23/9/ 2022
حديثنا يتمحور حول الوضع في أوكرانيا الذي يوشك ان يتطور إلى حرب عالمية شاملة.
الان، نحن – روسيا والعالم أجمع – يمكننا ان نرسم المخطط التالي لمجريات الأحداث.
ومثل أي مخطط، فإنه يبسط الواقع، ولكن في نفس الوقت يجعله ذا مغزى ويرفعه بشكل معين لوضع حمال للأوجه.
يحتوي هذا المخطط على ثلاثة محاور موضوعية للتطور المحتمل للأحداث وأربعة احتمالات ذاتية. لذلك، منذ البداية، تم تحديد عدم تناسق معين، وسيتم الكشف عن معناه مع اكتمال وصفنا له.
يصف السياق الموضوعي المنطق المحتمل لعرض تسلسل “السبب – النتيجة” الذي تم تحديده بالفعل ضمن مستوى معين من الحقائق التي يمكن التأكد منها.
بينما يتضمن المستوى الذاتي فهم ما يحدث من قبل مجموعات معينة، ومن بينها تلك التي تتخذ القرارات الرئيسية، والتي بدورها تؤثر بطريقة أو بأخرى على الأحداث نفسها.
السيناريو الكارثي (بالنسبة لروسيا): الاحتلال. تقسيم الدولة. نهاية روسيا
لنبدأ بالأسوأ. لنفترض أن الهجوم المضاد للجيش الأوكراني (وفي الواقع الناتو) في منطقة خاركوف وفي دونباس ليس فشلًا عرضيًا في العملية العسكرية الخاصة، ولكنه شيء أكثر سوءاً. يصف المتشائمون والمراقبون (وكذلك المشاركون) عواقب واستمرار هذه العملية العسكرية بألف طريقة وطريقة.
تم وصف هذا السيناريو بالتفصيل في البروباغاندا الرسمية للنازيين الأوكران، الذين يتوقعون بالفعل نقل الأعمال العدائية إلى القرم، بيلغورود، كورسك، روستوف، فورونيج، وفي النهاية الهجوم على موسكو. وهو أيضًا الحلم الوردي الذي يعيشه الليبراليون الروس والغربيون الذين يعانون من الروسوفوبيا اي كراهية الروس.
في الواقع، هذا هو سيناريو نهاية روسيا، Finis Rossiae.
هذا لن يعني فقط نهاية النظام، ولكن نهاية كل شيء وكل شخص. وما هو مهم – النهاية ليست سلمية (كما في عام 1991)، ولكنها دموية وقاسية. إذا بدأ تراجعنا (أو إذا استمر)، فحينئذٍ سينهار كل شيء – لأسباب خارجية وداخلية.
هذا الاتجاه الموضوعي يتوافق أيضًا مع برنامج سياسي وأيديولوجي ذاتي – هذا ما يحلم به كييف الرسمي، والنخبة التي تكره الروس من أنصار العولمة وأنصار الطابور الخامس – داخل روسيا مثل نافالني واخيدجاكوفا وجماعة راديو “ايخا موسكفي”.
المشاكل الحالية مع تسليح الجيش من الناحية التقنية، مع الحسابات الإستراتيجية الخاطئة (التي ظهرت بالفعل بوضوح في المراحل السابقة من الحرب)، مع اعتماد روسيا على التقنيات الأجنبية، التي لم يعد ممكنا الوصول إليها الآن، والتي، كما اتضح أنها تؤثر بشكل مباشر على تسليحنا. وبشكل عام، يمكن أن يكون الاعتماد الكبير للغاية على الغرب في المراحل السابقة قاتلاً.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن روسيا نفسها سوف تختفي ببساطة، وسيتعين على الجميع دفع الثمن – كل من السلطة والمجتمع بأسره. لن ينجو أحد.
السيناريو المروع (للجميع). نهاية التاريخ. القضاء على البشرية
السيناريو الثاني هو نهاية العالم بالضربة النووية. من الممكن تمامًا ان يحدث ذلك إذا قررت موسكو، بعد أن بدأت تخسر بشكل خطير (السيناريو الأول)، استخدام الأسلحة النووية.
