(1)
المقال الأول
أزمة الغذاء العالمية المتفاقمة تُنذر بالتحول إلى كارثة عالمية، تُهدد بصورة خاصة الدول الفقيرة والأشد فقرًا فى آسيا وأفريقيا، التي تواجه اقتراب شبح المجاعة بالفعل، أو ما يسميه أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش «إعصار الجوع. »
الأزمة بدأت بالفعل منذ العام الماضى بسبب جائحة «كورونا»، وما ارتبط بها من إغلاق ومصاعب كبيرة لحركة النقل البحرى وارتفاع لتكاليف وارتباك شامل في حركة التجارة العالمية، ثم جاءت الحرب في أوكرانيا لتُزيد من تفاقم الأزمة بسبب العقوبات على روسيا، وإخراج أهم بنوكها من منظومة «سويفت» مما خلق تعقيدات في تسوية مدفوعات تجارتها، وكذلك منع سفنها من دخول الموانئ الأوروبية، ووضع هدف «خنق» الاقتصاد الروسي كهدف معلن للعقوبات الأوروبية، مما دفع روسيا إلي الإعلان عن حظر تصدير الحبوب والسلع الغذائية إلا للدول الصديقة، وتنفيذًا للصفقات المعقودة من قبل بصفة أساسية.. ومن ناحية أخرى فقد لجأت أوكرانيا لتلغيم موانئها على البحر الأسود وما حولها، كإجراء دفاعى لمنع احتمال دخول سفن الأسطول الحربى الروسي إليها.
ومعروف أن روسيا وأوكرانيا تسهمان بنحو ثلاثين فى المائة (٣٠٪) من تجارة القمح والحبوب والسلع الغذائية عموما في العالم «الأهرام – ٣٠ مارس ٢٠٢٢» استنادا إلى أرقام المعهد الدولى لأبحاث الغذاء، وتحتل روسيا المركز الأول فى تجارة القمح بالذات بحوالى «ربع» صادرات القمح العالمية، بينما تحتل أوكرانيا المركز الخامس بين الدول المصدرة للقمح بنصيب يتراوح بين ١٠ – ١٢٪ «المصدر السابق – الأهرام ٣٠ مارس».. ويجب هنا أن نشير إلى ضرورة التفرقة بين الإنتاج والتصدير، فالصين هى الدولة الأولى في إنتاج القمح عالميًا، لكنها تحتاج إلى كل إنتاجها لإطعام شعبها الذى يبلغ تعداده نحو (١٤٠٠ مليون نسمة)، والهند هى المنتج الثانى، لكنها تستهلك إنتاجها محليًا بصفة أساسية، لإطعام شعبها (١٣٠٠ مليون نسمة) تُصدِّر كميات غير كبيرة حسب ما يفيض عن استهلاكها، وبصفة غير منتظمة.
كما تسيطر روسيا وأوكرانيا علي ٢٧٪ (سبعة وعشرين بالمائة) من صادرات الشعير و(١٧٪ سبعة عشر بالمائة) من صادرات الذرة الصفراء، والتي تمثل (٧٥٪.. ثلاثة أرباع) مكونات الأعلاف النباتية للمواشى والدواجن، كذلك يسهم البلدان بنحو ثلاثة أرباع تجارة زيوت عباد الشمس (٧٣٪) منها حوالي ٥٠٪ لأوكرانيا والباقى لروسيا.. ومعروف أنه أكثر أنواع زيوت الطعام استخدامًا فى العالم.
وبالإضافة إلى ذلك فإن روسيا وحدها تقوم بتصدير ١٥٪ (خمسة عشر بالمائة) من تجارة الأسمدة الأزوتية «النيتروچينية» الأكثر أهمية للإنتاج الزراعى، وحوالى ١٧٪ (سبعة عشر بالمائة) من صادرات أسمدة البوتاسيوم المهمة للزراعة.
ومع اشتعال الحرب فرضت روسيا قيودًا على تصدير المواد الغذائية والأسمدة.. وكذلك فعلت أوكرانيا التي توقفت موانئها عن التصدير أصلا، لكنها بعد فترة بدأت فى تصدير الحبوب بصورة محدودة من خلال الموانئ الرومانية على البحر الأسود، بعد نقلها بالقطارات أو من خلال الشاحنات عبر حدودها مع بولندا والمجر.
زيادات حادة في الأسعار
وكان طبيعيًا أن يؤدى هذا كله إلى نقص واضح للإمدادات، فاقم منه أن بعض الدول المصدِّرة الأخرى وضعت قيودًا على صادراتها، كما بادر عدد من الدول المستهلكة لزيادة الواردات، سعيًا لتكوين احتياطيات آمنة فى ظروف الأزمة المتفاقمة، وأدى ذلك كله مع زيادة التضخم فى الأسواق العالمية إلى ارتفاع أسعار القمح بنسبة ٦٥٪ (خمسة وستين بالمائة) منذ بداية العام، وزيادة أسعار زيت الطعام بنسبة (٧٥٪) خمسة وسبعين بالمائة، كما ارتفعت أسعار الذرة والشعير بنسبة كبيرة، ووصل سعر الطن من الأرز إلى حوالى ألف دولار (سكاى نيوز عربية – ١٤ يونيو ٢٠٢٢ – حديث للخبير الزراعى المعروف د. نادر نور الدين، استنادا إلى أرقام المؤسسات الدولية)، كما ارتفعت أسعار الشحن بنسبة كبيرة بسبب ارتفاع أسعار الوقود وزادت رسوم التأمين على الشحنات الواردة من منطقة البحر الأسود، بسبب مخاطر الأوضاع العسكرية فى المنطقة «موانئ روسيا ورومانيا وبلغاريا».. وكلها زيادات يتم تحميلها على الأسعار النهائية بالطبع.
