابليون بونابرت. هذا التحشيد مقروناً بالاصطفاف والتأييد يعيد إلى الأذهان وصف ماركس للقومية كسلاح في يد البرجوازية في مرحلة ما من التطور الراسمالي الأوروبي ، وبالطبع في حقبة الدولة القومية. وهنا وجوب تنبه القارىء حين يشاهد “هبل/او تمرير رسالة” فضائيات عربية تقرن القومية بالشوفينية غافلة أو متغافلة عن أن القومية هي حركة تحرر وطني ضد الاستعمار وضد التبعية والتبادل اللامتكافىء واحتجاز التطور وخاصة حين يكون بلد ما كالوطن العربي مقود من انظمة عدوة للأمة ملخص دورها تجويف الوعي لتجريف الثروة ليذهب معظمها إلى ايدي المركز الإمبريالي. وبذا تكون هي من حيث دورها وأدائها مثابة إمبريالية على وطنها لخدمة الإمبريالية الأم.
هذا التحشيد الغربي/المركز يؤكد جوهر السياسة الإمبريالية الغربية بوجوب بقاء روسيا ضعيفة على الأقل سواء كانت شيوعية أو راسمالية لأنها برايهم طامعة في احتلال أوروبا، رغم أن الوقائع لا تشي بذلك وخاصة إثر نهاية الحرب الإمبريالية الثانية حيث كان بوسع الجيش السوفييتي اكتساح كامل غرب أوروبا في أسبوعين طبقاً لتقديرات خبراء غربيين طبعاً، ومع ذلك تقاسم السوفييت النصر مع الغرب الإمبريالي نفسه. هذا مع العلم أن عدوان النازية ضد روسيا كان بتحريض وتمويل وتسليح من الغرب الراسمالي نفسه ايضاً.
أما نجاح أنظمة الغرب في تجنيد الشارع ضد روسيا سريعاً فذلك يؤكد:
- أننا لا زلنا في عصر الدولة القومية البرجوازية بنزعتها الاستعمارية، استعمارا قديماً أو جديداً، وتحديداً بمعنى هيمنة ثقافة ومن ثم مصالح الطبقة الراسمالية على بقية الطبقات الاجتماعية وتسخيرها لخدمة مصالح راس المال، أي كما اشرنا لما كتبه ماركس عن أوروبا منذ قرن ونصف.
- ولا زال تنظير لينين عن انتهازية النقابات العمالية في الغرب وخضوع قياداتها لراس المال أي شرائها، ولكن الآن بتوسع الفرجار، عن انتهازية، مختلف الطبقات، انتهازية المجتمع المدني الغربي الذي يعلم أن رفاهيته جرى تمويلها إلى حد كبير من “فائض القيمة التاريخي/كما كتب أنور عبد الملك”، وبأن تبادلها اللامتكافىء اليوم مع المحيط هو لصالحها برجحان مزعج، ولذا، فإن بروز قطب آخر يلجم جشع الغرب يجب أن يُمنع ولو بالقوة. وهذا يعني أن المسألة ليست عصبية قومية أو اختلال ألوان بل مصالح إقتصادية تتم ترجمتها في أوساط الطبقات الشعبية في الغرب كوعي ملتبس فتشعر هذه الطبقات وكأنها شريك حقيقي للبرجوازية.
بوسع المرء أن يرى بوضوح بأن هذا الهيجان الإعلامي بتاثيره على الشارع الغربي هو المعنى الحقيقي للشمولية، شمولية السوق وشمولية العداء لغير الغربي وشمولية الهيمنة على الوعي الشعبي في البلد الواحد. هي شمولية تزداد قبحاً حين لا تكون لها اسانيد حقيقية واقعياً. لذا، لا غرابة أن تشعر أنت بالازدراء لهذا التحول القطيعي في الغرب وراء الطبقات البرجوازية وإعلامها.
على ضوء هذا لاصطفاف الغربي ضد روسيا، يتسائل المرء:
هل اعتقد الغرب بعد تفكك الاتحاد السوفييتي أن روسيا لن تنهض؟ يبدو إلى حد كبير الجواب: نعم وخاصة لأن تدمير الاتحاد السوفييتي كان هائلا كما لو كان نووياً. وربما كان ذلك التدمير هو أول تدمير لدولة عظمى بغير الحرب بل بهدم القلعة من الداخل. وهنا لا نقصد وجود خونة بل ما حصل أن من كانت الطبقة لهم هم الذين تخلوا عنها حيث اقتنعوا أنها وصلت حدها ولم تعد دولتهم، هذا موقف الطبقة العاملة. فهل كانت لهم! والمفارقة أن تفكيك الدول على يد حزب الطبقة العاملة أفرز طبقة راسمالية وحتى أولغارشية، اي أن الطبقات الشعبية هي الخاسر الأكبر.
هل اعتقد الغرب بأن روسيا سوف، أو يجب، ان تترسمل ولذا أدخلها السوق الراسمالية ومنظمة التجارة العالمية معتقداً أنها ستكون راسمالية من الدرجة الثانية التي لا تنافس الغرب.