ما يفكر فيه الناس اليوم واضح. أطروحة “الدول النووية لا تخسر الحرب” هو المقصود. ويشمل ذلك أيضًا كلمات الرئيس عن أولئك “الذين سيموتون ومن سيذهبون إلى الجنة” أو “لن يبقى هناك عالم بدون روسيا”.
هل هذا محتمل؟ نعم، على الأرجح. هل يفكر أحد في روسيا في هذا الاحتمال؟ مما لا شك فيه.
وهذا يعني، مرة أخرى، أن هناك سلسلة موضوعية من الأحداث التي يمكن أن تؤدي إلى ذلك، وهناك أيضًا قوى ذاتية تأخذ في الاعتبار مثل هذا التحول. ومستعدين لذلك.
بعبارة أخرى، هناك متطلبات مسبقة موضوعية لمثل هذا التحول في الأحداث والقوى القادرة على اتخاذ القرارات المناسبة.
قال بوتين إن أعداءه لن ينتظروا استسلامه الطوعي، مشيرًا إلى مثال سلفادور أليندي الذي قاتل بمدفع رشاش في يديه حتى النهاية. لكن الاختلاف هو أن أليندي لم يكن لديه زر نووي. كان بإمكانه فقط التضحية بنفسه ويقتل اثنين او ثلاثة من الأعداء.
هذا السيناريو يمكن أن يبدأ الآن – قصف محطة زابوروجي النووية من قبل الجيش الأوكراني سيحقق الهدف. سيكون هذا بمثابة ضربة نووية على الأراضي الروسية – فبعد كل شيء، الأسلحة غربية، ويشارك المدربون الغربيون في الاستطلاع والتوجيه. عندها لن تكون الضربة الجوابية في أوكرانيا، بل في مركز صنع القرار الحقيقي، والذي يقع عملياً في الغرب.
لكن يمكن لروسيا أن تلجأ إلى السلاح النووي في مواقف أخرى أيضًا. بما أن خسارة الحرب بالنسبة لروسيا – سواء بالنسبة للدولة أو للشعب – ستعني إبادة كاملة، وليس مجرد هزيمة قاسية، ولكن روسيا قد تتحملها وتتمكن من تجاوزها، عندها لا يمكن استبعاد السيناريو النووي.
من الواضح أن الغرب يقلل من احتمالية حدوثه، معتقدين أنها خدعة. من الأفضل عدم الوصول في اللعب إلى اللحظة عندما يرمي الكل أوراقه.
سيناريو النصر (لروسيا وأنصار العالم متعدد الأقطاب). الحرب المقدسة
السيناريو الثالث هو الأهم. والوحيد الذي ينقذ الموقف.
تحدث ثورة في روسيا من الأعلى. بوتين، الذي انفصل بالفعل عن الغرب، يحول هذا الاختراق الكامل الذي لا رجعة فيه إلى أيديولوجية، إلى مسار، إلى استراتيجية والمبدأ الوحيد للوجود.
تلغى جميع التنازلات، وتصبح روسيا علانية إمبراطورية شعبية بفكرة دينية واجتماعية واضحة (مناهضة للرأسمالية).
الليبرالية والتوجه الغربي محظوران. التخريب والسرقة والكسل والفساد يتم حرقها بحديد ملتهب حسب قوانين الحرب.
الدولة والشعب يعيدون تجميع صفوفهم وينقلون العملية العسكرية الخاصة إلى حرب شعبية مقدسة – نكون أو لا نكون.
هل يمكن أن يحقق الوضع هكذا استدارة بشكل موضوعي؟ بالطبع. العديد من الأحداث والعمليات والعوامل الموضوعية – بما في ذلك رد الفعل الصحي والحاسم على الإخفاقات السابقة وخاصة في منطقة خاركوف – تقود في هذا الاتجاه.
هل مثل هذا السيناريو له بعد ذاتي؟ مما لا شك فيه. بادئ ذي بدء – الشعب نفسه، والمجتمع، والأغلبية الوطنية، وأهل الجبهة، بالإضافة إلى جزء مهم من الطبقة الحاكمة.، (نعم، كلما ارتفعت، قل عدد هؤلاء الأشخاص، لكن الطبقة الحاكمة ليست أيضًا شيئًا متجانسًا).
