السنة الثانية والعشرون – العدد 6389
في هذا العدد:
■ وهل كان العالم بلا حرب! د. عادل سماره
■ 28 أيلول: سواد ممتد لولا…، رشاد أبوشاور
■ في ذكري رحيله المبكر ….، بقلم د. رفعت سيد أحمد
- قدر المصادفات في ثلاثية: عبد الناصر قام بالثورة عام 52 ورحل عن 52 عاما ويمر اليوم 52 عاما على هذا الرحيل؟!
■ حول نعي المؤتمر القومي – الإسلامي للشيخ يوسف القرضاوي:
- العروبة ليست بحاجة لمؤسسات لا عروبية: شكراً د. رفعت سيد أحمد، د. عادل سماره
- بيان نعي صادر عن المنسق العام للمؤتمر القومي – الإسلامي الاستاذ خالد السفياني
- بيان استقالة د. رفعت سيدأحمد من المؤتمر القومي – الإسلامي
■ في تطورات حرب الدفاع الروسية: ثلاثة سيناريوهات للمستقبل، ألكسندر دوغين، تعريب د. زياد الزبيدي
✺ ✺ ✺
وهل كان العالم بلا حرب!
د. عادل سماره
يبدو أن الخطاب السياسي والأكاديمي والثقافي وطبعا الإعلامي وحتى الفلسفي في هذا العالم يجب أن يتغير. فالعالم محتل على يد الغرب بخطاب الغرب الذي يصف فترة ما بالحرب وفترة ما بالسلام! وهذا بناء على وضع الغرب نفسه وما فيه من تطورات داخلية تزعم أنظمته الرأسمالية أن بلدانها كانت أحياناً بلا حرب، وهي نفس الأنظمة التي كانت حتى خلال هذا الزعم تقوم بحرب طبقية داخل بلدانها وعدوان استعماري ضد العالم.
وبسبب احتلال الغرب الرأسمالي كل من الخطاب والمصطلح وحتى مجمل اللغة، فإن الغرب يفرض على بقية العالم أن يتخيل نفسه وحاله كما هو الحال في أوروبا بل المركز الرأسمالي العالمي.
ولذا نشهد في كتابات كثيرين من مثقفي بلدان المحيط من يكتب في بلده ولكن ليس عن بلده نفسها لأنه يفكر كما أراد له أي كما صمّمه السيد الغربي فصار تابع في طريقة التفكير واستدخال الهزيمة الذهنية العقلية فأنتج هزيمة فكرية وثقافية هي خطاب مهزوم وأخذ يروِّج ويسوِّق تبعيته هذه في مجتمعه ليخلق جيلاً تابعا مفتوح العيون فاغر فمه وبالتالي مشوه الوعي.
يقول سجل التاريخ والذي يرتكز على منطق التاريخ بأن العالم أو تاريخ العالم هو تاريخ صراع الطبقات. اي منذ دخول أو انتقال المجتمعات البشرية من المشاعية البدائية إلى مجتمع الطبقات القائم على الملكية الخاصة غدت تعيش هذه المجتمعات علاقات جوهرها الحروب ولم يكن السلام سوى استثناء هنا أو هناك فقط لحظات سلام نسبي من حيث الزمان والمكان ولا ندري إن حصلت. وبالطبع لم تنتقل مختلف المجتمعات من المشاعية إلى أنماط الإنتاج الأخرى انتقالا متوازيا متزامنا لكن المهم أن الانتقال حصل وإثر ذلك الانتقال كانت الحروب ولم تتوقف حتى اليوم.
كان نمط الإنتاج العبودي، واسمه واضح، مثابة حرب متواصلة سواء داخل المجتمع طبقياً أو بين مجتمع أو دولة وأخرى بل دولة ودول أخرى. فالإمبراطوريات لم تُحارب دولة واحدة أو دولة بعد أخرى بل خاضت سلسلة حروب ضد سلسلة دول أو شعوب وأمم لم تصبح دولاً بعد. وأوضح مثال حروب وغزوات الإغريق التي وصلت الوطن العربي وفارس، ولاحقاً الإمبراطورية الرومانية التي اتسعت لتنقسم إلى غربية وشرقية. فالمجتمع العبودي هو حرب طبقية بين الأسياد والعبيد دون فارق بين “ديمقراطية اثينا” وبين روما بعدها فالإمبراطوريات هي حروب مزدوجة داخلية وعلى الشعوب الأخرى.
ولا يختلف الحال في مرحلة الإقطاع بين الإقطاعي/النبيل والأقنان، أو في مرحلة نمط الإنتاج الخراجي (امين وتيرنر) ولا في نمط الإنتاج الآسيوي ربما المُتخيَّل عند ماركس حيث الصراع الطبقي وكذلك القومي هو السائد. بل إن الصراع القومي بين دولة وأخرى حتى لو اتخذ شكل أو إعلان الحرب القومية هو صراع عدواني من طبقة حاكمة مالكة في بلد ما ضد مجتمعات أخرى بأكملها، فهي اساساً طبقية من حيث المنشأ والدافع وقومية في كونها عدوان ضد آخرين.
ومع أن المجتمعات التي يهيمن فيها نمط الإنتاج الرأسمالي سواء المتقدم الاحتكاري في المركز أو نمط الإنتاج الرأسمالي المحيطي /التابع هي ايضا مجتمعات طبقية لم تتوقف فيها الصراعات الطبقية من جهة كما أن الحروب بين الدول لم تتوقف قطعا ايضا.
قد يختلف عالم راس المال عن المجتمعات أو التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية السابقة في إخراج صورة هذه المرحلة بشكل زائف وكاذب. وهذا الزيف هو إنشاء أو خطاب الأنظمة الرأسمالية الغربية أو الثلاثي، كما أشرنا.
ما نقصده هو أن الإعلام والخطاب الغربي حين يصف فترة بأنها فترة سلام، فهو يقصد أن هناك سلاماً في أوروبا أو في المركز متجاهلاً كافة أرجاء العالم التي يقوم الغرب ضدها بعديد أنواع أو انماط الحروب.
وحتى داخل الغرب نفسه، فالصراع الطبقي يأخذ أو يتصف بوتائر بطيئة وضعيفة، ولكنه من جهة:
· موجود في داخل ذلك المجتمع
· وبوتائر غير ساخنة لأن كل المجتمع، ومنه الطبقات الشعبية، مرشية بما تم ويتم نهبه من بلدان المحيط أي العالم الثالث حيث يتم استخدامها لتبريد شدة الصراع الطبقي بنيلها بعض ما تم نهبه.