تسييس الأزمة وتعقيد الحل
أشرنا من قبل إلى أن بدايات أزمة الغذاء العالمية ترجع إلى مرحلة تفشى وباء «كورونا»، وإلى دور التضخم العالمى فى زيادة أسعار المواد الغذائية، وما يسببه ذلك من مصاعب كبيرة للدول الفقيرة والأكثر فقرا بصفة أساسية.. وهى مصاعب لا تقف عند حدود الاقتصاد، لأن نقص المواد الغذائية، أو الارتفاع الشديد فى أسعارها من شأنه أن يعرِّض الاستقرار السياسى للخطر وأن يدفع ملايين البشر للهجرة الاقتصادية.
ونلاحظ هنا أنه مع اشتعال الحرب فى أوكرانيا اتجهت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إلى تحميل روسيا مسئولية الأزمة الغذائية العالمية، بدعوى أنها تحاصر الموانئ الأوكرانية، وتمنع تصدير أكثر من ٢٥ مليون طن من القمح الأوكرانى، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الغذائية العالمية، وتعريض مئات الملايين من البشر لخطر الموت جوعا، وبالتالى فإن المطلوب هو رفع روسيا لحصارها عن الموانئ الأوكرانية، وانسحابها من أوكرانيا.. وكأن مثل هذه الإجراءات هى الكفيلة بحل الأزمة!
والواقع أن هذا الطرح يحتاج إلى مراجعة دقيقة.. وقبل كل شيء فإن بداية الأزمة تعود إلى ما قبل نشوب الحرب، وتحديدًا إلي مرحلة تفشى «كورونا»، كما هو معروف.. وثانيا: فإن أوكرانيا نفسها هى من قامت بتلغيم الموانئ.. وحتى في حالة فك الحصار الروسى فإن هذه الموانئ تظل غير آمنة للملاحة، وقد عرض الرئيس التركى أردوغان مبادرة تقضى بأن تقوم أوكرانيا بنزع الألغام، مع تعهد روسيا بعدم الاقتراب من الموانئ وأن تقوم تركيا وروسيا بتأمين ممر إنسانى لنقل القمح من الموانئ الأوكرانية إلى أسواق العالم، ويضمن البلدان تأمين سلامة الشحنات، لكن أوكرانيا رفضت المبادرة التركية وقالت إنها تصدر قمحها عبر رومانيا وبولندا والمجر.. إلخ.
وثالثا.. وهذا هو الأهم.. فإن هناك مبالغة واضحة في كمية القمح التي يتحدث السياسيون والإعلاميون الغربيون عن وجودها فى أوكرانيا، فوزير الزراعة الأوكرانى نفسه ذكر في حديث نقلته وكالات الأنباء العالمية «المصرى اليوم ـ ١٦ يونيو الجارى» ما يفيد بأن الإنتاج الأوكرانى هو في حدود ٢٥ مليون طن سنويا.. تستهلك البلاد (٥ ملايين/ خمسة ملايين طن) منها، فيكون الباقى (٢٠ مليون طن)، وإذا وضعنا فى اعتبارنا أن الموسم الآن في نهايته، فإن من الصعوبة بمكان أن يوجد حتى ٢٠ مليون طن بعد حساب ما قامت أوكرانيا بتصديره خلال الصيف والخريف والشتاء «حتى بداية الحرب».. وما يتم تصديره الآن «المصرى اليوم والوكالات – ١٦ يونيو».. أى أن مخزون القمح الأوكرانى كله يمكن أن يكون في حدود ١٠ ملايين طن مطلوب منها ٥ ملايين طن لاستهلاك الشعب نفسه حسب كلام الوزير نفسه.
وينتقل وزير الزراعة الأوكرانى لذكر أن مخزون الحبوب بكافة أنواعها «قمح، ذرة، ذرة صفراء، شعير وشوفان، فول صويا» قد يصل إلى ٢٣ مليون طن إجمالا.. وهنا يجب ملاحظة الصياغة غير الأكيدة «قد يصل» وأن الحديث يدور حول جميع أنواع الحبوب، وليس القمح وحده..
ورابعا: وهو ما لا يقل أهمية، بل يزيد فإن بوتين قد عرض ضمان تصدير ما لا يقل عن (٥٠/ خمسين مليون طن) من القمح الروسى فى حالة رفع العقوبات جزئيا عن بلاده، مع تسهيل صادرات القمح الأوكرانى، لكن هذا الاقتراح تم تجاهله تماما من جانب أمريكا والاتحاد الأوروبى، والسبعة الكبار، لأن هذا العرض لا يخدم أهدافهم في تسييس الأزمة ووضع روسيا في موضع المسئولية عنها، ومن ثمَّ فى موضع الإدانة.