وعليه، هل اعتقد الغرب أنه حصر روسيا في نطاق تحويلها إلى مصدر للمواد الخام مخزن للمواد الخام والمواد الغذائية، ولذا أوقفت بلدان مثل المانيا توليد الطاقة من الفحم، ومن المفاعلات النووية وتمهلت أو عدلت عن تصنيع الطاقة النظيفة حيث كل هذا مربح واقل كلفة؟
ويبدو أن كل هذا حصل في سياسات أوروبا وأمريكا بناء على يقين أن بوسعهم وضع روسيا في موقع تابع أو نصف تابع، نصف مركز ونصف محيط وهذا مريح لهم ومربح. فكل هذا الاطمئنان إلى عدو مفترض لا يحصل إلا إذا توصل عدو العدو إلى قناعة بأن عدوه، اي روسيا تحت السيطرة.
أما التفسير الآخر، فيقوم على شقين:
الشق الأول: وهو أن الاستراتيجيين في الغرب يعلمون بأن احتمال صعود روسيا والصين أمر وارد، لكنهم
الشق الثاني: لم يستطيعوا لجم الشركات متعددة الجنسية من دخول روسيا والصين مما زاد قدراتهما الإنتاجية، وبأن هذه الشركات ترى وطنها حيث تربح لا حيث وُلدت.
لذا، كان اندماج روسيا في السوق العالمية عامل اعتماد متبادل بينها وبين الراسماليات في المركز حيث اعتمدت شركات غربية متطورة إلى درجة عالية على توفير شبه الموصلات والغاز والنفط إلى أوروبا وحتى إلى أمريكا.
لكن هذا الاعتماد كان خبيثاً فبالتوازي مع الاعتماد على موارد كثيرة من روسيا ولنقل الغاز مثلا الذي لا يُستفاد منه فقط في الصناعة والتدفئة والطبخ…الخ، بل إن الزراعة في أوروبا هي زراعة صناعية تحتاج الطاقة والأسمدة المصنعة ايضا. لكن إلى جانب هذا اصر الغرب على الاحتفاظ بالناتو وعلى عدم ضم روسيا إليه وهذا يؤكد أن هدف الغرب كان إبقاء روسيا راسمالية من درجة ثانية اقتصاديا وإنتاجيا، وان تصبح مطوقة عسكريا وصولا إلى نهب ثرواتها وإن أمكن اقتحامها تجزئتها كما الوطن العربي وهو الأمر الذي لو حصل لكان بوتين مثل أمير قطر أو رئيس مصر! لذا واصل الغرب عدوانيته ضد روسيا حيث لم يكتفي برفض عضويتها بل وصل حدودها!
وبغض النظر عن مدى كون الغرب في حالة من إطمئن على تقييد خصمه فنام، او من اعتقد بأن الخصم لم يعد بوسعه إعادة تركيب أنيابه، أو من اعتقد بأن في روسيا نفسها أولغارشية روسية وصه/يهودية هي تتحكم في سياسة البلد وتجره نحو الغرب، إلا أن ما حصل أن توقفت سلاسل التوريد. ورغم أن هذا أضر بروسيا، لكن ضرره لم يكن قاسياً وواسعاً خاصة حيث تمكنت روسيا من ضبط ضخ أو تقنين الطاقة إلى أوروبا بشكل مدروس كما يبدو على اساس يومي. والشيء نفسه فيما يخص الصادرات الروسية الأخرى سواء بناء على إنتقائية التوريد الروسي أو المقاطعة الغربية لهذه المادة أو تلك وبهذا القدر أو ذاك. ينطبق هذا على النيكل والبلاديوم والتيتانيوم وغاز النيون المستخدم في صناعة أشباه الموصلات، كما على الفحم والنفط والغاز.
لكن ماذا عن إعتقاد وسياسة روسيا بعد يلتسين
هل أدرك يلتسين متأخرا أنه أخذ روسيا إلى الهاوية بما هو لبرالي أو ، كما يوصف بانه لا يصحو؟، فاختار بوتين لقيادة روسيا، اي لم يختر اياً ممن كانوا حوله في خصخصة ورسملة الاقتصاد وتسهيل تحويل الثروة إلى المصارف الغربية…الخ والذين على يدهم تدهور الوضع الصحي وجاعت البلد وأذلَت بقصد. وقد يجوز لنا القول بأن تفريغ روسيا من أكثر عدد من سكانها، ربما بحرص في تنفيذ هذه السياسة أكثر من الحرص على نهب الثروة نفسها أي أن الهدف اقتلاع من يُنتج الثروة اي العنصر البشري، أي كان بقصد تسهيل احتلالها. يكفي أن ملايين الروس غادروا الوطن وتكفي الإشارة إلى المصطلح المؤلم بتسمية النساء المهاجرات ب “فراشات الليل”.
هل روسيا بوتين رأسمالية على النمط الغربي أم رأسمالية لا يسمح لها الغرب بأن توازي كتفه. لذا، قيل فوراً بأن بوتين لم يغادر العقلية السوفييتية بمعنى دور قوي للدولة في الاقتصاد مما يعيق تغول الملكية الخاصة. ويبدو أن سلطات روسيا بعد يلتسين ركزت تحالفها مع الرأسمالية إنتاجية التوجه في منافسة مع الأوليغارشية المتجهة غربا حتى الآن.
وهنا قد نسمي روسيا ب “رأسمالية الدولة” التي كما يبدو لم تتمكن من تدجين الأوليغارشية المصرفية المرتبطة بالغرب بعد.