بالنسبة للغرب فإن عدم احتراب الغرب ببعضه أو عدم تعرُّض الغرب لحرب من خارج جغرافيته فذلك يعني بالنسبة له أن العالم في سلام! أما قيام اية دولة غربية بحرب وإبادة لأي بلد في العالم فلا تُعتبر حربا، بل تُعتبر سلاما، بل حتى سلام في كل العالم!
في عصر راس المال، لا توجد حرب باردة، بل حروب ساخنة بوتائر مختلفة الشدة.
حينما اعتدت الولايات المتحدة على العراق عام 1991 كتبنا أن العالم انتقل بعد تفكك الكتلة الشرقية، من الحرب الباردة إلى الحرب الساخنة. لكن حقيقة الأمر أن عالم راس المال هو حالة الحرب الدائمة لأن الحرب هي أحد أهم شروط بقاء هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي، اي الملكية الخاصة ومحرك كل هذا هو الوصول إلى التراكم اللامحدود. فخلال الحرب الباردة لم تتوقف الصراعات الطبقية داخل المجتمعات البشرية كما بقيت حرب بين دول وبالطبع فإن الاتحاد السوفييتي لَجَم أو قيَّد وحشية الغرب العدواني بشكل نسبي. ولذا، فالحرب الساخنة موجودة وقد سخَّنت الحر الباردة.
خلال هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي، يصبح من قبيل التزييف الزعم أن هناك سلاماً. إن هذا الزعم مناقض تماماً لقانون التناقض الدائم في مجتمع الملكية الخاصة، بل مناقض لقانون التناقض بمعناه الفلسفي.
صحيح أن حرب الدفاع الروسية هي التي تدور اليوم ويتم الحديث بأنها قد تقود إلى حرب عالمية. ولكن، كما أسلفنا، متى لم تكن هناك حرباً عالمية! سواء شديدة أو بوتيرة أقل.
ألم تكن الآتية حروبا عالمية:
· غزوة الإغريق حتى فارس؟
· غزة الرومان للوطن العربي والعالم
· غزوة هنيبعل حتى حدود روما
· غزوة العرب من الأندلس إلى حدود فرنسا
· غزوة فرنجة الإقطاع/الصليبية
· غزوة العثمانيين لأوروبا
· غزوة فرنجة راس المال الغربي حتى اليوم
· وماذا عن مذابح الأوروبيين ضد السكان الأصليين في أمريكا الشمالية وهي اليوم الولايات المتحدة وكندا والمكسيك وفي امريكا الوسطى والجنوبية ؟ أليست حروباً
· وماذا عن استهداف الوطن العربي منذ ثلاثماية سنة من قبل راس المال الغربي
· وماذا عن الحرب الإقتلاعية ضد الشعب الفلسطيني منذ قرن ولم تتوقف؟
وهذه مجرد أمثلة، وداخل زمن كل مثال حروب صغيرة متعددة بين الأمم، وحروب طبقية دائمة سواء شديدة أو أقل شدة داخل كل مجتمع.
مثيرة للسخرية عبارة أو مصطلح “القرية العالمية” فهي في الحقيقة استغلال وعدوان جزء القرية المسمى المركز على الجزء المسمى المحيط/الأطراف من هذه القرية، حرب المركز ضد المحيط، حرب الشمال ضد الجنوب. هي حروب عسكرية اقتصادية ثقافية نفسية …الخ. وحين التأزُّم حرب المركز ضد بعضه.
ومن هنا جرى الادعاء بأن العالم لم يشهد سوى حربين عالميتين. وهذا تزييف. جرت ما تسمى الحرب العالمية الأولى بين دول المركز الرأسمالي، كما جرت ما تسمى الحرب العالمية الثانية من النازية ضد الاتحاد السوفييتي مدفوعة سراً من قبل بقية المركز الإمبريالي الغربي، بينما بقية دول وشعوب العالم كانت مسارح لحروب الغرب وهدفاً للنهب والاستغلال والتقشيط والتبادل اللامتكافىء الذي كان قبل الحرب وبقي بعدها، بل وفي حالة الوطن العربي فأكثر الأنظمة هي في حرب ضد الشعب الذي تحكمه حيث تنوب في استغلاله بشكل استعماري وإمبريالية نيابة عن الإمبريالية نفسها. فيما يخص المحيط، فالحربين العالميتين المزعومتين كانتا حربا على المحيط وفي المحيط الذي لم يشارك فيها بقراره.
في أحشاء نمط الإنتاج الرأسمالي تطورات متواصلة مقودة بقانون حركة راس المال التي مبتغاها التراكم الأقصى الذي يفرز بنيته الفوقية كخادمة له على شكل إيديولوجيات عدوانية بطبيعتها وهذه جميعا محركات للحروب، سواء الأورومركزية، الفرانكفونية، الفاشية، العنصرية البيضاء…الخ.
وهذه جميعاً “تزدهر” حينما يبدأ هذا المجتمع الرأسمالي بمغادرة الرفاه أو يغادر دولة الرفاه يدخل النظام الرأسمالي العالمي وخاصة المركز في أزمة جوهرها تدني معدل الربح تدني التراكم فتقفز إلى القيادة قوى فاشية يفرزها مجتمع راس المال من رحمه لأنها جيشه الاحتياطي الذي يلجأ إليه مجتمع الغرب الرأسمالي هذا حين الأزمة.
لم يكن وصول المحافظين الجدد إلى السلطة في الولايات المتحدة وحده كاشف فاشية هذا النظام، فالمحافظون الجدد طرحوا فاشيتهم بافتخار وكبرياء وهجوم شامل على حريات الأمم. ولأن راس المال هو راس المال، فإن وصول الحزب الديمقراطي الأمريكي إلى السلطة كان مثابة تبادل للسلطة بين حليفين، لذا واصل جو بايدن العدوان على مختلف بلدان العالم وإن بوتائر أخف ودعاية إعلامية أكبر، ولكن مع بدء حرب الدفاع الروسية فقد فرض على روسيا كافة أنواع الحروب وأرغم أوروبا على دخول الحرب ضد روسيا على ان تكون كبش الفداء للنظام الأمريكي. ومع ذلك يقف في الدورة الحالية للأمم المتحدة أيلول 2022 ويهين جميع الحضور بقوله: “أنا ضد الحرب ومع حماية الدول الصغيرة وهو يمنع عن سوريا الدواء والغذاء…”.
