عن الفدائيين المصريين في حرب 1967 الشهداء والأحياء، عادل سماره

  • رجل يواجه دبابة

كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، يوم الجمعة 8 يوليو 2022، أن الكيان دفن أكثر من 70 جثماناً من جثامين قوات كوماندوز/الصاعقة مصريين شاركوا في حرب حزيران/ يونيو عام 1967، كقوة مساندة للقوات الأردنية، تحت ما أصبح اليوم موقفاً للسيارات، في متنزه مستوطنة ميني إزرائيل في منطقة اللطرون التي احتلها الاحتلال خلال الحرب.

وخلال هذه الحرب قام الاحتلال بتهجير سكان قرى اللطرون الثلاث المشهورة: عمواس ويالو (وبيت نوبا-وليس  المجدل كما ورد في الخبر. بل قام الكيان بمسح القرى الثلاثة كلياً ولم يبق هناك سوى مقامَيْ  الشهيدين  العربيين أبو عبيدة عامر بن الجراح  ومعاذ بن جبل في عمواس حيث قضى بما اُطلق عليه “طاعون عمواس” وكذلك كنيسة في عمواس -ع.س)،  وزرع الكيان مناطق حرشية أطلق عليها اسم “متنزه كندا”،(لأن تكاليف المستوطنة جميعها تبرعاً من السلطات الكندية التي ترى في الكيان نموذجاً عنها فكندا أعشق للكيان من الولايات المتحدة- ع.س).

ثم لاحقاً في سنوات الثمانينات أقام الكيان مستوطنة سياحية صغيرة ونقلت الصحيفة العبرية عن زئيف بلوخ، وهو جندي “إسرائيلي” سابق من كيبوتس نحشون (مستوطنة زراعية تعاونية. وهي مكان يلتقي فيه كثيرا جهابذة الحوار الأكاديمي من المحاضرين في جامعة بيرزيت مع نظرائهم من حزب العمل الصهيوني- ع.س )، قوله للصحيفة في هذا السياق، إن جثامين نحو 70 جندياً من الكوماندوز المصري، وربما عشرات الجثامين لجنود مصريين آخرين، دفنوا في هذا الموقع، ولا أحد يعلم عن ذلك. و​​قد كان بلوخ خلال الحرب مسؤولاً عن هذه المنطقة، وأبقى هذا الأمر في سرّه لخمسين عاماً.
ووفق الجندي “الإسرائيلي” السابق، فإن “من تم إدخالهم ودفنهم في البئر كانوا جنوداً احترقوا، إذ إن المنطقة كانت مليئة بالأشواك اوالأعشاب العالية على ارتفاع متر ومتر ونصف، ولم تكن المنطقة مزروعة أو مفلوحة وكانت الأشواك تشتعل بسرعة”.

(هذه المنطقة التي يتحدث عنها الجندي الصهيوني هي من أراضي القرى الثلاث التي هُدمت، بل هي ما تسمى “الخط الأخضر” الفاصل بين المحتل 1948 و 1967 والتي نسميها نحن “المنطقة الحرام” حيث يُمنع دخول اي فلسطيني إليها بمن فيهم رُعاة الأغنام فالقرى الثلاث كانت عامرة وأرضها مستغلة بل إن معظمها صودر من  قبل الكيان إثر حرب 1948. فالمصادر من أراضي عمواس 40 ألف دونم ومنها جزء من  ما يسمى الخط الأخضر.نعم تسمى قرى اللطرون الثلاثة وهي التي صمد فيها الجيش العربي الأردني في حرب 1948 وحال دون احتلالها وقدم فيها الشهداء وخاصة في معركة قلعة اللطرون التي إرتد عنها اريك شارون حيث ألقى جندي اردني قنبلة من فوق بوابة القلعة في داخل دبابة صهيونية فاحترقت على من فيها وأغلق جثمانها المدخل وتحول الاشتباك بالسلاح الأبيض وهزم الصهاينة،، لا شك أنها بطولة الجنود والضباط وليس القائد الأعلى الإنجليزي جلوب باشا/ يسميه العرب “ابو حنيك” تخيلوا قائد جيش عربي في لتحرير فلسطين  هو إنجليزي أي من الدولة التي خلقت الكيان. بعد معركة اللطرون وُجد جنديان عربي وصهيوني مختنقين وهما يُمسكان كل بحنجرة الآخر- ع.س).