المهم، أنه لم يكن خافياً على روسيا ما بعد يلتسين أن الغرب يريد روسيا تابعة ومصدر مواد خام (درجة وسطى من احتجاز التطور) وسوقاً لمنتجات الغرب، ومصدر توفير عمالة محلية في الشركات الغربية التي تدفقت على روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
مهم الإشارة هنا أن المصرف المركزي في فترة الاتحاد السوفييتي كان تحت سيطرة الدولة ، كما هو ايضا المصرف المركزي في الصين الشعبية حتى اليوم، بخلاف مختلف المصارف المركزية في العالم حيث ترتبط بالبنك الاحتياطي الأمريكي اليي ُزعم أنه ليس مصرفا مركزياً مما جعل شبكة المصارف المركزية في العالم مثابة سلطات مستقلة وموازية لحكومات بلدانها تُديرها الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، حاول بوتين تأميم المصرف المركزي الروسي بعد خصخصته في فترة يلتسين، لكن رفضت ذلك مختلف الأحزاب هناك حتى حزب بوتين وهذا يشير إلى سيطرة الأولغارشية المالية هناك. (انظر عادل سماره: صين إشتراكية أم كوكب اشتراكي، 2022) أما عن قوة حكام المصارف المركزية، فحاكم مصرف لبنان الحالي يحكم لبنان أكثر من الرئيس الذي لا يستطيع إقالته.
هل دخول منظمة التجارة العالمية تأكيد لتوجه روسيا للنظام الاقتصادي الراسمالي؟ نعم، ولكن كما يبدو مع الحفاظ على درجة من تدخل الدولة بما هو ابعد من السياسة الكينزية ومن هنا اقتراب وصف “راسمالية الدولة” من الدقة.
وإذا كان الهدف من رسملة روسيا حقيقياً، فالسؤال باق برسم الإجابة الروسية حول طلب دخول الناتو اي هل كان حقيقياً أم إختبارياً لمعرفة توجهات الغرب تجاه مستقبل روسيا؟ أما إجابتنا، فتتعلق بابعد من هذا أي قرار روسيا التركيز على القوة السلاحية حتى أكثر من مواقع الإنتاج ربما بمفهوم أن القوة الاقتصادية تغني عن الجوع بينما الحامي لها وللناس والوطن هي القوة السلاحية. ليس غريباً أن يكون بوتين قد أخذ وجوب التفوق التسليحي عن أمريكا ايزنهاور.
قد يقول البعض بأن الإنفاق العسكري التسليحي هو هدر لأنه يمتص قوة العمل ولا يولد فائض قيمة وهذا صحيح بالعموم إذا قرأناه محصوراً في اقتتال المدافع بين الدول، ولكن وراء الحرب في العادة بشر /كطبقات لها مصالح بالحرب تنهب إذا انتصرت غيرها مما يجعل الحرب:
- الحرب إهلاك الطبيعة ، إهلاك ثروة بالمعنى الإنساني
- واستثمار إستراتيجي خادم للتراكم بالمعنى الراسمالي المتوحش.
صحيح ان الاستثمار في السلاح ليس إنتاجاً بمفهوم القيمة الاستعمالية إنسانياً، لكنه يجمع نقيضين في صراع الراسماليات:
- قيمة استعمالية لحماية البلد
- وقيمة تبادلية في السوق الدولية مما يعطيه إلى حد ما صفة ريعية.
وهذا الدور هو الذي يبرر الإنفاق الإتلافي على السلاح في عالم الصراع بين الدول القومية التي تقودها المصالح الطبقية لراسماليات متعددة مستوى التطور ومتصارعة مع بعضها بسخونة أو أقل.
مسببات الحرب
براي لينين أن الرأسمالية حتى بدون مرحلة الإمبريالية هي توسعية وبالتالي متحاربة بالضرورة، وهذا ما أكده رده على كارل كاوتسكي الذي تخيل أن الإمبريالية نقلت الراسمالية إلى حالة التصالح أو ما اسماه “ما فوق الإمبريالية”. وقد يكون كاوتسكي قد أخفق في فهم عبارة ماركس في وصفه للراسماليين ب أحياناً “تآخي اللصوص” أي غاب عن كاوتسكي اللصوص واحتفظ ب “التآخي”!
فالرأسمالية سواء التجارية أو الصناعية أي حتى قبيل مرحلة الإمبريالية هي استعمارية اي عدوانية مدفوعة بوجوب تصريف فيض الإنتاج عبر التوسع الجغرافي اي البحث عن اسواق ثم الاقتتال على السوق وهو اقتتال أخذ الطابع المسلح طبعا، ولكن الاقتتال الاقتصادي البيني حتى في البلد الراسمالي الواحد أي التنافس الذي إنتهى إلى الاحتكار وحتى الاحتكار المعمم/سمير أمين، على صعيد معولم.
لقد تمكنت راسماليات المركز من تحويل الكوكب إلى قطاع عام راسمالي معولم تتحكم به في الأعلى رأسماليات المركز ممثلة بالشركات متعددة القومية وفي الأدنى رأسماليات المحيط المكتفية بحصة اقتصاد التساقط Trickle-down Economy. وهنا ربما يقع قرار قادة هذا القطاع المعولم بوجوب لجم رسملة روسيا.
وإذا كانت روسيا الحالية قد أعطت الأولوية للسبق السلاحي، فذلك أُسوة، أو مواجهة لراسماليات المركز مالكة القطاع العام الرأسمالي المعولم التي احتفظت ب الناتو بعد غياب نقيضه!