أما تطورات العالم في العامين الماضيين فكشفت بلاغة الكذب والخبث الرأسمالي الإمبريالي وجهزت مناخ تجلّي بل عودة الفاشية في أوربا، وهذا ما نراه اليوم بوصول سيدة فاشية لرئاسة وزارة بريطانية والتي على تحالف مع الأوليغارشية المتمسكة بالسياسات النيولبرالية، ووصول الفاشية في إيطاليا إلى سدة الحكم قبل ايام.
إن الحرب الجارية في أوكرانيا وهي حرب الناتو ضد روسيا الاتحادية ومع الناتو مختلف البلدان التابعة للمركز الرأسمالي الغربي، ومختلف الطبقات في الغرب التي لا تواجه هذا العدوان بالرفض ومختلف المثقفين والإعلاميين الذين يروجون لهذه الحرب بأنها دفاع عن الديمقراطية.
يؤكد التاريخ وواقع العالم اليوم بأن السلم الغائب لا يُسترد إنسانياً دون تجاوز البشرية لنمط الإنتاج الرأسمالي وعلاقاته بالطبع نحو نمط إنتاج آخر وعلاقات إنتاج وتوزيع مختلفة تماماً. قد تٌسمى اشتراكية، أو ما بعد رأسمالية، أو شيوعية…الخ لا مشكلة لأن المهم هو الجوهر أي إنهاء الملكية الخاصة.
وحين يحصل سقوط الرأسمالية سوف يتبعها سقوط خطابها، ويتبعها تجاوز البشرية لهزيمة المرأة التاريخية، وتجاوز العنصرية و…الخ.
✺ ✺ ✺
28 أيلول
سواد ممتد لولا…
رشاد أبوشاور
28 أيلول..يوم متكرر لا يمكن أن يُنسى، وهو ليس مجرّد أيام في الأيام، فهو تاريخ تكرر ودمّر أحلام أُمّة وخسّرها، وأسال دما كثيرا بأيدي الأعداء من صهاينة وأمريكان وعملاء. وسرق منها زمنا ممتدا لعقود، بل وذهب بخساراتها للمستقبل القريب الراهن..والبعيد، ومكن الأعداء من سرقة أرضها، وثرواتها، وراهن ومستقبل أجيالها لولا..المقاومة التي انبثقت في حياتها رغم الظلام.
28أيلول 1961:
عندما هبطت من باص جوبر في ساحة المرجة دهشت من تردد كلمة: إنقلاب..ولم استوعب ما سمعت، ثم صعدت في الشارع المؤدي إلى مدرستي قرب الإذاعة السوريّة فرأيت ناقلات الجنود ب ت ر وفيها جنود واجمين عند مدخل الإذاعة الضيّق، وناسا يتفرجون بذهول وبلا ردود فعل..ماذا أرى؟!
إنقلاب!
ثُم انفراج ..وإعلان عن تفاهم، بحسب البيان رقم 9 و..الفرحة لم تتم، فقد أعلن الإنقلابيون عن فشل الحوار مع الرئيس جمال عبد الناصر..وأنهم سيواصلون انقلابهم، و..قالوا كلاما كبيرا عن الوطن والحريّة والسيادة و..الكرامة!
عند مقهى الحجاز التقيت بتيسير السبول الشاعر الأردني الذي كان في جامعة دمشق يدرس الحقوق، وهاني الراهب الروائي الشاب وكان يدرس اللغة الإنقليزية في نفس الجامعة، وكنت تعرفت بهما في بيت صديقي الشاعر فواز عيد..وكانا في حالة ذهول.
بادرني تيسير: هيا بنا إلى نادي فلسطين الثقافي، وهو يقع خلف مقهى الحجاز، غير بعيد، وأضاف: ألن نجد عندهم سلاحا؟ و..لم أعرف بماذا أجيبه، وغذذنا الخطى..ووصلنا فإذا باب النادي مغلق…
التففنا حول مقهى الحجاز، وأخذ تيسير يفرك صدره عاجزا عن التنفس، أمّا هاني الراهب فبقي ذاهلاً..ثم افترقنا.
لم أذهب إلى المدرسة الواقعة خلف البريد الآلي، ومشيت محبطا إلى مبنى البرلمان، وهناك كانت حاملات جنود تحمل جنود حرس حدود يرتدون فروات وكوفيّات بدو.
اقتربت أنا وبعض المتجمعين قبالة مبنى البرلمان من ناقلات الجنود فلم يبدوا اهتماما بنا، ولم يطلبوا منا الابتعاد عنهم..ولم يردّوا على اسئلتنا لهم عن سبب وجودهم بأسلحتهم أمام البرلمان، ولماذا تركوا مواقعهم وزحفوا إلى دمشق.
ثم ماذا حدث؟
لقد انتهت الوحدة بين سورية ومصر، وتلاشت الأغنية:
وحدة ما يغلبها غلاّب
تباركها وحدة أحباب
وفي ذلك اليوم لم تجد الوحدة جماهيرا تدافع عنها…
وقيل بعد سنوات، عند وقوع نكبة حزيران 67: من الإنفصال بدأت هزيمة حزيران! ..واكتمل ضياع فلسطين كلها، والجولان، وصحراء سيناء..ووقف اليهود على ضفّة قناة السويس..بل وهددوا القاهرة..ومدن قناة السويس.
وحدد بعض أبناء جيلي خيارهم: لقد انتهت الوحدة و..الرهان عليها، وضاع شعار: الوحدة طريق تحرير فلسطين، وليس لنا من خيار سوى الاعتماد على أنفسنا..ومع أهلنا في سورية، بعد أن استيقظوا على هول ما وقع اندفعنا لمقاومة الانفصال..وسقط حُكم الانفصال بعد حوالي سنة ونصف..ولكن وحدة مصر وسورية لم تعد..ضيعتها الانقلابات، والصراعات..والشعارات الجوفاء المُضللة!
28 أيلول1970
أيقظني بكاء امرأة،
كانت تندب وهي تنحني على المكنسة القشيّة. انقبض قلبي، وسألتها متوقعا نبأ سيئا لأننا كنا في أيام أيلول الموت والاقتتال، وكنت في مخيم الحسين.
-ماذا حدث يا أم عزّو؟
حاولت أن تستنهض بدنها الضئيل واضعة يدها على ظهرها لتسنده:
-انكسرنا يا أخي..مااات جمال عبد الناصر!