والحقيقة أنه بغض النظر عن موقف أى شخص من السياسة الخارجية الروسية أو الغربية، فإن من الضرورى التصويب على الأسباب الحقيقية لنشوء الأزمة وتفاقمها، لكى يمكن معالجتها فعلا، وانقاذ ملايين البشر من المجاعة، وليس تسييس القضية والخروج بإدانة لهذا الطرف أو ذاك، وترك عشرات الملايين من البشر فريسة للمجاعة الوشيكة، وإثقال كاهل اقتصادات عشرات الدول النامية بأعباء ضخمة، تتسبب فى فشل محاولاتها لتوفير الحد الأدنى من فرص الحياة الكريمة لشعوبها.. وحول الأسباب الحقيقية والأعمق لتكرار أزمات الغذاء العالمية، واحترام الأزمة الحالية وسبل مواجهتها وخاصة في بلادنا سيكون موضوع مقالنا التالي..
(2)
المقال الثاني
أزمة الغذاء العالمية مشكلة خطيرة تهدِّد بحدوث مجاعة يعانى منها عشرات الملايين من البشر، وخاصة فى الدول الفقيرة والأشد فقرًا، ولذلك فإن الوقوف على أسبابها الحقيقية أمر ضرورى بصورة مطلقة، لكى يُمكن معالجة هذه الأسباب وحل الأزمة. ويفرض هذا التعامل بجدية وبمسئولية عن حياة البشر حينما يتحدث أى سياسى أو إعلامى أو خبير اقتصادى عن هذه المشكلة، وألا يتم استخدامها بصورة مغرضة لإدانة هذا الطرف أو ذاك، أو دعم وجهة نظر سياسية بعينها على حساب الحقيقة، لأن هذا يؤدى إلى توجيه الاهتمام والجهود فى اتجاه خاطئ، وترك المشكلة تتفاقم، والضرر يقع على ملايين البشر المطلوب إنقاذ حياتهم أو تخفيف الضرر عنهم.
ومعروف أن أزمات الغذاء تتكرر بصورة شبه دورية عمومًا لأسباب تتصل بالكوارث الطبيعية من جفاف أو فيضانات أو زحف التصحر على الأراضى الزراعية مما يؤدى لتدمير المحاصيل في بعض المناطق وذلك على خلفية زيادة السكان، وخاصة في الدول النامية والأشد فقرًا بنسبة تسبق زيادة الموارد الطبيعية وتطوير الإنتاج الزراعى، والأمر الأكثر أهمية هو أن السياسات الزراعية فى أغلب دول العالم تهدف لتحقيق الربح وخدمة مصالح الشركات العملاقة وكبار منتجى الحبوب ومختلف السلع الغذائية، أكثر مما تهدف إلى تلبية احتياجات أوسع جماهير السكان للغذاء بأسعار تتناسب مع دخولهم، وهذا حديث يطول شرحه، ولا يتسع له المقام هنا.
أما بالنسبة للأزمة الحالية، فالثابت أنها بدأت مع تفشى وباء «كورونا»، وما صاحبه من إغلاقات واسعة النطاق للمؤسسات الاقتصادية «بما في ذلك مصانع الأسمدة الضرورية للزراعة» والاضطراب الكبير في منظومة التجارة الدولية والنقل البحرى، فضلاً عن التضخم المرتبط بطبع كميات هائلة من النقود، وخاصة في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى، وغيرها من الدول الغنية، وهو التضخم الذى فاقمت منه أزمة الطاقة العالمية المرتبطة بصورة وثيقة بالعقوبات الغربية ضد روسيا، ومن ثمَّ الارتفاع الهائل فى أسعار موارد الطاقة، ومختلف السلع الصناعية والزراعية، بما فيها المواد الغذائية بالطبع.
ثم جاءت الحرب في أوكرانيا والمواجهة الشاملة بين الغرب وروسيا، وما صاحبها من عقوبات اقتصادية قاسية، وارتباك فى سلاسل التوريد لتفاقم من هذه الأزمات المترابطة.. ولكن ليس لتخلقها أصلا، كما يحاول السياسيون والإعلاميون الأمريكيون والأوروبيون أن يقنعونا.ومعروف أن روسيا هى أكبر مصدِّر للقمح فى العالم بنسبة تبلغ حوالى ٢٠٪ من الصادرات العالمية، وأن أوكرانيا هى خامس أكبر المصدرين، بنسبة تتراوح بين (٨ – ٩٪)، كما يسيطر البلدان على ٢٧٪ من صادرات الشعير و١٧٪ من صادرات الذرة، التى تمثل ثلاثة أرباع مكونات أعلاف المواشى والدواجن، علاوة على إسهامهما بحوالى ٧٥٪ من زيت عباد الشمس، الأكثر استخدامًا فى العالم من أنواع الزيوت النباتية.
