مقالات تحليلية روسية:  حول العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في ظل حرب أوكرانيا، يفغيني مينتشينكو، ترجمة د. زياد الزبيدي بتصرف

في رأيي، يتم اليوم تنفيذ استراتيجية الاتحاد الأوروبي، والتي أسميتها مجازًا “من حظيرة الدجاج إلى عش النسر”. نرى اليوم أن أيديولوجية الاتحاد الأوروبي تتحول بسرعة من فضاء السلام والتعاون الاقتصادي وحسن الجوار إلى خطاب متشدد شديد القسوة، والذي تم التعبير عنه، على وجه الخصوص، في التصريحات الأخيرة لكبار السياسيين الأوروبيين. هذا هو البيان، الذي كرر مرتين، من قبل رئيس الدبلوماسية الأوروبية بوريل، أن الأزمة الأوكرانية لا يمكن حلها إلا في ساحة المعركة. هذا هو تصريح المستشار أولاف شولتز بأن ألمانيا تتخلى عن فلسفتها العسكرية والسياسية وستزود أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة. أي أننا نشهد تغيرًا سريعًا بشكل عام في استراتيجية وأيديولوجية الاتحاد الأوروبي.

 السؤال الذي يطرح نفسه بشكل طبيعي: إذا كان هناك مثل هذه التغيرات السريعة في الأيديولوجيا، فما أسبابها؟

أعتقد أن هناك عدة اسباب هنا.

 بادئ ذي بدء، هناك عدم تجانس داخلي في الاتحاد الأوروبي، وأزمة سياسات أوروبية ذات سرعات مختلفة، تم التعبير عنها في انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفي التناقضات الجذرية بين الدول الرائدة في الاتحاد الأوروبي (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا) ودول أوروبا العدوانية (بولندا ودول البلطيق). بالإضافة إلى ذلك، هناك موقف مستقل لعدد من البلدان داخل الاتحاد الأوروبي – على وجه الخصوص، هذه هي المجر، حيث فاز فيكتور أوربان مؤخرًا في الانتخابات.

 نقطة مهمة للغاية: في عهد دونالد ترامب، كانت هناك أزمة في العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة. بدأ الأمريكيون فجأة يتحدثون عن حقيقة أن المظلة الأمريكية للازدهار الاقتصادي للاتحاد الأوروبي ليست ضمانًا أو دواءً لكل داء، وأن الأوروبيين أنفسهم يجب أن يستثمروا أكثر بكثير في أمنهم، وأن “حظيرة الدجاج” في أوروبا يجب أن تتغير. “لنفترض أن مهمتك هي شحذ المنقار، وجعل المخالب أكثر حدة والاستعداد لحقيقة أن الدجاج يجب أن تصبح نسورًا” . أدى هذا إلى مستوى عالٍ جدًا من الارتباك.

 يجب أن يكون مفهوماً أن أوروبا تقع تحت تأثير أمريكي قوي، أصبحت شبكة ضخمة من المنظمات غير الحكومية اليوم لاعباً جاداً مؤثرا في الحياة السياسية والاقتصادية المحلية للدول الأوروبية. و كما أخبرني أحد الخبراء الألمان البارزين، من المدهش كيف تسعى النخبة المحلية، تحت ضغط هذه المنظمات غير الحكومية، إلى تدمير صناعة السيارات الخاصة بهم. وبالتالي، فإن موضوع “القوة الناعمة” لا يصلح فقط في بلدان العالم الثاني والثالث.

 تسببت دعوة جو بايدن لإعادة توحيد الغرب في الشعور بالنشوة بين العديد من الشخصيات الأوروبية: فالأجندة السلبية ضد روسيا أمر حيوي بالنسبة لهم.

 هنا، في الواقع، القضية الرئيسية هي الانتقال السريع لألمانيا من بلد مقيَّد، كان يلتزم دائمًا بالمواقف المعتدلة، إلى دور الصقور. أعتقد أن هذا مرتبط بشكل مباشر بحقيقة أن الأمريكيين منحوا تفويضًا مطلقًا لضمان حصول ألمانيا على فرصة مشروعة تمامًا لبناء إمكاناتها العسكرية. اعتبر جزء كبير من النخبة الألمانية هذا بمثابة هدية من القدر. أعتقد أن هذا هو العامل الرئيسي وراء عدم التوازن في نظام الضوابط والتوازنات الذي تحاول روسيا بناءه داخل الاتحاد الأوروبي. أعتقد أننا سنواجه في المستقبل القريب خطر إحياء مشروع الرايخ الرابع، وهو أمر سهل التنفيذ بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – كانت هي التي وازنت ألمانيا ليس فقط بالقوة الاقتصادية، ولكن أيضًا بقوتها العسكرية.

 على الأرجح، تم التقليل من شأن بايدن كسياسي – فقد ضحكوا عليه لفترة طويلة، كما يقولون، إنه جد بذاكرة سيئة. ومع ذلك، فقد كان بايدن هو الذي تمكن من حشد الغرب في غضون عامين، وقام ببناء الاتحاد الأوروبي تحت رعاية أمريكية، بينما جعل الأوروبيين يدفعون مقابل ذلك. والأهم من ذلك، أن بايدن حل المشكلة الرئيسية، فقد دفن مشروعًا على مدار الخمسين عامًا القادمة يمكن أن يجعل الاتحاد الأوروبي القوة الأولى في العالم. هذا هو نفس المشروع الخاص بفضاء اقتصادي واحد مع روسيا – من لشبونة إلى فلاديفوستوك. وهذا بالفعل هو النجاح الجيوسياسي الرئيسي لبايدن.

* أستاذ علوم سياسية في جامعة موسكو الحكومية

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.