وابعد من ذلك زحف الناتو إلى حدود روسيا متجاهلاً ما اتفق عليه خطياً مع جورباتشوف ، قاتل الاتحاد السوفييتي، بأن لا يتقدم الناتو إنشاً واحداً عما كان عليه وضعه في أوروبا عشية تفكك الاتحاد السوفييتي. وإذا كانت من عبرة هنا فهي أن كاوتسكي كان حالماً في ألطف وصف له!
وفي حين كتبت روسيا الكثير من الاحتجاجات للطغم الراسمالية الحاكمة في الغرب رافضة لتوسع الناتو، لم تحصل على اية استجابة ولا حتى اقتراح حوار. وهذا سبب تدارك روسيا الأمر وشن حرب دفاع عبر أوكرانيا وليست تماماً ضد أوكرانيا.
التوقيت الروسي للحرب الدفاعية
يبدو أن التوقيت الروسي للبدء في الحرب الحالية كان دقيقاً بمعنى:
أولاً: اليقين بأن الغرب الإمبريالي/المركز عدو دائم لها بشكل خاص سواء كانت روسيا راسمالية أو اشتراكية. وهو بالمفهوم الماركسي عدو لأية تنمية مستقلة لكل بلد في الكوكب تحدو هذا المركز سياسة أو مشروع إحتجاز تطور مختلف بلدان العالم. والاحتجاز لا يعني محو التطور بل تضبيط تطور الغير بما يخدم متطلبات أو منطق عمل وأداء وتطور المركز.
ثانياً: إذا صح السبب الأول، فهذا يعني أن الغرب، كعدو لروسيا، لاحظ أن روسيا تتجه لتكون مركزاً راسماليا لا محيطا ولا تابعاً، لذا لا بد أن يحتجز تطورها لكي يتلائم مع منطق مصالحه، وبالتالي لا بد ان يحرر نفسه من اعتماده في مجالات اقتصادية حساسة غدت روسيا مصدرها. ويبدو أنه تبين بأن تحرير نفسه هذا لم يعد ممكنا بالسيطرة على الاقتصاد الروسي ولا بتوجيهه طبقا لمنطق حاجة الغرب له، ولا بالقوة العسكرية المباشرة، الأمر الذي دفع المركز إلى تطوير ذاتي لبدائل أو الحصول عليها من بلدان تابعة.
قد يرى البعض أن هذه السياسة هي التي ذهب إليها المركز بعد اشتعال الحرب. نعم بعد الحرب، ولكن لا يمكن للغرب أن يحاصر روسيا عسكرياً ولا يتوقع رداً روسياً سواء بحرب عسكرية أو إقتصادية، ولذا، نعتقد، ان الغرب ذهب باتجاه تقييد اية قدرة روسية على التحكم/احتكار قطاعات معينة في اقتصاده. يبقى هذا لما قد تكشف عنه الأيام لأن ما كان يُدرس هو انخراط روسيا في السوق العالمية.
لذا، استغلت روسيا هذه اللحظة المناسبة للحرب والتي كلما تأخرت كلما كانت حرجة أكثر اي قبل وصول الغرب إلى ما يريد.
قد يقول البعض، ولكن لماذا اعتمد المركز على مواد خام اساسية في مكونات انتاجه الحساس؟ ربما لأنها متوفرة في روسيا فقط أو الكمية الأكبر والسعر الأفضل هو من روسيا. فالشركات تاخذ في العادة بالاعتبار أولاً عامل الربح وصولا إلى التراكم اللا محدود، وهنا تكون حالة التفارق/التحالف بين الشركات الكبرى وسلطة الدولة أي بين الربحي والإستراتيجي. من هنا رحلت صناعات امريكية كثيرة إلى الصين وإلى روسيا، وهو ما حاول ترامب تقييده بالإغراءات وليس بالقوة.
لسنا هنا بصدد توقع كيف ستتجه الراسمالية الروسية وخاصة بعد الحرب. لكن تفيد الإشارة إلى أن كثيرا من اللبراليين الغربيين إقتصاديين وسياسيين راهنوا على أن روسيا والصين سوف تنتهيان على شاكلة الراسمالية الغربية. هذا بغض النظر عن صحة أن الغرب كمركز استفاق على تطور الصين باتجاهها الحالي. ولكن حتى هذا التصور غاب عنه أو غيَّب بأن المركز لا يريد تطور أحد على شاكلته وصولا إلى قامته.
ما يهمنا هنا أن كثيراً من اللبراليين يرون بأن سبب الحرب هو توسع الناتو ، مثلا جون مارشماير واللبرالي الصهيوني نوعام تشومسكي وهؤلاء يؤيدون الرأي القائل بأن روسيا لن تستسلم للأمر الواقع. وربما لهذا أعطت روسيا السبق للتفوق السلاحي.
حرب بسمات جديدة متحولة ومتعددة الأشكال دون تسميتها حربا عالمية
ربما هذه أول حرب في التاريخ قوامها ريعي وعامل الانتصار فيها ريعي أيضاً وهذا ما خدم روسيا من حيث المبادءة والتماسك خلال الحرب.
لذا يجوز لنا القول بأنها حرب ريعية اساساً بين روسيا والولايات المتحدة وساحتها الكوكب وبشكل مباشر اوروبا وكلما طال امدها كلما أثرت على المحيط أكثر.