وبالإضافة إلى ذلك فإن روسيا تصدِّر ١٧٪ من الأسمدة الأزوتية «النيتروچينية» و١٥٪ من أسمدة البوتاسيوم حسب المصادر الدولية (راجع «الأموال» – ١٩/ ٦/ ٢٠٢٢).
ونود أن نلفت النظر إلى خلط شائع فى عديد من الكتابات والتقارير، بين التصدير والإنتاج.. فكثيرًا ما يتم ذكر أرقام التصدير على أنها أرقام الإنتاج أو العكس، أما في الحقيقة فإن الصين والهند هما أكبر منتجى القمح في العالم على التوالى، لكن أعداد السكان الهائلة فيهما تجعلهما بحاجة لإنتاجهما «بالكامل تقريبا» ولا تصدِّران إلا كميات قليلة وغير مؤثرة، فى أعوام المحصول الوفير.
الأزمة بين الدعاية والحقائق
مع نشوب الحرب الأوكرانية كان من الطبيعى أن تتفاقم الأزمة الناشبة أصلا منذ أيام تفشى «كورونا»، وقد أعلن عدد من الدول المصدِّرة للقمح والحبوب عن وقف صادراتها مؤقتًا، أو فرض قيود عليها، خوفًا عن مواجهة نقص فى الإمدادات لديها، وكانت روسيا بين هذه الدول.. ثم عادت فخففت القيود، وأعلنت أنها لن تصدِّر إلا للدول الصديقة، وستمنع الصادرات عن الدول «غير الصديقة».. أى المشاركة في العقوبات ضدها.. واتخذت نفس الموقف فيما يخص الأسمدة. ولنلاحظ أن روسيا هى أكبر الدول المصدِّرة للقمح (٣٧.٥ مليون طن عام ٢٠٢٠ – مقابل ٢٦.١ مليون طن لأمريكا، و٢٦ مليون طن لكندا، و١٩.٧ مليون طن لفرنسا، و١٨ مليون طن لأوكرانيا).
غير أن الجزء الأكبر من الصادرات الروسية قد توقف بسبب العقوبات، وخاصة بسبب مصاعب حركة السفن في البحر الأسود في ظل مخاطر الحرب، وامتناع شركات التأمين وإعادة التأمين عن التعامل مع الشحنات الروسية، لهذا السبب وأيضًا بسبب إبعاد أغلب البنوك الروسية عن منظومة «سويفت».
أما أوكرانيا فقد قامت بتلغيم موانئها لمنع الأسطول الروسى من دخولها، كما فرض هذا الأسطول حصارًا بحريًا على تلك الموانئ، لكن من المهم ذكر أن صادرات القمح الأوكرانية لم تتوقف تمامًا، بل انتقل جزء منها إلى الموانئ الرومانية.. أو إلى التصدير بالقطارات عبر بولندا والمجر وسلوفاكيا.. وإن كان من المؤكد أن حركة هذه الصادرات قد ارتبكت.
وقد أشرنا فى الجزء الأول من هذا المقال «الأموال ١٩/ ٦» إلى حديث لوزير الزراعة الأوكرانى نفسه ذكر فيه أن إجمالى محصول الحبوب المخزون في بلاده «قد يصل» إلى ٢٣ مليون طن من القمح والشعير والذرة وبذور عباد الشمس وغيرها، منها «خمسة ملايين طن» لأزمة الاستهلاك المحلى، وبديهى أن الوزير الأوكرانى لن يقلل من حجم مشكلة بلاده، بل إن الأرجح أنه سيلجأ إلى تضخيمها.
< < <
ومن ناحية أخرى فإن الرئيس الروسى بوتين قدم اقتراحًا من شقين:
الأول: أن تقوم أوكرانيا بإزالة الألغام التي نشرتها حول موانئها.. ويفتح الأسطول الروسى ممرًا إنسانيًا لعبور شحنات القمح والحبوب وتوفير الحماية للسفن التى تنقلها، وهى مبادرة يفترض أن تشارك تركيا في تنفيذها، لأن المبادرة صدرت بعد محادثات بين بوتين وأردوغان.. علمًا بأن تركيا دولة عضو فى حلف «الناتو».
الشق الثانى: أن يتم رفع العقوبات عن روسيا، على أن تتعهد بتصدير ٥٠ مليون طن من الحبوب فورًا، فضلا عن الأسمدة التى أدى نقص إمداداتها إلى ارتفاع صاروخى في أسعارها، وأضاف بوتين نقطة أخرى إلى هذا الشق من مبادرته، تقضي برفع العقوبات الغربية عن بيلاروسيا لتقوم بتصدير ما لديها من أسمدة «وهى دولة متقدمة ومنتج معتبر فى هذا المجال» علاوة على ما لديها من مخزون القمح الذى لا تستطيع تصديره بسبب العقوبات الغربية الشاملة المفروضة عليها.
< < <
لكن أوكرانيا وأمريكا وبريطانيا، والدول الصناعية السبع الكبري، والمفوضية الأوروبية، كلها رفضت هذه المبادرة وطالبت روسيا برفع الحصار عن الموانئ الأوكرانية فورًا، مع رفض العرض الروسى بتوفير ٥٠ مليون طن من القمح فورًا، بالإضافة إلى ملايين الأطنان من الأسمدة.