منذ ذلك اليوم وأنا استعيد عبارة تلك المرأة التي استضافتني لأرتاح وقد رأتني أنام على التراب في الشارع من شدّة التعب والنعاس: إنكسرنا يا أخوي…
نعم لقد كان موت جمال عبد الناصر انكسارا لأمة، وهو يبذل آخر طاقات بدنه لإيقاف مذبحة أيلول في الأردن، فهو كان معنيا معنيا بإيقاف الاقتتال في الأردن، لمواصلة الإعداد للمعركة مع عدو بهدل الأمة وأذلها..وكسرها في هزيمة ثانية كبيرة فادحة فاضحة..فانكسر قلبه..و..دخلت مصر و..أمة العرب في متاهة ندفع ثمنها حتى يومنا هذا بسبب افّاق مارق، هو أنور السادات، أدخلنا في زمن أمريكي صهيوني وصفه بزمن الانفتاح..فكان زمن غلق أبواب وشبابيك الأمل أمام أجيال عربيّة…
واأسفاه!
لقد دفعت أمتنا أثمانا باهظة منذ أيلول 1961و..1970و..حتى يومنا هذا.
مُزٌق الأمل المستند لقوة قطرين وحدتهما هزمت الصليبيين الفرنجة..والتتار..وحررت المشرق وقلبه فلسطين، وكان الأمل بوحدة مصر وسورية أن تنطلق نهضة الأمة وقوتها من دولة الوحدة بين الجناحين سورية ومصر لتحرير جديد مُجدّد لنهوض أمّة ومجدها، ولكن…
وجاءت مأساة غياب القائد العربي الكبير المقاوم جمال عبد الناصر و..اختطاف المارق السادات لمصر، وتدشين حقبة التبعية لأمريكا ومعانقة بيغن والصهاينة وإدارة الظهر لفلسطين والعروبة…
ولكن أمتنا لم تنكسر، بل انتفضت، ومن بين صفوفها انطلق الزمن الفدائي المقاوم المتصاعد، وها نحن نرى أبطال فلسطين يجددون المقاومة، ويبدعون في تجديد أساليبها، ويلحقون العار بالمطبعين البائعين التابعين..فشعب فلسطين العربي الأصيل خميرة وملح العروبة لا ينضب نبع مقاومته وبطولته..وها هي المقاومة تبلغ من القوة أن تجعل الكيان الصهيوني يرتجف من تهديدات جديّة يطلقها قائد المقاومة السيّد حسن نصر الله..وهم يستذكرون بطولات هذه المقاومة في جولات لا ينسونها وهم ذاقوا الهزيمة في حرب تموز 2006…
نعم نحن نستذكر الهزائم والنكبات التي وقعت فيها أمتنا، و..لكننا لم ننكسر..وقد انجبنا في الميادين أجيالاً لا تعرف الهزيمة، وليست قابلة للانكسار،وهي التي يخترق واحدها مواقع العدو الصهيوني الذي غرّته الانتصارات السهلة، كانتصار حزيران 67، فصدمته هزيمته في تموز 2006…
انتهى زمن الهزائم..نعم، كما تقول أفعال المقاومة..والرعب الذي يبعثه أبطالها بأفعالهم المُعجزة في أوصال عدو بات يعرف بأن زمن الانتصارات السهلة قد ولّى..وأنه يجابه ببطولات تصيبه بالرعب واليأس في زمن المقاومة التي يخترق أبطالها أعتى الجدران بملعقة..ويقتحمون تل أبيب فرادا نيابة عن أمة و..من أجل تحرير فلسطين العربيّة الواحدة الكاملة.
اللعنة على الانفصال والانفصاليين وورثتهم المطبعين التابعين المرتمين تحت أقدام الصهاينة أعداء الأمة…
لروح جمال عبد الناصر الذي رفض الهزيمة، وأعاد مع ابطال مصر بناء جيش العبور فاقتحمت كتائبهم قناة السويس وسيناء..وحققت انتصارا تاريخيا فرّط به السادات وباع كل شئ لأمريكا لقاء أوهام (مجد) شخصي ضيّع من أجله مجد وطن وأمة وبطولات شهداء.
28 أيلول الإنفصال، و28 أيلول رحيل ناصر..يعودان من جديد، والجزء الحي في أمتنا ينتفض ويقاوم.. وستبقى وحدة الأمة هي الخلاص..ومقاومتها هي وسيلتها للخلاص من كل أعداء الأمة..أمّا الأيلولات فستكون ذكريات سيئة لكبوات في حياة الأمة..والأمم الحية تقع ولكنها بفضل أبطالها وشعوبها الحيّة تنهض..تنهض ولا تموت.
✺ ✺ ✺
في ذكري رحيله المبكر ….
قدر المصادفات في ثلاثية: عبد الناصر قام بالثورة عام 52 ورحل عن 52 عاما ويمر اليوم 52 عاما على هذا الرحيل؟!
بقلم د. رفعت سيد أحمد
هي بالتأكيد مصادفات قدرية غير مقصودة أن يكون هذا العام (2022) الذي نحتفل هذه الأيام فيه بذكري رحيل الزعيم القومي الكبير جمال عبد الناصر (28/9/1970) أن تكون الذكري ال (52 للرحيل) لرجل مات عن 52 عاما (فهو مولود في 1918) وقام بثورته المجيدة التي أسست لمصر ولوطن عربي جديد في العام 1952!! صحيح أنها مصادفات قدرية وغير مقصودة قطعا.. ولكنها طريفة وجميلة وذات دلالات عدة من الممكن أن نتناول بعضها في هذا المقال ونسأل: لماذا لازال الناس في بلادنا العربية يحبون عبد الناصر دون غيره من زعماء العرب رغم تباعد الزمن على رحيله ورغم تقلب الاوطان والمصائر لدول وشعوب هذه البقعة من العالم؟ الاجابة لأنه –أي عبدالناصر قد امتلك بمواقفه وسياساته قلوب الناس وانحاز لخيارتهم الصحيحة رغم قسوة التحديات والصعوبات وشدة المؤامرات الداخلية والخارجية عليه ..لذلك بقي حيا في قلوب شعبه العربي وشعوب العالم الثالث وليس في وطنه مصر فقط ..