فالولايات المتحدة تحاول كسر ظهر روسيا من ناحية تفريغ دور وتأثير قدراتها الريعية كعامل قوتها الرئيسي في الحرب، والولايات المتحدة هي المنافس الرئيسي لروسيا من حيث توفر مصادر الريع نفسها، اي النفط والغاز وإلى حد ما القمح.
وهذه المواد/المنتجات حيوية للعالم بأكمله بغض النظر عن درجة وحِدَّة الحاجة. فقد اتضح الوجه الريعي للحرب في الأمر الأمريكي لأوروبا بالوقوف ضد روسيا بممارسة الشق الاخر لهذه الحرب وهي حرب الحصار التي أعطت الوضوح الكافي لحرب الريع.
والحصار هنا أو ما تسمى العقوبات ليست نسخة بالضبط عن المقاطعة الاقتصادية التي مثلاً فرضها المركز ضد الثورة البلشفية أو حصار كوبا أو كوريا الديمقراطية الشعبية أو سوريا، فهذه المستويات من المقاطعة فُرضت من قبل دولة أو عدد محدود من الدول، أما حرب العقوبات/عدوان العقوبات فهو معولم بمعنى أن المركز يحاول فرض حصار معولم على روسيا ويُعاقب أية دولة لا تلتزم بذلك. وبهذا المعنى يكون دور روسيا هو الرد على حرب العقوبات بالدفاع الريعي.
منذ الأيام الأولى للحرب الدفاعية الروسية ضد الناتو في أوكرانيا بدأت الولايات المتحدة حرب الريع ضد روسيا حيث أرغمت أوروبا على التوقف ما أمكن عن شراء الغاز والنفط الروسيين سواء بهدف تسويق الغاز والنفط الأمريكي أو جلبهما من حيث أمكن أوروبا ذلك بدعم سياسي امريكي لها.كما قادت الحرب إلى تعطل اكثر لسلاسل التوريد مما أزَّم الوضع المعيشي وخاصة في بلدان المحيط.
وكما اشرنا، فإن المبادءة الروسية كانت دقيقة من حيث التوقيت، فلم يتمكن المركز من إهلاك الاقتصاد الروسي بوقف مداخيله من تسويق منتجاته الريعية بل انقلب الأمر إلى:
- إضطرار أوروبا لمواصلة شراء المنتجات الروسية
- واضطرارها للدفع بالروبل
وطبعاً مواصلة التسوُّق على صعيد عالمي وعلانية، اي أن اوروبا اصبحت في وضع شراء وحرب مع روسيا معاً. وهذا عاد على أوربا بفواتير مدفوعات أعلى وعلى روسيا بمداخيل أعلى مما أعطى هذه الحرب سمة جديدة، وهي النمو أو عدم الاضطراب خلال دخول الدولة في حرب معولمة من حيث تنوع الجبهات.
كما دخل الشق التسليحي في الحرب بمعنى الربح وليس بمعنى الصدام حيث أن توفر القوة السلاحية الروسية لجم عدوان الناتو ولكنه منح أمريكا فوائد عالية عبر توريد الأسلحة لأوروبا وبذا ربحت امريكا من ريع الغاز والنفط والسلاح، أو بمعنى آخر أعادت احتوائها لأوروبا بشكل فعلي وهذا الانتصار في الجانب الأمريكي ، لكنه توازى مع انتصار روسي سواء في الميدان أو في ميدان حرب الريع وتجاوز الحصار وإلا لكانت روسيا أمام أحد خيارين:
- إما القبول بالأمر الواقع
- أو المغامرة في حرب كسبها صعب
هناك سمات هامة أخرى لهذه الحرب، فهي وإن بدأت عسكرية بحدود ذخيرتها كفاءة ريعية، فهي حرب متنقلة متنوعة تبادليا بدأت عسكريا، ثم تخيفيه لصالح القمح والنفط…الخ ثم حصارية واسعة أو معولمة .
من جديد هذه الحرب أن روسيا تقاتل بشكل مريح، أي لا تستعجل إنهاء الحرب، وأمريكا تُطيل الحرب ايضاً منتقلة من التضحية بآخر أوكراني للتضحية بآخر أوروبي وصولاً إلى تعميم الوجع المعيشي عالمياً، والتطويل هنا وهذا بخلاف الحروب المعهودة.
هي حرب معولمة هذه المرة وليست فقط عالمية، وخاصة من حيث المشاركة.
ففي الحربين الإمبرياليتين الكبريين السابقتين كانت الدول الكبرى تقتتل على ارضها وأرض الآخرين الذين لا ناقة لهم ولا جمل ولا دور فاعل بل خشبة أداء الآخرين. لكن في هذه الحرب هناك مشاركة من بعيد، وباشكال مختلفة اي غير عسكرية: وقوف أوروبا بقضها وقضيضها مع وكرانيا رغم عدم دخولها حربا عسكرية مباشرة، مكتفية بغمر أوكرانيا بالأسلحة إضافة غلى تفلتاتها للاستغناء عن ما تسورده من روسيا.