وحملت تلك الدول كلها روسيا مسئولية الأزمة الغذائية المتفاقمة متهمة إياها بارتكاب «جريمة حرب» ودفع العالم نحو المجاعة.. وأصبحت هذه النغمة هى السائدة فى الإعلام الغربي وأحاديث السياسيين الغربيين خلال الفترة الأخيرة.
< < <
أسئلة لا يمكن تجاهلها
هنا تبرز أسئلة لا يمكن للمراقب الموضوعى أن يتجاهلها:
أولها: إذا كانت الصادرات العالمية من القمح تبلغ حوالى مائتى مليون طن، وإذا كان مخزون أوكرانيا من جميع أنواع الحبوب يبلغ- حسب شهادة وزير زراعتها نفسه (٢٣ مليون طن) منها خمسة مطلوبة للاستهلاك المحلى.. أى أن القابل للتصدير يبلغ (١٨ مليون طن).. وإذا كانت كل صادرات أوكرانيا تبلغ (١٨ مليون طن).. والموسم الآن فى نهايته، ويفترض أن يكون كل ما بقىَّ منها هو الربع أو الثلث.. فهل خمسة أو ستة ملايين طن من القمح هي التى ستتسبب في المجاعة العالمية؟!!
السؤال الثانى: إذا كان بوتين يعرض توفير ٥٠ مليون طن من القمح والحبوب، فضلا عن تسهيل خروج المخزون الأوكرانى (بمجموع يبلغ حوالى سبعين مليون طن).. فضلا عن الإفراج عن الصادرات الروسية الأوكرانية الضخمة من القمح والحبوب (حوالى ٥٥ مليون طن من القمح وحده - منها ٣٧.٥ مليون من روسيا و١٨ مليوناً من أوكرانيا) وفضلا عن الإفراج عن صادرات روسيا وأوكرانيا من بقية أنواع الحبوب، وعن زيت عباد الشمس (حوالى ٧٥٪) من الإنتاج العالمى.. وعن صادرات الأسمدة الروسية والأوكرانية البيلاروسية.. فهل هذا أكثر جدوى لحل الأزمة- أو على الأقل التخفيف منها بشدة- أم الإصرار على حصر القضية فى المخزون الأوكرانى؟!! علمًا بأن إنتاج روسيا المتوقع من القمح وحده هذا العام يبلغ ٨٧ مليون طن (RT – ٢٨/ ٣/ ٢٠٢٢)..
السؤال الثالث: وإذا كان الأمر كذلك فمن هو الطرف الذى يُصر على تعقيد الأزمة، ودفع عشرات الملايين من البشر نحو المجاعة؟!!
السؤال الرابع: إذا كانت أمريكا والدول الغربية تفرض العقوبات غير المسبوقة على روسيا وتعلِّن ليل نهار أن هدفها هو تدمير الاقتصاد الروسي، واستنزاف موسكو.. الخ.. علمًا بأن هذه العقوبات مفروضة خارج إطار الأمم المتحدة، وأغلب دول العالم ترفضها، وإذا كان هناك إقرار غربى عام حاليًا بأن العقوبات قد فاقمت الأزمة الاقتصادية العالمية، وانعكست سلبًا على الاقتصادات الغربية نفسها.. فهل من حق أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى والدول السبع الكبرى أن تتمسك باستمرار العقوبات.. وفي الوقت نفسه تطالب روسيا برفع حصارها عن الموانئ الأوكرانية دون مقابل؟؟!! أى أن تستسلم بهدوء للخنق والتدمير؟؟!! هل هذا من الواقعية في شىء، وخاصة في ظروف المواجهة الشاملة الجارية، والحرب المشتعلة؟؟!!
والسؤال الخامس: هل المطلوب إنقاذ حياة عشرات الملايين من البشر من غائلة المجاعة.. أم دفع روسيا وبوتين «بجريمة الحرب» والمسئولية عن تجويع الناس؟؟ ومن المسئول أصلا عن إشعال المواجهة الشاملة والحرب في أوكرانيا؟؟
ليست سياسة توسيع «الناتو» شرقًا ووضع ظهر روسيا للحائط هى المسئولة عن هذه المواجهة، والحرب التى تنعكس آثارها شديدة السلبية على العالم بأسره؟؟
وللحديث بقية عن انعكاسات هذه الحرب على مصر وعلى المنطقة.. وسبل تجاوز أزمة الغذاء العالمية
(3)
المقال الثالث والأخير
سد الفجوة الغذائية.. ضرورة قصوى للأمن القومى المصرى
تحدثنا فى المقالين السابقين من هذه السلسلة «الأموال- ١٩ و٢٦ يونيو» عن مظاهر وأسباب أزمة الغذاء العالمية الحالية.. وأشرنا فى عجالة إلى الأسباب العامة لتكرار الأزمات الغذائية بصورة شبه دورية، ثم ركزنا على أسباب الأزمة الأخيرة، وأكدنا أن تحليل الأسباب الحقيقية للأزمة وإبعادها عن التسييس وتوجيه الاتهامات إلى هذا الطرف أو ذاك بالتسبب فى حدوثها- بصورة غير صحيحة- أمر ضرورى للغاية ليمكن التعامل بصورة موضوعية مع الأزمة وإزالة أسبابها، بما يحقق إنقاذ عشرات أو مئات الملايين من البشر من مخاطر المجاعة أو انخفاض مستوى الأمن الغذائي بصورة خطيرة، فيما يؤدى التضليل عن الأسباب الحقيقية إلى ترك الأزمة تستفحل، بعيداً عن معالجة الأسباب التى أدت إليها.