المجتمع جاهز لذلك. هذا هو الموقف الذي اتخذه جميع المشاركين في الحرب بشكل أو بآخر.
كل شيء يسير نحو هذا الاتجاه، ومن الواضح للجميع، أولاً وقبل كل شيء، أن التعبئة وإيديولوجية النصر ضرورية. ولتكن نهاية التسويات والحلول الوسط.
بين المسؤولين – إذا جمعناهم جميعًا – الوطنيون ربما يشكلون الأغلبية. بين افراد الشعب – الكل باستثناء العملاء (هناك عاهات في كل مكان).
إذا حدثت مثل هذه الثورة الوطنية الشعبية من فوق، فإن التعبئة تحدث من تلقاء نفسها، وتدخل روسيا المعركة الأخيرة لحسم نهاية تاريخ العالم.
في الواقع، رأى كبار السن الأرثوذكس والفلاسفة الروس وأسلافنا الأبطال المستقبل بهذه الطريقة: ستأتي اللحظة التي سينتفض فيها الروس ضد الشر في العالم، ضد المسيح الدجال وينجزون مهمتهم المتمثلة في صده والوقوف في وجهه.
في الحقبة السوفيتية، كان لهذا السيناريو نسخة مختلفة قليلاً، لكن الجوهر كان نفسه – القتال ضد الغرب باسم إنقاذ البشرية ومستقبل مشرق عادل للجميع.
لقد حانت هذه اللحظة.
الشيء الرئيسي في هذا السيناريو هو التخلص سريعا من الاعتماد على الغرب – أيديولوجيًا، وتكنولوجيًا، ونفسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا. كان هذا الاعتماد هو الذي أصابنا بالشلل في لحظة حرجة. اتضح أن الغرب يحمل مفاتيح العديد من المجالات الحيوية في حياتنا – المعلوماتية والتكنولوجية والثقافية والمالية. نعم، لدينا ورقة رابحة مهمة في موضوع الموارد الطبيعية، لكننا استخدمنا الفكر الغربي والتكنولوجيا والمنهجية الغربية. ال hardware مهم. لكن ال software الأيديولوجي والتكنولوجي لا يزال أكثر أهمية.
إن الثورة الشعبية من “فوق” مدعوة لتفكيك الغرب في داخلنا بأسرع ما يمكن، سواء كان ذلك على شكل بقايا الليبرالية أو ضمن بعض القوانين .
الأمر ليس بسيطا. أما إذا عجزنا عن ذلك فراجع السيناريوهين السابقين.
الوضع الراهن هو وهم فارغ لا معنى له ولا بد من تغييره.
الآن يبقى اتجاه واحد فقط، وهو موجود كموقف ذاتي، لكنه لا يعتمد على أي حقيقة موضوعية – لأن مثل هذا الواقع ببساطة غير موجود.
هذه هي الحالة الذهنية لحزب “الوضع الراهن” أو حزب “روبليوفكا الجماعي”(روبليوفكا هو ضاحية سكنية حيث يقطن أغنياء موسكو – المترجم).
تشمل هذه الفئة كبار المسؤولين ورجال الأعمال الذين – لأسباب غير معروفة – ما زالوا يعتقدون أن العالم قبل 24 فبراير 2022 والعالم بعد 24 فبراير 2022 هما من حيث المبدأ نفس الشيء. ولا شيء يقنعهم بخلاف ذلك – لا التقارير الواردة من الجبهة، ولا الهجمات الإرهابية في الداخل، ولا التغييرات التكتونية المستمرة في النظام العالمي.
إنهم، كما كانوا دائما، يقاتلون من أجل مناصبهم، ويدعمون أتباعهم في السلطة، ويزيحون منافسيهم، ويحاولون الحفاظ على مكتسباتهم. أي أنهم يعيشون وكأن شيئًا لم يحدث، وببساطة يتكيفون بشكل تفاعلي مع الموقف.