لقد قاوم (ناصر) تحديات عدة ، وخاض معارك طاحنة ضد الاستعمار واسرائيل ، وضد الجهل والتخلف والفقر ، فى وطنه وضد الرجعية العربية والإخوان ، وحارب من أجل الوحدة ودافع عن الفقراء وبنى لهم وطناً للعزة والكرامة رغم الحصار والتآمر والانكسارات المرة التي تسبب فيها الأعداء ضده طيلة 18 عاماً من حكمه لمصر ؛ لذلك بقى حياً وظني أنه سيبقي حيا فلقد امتلك (السر ) الذي يجاهد الكثيرون اليوم من أجل امتلاكه لكنهم لا يفلحون ربما لان هذا هو قدر الله وربما لان الرجل (ناصر ) كان صاحب كاريزما وطنية وقومية استثنائية وفوق كل هذا كان مخلصا لوطنه صالح القلب نظيف اليد والضمير لذلك عاش في قلوب مواطنيه ومحبيه لأكثر من 52 عاما .
***
* إن محطات (ثلاثية عبدالناصر) سواء فى صراعاتها الداخلية أو الإقليمية أو العالمية، تحتاج إلى تأمل جديد فى زمن ما بعد ما سمي ب (ثورات الربيع العربي التي اندلعت عام 2011) تلك الثورات التي انحرف أغلبها لاحقا وتحولت الي خراب وفوضي وهي ثورات حاول الغرب سرقتها وتوظيفها فى إطار مشروع شرق أوسط بقشرة إسلامية يُخدم على بقاء إسرائيل أقوى ، ويفكك الدول العربية المركزية وفى مقدمتها مصر وسوريا وليبيا والعراق ، وهو ما جرى بالفعل ولا تزال مؤامراته تتري !
إن حضور الانجاز الناصري هنا، وتأمل سيرة عبد الناصر ومواقفه وسياساته تجاه أركان هذا المشروع القديم – الجديد، يعد مسألة مهمة للغاية، خاصة طريقة تعامله مع الإخوان المسلمين وممثلي التيار الإسلامي المتشدد الذين أرادت واشنطن – اليوم – فى زمن ما يُسمى بثورات الربيع العربي – استخدامهم كورقة لبناء الشرق الأوسط الأمريكي الجديد ذو القشرة الإسلامية، أو ما أسميناه فى إحدى دراساتنا بـ(الشرق الأوسط الأمريكي بلحية).
إن استحضار النموذج الناصري فى التعامل مع الإخوان ومحاولة أخذ العبر والدروس منه يعد فى تقديرنا أمراً فى غاية الأهمية لأنه ينقذ بلدان الوطن العربي التي ابتليت بحكم هؤلاء وتحالفهم مع واشنطن بعد ثورات الربيع العربي المزيفة؛ وفى مقدمتها مصر؛ إنقاذهم من لعبة كبرى للأمم يراد أن تلعبها أجهزة مخابرات الغرب وحلفائه الاخرين في المنطقة من (أهل الشر)، تتحول بمقتضاها تلك الدول المركزية إلى كيانات مفككة يسهل تحويلها إلى ذيول تابعة للغرب ومصالحه.
***
ومن القضايا المهمة أيضاً التي تفيدنا فيها السيرة والتجربة الناصرية، قضية فلسطين والموقف منها، وهى قضية ثبت يقيناً أن عبد الناصر رغم هزيمته فى العام 1967 نتيجة مؤامرة دولية وإقليمية محكمة إلا أنه كان يمتلك تصوراً لفهم وإدارة هذا الصراع، يقوم على إيمانه بمصيريته وحضاريته وأنه صراع وجود لا صراع حدود. وكذلك قضايا العدل الاجتماعي ومقاومة الفقر وقضايا الارتقاء بالأدب والفن الجميل ونشر التعليم وخلق اجيال مثقفة ترتبط بقضايا الوطن وتدافع عنه ولا تذل أمام إغراءات المال والشهرة المخادعة ..لكل هذا ولغيره بقي عبد الناصر حيا في قلب شعوب أمته ومستضعفي العالم وفي ثلاثيته تلك التي عنونا به هذا المقال في ذكري رحيله التي تمر هذه الايام ..نحتاج الي إعادة تمثل القيم الكبري في مسيرة الرجل وهي قيم لا تموت بموت صاحبها لكنها ستظل حية ما بقي هناك نخب وإعلام مخلص يعيد تذكيرنا بها في كل مناسبة قومية تمر بها الامة ….
رحم الله (ناصر) يوم مماته ويوم يبعث حيا.
✺ ✺ ✺
حول نعي المؤتمر القومي – الإسلامي للشيخ يوسف القرضاوي:
- العروبة ليست بحاجة لمؤسسات لا عروبية: شكراً د. رفعت سيد أحمد، د. عادل سماره
- بيان نعي صادر عن المنسق العام للمؤتمر القومي – الإسلامي الاستاذ خالد السفياني
- بيان استقالة د. رفعت سيدأحمد من المؤتمر القومي – الإسلامي
✺ ✺ ✺
حملة/حفل صيد طراد مقدس (6)
العروبة ليست بحاجة لمؤسسات لا عروبية
شكراً د. رفعت سيد أحمد
توضيح:
نعى السيد خالد السفياني موت الشيخ القرضاوي رغم أن الشيخ كان داعية حرب بين المسلمين بشواهد لا تقبل الجدل.
بدوره رد عليه. د. رفعت سيدأحمد باستقالته من المؤتمر القومي الإسلامي الذي يراسه السيد السفياني رافضاً تحدث الأخير باسم المؤتمر ككل.
ننشر هذا أولاً تقديرا ل د. رفعت سيد أحمد وتذكيراً للشرفاء بأن دعم ال.م.ق.ا.و.م.ة وخدمة العروبة لا تأتي بتجميعات لا تواجه الأنظمة مباشرة. ومن هذه المؤسسات التجميعية: المؤتمر القومي العربي، المؤتمر العام للاحزاب العربية المؤتمر القومي الاسلامي، هيئة التعبئة الشعبية العربية…الخ.
ولعل اوضح مثال على هذه التجميعات هو “التجمع الدولي لدعم خيار المقاومة” الذي يدعو للمقاومة بينما برنامجه تجاه فلسطين هو إقامة دولة مع المستوطنين. وبعد جدال لسبع سنوات تخلى جزئياً عن دعوته هذه مما يؤكد ان التخلي شكلانياً فمن يتخذموقف كهذا اتخذه بقناعة خاصة وأن أعضائه راشدون. ومع ذلك وضع هذا التجمع الناس في حيرة حيث لم يذكر الذين حملوا دعوة التعايش في دولة مع المستوطنين ولم يقل: كانوا معنا وفصلناهم، ولم يقل، ها نحن نفصلهم/ن.