وأوضحنا أن الأزمة الحالية بدأت بالفعل مع تفشى وباء «كورونا»، وما صاحبه من إغلاقات للمؤسسات الاقتصادية، وارتباك فى حركة النقل والتجارة العالمية، وانقطاعات فى سلاسل التوريدات، ثم زيادة التضخم فى اقتصادات الدول البرى، وانتشاره عبرها فى الاقتصاد العالمى كله، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية بدرجة كبيرة.
وأوضحنا أن نشوب الحرب الأوكرانية قد أدى إلى تفاقم الأمة بحكم أن روسيا هى أكبر مصدر للقمح فى العالم وأوكرانيا هى خامس المصدِّرين، نصيب إجمالى الدولتين يبلغ نحو ٣٠٪ فضلا عن إسهامهما بنحو ٢٧٪ من تجارة الشعير العالمية و١٧٪ من تجارة الذرة الصفراء، التى تحتل حوالى ٧٥٪ من أعلاف المواشى والدواجن فضلا عن إسهامهما بحوالى ثلاثة أرباع تجارة زيت عباد الشمس، بالإضافة إلى مساهمة روسيا بـ١٥٪ من صادرات الأسمدة الآزوتية و١٧٪ من تجارة أسمدة البوتاسيوم «الأموال- ٢٦/ ٦/ ٢٠٢٢».
كما أوضحنا دور العقوبات الغربية فى إعادة تصدير القمح الروسى فى ارتباط ذلك بإحجام السفن عن نقل السلع الروسية عموما، بسبب خطورة الوضاع فى البحر الأسود، فى ظل امتناع شركات التأمين وإعادة التأمين عن التعامل مع البنوك الروسية بسبب إبعاد أغلب هذه البنوك عن منظومة «سويفت» لتسوية المدفوعات، مما أدى لخفض شحنات القمح الروسية بدرجة كبيرة.
كما أدى تلغيم أوكرانيا لموانئها لمنع السفن الروسية من دخولها، وكذلك حصار الأسطول الروسى لتلك الموانئ إلى إعاقة الطريق الرئيسية لتصدير القمح الأوكرانى (٨ – ٩٪ من الصادرات العالمية)، وتحويل التصدير إلى موانئ رومانيا، وإلى التصدير بالطريق البرى عبر بولندا والمجر وسلوفاكيا، ما أثر على سهولة وصول الشحنات الأوكرانية إلى الأسواق العالمية
غير أننا رفضنا بصورة واضحة تحميل روسيا المسئولية عن الأزمة بصورة أساسية، فضلا عن المبالغات من قبيل ارتكابها «جريمة حرب غذائية» و«تجويع العالم» بسبب بضعة ملايين من الأطنان يتعطل تصديرها عن طريق الموانئ الأوكرانية، وأشرنا إلى دور العقوبات الغربية في مفاقمة أزمة الطاقة والغذاء، وارتفاع نسبة التضخم فى الاقتصاد العالمى إلى مستويات لم تحدث منذ أربعين عاما، الأمر الذى أدى إلي ارتفاع أسعار القمح مثلا بنسبة بلغت ٦٥٪ ـ خمسة وستين بالمائة» وارتفاع أسعار زيت الطعام بنسبة بلغت (٧٥٪ ـ خمسة وسبعين بالمائة) فضلاً عن ارتفاع تكلفة الشحن بسبب جنون أسعار الطاقة، وذلك بحلول نهاية مايو ٢٠٢٢ «سكاي نيوز عربية- ١٤/ ٦/ ٢٠٢٢- حديث للخبير الاقتصادى الزراعى الدكتور نادر نور الدين- نقلا عن أرقام المؤسسات الدولية المتخصصة».