أما الصين فتشارك في الحرب دبلوماسيا واقتصاديا في توسيع التبادل بل حتى الاستيراد من روسيا، وكذلك الهند إلى حد ما والتي لم يكن من المتوقع دخولها الحرب من باب تنشيط الاستيراد من روسيا. وتشارك فنزويلا وإيران الحرب لأنهما رفضتا تمرير النفط إلى عروق أوروبا رغم الإغراءات. كما أن كوريا الديمقراطية تشارك من باب الجاهزية للقتال. وحتى الدول الصغيرة شاركت في الحرب كما فعل الكيان الصهيوني في دعمه لأوكرانيا المتحالفة مع النازية الجديدة وبالتالي كشف الكيان أكذوبة عدائه الثأري من النازية. ومن الدول الصغيرة لثوانيا ايضا بقطع طريق السكة الحديد إلى إقليم كاليننغراد.
كما اتخذت دول أوبك مواقف هنا أو هناك. فقد أثبتت إمارة قطر ولاءها للغرب في مواجهة روسيا نفطياً وغازياً مع تسهيلات من تركيا التي بدورها رغم مناوراتها لم تخرج عن نطاق ارتباطها بالمركز. ورغم المماحكات السعودية الشكلية فهي منحازة للغرب وخاصة عبر علاقتها بمصر التي انخرط نظامها في التوافق النفطي والغاز المُسال مع الكيان والاتحاد الأوروبي. كما لا يبدو أن موقف الجزائر وسطيا، فزيادة بيع نفطها لإيطاليا لا يستره خلافها مع إسبانيا.
وانقسم العالم فكريا كذلك:
لا بد من ملاحظة أولية هنا هي انحطاط الإعلام الغربي وخاصة الرسمي إلى مستويين لم يكن ليتوقعهما الكثيرون من البسطاء في العالم:
- الضخ الإعلامي المطلق ضد روسيا ومحاصرة رسمية لمختلف أجهزة الإعلام كي لا تقول ما لا يُفرض عليها، وهذا يبين أن اللبرالية هي شمولية جوهرياً وأن مرونتها تتوقف عند أول خلاف معها.
- انحدار الإعلام الغربي إلى تصنيع أكاذيب رخيصة من مستوى سرقة مشاهد من الحرب المعولمة ضد العراق والمستوطنة الراسمالية البيضاء الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، ونشرها كما لو أنها في أوكرانيا.
أما فكرياً، فكما اشرنا إلى نقد لبراليين للمركز بما هو البادىء بالحرب ضد روسيا، وقف الإعلام الغربي وتبعه العربي الرسمي والصهيوني ضد روسيا. على أن اللافت هو انقسام الحركة الشيوعية، إن جاز لنا تسميتها في هذه الفترة ب “الحركة” إلى قسم كبير وقف جوهريا ضد روسيا بينما حاول تمويه موقفه بوصف الحرب بين إمبرياليتين! (بيان عشرات الأحزاب الشيوعية والمنظمات الشبابية بزعامة الحزب الشيوعي اليوناني، أنظر موقع كنعان الإلكتروني منذ بداية الحرب ). والمثير للشفقة توقيع ثلاثة أحزاب شيوعية عربية على هذا البيان وهي السوري والجزائري والفلسطيني، وهن أحزاب لبلدان هنَّ الضحايا الأشد للذبح الإمبريالي الغربي! لعله أمر لافت تبادل المواقع بمعنى: يسار يدعم الناتو ووصول أحد أحزاب اليسار إلى وصف الناتو بأنه يناضل ضد الإمبريالية كما فعل حزب ديلنكه الألماني، بينما وقف لبراليون دفاعاً عن موقف روسيا!
وماذا عن المجتمعات؟
كما يبدو من الإعلام، فقد نخَّت المجتمعات الأوروبية لصالح مواقف الأنظمة هناك والتي جرى احتواؤها من قبل الولايات المتحدة. وهنا نحتاج إلى تفسير لهذه الحالة القطيعية! فليس من السهولة بمكان إطلاق الوصف القطيعي على حالة تبدو قطيعية.
قد يكون للثقافة العنصرية دور، وللتحشيد الثقافي الإعلامي البرجوازي عن خطر روسيا الموروث منذ الحرب الباردة، دور في هذا الاستسلام للبرجوازية. وقد يكون لكون الوجع المعيشي لم يتعمق أكثر.
ولكن هناك دور مصلحي هام في هذا الموقف وهو أن الرفاهية التي تعيشها أوروباً مثلاً تدفعها للوقوف ضد روسيا لأن تفوق روسيا وبروز أي قطب جديد سوف يلعب دوراً في تصاغر التغلغل بل السيطرة الغربية عامة على اسواق العالم وهذا لا بد أن ينعكس سلبا على الصادرات الأوروبية والغربية عامة مما يؤثر على مستوى المعيشة فيها لمختلف الطبقات وليس بنفس النسبة.
وهذا يردنا بالطبع إلى الماضي الاستعماري الأوروبي للعالم وأما اليوم فيتضح عبر علاقات التبادل اللامتكافىء بين المركز والمحيط. وربما يفسر انتهازية مجتمعات “المجتمع المدني” تجاه الأمم الأخرى فمختلف الطبقات في الغرب مستفيدة من التبادل اللامتكافىء بين المركز والمحيط، وإن بدرجات وهذا يبين مواقف هذه المجتمعات من حقوق وحريات الأمم الأخرى.