وطالما رفض د. سيد أحمد هذا النهج، فلماذا لم يرفض كثيرا من أعضاء تجمع الدعوة لدولة مع المستوطنين ذلك التجمع؟
إن اية منظمة أو حزب أو دولة تدعم، بأي شكل، تجمع التعايش مع المستوطنين مطلوب منها الاعتذار للعروبة، وحبذا لو تعلم أن وهم التعايش هو مقتلها وأن العروبة تعي كل هذا الخبث.
د. عادل سماره.
■ ■ ■
بيان نعي صادر عن المنسق العام للمؤتمر القومي – الإسلامي الاستاذ خالد السفياني
9/28/2022
للراحل العلاّمة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
بأسمي وبأسم اخواني في المؤتمر القومي – الإسلامي انعي الى الامة العربية والإسلامية فضيلة الشيخ العلاّمة الدكتور يوسف القرضاوي أحد أركان المؤتمر القومي – الإسلامي ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقاً ورئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس سابقاً، الذي توفاه الله عن عمر 96 عاما، عرفناه فيها مدافعاً عن القدس وفلسطين، وعاملاً من أجل نشر الدعوة الإسلامية في ارجاء المعمورة.
رحمه الله واسكنه فسيح جناته
خالد السفياني
■ ■ ■
بيان استقالة د. رفعت سيدأحمد
المنسق العام للمؤتمر القومي – الإسلامي
9/28/2022:
استاذ خالد السفياني المحترم.. هذا البيان وصلني اليوم (28/9/2022) منكم بالايميل والذي تنعي فيه الشيخ يوسف القرضاوي (باسمك وباسم اخواني اعضاء المؤتمر القومي الاسلامي – وفقا لنص كلماتك) وباعتباري عضوا مؤسسا من سنوات في المؤتمر القومي الاسلامي.. أرفضه جملة وتفصيلا وكان الاولي بك أن تقول (باسم خالد السفياني) وفقط لا (باسمنا) جميعا.. فأنت لم تستشيرنا ولم تستأذننا وتعاملت معنا – كما هي العادة التاريخية للأسف في هذا المؤتمر وفي شقيقه (المؤتمر القومي العربي) تتعاملون مع الاعضاء باعتبارهم (قطيع) يساق ويوافق ويؤيد ( ولدينا عشرات الامثلة والمهازل التاريخية لذلك آخرها هذا النعي لذلك الشيخ الذي دمر بفتاويه الشاذة والمجرمة و المخالفة لصحيح الاسلام ؛سوريا وليبيا ومصر وأهدر بها أرواح قادة وشهداء وضرب بها جوهر عقيدة الاصلاح والمقاومة والاعتدال لمؤتمرنا القومي العربي والاسلامي..فكيف تقبل علي عروبتك واسلامك ذلك ؟!علي الاقل إصمت.. أو تحدث وأنعي عن نفسك فقط لا عنا نحن الاعضاء.. ولانني – وغيري – صمتنا عن نقد هذا الشبخ بعد رحيله وتركناه لحساب ربه العظيم ( إحتراما لجلال الموت.. ليس الإ.. ولكن ليس هذا معناه ( الاستمرار في استغفالنا والتحدث باسمنا ).. أنا ارفض ذلك تماما وأعتبرها (سقطة).. واتقدم للزملاء أعضاء المؤتمر بإستقالتي من هذا المؤتمر والذي استنفذ اصلا ومن سنوات هو وشقيقه( المؤتمر القومي العربي ) أهدافه وصار عبئا علي العروبة الحقة والاسلام المقاوم.. إنه ( بإسمك) لا (بإسمنا) يا سيد خالد السفياني.. ونترك لك ولمن يؤيدك ( عزبة) المؤتمرين.. لتفعلوا بها ما تشاؤن.. لكن ليس ( بإسمنا) /العزة للمقاومين الشرفاء.. والعار لشيوخ ( الناتو )ومثقفي الفتن ومن صمن عن الحق
د. رفعت سيدأحمد
القاهرة 28/9/2022
✺ ✺ ✺
ثلاثة سيناريوهات للمستقبل
ألكسندر دوغين
تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف
23/9/ 2022
حديثنا يتمحور حول الوضع في أوكرانيا الذي يوشك ان يتطور إلى حرب عالمية شاملة.
الان، نحن – روسيا والعالم أجمع – يمكننا ان نرسم المخطط التالي لمجريات الأحداث.
ومثل أي مخطط، فإنه يبسط الواقع، ولكن في نفس الوقت يجعله ذا مغزى ويرفعه بشكل معين لوضع حمال للأوجه.
يحتوي هذا المخطط على ثلاثة محاور موضوعية للتطور المحتمل للأحداث وأربعة احتمالات ذاتية. لذلك، منذ البداية، تم تحديد عدم تناسق معين، وسيتم الكشف عن معناه مع اكتمال وصفنا له.
يصف السياق الموضوعي المنطق المحتمل لعرض تسلسل “السبب – النتيجة” الذي تم تحديده بالفعل ضمن مستوى معين من الحقائق التي يمكن التأكد منها.
بينما يتضمن المستوى الذاتي فهم ما يحدث من قبل مجموعات معينة، ومن بينها تلك التي تتخذ القرارات الرئيسية، والتي بدورها تؤثر بطريقة أو بأخرى على الأحداث نفسها.
السيناريو الكارثي (بالنسبة لروسيا): الاحتلال. تقسيم الدولة. نهاية روسيا
لنبدأ بالأسوأ. لنفترض أن الهجوم المضاد للجيش الأوكراني (وفي الواقع الناتو) في منطقة خاركوف وفي دونباس ليس فشلًا عرضيًا في العملية العسكرية الخاصة، ولكنه شيء أكثر سوءاً. يصف المتشائمون والمراقبون (وكذلك المشاركون) عواقب واستمرار هذه العملية العسكرية بألف طريقة وطريقة.
تم وصف هذا السيناريو بالتفصيل في البروباغاندا الرسمية للنازيين الأوكران، الذين يتوقعون بالفعل نقل الأعمال العدائية إلى القرم، بيلغورود، كورسك، روستوف، فورونيج، وفي النهاية الهجوم على موسكو. وهو أيضًا الحلم الوردي الذي يعيشه الليبراليون الروس والغربيون الذين يعانون من الروسوفوبيا اي كراهية الروس.
في الواقع، هذا هو سيناريو نهاية روسيا، Finis Rossiae.
هذا لن يعني فقط نهاية النظام، ولكن نهاية كل شيء وكل شخص. وما هو مهم – النهاية ليست سلمية (كما في عام 1991)، ولكنها دموية وقاسية. إذا بدأ تراجعنا (أو إذا استمر)، فحينئذٍ سينهار كل شيء – لأسباب خارجية وداخلية.