وأضاف الجندي الصهيوني “إن قسماً من جنود الكوماندوز المصريين كانوا في المكان واحترقوا في الموقع، حيث اشتعلت النيران بسبب العيارات النارية، ومن المحتمل أنه تم أيضاً وضع جنود “إسرائيليين” آخرين في نفس البئر ممن قتلوا خلال أعمال التمشيط التي قام بها الجيش”.

ووفقاً للتقرير، فقد قام الجيش بإخفاء البئر (القبر الجماعي) بشكل جيد للغاية، وعلى مدار 55 عاماً أخفى الاحتلال هذا السر، وحقيقة دفنها عشرات جثامين الجنود المصريين في قبر جماعي داخل أراضيها، بعد مقتلهم في معارك وادي اللطرون.

(لكن لماذا؟ لأنهم واجهوا ارتال الدبابات ولم يستسلموا للأسر- ع.س.)

وقال التقرير إن بلوخ ورفاقه من الجنود من كيبوتس نحشونيم، أبقوا على الأمر سراً، وتعاونوا مع سلطات الجيش، فيما تركت جثامين الجنود المصريين تتعفن، ولم يتم إخراجها حتى اليوم، ولم تعد رفاتهم لمصر(المهم أن أنظمة التطبيع المتتالية في مصر لم تطالب بهم ولا بغيرهم- ع.س).
وبحسب التقرير، فقد حاول أحد أعضاء الكيبوتس المذكور ويدعى دان مئير، عام 1999، الكشف عن هذه القضية، بل والاتصال بجهات إسرائيلية رفيعة المستوى، وحتى الوصول للسفير المصري لدى تل أبيب، لكن أحداً لم يقبل التعاون معه، فيما حظرت الرقابة العسكرية الإسرائيلية نشر أي تقرير عن الموضوع ، المرة تلو الأخرى.
(وهذا يعني ان كثيرا من المذابح ضد الشعب الفلسطيني لم تزل مخفية رغم ما كشفه  بني موريس أحد المؤرخين الجدد الصهاينة بشكل محندق.وعلى الأقل لا ندري عدد من قُتل من الشعب الفلسطيني سواء على الحدود بعد 1948 وهو ما يسمى “التسلُّل” حيث كان يعود كثير من الناس إلى بيوتهم لاسترجاع ما يمكنهم حمله ذلك لأنهم كانوا يعتقدون بأن الخروج مؤقت!! هذا إلى جانب من قُتلوا على الحدود مع الأردن بعد هزيمة 1967  وهم يقطعون نهر الأردن من مناطق عريضة حيث المياه خفيفة ويسمونها “المخَّاضات” وكثير منهم فدائيون-  ع.س.)