الحل فى أيديهم
ومن ناحية أخرى فإن الدول الغربية الكبرى والغنية تسيطر على حوالى ٧٠٪ (سبعين بالمائة) من تجارة القمح العالمية، وتستفيد من ارتفاع أسعاره، إذ تُشير الأرقام إلى أنه إذا كانت روسيا قد ساهمت بـ٣٧ مليون طن وساهمت أوكرانيا بـ١٨ مليون طن حسب أرقام عام ٢٠٢٠ فإن كلا من أمريكا وكندا ساهمت بـ٢٦ مليون طن بمجموع ٥٢ «اثنين وخمسين مليون طن للدولتين» وفرنسا بحوالى ٢٠ مليون طن «عشرين مليون طن» واستراليا بأكثر من ١٠ ملايين طن «عشرة ملايين» وكذلك الأرجنتين «عشرة ملايين طن» وألمانيا بأكثر من تسعة ملايين طن «المصدر: الدستور ٣/ ٦/ ٢٠٢٢ نقلا عن الفاينانشيال تايمز».. أى أن الدول المذكورة تسيطر على أكثر من نصف تجارة القمح العالمية، وبما يقترب من ضعف مجموع صادرات روسيا وأوكرانيا معًا.. فأين دورها فى إنقاذ العالم من المجاعة؟
لهذا رأينا أن زعماء الدول النامية والفقيرة الذين كانوا مدعوين لحضور قمة الدول الصناعية السبع الكبرى GO7 كضيوف قد طالبوا الولايات المتحدة وكندا بصراحة ووضوح بالإفراج عن مخزونات القمح الهائلة لديهما وبيعها للدول النامية بأسعار مخفضة للحيلولة دون حدوث مجاعة، خاصة فى بعض الدول الأفريقية، إذ كانت القمة جادة في طرح حلول لهذه الأزمة «وننقل هنا بالنص عن جريدة الأهرام – ٢٨ يونيو ٢٠٢٢- الأهرام ووكالات الأنباء» وقد ذكرنا أعلاه أن الولايات المتحدة وكندا وحدهما تساهمان بما يقارب مجموع صادرات روسيا وأوكرانيا معا.. وإذا أضفنا مساهمة فرنسا «٢٠ مليون طن» وألمانيا واستراليا والأرجنتين «عشرة ملايين طن لكل منهما» فسيتضح لنا على الفور أن الدول الغربية الكبرى والغنية وخاصة أمريكا وكندا وفرنسا وألمانيا ـ قادرة علي تغطية أى نقص مؤقت فى الأسواق، خاصة وأن لديها مخزونات هائلة، كما أشار ضيوف قمة السبع الكبار، وأن لديها كلها القدرة على نجدة الدول الفقيرة والأشد فقرا فى افريقيا وجنوب آسيا «مثل سريلانكا، وبنجلاديش، ونيبال وبورما» بدلا من ذرف دموع التماسيح على عشرات الملايين الذين يواجهون المجاعة!
والواقع أن فى ظل الارتفاع الكبير للغاية فى أسعار القمح والحبوب وغيرها من السلع الغذائية فإن وضع الدول الفقيرة والأشد فقرًا بل وبعض الدول متوسطة الدخل من الشريحة الأدنى قد أصبح بالغ الصعوبة، الأمر الذى يقتضى تقديم مساعدات دولية عاجلة وسخية إليها، وأن يتم هذا خارج الأطر التقليدية محدودة الأثر، لأن حجم الأزمة كبير وموارد الدول الفقيرة تعجز عن المواجهة الفعالة للمشكلة.
وعلاوة على المساعدات السخية والمنسقة، فإن الدول الغنية ومنظمات التمويل الدولية مدعوة لتأجيل سداد القروض المطلوبة من الدول الفقيرة، وشطب أجزاء ملموسة منها.
كما أنه لابد من تخفيف جذرى لشروط مؤسسات التمويل الدولية وخاصة صندوق النقد الدولى و«روشتته» الشهيرة المفرضوة على السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدول النامية، مقابل حصولها على القروض، مثل رفع الدعم عن السلع الأساسية والسلع الغذائية بصورة أخص، ولو لعدة سنوات، وإلاّ فإن العواقب الإنسانية والاجتماعية ـ بل والسياسية ــ ستكون وخيمة، وسيدفع ثمنها العالم كله، فى صورة اضطرابات مؤثرة على الاستقرار السياسى، وهجرات اقتصادية غير شرعية، وحركات نزح واسعة داخل الدول.
مصر والفجوة الغذائية
والواقع أن تكرار الأزمة الغذائية العالمية خلال أقل من عقدين (٢٠٠٨ – ٢٠١٦ ثم الأزمة الحالية) بفرض على الدول النامية مثل مصر «فضلا عن الدول الفقيرة والأشد فقرًا» انتهاج سياسات اقتصادية وخاصة فى مجال الزراعة تساعدها على سد الفجوة الغذائية خلال أقصر فترة ممكنة، لأن تكرار الأزمات الغذائية العالمية يمكن أن يفرضها لأوضاع بالغة الصعوبة ليس من الزاوية الاقتصادية والاجتماعية فحسب.. على أهميتها البالغة بل وأيضا من الناحية السياسية، سواء من ناحية الاستقرار وعلاقته بالأمن القومى، بل وأيضا من ناحية تعرضها لضغوط على إرادتها واستقلالها، حتى لو توافرت الأموال، لأن تجارة السلع الغذائية ليست مجرد مسألة تجارية، بل إن لها أبعادها السياسية والاستراتيجية، خاصة وأن كبرى الدول المنتجة للسلع الغذائية الأساسية فى العالم هى إما دول كبرى «كالولايا المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وغيرها» أو أنها دول مرتبطة بتحالفات دولية وعلاقات متشابكة مع الدول الكبرى،، مما يجعلها عرضة للتأثير على مواقفها.