هذا الاتجاه الموضوعي يتوافق أيضًا مع برنامج سياسي وأيديولوجي ذاتي – هذا ما يحلم به كييف الرسمي، والنخبة التي تكره الروس من أنصار العولمة وأنصار الطابور الخامس – داخل روسيا مثل نافالني واخيدجاكوفا وجماعة راديو “ايخا موسكفي”.
المشاكل الحالية مع تسليح الجيش من الناحية التقنية، مع الحسابات الإستراتيجية الخاطئة (التي ظهرت بالفعل بوضوح في المراحل السابقة من الحرب)، مع اعتماد روسيا على التقنيات الأجنبية، التي لم يعد ممكنا الوصول إليها الآن، والتي، كما اتضح أنها تؤثر بشكل مباشر على تسليحنا. وبشكل عام، يمكن أن يكون الاعتماد الكبير للغاية على الغرب في المراحل السابقة قاتلاً.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن روسيا نفسها سوف تختفي ببساطة، وسيتعين على الجميع دفع الثمن – كل من السلطة والمجتمع بأسره. لن ينجو أحد.
السيناريو المروع (للجميع). نهاية التاريخ. القضاء على البشرية
السيناريو الثاني هو نهاية العالم بالضربة النووية. من الممكن تمامًا ان يحدث ذلك إذا قررت موسكو، بعد أن بدأت تخسر بشكل خطير (السيناريو الأول)، استخدام الأسلحة النووية.
ما يفكر فيه الناس اليوم واضح. أطروحة “الدول النووية لا تخسر الحرب” هو المقصود. ويشمل ذلك أيضًا كلمات الرئيس عن أولئك “الذين سيموتون ومن سيذهبون إلى الجنة” أو “لن يبقى هناك عالم بدون روسيا”.
هل هذا محتمل؟ نعم، على الأرجح. هل يفكر أحد في روسيا في هذا الاحتمال؟ مما لا شك فيه.
وهذا يعني، مرة أخرى، أن هناك سلسلة موضوعية من الأحداث التي يمكن أن تؤدي إلى ذلك، وهناك أيضًا قوى ذاتية تأخذ في الاعتبار مثل هذا التحول. ومستعدين لذلك.
بعبارة أخرى، هناك متطلبات مسبقة موضوعية لمثل هذا التحول في الأحداث والقوى القادرة على اتخاذ القرارات المناسبة.
قال بوتين إن أعداءه لن ينتظروا استسلامه الطوعي، مشيرًا إلى مثال سلفادور أليندي الذي قاتل بمدفع رشاش في يديه حتى النهاية. لكن الاختلاف هو أن أليندي لم يكن لديه زر نووي. كان بإمكانه فقط التضحية بنفسه ويقتل اثنين او ثلاثة من الأعداء.
هذا السيناريو يمكن أن يبدأ الآن – قصف محطة زابوروجي النووية من قبل الجيش الأوكراني سيحقق الهدف. سيكون هذا بمثابة ضربة نووية على الأراضي الروسية – فبعد كل شيء، الأسلحة غربية، ويشارك المدربون الغربيون في الاستطلاع والتوجيه. عندها لن تكون الضربة الجوابية في أوكرانيا، بل في مركز صنع القرار الحقيقي، والذي يقع عملياً في الغرب.
لكن يمكن لروسيا أن تلجأ إلى السلاح النووي في مواقف أخرى أيضًا. بما أن خسارة الحرب بالنسبة لروسيا – سواء بالنسبة للدولة أو للشعب – ستعني إبادة كاملة، وليس مجرد هزيمة قاسية، ولكن روسيا قد تتحملها وتتمكن من تجاوزها، عندها لا يمكن استبعاد السيناريو النووي.
من الواضح أن الغرب يقلل من احتمالية حدوثه، معتقدين أنها خدعة. من الأفضل عدم الوصول في اللعب إلى اللحظة عندما يرمي الكل أوراقه.
سيناريو النصر (لروسيا وأنصار العالم متعدد الأقطاب). الحرب المقدسة
السيناريو الثالث هو الأهم. والوحيد الذي ينقذ الموقف.
تحدث ثورة في روسيا من الأعلى. بوتين، الذي انفصل بالفعل عن الغرب، يحول هذا الاختراق الكامل الذي لا رجعة فيه إلى أيديولوجية، إلى مسار، إلى استراتيجية والمبدأ الوحيد للوجود.
تلغى جميع التنازلات، وتصبح روسيا علانية إمبراطورية شعبية بفكرة دينية واجتماعية واضحة (مناهضة للرأسمالية).
الليبرالية والتوجه الغربي محظوران. التخريب والسرقة والكسل والفساد يتم حرقها بحديد ملتهب حسب قوانين الحرب.
الدولة والشعب يعيدون تجميع صفوفهم وينقلون العملية العسكرية الخاصة إلى حرب شعبية مقدسة – نكون أو لا نكون.
هل يمكن أن يحقق الوضع هكذا استدارة بشكل موضوعي؟ بالطبع. العديد من الأحداث والعمليات والعوامل الموضوعية – بما في ذلك رد الفعل الصحي والحاسم على الإخفاقات السابقة وخاصة في منطقة خاركوف – تقود في هذا الاتجاه.
هل مثل هذا السيناريو له بعد ذاتي؟ مما لا شك فيه. بادئ ذي بدء – الشعب نفسه، والمجتمع، والأغلبية الوطنية، وأهل الجبهة، بالإضافة إلى جزء مهم من الطبقة الحاكمة.، (نعم، كلما ارتفعت، قل عدد هؤلاء الأشخاص، لكن الطبقة الحاكمة ليست أيضًا شيئًا متجانسًا).
المجتمع جاهز لذلك. هذا هو الموقف الذي اتخذه جميع المشاركين في الحرب بشكل أو بآخر.
كل شيء يسير نحو هذا الاتجاه، ومن الواضح للجميع، أولاً وقبل كل شيء، أن التعبئة وإيديولوجية النصر ضرورية. ولتكن نهاية التسويات والحلول الوسط.
بين المسؤولين – إذا جمعناهم جميعًا – الوطنيون ربما يشكلون الأغلبية. بين افراد الشعب – الكل باستثناء العملاء (هناك عاهات في كل مكان).
إذا حدثت مثل هذه الثورة الوطنية الشعبية من فوق، فإن التعبئة تحدث من تلقاء نفسها، وتدخل روسيا المعركة الأخيرة لحسم نهاية تاريخ العالم.