وعلى العموم، فإن شعوب العالم الثالث متعاطفة مع روسيا، بينما معظم أنظمة العالم الرسمي منحازة للغرب سواء بالتبعية أو المصلحة، وهذا ينطبق على الشعب العربي المؤيد لروسيا بينما تلعب الأنظمة العربية دور الخادم لسيدها الإمبريالي مما يؤكد تقييمنا بأن هذه الأنظمة تلعب دور بديل للإمبريالية ضد شعبها.
حرب بين مَنْ و مَنْ
هناك حرب دائرة بمعزل عن الاختلاف في الأسباب والمواقف، ولكن ما طبيعة الأنظمة المتحاربة بمعنى:
- هل هي حرب بين إمبرياليتين كما يزعم التروتسك، وكثير من الماويين والشيوعيين؟
- هل هي بين رأسمالية والآمبريالية؟
- هل هي حرب وطنية كما تراها روسيا؟
قد نختصر الحديث في تعريف لينين للإمبريالية ليكون هذا رداً على اشتباك يساريين ضد شيوعيين حيث يصف الأُول الحرب بأنها بين إمبرياليتين، وبالطبع يرتكز كلا الطرفين على تعريف لينين للإمبريالية، وهو على النحو التالي:
1- “تطور تمركز الإنتاج ورأس المال إلى درجة عالية أدت إلى نشوء احتكارات لها دور حاسم في الحياة الاقتصادية”.
قد تكون هناك احتكارات كبرى في روسيا ، ولكن هناك في الواقع الإنتاج ورأس المال في أيدي الأوليغارشية الروسية واليهود الصهاينة والتي تميل بشكل رئيسي لصالح الاندماج في الغرب الراسمالي الاحتكاري وهذا سبب وقوفها ضد قرار روسيا بالدفاع عن نفسها في حربها في أوكرانيا، ، كما ان كثيرا من الشركات متعددة الجنسية نقلت فروعا لها إلى روسيا أي أن روسيا جرى استغلالها من هذه الشركات. الشركات متعددة الجنسيات الغربية.
إن دور الدولة في روسيا يلجم تمركز الإنتاج وراس المال على أساس الملكية الخاصة مما يضعف الدور الاحتكاري لراس المال الخاص الإنتاجي ويلجم ، ما أمكنه ذلك، الأولغارشية المصرفية.
2 – “دمج رأس المال المصرفي مع رأس المال الصناعي ، وإنشاء” رأس مال مالي “على أساس هذا” رأس المال المالي”
وهذا ينطبق على الأولغارشية المصرفية في روسيا وكما نعلم ، فإن ستة من البنوك السبعة الكبرى في روسيا مملوكة لليهود الصهاينة وهذه الأوليغارشية المصرفية أكثر ولاءً للغرب مما هي لروسيا نفسها. وهذا يبين عدم اندماج راس المال الصناعي والمصرفي في وضع احتكاري على صيغة راسمال مالي كما هو في المركز الإمبريالي الغربي. ولو كان هذا الاحتكار قد حصل لما كان بوسع الدولة/السلطة مخالفة مصالحه وتوجهاته بالقيام بحرب الدفاع.
3 – “يكتسب تصدير رأس المال على اختلافه عن تصدير السلع أهمية استثنائية”.
لم تصل روسيا إلى دور أو مستوى تصدير رأس المال، وحتى تصديرها للسلع يكون في شكل ريع ، أي القمح والنفط والغاز والسلاح. في الواقع ، هذه المنتجات تمكن روسيا من تحدي الإمبريالية في الحرب الحالية. صحيح أن النظام راسمالي ويقوم بتصدير القمح والنفط والغاز والسلاح، ولكن هذه ليست حالة اندغام راس المال الصناعي مع المصرفي للوصول إلى سيطرة راس المال المالي.
4- “تكوين اتحادات رأسمالية احتكارية عالمية تشترك في العالم فيما بينها”.
حاولت روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، كنظام رأسمالي ، دخول الناتو لكنها قوبلت بالرفض. وتم قبول روسيا كعضو في منظمة التجارة العالمية وفقًا لقواعد منظمة التجارة العالمية نفسها ، لكن روسيا لم يكن لها نصيب في الاتحادات الرأسمالية الاحتكارية الدولية، بل كما يبدو جرى الضغط بحيث يتم احتواء تطور روسيا طبقا لمنطق مصالح المركز. أي حتى لو كانت روسيا قد بلغت ذلك المستوى من تطور اتحادات راسمالية إحتكارية فإن المركز يرفض التشارك معها أو دخولها ناديه.
وهنا يمكن للطرف المدعي بأن روسيا إمبريالية القول بأن رفضها من قبل المركز لا يعني أنها لم تصل هذه الصفة الإمبريالية، ولكن هذا يصح إذا ما تم الإثبات أنها بلغت تلك الدرجة من الاحتكار الموازي والمنافس للإمبرياليات الغربية إمبرياليات المركز.
ولكن في الواقع ، أصبحت روسيا مزودًا للمواد الخام لأكثر الاحتكارات الصناعية الغربية التقنية تطورًا. إن موقعها هو دون المستوى. لكن الاعتماد الغربي على بعض المواد الخام الروسية الأكثر أهمية وحساسية وضرورية منح روسيا خلال الحرب اليد العليا من خلال خفض صادرات النفط والغاز ووقف تزويد الغرب ببعض المواد الخام الحساسة ، مثل النيكل والنيون. غاز ، تيتانيوم ، بلاديوم … إلخ. يثبت هذا الشكل من المشاركة الروسية في السوق العالمية الرأسمالية أن:
• قررت روسيا أن تصبح نظاما رأسماليا
• فتحت روسيا اقتصادها على الشركات الغربية
• وبينما لم توافق روسيا على أن تكون شريكًا أدنى في السوق العالمية ينوي الغرب استغلال روسيا وإبقائها في موقع أدنى.