شهادة

حين تكتب عن الشهدءا، تضطرب، وتتردد، تترك الجهاز وتمشي في الغرفة جيئة وذهاباً تحارُ بين الكتابة بالذهب أم بالدمع. وهل تبكي!!! ولم تفعلها سوى بضع مرات، ولكن: لِم لا!
يوم الإثنين 3 حزيران 1967 وبالتنسيق مع د. وديع حداد (والرجل وطني عروبي لم يكن لا هو ولا الحكيم ماركسيين بعد وهذا لا يعيبهما.سأكتب عن هذا لاحقاً) قطعت دراستي  وعدت إلى فلسطين لنتلقى كمجموعات ابطال العودة ما نحتاجه من سلاح يوم 9 حزيران وذلك طالما أن الحرب واقعة وأن ناصر أغلق مضائق تيران فيجب أن نقوم بدورنا.
 في الطريق من عمان إلى القدس مررت بالأغوار وكانت مليئة بدبابات الجيش العربي الأردني. لكن الحرب اشتعلت يوم 5 حزيران بعدوان أمريكي/غربي بمقدمة صهيونية ، وهي كذلك دائماً.
مساء 5 حزيران احتشد المئات من قوات الصاعقة المصريين في مقر قيادة كتيبة الحرس الوطني في قريتنا بيت عور الفوقا. كان المقر مقابل بيتنا تماما بينهما الشارع (خلال الأشهر الأولى للاحتلال تبرع أهل القرية بالمال ومن ضمنه قسط كبيرثمن عدة آبار لعشيرتنا سماره باعته لأشخاص، وذلك لبناء مسجد  مكان قيادة الكتيبة. أي لم يُبن بمال الأنجزة والنفط هكذا يمكن للمرء فهم الإسلام العربي. أما البيت فُهدم يوم 17 ديسمبر 1967 إثر اعتقالي (من أمام بيتنا احتشد الفدائيون المصريون في سيارت الجيش الأردني لنقلهم إلى الحدود أي إلى القرى الثلاثة المذكورة، ومعهم فدائيون (وأدلّاء من دليل)  فلسطينيون ممن عملوا في العمل الفدائي في الخمسينات مع عبد الحميد السراج خلال فترة الوحدة المصرية السورية حيث كانوا يعرفون الأرض المحتلة 1948 . وكان مثلهم في قطاع غزة بإشراف الشهيد المصري الضابط مصطفى حافظ الذي اغتاله الصهاينة بطرد ملغوم.
دخل الفدائيون المصريون مساء 5 حزيران مع الظلام إلى الأرض المحتلة، وعادوا قبيل طلوع الشمس ليجدوا المواقع العسكرية في القرى الثلاثة التي انطلقوا منها إلى داخل الأرض المحتلة وقد دخلها العدو، وكان الاشتباك مع طلوع الشمس.
من قريتنا العالية المشرفة على سهل بيت نوبا ويالو كنا نرى المصريين يقفزون على دبابات العدو ليلقوا فيها القنابل اليدوية والدبابات تحصدهم!.
تمكن عدد قليل من الفدائيين من الانسحاب بعضهم هام على وجهه في منطقة لا يعرفها، وبعضهم عثرنا عليه وتمكن بعض الأدلاء من إيصاله إلى الضفة الشرقية من الأردن. لا ادري إن كان أحدهم قد كتب مذكراته!.
كنا نحن ننتظر السلاح ولم يحصل بسبب اشتعال الحرب قبل الموعد.
كتبت كثيراً بأن كلا الشكلين من النضال عظيم، ولكن الاشتباك المسلح والعمل السري يتطلب اعصابا أكثر من العمليات الاستشهادية لأن الأخيرة تحصل في ثوانٍ، بينما في الأولى الصبر ومواجهة الموت وحرب الأعصاب  في كل لحظة ومواصلة المواجهة. (ذكرت هذا تفصيلاً ايضاً في شهادتي لأطروحة الدكتوراة إاشجان عجور عن الإضرابات الطويلة عن الطعام).

ويبقى الأهم: وهو إعادة البناء عروبياً بلا مواربة. نعم، هُزمنا عام 1967، وبغض النظر عن عديد الأسباب والتحليلات، ولكن كان عبد الناصر صادقاً. تحبه أو تكرهه، تراه جذريا حتى النهاية أم لا، له الكثير وعليه القليل، ولكنه أحد أعلام حركة التحرر العربية بكل إشكالاتها.

أمَّا ما يفقأ أعين المطبعين ويلوي ألسنتهم إلى حلوقهم فهو الفدائي المصري الذي وصل فلسطين ودخل الأرض المحتلة وقاوم حتى الاستشهاد رجل مقابل دبابة. فلتحترق دبابات جيوش الأوغاد وأجهزة مخابراتهم ومندوبيهم ومثقفيهم من الطابور السادس الثقافي والمنشبكين. وطالما كان الفدائي هكذا، لن تموت عروبة الطبقات الشعبية خاصة.

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.