وبالنسبة للدول العربية بما فيها مصر فإن الأرقام تشير إلى أنها تستورد حوالى ٦٥٪ من احتياجاتها من السلع الغذائية الاستراتيجية «الأهرام ـ ٣٠ مارس ٢٠٢٢» وهو رقم يمثل وضعا غير مريح على الإطلاق بالنسبة للأمن الغذائى الذى يمثل أحد الوجوه بالغة الأهمية للأمن القومى، مما يستوجب ضرورة الاهتمام بالتعامل معه وتعديله بأسرع ما يمكن.
والمؤكد أن هذا يتطلب ضرورة إعادة هيكلة الزراعة لصالح إنتاج السلع الأكثر أهمية «وخاصة القمح والأرز والذرة والذرة الصفراء، والحبوب الزيتية مثل عباد الشمس وغيرها، من ناحية والنظر فى إعادة توزيع الاستثمارات بما يحقق هذا الهدف، والأمن الغذائى عموما من ناحية أخرى.
فنحن نستورد حوالى ١٢ مليون طن من القمح سنويا، أى حوالى ثلثى استهلاكنا، وهذا وضع يجيب تغييره من خلال التوسع فى زراعة القمح علي حساب محاصيل أقل أهمية، وكذلك من خلال التوسع الرأسي بتطوير الإنتاجية.
وإذا كنا وضعنا آمنا من حيث احتياطيات القمح بالرغم من الأزمة العالمية، إلاّ أن تكلفة الاستيراد الكبير فى ظل ارتفاع الأسعار تمثل عبئا على اقتصادنا، وضغطا على مواردنا من العملة الصعبة، وهذا وضع غير مريح.
من ناحية أخرى فإن تشجيع الفلاحين على زراعة القمح وتوريد أكبر نسبة ممكنة من الإنتاج يقتضى رفع أسعار شراء المحصول منهم وهنا نلاحظ أن سعر شراء الدولة للأردب من أفضل نوعية «نقاوة ٢٣.٥ قيراط» يبلغ ٨٨٥ جنيها للأردب «وزن ١٥٠كجم» هذا الموسم، أى أن سعر شراء الطن من الإنتاج المحلى أقل قليلا من سبعة أرادب يبلغ حوالى ٥٩٠٠ جنيه، بينما يبلغ ثمن الطن عند تاجر الجملة ٨٣٠٠ جنيه من القمح الروسى والألمانى والليتوانى (٨٢٥٠ جنيها) للطن من القمح الأوكرانى «الدستور ـ ١٢ مايو بالنسبة لأسعار التوريد المحلية، ومصراوى ومباشر وغيرها» ـ «وموقع أسواق» بالنسبة لأسعار القمح المستورد، ويعنى هذا أننا ندفع ثمنا للطن من القمح المستورد أكثر بـ٢٤٠٠ جنيه مما دفع ثمنا للقمح المحلى، وهذا يعنى أننا ندعِّم الفلاح الأجنبى على حساب الفلاح المصرى، وهو وضع ينبغى تعديله تشجيعا للفلاح على زراعة القمح وعلى توريده للدولة، لأن بعض الفلاحين يمكن أن يستخدموا جزءا من إنتاجهم كعلف للمواشى! نظرا لارتفاع أسعار العلف وهذا وضع ينبغى إنهاؤه بأسرع ما يمكن.
الذرة الصفراء أيضا من الحبوب بالغة الأهمية كعلف للحيوانات والدواجن ونحن نواجه فجوة فى إنتاجها يبلغ ١٠.٥ مليون طن نحتاج لاستيرادها بالدولار «المصرى اليوم، ١٥ مارس» مما يؤثر على أسعار العلف بشدة، وبالتالى على أسعار اللحوم.
كما تواجه مصر فجوة فى إنتاج زيوت الطعام «عباد الشمس والكتان وبذرة القطن وغيرها»، فقد استهلكنا عام ٢٠٢٠ كمية من الزيوت تبلغ ٢.٦٦ مليون طن استوردنا منها ١.٨٢ مليون طن «الأهرام، ٢٠/ ٤/ ٢٠٢٢».
وتمتد الفجوة الغذائية إلى إنتاج الفول المدمس الوجبة الأساسية لإفطار المصريين، و«العدس» وغيرها من المحاصيل التي يكلفنا استيرادها كثيراً.
ولن ندخل في مزيد من التفاصيل حول الفجوة فى إنتاج اللحوم الحمراء والأسماك وغيرها، فالأمر الرئيس الواضح هو ضرورة إعادة هيكلة الزراعة المصرية بما يقلل من الفجوة الغذائية ويحقق الأمن الغذائى لمصر، ويجنبنا تقلبات البورصات العالمية والسياسات الدولية، انطلاقا من أن الأمن الغذائى هو أحد الوجوه الأساسية للأمن القومى للبلاد.
وبديهى أن هذا يتطلب سرعة توجيه استثمارات إضافية كبيرة لتحقيق هذا الهدف بالغ الأهمية، وحماية وطننا من مخاطر الأزمات الغذائية المتكررة فى العالم.
حفظ الله مصر من كل سوء.
:::::
المصدر: موقع “الأموال”
https://www.elamwal.com/206005
_________
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.