” أظهر الاستطلاع أيضًا نتائج مشابهة لقائمة Fortune 500 عندما يتعلق الأمر بالشركات الصينية: فهي آخذة في الارتفاع. ارتفع عدد الشركات الصينية أو ظل كما هو كل عام منذ إطلاق التصنيف قبل عقدين من الزمن ، مع وجود 350 شركة (بما في ذلك من هونج كونج) في القائمة ، بزيادة 26 عن العام الماضي. وفي الوقت نفسه ، بينما أضافت شركتين فقط ، لا تزال الولايات المتحدة هي السائدة من حيث عدد الشركات المدرجة ، حيث تضم 590 شركة. وتشكل اليابان (217) والمملكة المتحدة (77) وكندا (61) وكوريا الجنوبية (58) وفرنسا (57) وألمانيا (51) والهند (50) وتايوان (43) بقية المراكز العشرة الأولى. البلدان التي تضم أكبر عدد من المشاركين في الترتيب.”
World’s Largest Companies 2021 (Global Data, Economic Data, World’s Largets Companies 2021
نلاحظ أن ليس روسيا حصة بين هذه الدول. صحيح أن الأمر ليس بعدد الشركات الأكبر فقط، ولكن يظل هذا مؤشراً لا يخلو من إضاءة.
(5) “اكتمل التقسيم الإقليمي للعالم كله بين أكبر القوى الرأسمالية”.
وهنا يصل لينين إلى البعد الجغرافي. ففي حين أن التقسيم الإقليمي للعالم بأسره بين أكبر القوى الرأسمالية قد اكتمل منذ عهد لينين ، حدثت الكثير من التغييرات بعد ذلك. اتخذ التقسيم أشكالًا أخرى ، أي التبادل غير المتكافئ ، لكن روسيا لم تكن خلال فترة الاتحاد السوفييتي ولا بعده ، ولم تكن أبدًا جزءًا من التبادل غير المتكافئ إما بسبب اقتصادها الصغير أو لأنها ليست منتجًا كبيرًا للصناعات المتطورة باستثناء الأسلحة، أو على الأقل كانت شروطها في التبادل أقل استغلالا أو إجحافا من شروط المركز الذي انتقلت سيطرته من التقشيط والنهب إلى التبادل شديد اللاتكافؤ. صحيح أن التقاسم الجغرافي تراجع لصالح التقاسم على صعيد التبادل، ولكن حصة روسيا فيه ودورها وشروطها مختلفة عن شروط المركز.
نخلص إلى التساؤلات التالية:
هل تعني هذه الحرب العالمية بسمتها الأساسية المختلفة عن الحربين الإمبرياليتين الأولى والثانية في كونها بين دولة راسمالية ودولا إمبريالية؟
وهل تختلف في عالميتها ايضا عن الحربين الأوليْن في اشتراك دول أخرى بشكل مختلف عن السابق بمعنى تعدد اشكال المشاركة وعدم انحصارها عسكريا؟
وسواء صح تمييزنا هذا أم لا، فإن ملامحاً أخرى للعالم تتضح على النحو التوقعي التالي:
· انحسار السيطرة الغربية الإمبريالية على العالم
· إن أقطابا راسمالية أخرى تفرض نفسها على الساحة الدولية
· ليس شرطاً أن هذه الأقطاب إمبريالية وليس شرطاً أن لا تحتوي بعضها على سمات إمبريالية. مثلاً، ألا تُصدِّر قطر رأسمالاً!
· إن العالم يتقاطب إلى ما يمكن وصفه ب قطبين فقط، سواء اختارت الدول الضعيفة أم لا مما ينفي تكرار جبهة عدم الانحياز.
· إن جشع المركز سواء من أجل السيطرة والتراكم أو بسبب تطويله امد الحرب وبالتالي حصول مجاعة في العديد من بلدان المحيط مما يفتح على احتمال حراك شعبي قد يُطيح بالرأسماليات التابعة والمحيطية فيها ويقود إلى تبني التنمية بالحماية الشعبية وصولا إلى فك الارتباط. وهذا يصب لصالح روسيا والصين ومعسكرهما البريكس اكثر او أقل.
· سيؤدي تراجع مستوى المعيشة في الغرب نفسه وتدهور أحوال الطبقات الشعبية والوسطى كلما طالت الحرب إلى تجذير نضالي في تلكم البلدان.
· من المنطقي توقع تجذير اجتماعي اقتصادي في روسيا والصين ايضا، سواء هُزم طرف في الحرب أو تم وقفها بشكل هدنة ما.
هذه التطورات المتوقعة من الطبيعي أن تقود إلى تحالف ما في الثلاثي الثوري عالمياً اي:
· القوى التقدمية اجتماعيا واقتصاديا في روسيا والصين
· القوى التقدمية والثورية في المركز
· القوى التقدمية والثورية في المحيط.
وهذا ما يؤكد أن الصراع سيأخذ منحىً تناحرياً على صعيد معولم.
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.