في خمسينات وحتى ستينات القرن الماضي تمحورت دول العالم تقريبا حول ثلاثة اقطاب: الغربي الراسمالي والشرقي الاشتراكي ودول العالم الثالث وخاصة التي شكلت محور باندونغ او عدم الانحياز. قادت تطورات العالم بل صراعاته إلى تبهيت عدم الانحياز حيث اصبح وبقي إجهاضا ضخما بدون أي تماسك وبالطبع تابع عمليا وعدم منحاز شكلانيا وفي مجاملة شكلانية يمينية اخترع السوفييت ما اُسمي طريق التطور اللارأسمالي على اعتبار انه طريق ستسلكه بعض دول عدم الانحياز. ولكنه كان طريقا مسدوداَ نتجت عنه دول ساعدها السوفييت لتبلغ درجة من التطور يؤهلها للانخراط في السوق الراسمالية!
وتفككت الكتلة الشرقية بعد نضال قاسِ وبعد تخلخلها من الداخل، وبقيت الكتلة الراسمالية الإمبريالية الغربية. وهذه حين تفردت بالعالم زاد توحشها من جهة وتبنت سياسة اقتصادية اجتماعية هي اللبرالية الجديدة، والتي يهمنا منها هنا أن دول هذا الغرب او المركز كما يُدعى انتقلت من الاستثمار في قطاعات الإنتاج إلى الاستثمار المضارباتي أي توليد المال بالمال لتحصل على أكوام من تراكم راس المال وتخفي معظمه في ما يسمى ملاذات آمنة وهي جزر خارج النظام الضريبي العالمي وتستخدم أكذوبة راسمالية تمنع معرفة ومراقبة حسابات المودعين. وبالطبع أم هذه الجزر هي سويسرا. بهذا المسار دخلت دول المركز وخاصة الولايات المتحدة مأزقا أو أزمة اقتصادية جوهرها حلول الاقتصاد المالي محل الإنتاجي، بينما انتقلت مواقع الإنتاج إلى الصين، لتجد دول الغرب/المركز أنها غدت بحاجة لمنتجات الصين التي في الأساس استقطبت شركاتها والاستثمار الأجنبي المباشر من الغرب ايضا.
واليوم، تدور نقاشات حول مآل العالم بمعنى، أن هناك قطبيات راسمالية غير غربية وهناك طبعا الثلاثي الغربي (امريكا واوروبا واليابان) . وهنا نحن أمام توقع الإجابة وليس تأكيد الإجابة على سؤالين:
الأول: هل هناك فرصة عملية واقعية لتجديد عدم الانحياز وخاصة أن دوله في أغلبها وقعت بايدي أنظمة رأسمالية كمبرادورية تابعة للغرب. وهل لو جرى إنعاش هذه الأنظمة هل ستكون غير ما كانت عليه؟ هل ستولد البرجوازية نظما تقدمية ؟ ، أم أن المفترض أن تذهب مجتمعات هذه الدول باتجاه :1-تنمية بالحماية الشعبية 2 فك الارتباط ومن ثم الاشتراكية. نقول هذا على ضوء الأزمة الغذائية الاقتصادية العالمية الحالية التي توجب على البلدان الفقيرة الذهاب نحو تجذير مجتمعي طبقي تحديدا بغض النظر عن وجود او عدم حضور حركات ثورية اي ان الواقع الموضوعي سابق على الذاتي.
والثاني: هل اصطفاف الغرب بضواريه وبُغاثة ضد روسيا والصين سوف يدفع كذلك مجتمعاتهما إلى تجذير اجتماعي طبقي باتجاه اشتراكي؟
اي باختصار، نعتقد أن عالماً ثالثاً جديداً كالسابق ليس متوقعاـ وبأن بقاء روسيا والصين راسماليتين بالشكل الكلاسيكي ايضا امر صعب.
وكأن العالم يتجه إلى قطبين متقابلين:
القطب الرأسمالي الغربي الكلاسيكي
والقطب الراسمالي الروسي الصيني المتحرك باتجاه على الأقل تقدمي.
أما بقية بلدان العالم فستجد نفسها مضطرة للتلاؤم مع أحد الاستقطابين. لماذا؟ لأن القطب الغربي لن يسمح بوقوف اي بلد جانباً.
تبقى مسألة متعلقة لا بد من تدراكها وهي : هل إذا اتجهت روسيا والصين ومن معهما توجها تقدميا أو لاحقا اشتراكيا، هل ستكرر السياسية السوفييتية في ما أسمي طريق التطور اللارأسمالي تجاه بلدان قريبة من مواقفهما؟
نعتقد ان هذا صعب ايضا.
ولأن الحرب لا تزال مفتوحة، فالاحتمالات متجاذبة حتى حينه.
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.