بين الناس يسمونهم “حزب الخيانة”، ولكن هذا ليس صحيحاً. هم لم يعد يمكنهم خيانة أحد. إنهم ليسوا السلطة ولا الشعب، ولن يتفاوض معهم أحد من الجانب الآخر – من الغرب أو من كييف. لقد تجاوزنا بالفعل هذه النقطة.
لقد شحذت العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا بشكل حاد جميع التناقضات الموجودة. لا يمكن لعالم أحادي القطب أن يتعايش إلى جانب عالم متعدد الأقطاب. أو بالأحرى، لم يعد بإمكان المرء اعتبار أنه “أحادي القطب” والآخر “متعدد الأقطاب”. إذا كانت روسيا (وكذلك الصين) تتفهم بجدية سيادتها، فيجب إثبات ذلك في الحرب. ولا شيء غير ذلك. ويجب كسب هذه الحرب. سوف نفوز – عندها يصبح العالم متعدد الأقطاب. وإذا هزمنا …فلن تعود روسيا موجودة بأي صفة. من المستحيل ببساطة العودة إلى التسعينيات أو إلى ما قبل 24 فبراير 2022. لا أحد يريد ذلك.
ثلاثة سيناريوهات ممكنة. لا رابع لها . إنه موجود فقط حسب مبدأ القصور الذاتي، أي أنه موجود في الوعي، ولكن ليس في الواقع.
بالطبع، على رأس النخبة السياسية في روسيا، يؤيد الكثيرون هذا الاحتمال الرابع – “بطريقة ما كل شيء سينجح بنفسه.” وهذا يسبب غضب الوطنيين العادل. ولكن إذا أخذنا في الاعتبار أنه لا يوجد مثل هذا السيناريو في الواقع، فلا يمكننا إضاعة الجهود في هذا الشأن.
كان الاستسلام ممكناً في التسعينيات. وقد حدث. التنازلات – قبل بدء العملية العسكرية الخاصة كانت ممكنة وقد حدثت.
على سبيل المثال، اعتماد موسكو لقواعد الغرب في تقسيم العمل والتكامل الاقتصادي، واتفاقيات مينسك، إلخ.
الان انتهى كل شيء. يبقى فقط أن “نكون أو لا نكون”. لم تعد “روبليوفكا الجماعية” موجودة. الفلل موجودة والحراس يعملون والسيارات الفاخرة تتحرك. تقام احتفالات أيام المدينة، ويتم ترتيب الحفلات الموسيقية. حتى سكولكوفو يعمل، وبعض المحتالين العابرين، الذين يعتمدون على الأوليغارشية المشوشة، يتوقون للوصول إلى قيادة أكاديمية العلوم الروسية. لكن هذا بالفعل وهم، سراب. أن “نكون أو لا نكون” تلغي إمكانية التذبذب ذاتها – “إما أن تكون موجوداً أو لا توجد”، “إما أن تكون روسيا ذات سيادة، أو أنها جزء من الغرب”.
إذا كانت روسيا موجودة، فهي مختلفة تمامًا. شعبية معبأة ومقاتلة – على جميع المستويات – روحيًا، إيديولوجيًا، تقنيًا، اقتصاديًا، وعلى الجبهة – ليس من أجل الحياة، ولكن حتى الموت في الحرب مع عدو مطلق.
إما أنها غير موجودة – كمستعمرة تم تقطيعها واحتلالها من قبل الناتو والنازيين الأوكرانيين، أو كصحراء ما بعد النووي (انظر السيناريوهين الأول والثاني).
لا يوجد سوى ثلاثة سيناريوهات موضوعية لتطور الأحداث، ولا يُؤخذ في الاعتبار سوى أولئك الذين يفهمون هذا على مستوى الذات ويختارون واحدًا منهم، أي أنهم يعيشون حقًا ويتخذون قرارات مسؤولة بشأن مصيرهم، من أجل مصير الوطن والشعب والإنسانية. هم فقط يعنون شيئا في ميزان التاريخ.
وببساطة لم يعد هناك مجال لحزب الخيانة، لأن وقت التنازلات والتسويات قد ولى. هذا ألم وهمي مثل السراب. إما نحن أو هم. هذا كل شىء.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف. ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.