من أهداف زيارة بايدن للخليج، الطاهر المعز

عندما اغتال النظام السعودي أحد رعاياه من المُقرّبين لوكالة الإستخبارات الأمريكية، في قُنْصُلِيّته بإسطنبول (تركيا)، سنة 2018، في واقعة تصفية حسابات داخلية سعودية، ارتفعت بعض الأصوات التي تُطالب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بتقليص أو حتى قطع العلاقات مع النظام السعودي، ذكّر الرئيس الأمريكي، اليميني المتطرف والصهيوني: “إن علاقة الشراكة العريقة بين الولايات المتحدة وأُسْرة آل سعود، لا تخدم سوى المصالح القومية الأمريكية ( ) فالسعودية هي أكبر منتج للنفط في العالم، واستخدمت عائدات النّفط في شراء أسلحة أمريكية بقيمة مئات المليارات من الدولارات…”، ونحن نعرف وِجْهَةَ هذا السلاح الذي يُستخدَمُ (نيابة عن أمريكا، أو دعمًا لها) في تدمير سوريا والعراق وليبيا ولبنان واليمن وغيرها، ولذلك تدعم الولايات المتحدة (بِغَضّ النّظر عن إسْمِ حزب الرئيس وأغلبية مجلس النواب) النظام السعودي، ضاربة عرض الحائط بحقوق الإنسان والإعتقال التعسفي واغتيال المعارضين، ولذلك أيضًا شكّلت “الشراكة العميقة والوثيقة” مع آل سعود ركيزة هامّة من أعمِدَة السياسة الأمريكية في الوطن العربي، وفي غرب آسيا، ضد أي شكْل من أشكال المُقاومة أو التّحرّر من الهيمنة أو توسيع هامش الحركة…

أما “الاعتبارات الأخلاقية والحقوقية” فهي هُراء انتقائي يُتْقِنُهُ المعلقون السياسيون والإعلاميون ومُمَوِّلُو المنظمات الموصوفة “غير حكومية”، ويتغافلون عن هذه “الأخلاق وحقوق الإنسان” عندما يتعلّق الأمر بالإنسان الفلسطيني أو بالمواطن الأمريكي الأسود، أو بعُمّال وعاملات مصانع بنغلادش أو البرازيل أو أي من فُقراء العالم.

كان “جوزيف بايدن” المرشح الديمقراطي للرئاسة آنذاك، ونائبته الصهيونية والمُغْرِقة في اليمينية “كمالا هاريس”، كما العديد من كبار المسؤولين في إدارتهم، من أكثر المنتقدين لرؤية “دونالد ترامب” الذي يُدافع عن ضرورة الحفاظ على علاقات جيدة مع النظام السعودي، لأنه مصدر تمويل هام للإقتصاد الأمريكي، وطالَبَهُ بعضُهم بإقرار عُقُوبات ضد آل سعود، وبالغ “بايدن” و”هاريس” ( خلال مراحل الحملات الإنتخابية، سنة 2019) في مُعاتبة “دونالد ترامب” الذي “لم يُحاسب السّعوديين ولم يُدفّعهم الثمن”، وبالَغَ “جوزيف بايدن” في التّظاهُر بالدّفاع عن حُقُوق الإنسان، وبالتّهديد بقطع العلاقات مع “الأنظمة الاستبدادية”، وصدرت هذه التّصريحات عن نفس الشّخص الذي كان نائبًا للرئيس “باراك أوباما”، وكان آنذاك مُهندسًا للسياسة الخارجية التي خَدَمَتْ بإخلاص مصالح الشركات الأمريكية، وذكرت وكالة رويترز (أواخر سنة 2016) أن السعودية سدّدت أكثر من 115 مليار دولارا، خلال فترة رئاسة أوباما ونائبه بايدن، لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية، ولتدريب الضّبّاط السعوديين على استخدامها ضد شعب اليمن، نيابة عن​​ الولايات المتحدة وحلفائها، وكشفت سجلاّت “سنودن” (ويكيليكس) أن الرئيس الأسبق باراك أوباما ونائبه جوزيف بايدن كانا من أشد المدافعين عن ضرورة حماية نظام آل سعود وتعزيز التعاون العسكري والإستخباراتي معه، مقابل الخَدَمات الكثيرة، للمصالح الأمريكية، مثل تعديل سوق النفط، وضمان استخدام الدولار لتقويم سعر النّفط في الأسواق العالمية، ولم تَحِدْ أي إدارة أمريكية عن هذه السياسات الأمريكية الثابتة، منذ حوالي قَرْن، لأن دعم الدّكتاتوريات (العسكرية والمَدَنية) من التّقاليد الأمريكية العريقة، في أمريكا الجنوبية وفي آسيا وإفريقيا، لأن خدمة المصالح الأمريكية تُحَدّد دعم أو معارضة أي نظام أجنبي، رغم ترويج دعاية مُكثّفة مفادها أن هدف السياسة الخارجية الأمريكية هو دعم الحرية والديمقراطية ومحاربة الاستبداد…

