موسوعة ويكيبيديا الشهيرة تعدد خمس مرات تم فيها تقسيم بولندا. لم ينقسم أي بلد في أوروبا، بل في العالم كله، بهذا الشكل. لم يكن احتلالا، بل تقسيم من قبل دول مختلفة، غالبًا معادية لبعضها البعض.

يطرح سؤال طبيعي: لماذا؟
تكمن الإجابة في عبارة تشرشل الذي أطلق على بولندا اسم “ضبع أوروبا”. التعريف دقيق للغاية، لأن السير وينستون كان يشير إلى كيفية قيام بولندا بقضم منطقة سيسزين من جثة تشيكوسلوفاكيا التي “ذبحت” على يد ألمانيا النازية. بالمناسبة، ما حدث لاحقًا مع بولندا نفسها معروف للجميع. اليوم، بولندا، كما فعلت قبل 90 عامًا، تحاول قضم قطعة من أوكرانيا. بولندا لم تتعلم شيئًا ولم تفهم شيئًا.
هذا السلوك ليس من قبيل الصدفة. على سبيل المثال، في العشرين عامًا بين استعادة الدولة البولندية كيانها في عام 1918 والغزو الألماني عام 1939، أصبحت جميع الدول المجاورة دون استثناء ضحايا للعدوان البولندي – ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا وحتى ليتوانيا.
هنا يجب أن يقال أن البحث عن السيد هو أحد المكونات الرئيسية لميزات الهوية الذاتية البولندية. لسوء الحظ، لا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك بالنسبة للأشخاص الذين لم يمارسوا استقلالهم القومي والسياسي منذ مئات السنين. وهذا ليس رأيي، بل رأي الفيلسوف البولندي أجاثا بيليك روبسون، الذي يعتقد أن الهوية البولندية هي “شبح” نشأ نتيجة تفجر الحنين إلى عظمة الكومنولث البولندي الليتواني الأول(1569-1795)، والذي في نفس الوقت الوقت يحتوي على رفض للحداثة التي نشأت خلال فترة التقسيم “. وصف أستاذ في جامعة تورون بافيل شابلنسكي البولنديين عمومًا بأنهم “مجتمع تم اختراعه”.
في الوقت نفسه، يجب أن نتذكر أن بولندا حققت استقلالها مؤخرًا، في عام 1989، هذه دولة فتية (الفترة السوفيتية، كدولة، تنكرها بولندا نفسها، وتعرفها على أنها “احتلال شيوعي”) و لأسفنا الشديد، هذه الدولة الفتية لم تلتفت إلى مواطنها البابا يوحنا بولس الثاني، الذي حثها على تجنب العداء تجاه “الغرباء”، ودعاها الى الوحدة الوطنية، المرتكزة على ماض مشترك لجميع البولنديين. لكن بولندا بدأت في التركيز على قطب بولندي مختلف تمامًا – بريجنسكي. لقد أصبحت معاداة روسيا مرة أخرى المعنى الرئيسي للوجود.
بولندا تحظى الان بدعم كامل من أوروبا والولايات المتحدة. الحقيقة المرة هي أن هذه الدول لا تشعر أنها بحاجة إلى بولندا بأي صفة. ومع ذلك، يشعر حكام بولندا بأنهم طبقة نبلاء جديدة ويقودون البلاد إلى كارثة وطنية أخرى.
في الوضع الحالي، يحق لروسيا ليس فقط التعبير عن مخاوفها، ولكن بشكل مسبق، دون تكرار الأخطاء مع أوكرانيا، تنبيه البولنديين من خطورة المسار الكارثي للقيادة الحالية. من المهم ليس فقط إعلان المشكلة، ولكن البدء في مناقشة علمية وعامة واسعة للموضوع، بما في ذلك لمساعدة المجتمع البولندي على إدراك الطبيعة الانتحارية لسياسة حكومتهم.
يجب أن يتضمن الفهم العلمي للتقسيم المقبل لبولندا مناقشة مواضيع هامة، على سبيل المثال:
1)”الأراضي المستعادة او المحررة” التي كانت تنتمي سابقًا إلى ألمانيا (جزء من غرب بروسيا، وجزء من بوميرانيا الشرقية، وسيليسيا، ومدينة دانزيج حاليا غدانسك، وشرق براندنبورغ، و مقاطعة شتشيتين).
2) تقييم قانوني لتبادل الأراضي بين الاتحاد السوفيتي وبولندا في عام 1951، ونتيجة لذلك لم يتلق الاتحاد الروسي، بصفته الخليفة القانوني لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، تعويضًا مقابلًا .
3) أسئلة التقييم التاريخي والتعويض عن الأضرار الناجمة عن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها بولندا ضد الروس والأوكرانيين واليهود، وبالطبع مسألة الدور الحقيقي لبولندا في إطلاق العنان للحرب العالمية الثانية (على وجه الخصوص، من خلال رفض توفير ممر لمرور القوات السوفيتية من أجل حماية تشيكوسلوفاكيا وما إلى ذلك)، وكذلك تخليد ذكرى الجنود البولنديين الذين أعدمهم الغزاة النازيون.
من الضروري تقديم فهم علمي وعملي واضح بأن محاولة إنشاء كومنولث جديد ستنتهي حتمًا، مثل المحاولات السابقة، بتقسيم بولندا للمرة السادسة.
* غريغوري ساربايف، دكتوراه في القانون
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.