طلبت إدارة “جوزيف بايدن” من الكونغرس، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، الموافقة على صفقة أسلحة للسعودية بقيمة 650 مليون دولار، لاستخدامها في تدمير اليمن، وبعد موافقة نواب المجلس على الصّفقة، عبّر وزير الخارجية عن ابتهاجه “لانتصار السياسة الواقعية على الإعتبارات الأخلاقية”، وهي نفس العبارات التي استخدمها “دونالد ترامب” سنة 2018…

يندرج لقاء “بايدن” بشيوخ النفط، خلال فترة الحج، ضمن خطط الحرب الإقتصادية ومحاولات عزل روسيا التي اتفقت مع السعودية على بعض قواعد تعديل سوق الطاقة، فبقيت أسعار النفط مرتفعة ما أدّى إلى زيادة إيرادات روسيا، وما عَرْقَلَ خطط إدارة “بايدن” لشل الاقتصاد الروسي، ويندرج كذلك ضمنُ مخطط محاصرة إيران التي عزّزت علاقاتها مع روسيا والصّين، ولتطوير العلاقات بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، “ضمن مخطط استمرار وتوسيع اتفاقيات أبراهام”، وفق المصالح القومية الأمريكية وليس وفق اعتبارات أخرى، كاحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، بحسب تصريحات وزير الخارجية الأمريكي “أنطوني بلينكين”، يوم الأربعاء 13 تموز/يوليو 2022…

يبدو أن الإدارة الأمريكية قرّرت أن تقتصر “الإعتبارات الأخلاقية” على روسيا وإيران وكوريا الشمالية وكوبا وسوريا، لتبرير الحصار والتهديد بالحرب فالسياسة الخارجية الأمريكية ليست مكرسة “لنشر الحرية والديمقراطية ومحاربة الاستبداد والطغيان في العالم”، كما تدّعي وثائق الدّعاية الأمريكية، بل لخدمة المصالح الأمريكية التي لا يُضيرها إعدام 81 سجينًا (12 آذار/مارس 2022)، معظمهم من المعارضين السياسيين للنظام السعودي، كما لا يُضيرها استخدام السلاح الأمريكي وصواريخ موجّهة بالليزر، من صنع شركة “رايثيون – الذي اشترته السعودية والإمارات – في عدوان أدّى إلى قصف المدارس والمستشفيات وخزانات المياه ومعامل الطاقة والكهرباء، وقَتْل ما لا يقل عن أربعمائة ألف يَمني، من بينهم أكثر من 260 ألف طفل (بين القصف والجوع والمرض)، بنهاية 2021، بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقدّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف – آذار/مارس 2022) إن يرتفع عدد الأطفال الذين يُعانون من الجوع الحاد، من 538 ألف طفل يمني في بداية العام إلى 2,3 مليون طفل بنهاية سنة 2022…

لا تُدين الحكومة الأمريكية ولا الإعلام الأمريكي والأوروبي عمليات الإبادة الجماعية وجرائم الحرب الصهيونية أو السعودية، أكبر زبون لصناعة الأسلحة الأمريكية (خارج الجيش الأمريكي)، لاستخدامها ضد شُعوب سوريا أو اليمن، فضلا عن القمع الدّاخلي…   

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.