في الواقع، رأى كبار السن الأرثوذكس والفلاسفة الروس وأسلافنا الأبطال المستقبل بهذه الطريقة: ستأتي اللحظة التي سينتفض فيها الروس ضد الشر في العالم، ضد المسيح الدجال وينجزون مهمتهم المتمثلة في صده والوقوف في وجهه.
في الحقبة السوفيتية، كان لهذا السيناريو نسخة مختلفة قليلاً، لكن الجوهر كان نفسه – القتال ضد الغرب باسم إنقاذ البشرية ومستقبل مشرق عادل للجميع.
لقد حانت هذه اللحظة.
الشيء الرئيسي في هذا السيناريو هو التخلص سريعا من الاعتماد على الغرب – أيديولوجيًا، وتكنولوجيًا، ونفسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا. كان هذا الاعتماد هو الذي أصابنا بالشلل في لحظة حرجة. اتضح أن الغرب يحمل مفاتيح العديد من المجالات الحيوية في حياتنا – المعلوماتية والتكنولوجية والثقافية والمالية. نعم، لدينا ورقة رابحة مهمة في موضوع الموارد الطبيعية، لكننا استخدمنا الفكر الغربي والتكنولوجيا والمنهجية الغربية. ال hardware مهم. لكن ال software الأيديولوجي والتكنولوجي لا يزال أكثر أهمية.
إن الثورة الشعبية من “فوق” مدعوة لتفكيك الغرب في داخلنا بأسرع ما يمكن، سواء كان ذلك على شكل بقايا الليبرالية أو ضمن بعض القوانين .
الأمر ليس بسيطا. أما إذا عجزنا عن ذلك فراجع السيناريوهين السابقين.
الوضع الراهن هو وهم فارغ لا معنى له ولا بد من تغييره.
الآن يبقى اتجاه واحد فقط، وهو موجود كموقف ذاتي، لكنه لا يعتمد على أي حقيقة موضوعية – لأن مثل هذا الواقع ببساطة غير موجود.
هذه هي الحالة الذهنية لحزب “الوضع الراهن” أو حزب “روبليوفكا الجماعي”(روبليوفكا هو ضاحية سكنية حيث يقطن أغنياء موسكو – المترجم).
تشمل هذه الفئة كبار المسؤولين ورجال الأعمال الذين – لأسباب غير معروفة – ما زالوا يعتقدون أن العالم قبل 24 فبراير 2022 والعالم بعد 24 فبراير 2022 هما من حيث المبدأ نفس الشيء. ولا شيء يقنعهم بخلاف ذلك – لا التقارير الواردة من الجبهة، ولا الهجمات الإرهابية في الداخل، ولا التغييرات التكتونية المستمرة في النظام العالمي.
إنهم، كما كانوا دائما، يقاتلون من أجل مناصبهم، ويدعمون أتباعهم في السلطة، ويزيحون منافسيهم، ويحاولون الحفاظ على مكتسباتهم. أي أنهم يعيشون وكأن شيئًا لم يحدث، وببساطة يتكيفون بشكل تفاعلي مع الموقف.
بين الناس يسمونهم “حزب الخيانة”، ولكن هذا ليس صحيحاً. هم لم يعد يمكنهم خيانة أحد. إنهم ليسوا السلطة ولا الشعب، ولن يتفاوض معهم أحد من الجانب الآخر – من الغرب أو من كييف. لقد تجاوزنا بالفعل هذه النقطة.
لقد شحذت العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا بشكل حاد جميع التناقضات الموجودة. لا يمكن لعالم أحادي القطب أن يتعايش إلى جانب عالم متعدد الأقطاب. أو بالأحرى، لم يعد بإمكان المرء اعتبار أنه “أحادي القطب” والآخر “متعدد الأقطاب”. إذا كانت روسيا (وكذلك الصين) تتفهم بجدية سيادتها، فيجب إثبات ذلك في الحرب. ولا شيء غير ذلك. ويجب كسب هذه الحرب. سوف نفوز – عندها يصبح العالم متعدد الأقطاب. وإذا هزمنا …فلن تعود روسيا موجودة بأي صفة. من المستحيل ببساطة العودة إلى التسعينيات أو إلى ما قبل 24 فبراير 2022. لا أحد يريد ذلك.
ثلاثة سيناريوهات ممكنة. لا رابع لها . إنه موجود فقط حسب مبدأ القصور الذاتي، أي أنه موجود في الوعي، ولكن ليس في الواقع.
بالطبع، على رأس النخبة السياسية في روسيا، يؤيد الكثيرون هذا الاحتمال الرابع – “بطريقة ما كل شيء سينجح بنفسه.” وهذا يسبب غضب الوطنيين العادل. ولكن إذا أخذنا في الاعتبار أنه لا يوجد مثل هذا السيناريو في الواقع، فلا يمكننا إضاعة الجهود في هذا الشأن.
كان الاستسلام ممكناً في التسعينيات. وقد حدث. التنازلات – قبل بدء العملية العسكرية الخاصة كانت ممكنة وقد حدثت.
على سبيل المثال، اعتماد موسكو لقواعد الغرب في تقسيم العمل والتكامل الاقتصادي، واتفاقيات مينسك، إلخ.
الان انتهى كل شيء. يبقى فقط أن “نكون أو لا نكون”. لم تعد “روبليوفكا الجماعية” موجودة. الفلل موجودة والحراس يعملون والسيارات الفاخرة تتحرك. تقام احتفالات أيام المدينة، ويتم ترتيب الحفلات الموسيقية. حتى سكولكوفو يعمل، وبعض المحتالين العابرين، الذين يعتمدون على الأوليغارشية المشوشة، يتوقون للوصول إلى قيادة أكاديمية العلوم الروسية. لكن هذا بالفعل وهم، سراب. أن “نكون أو لا نكون” تلغي إمكانية التذبذب ذاتها – “إما أن تكون موجوداً أو لا توجد”، “إما أن تكون روسيا ذات سيادة، أو أنها جزء من الغرب”.
إذا كانت روسيا موجودة، فهي مختلفة تمامًا. شعبية معبأة ومقاتلة – على جميع المستويات – روحيًا، إيديولوجيًا، تقنيًا، اقتصاديًا، وعلى الجبهة – ليس من أجل الحياة، ولكن حتى الموت في الحرب مع عدو مطلق.
إما أنها غير موجودة – كمستعمرة تم تقطيعها واحتلالها من قبل الناتو والنازيين الأوكرانيين، أو كصحراء ما بعد النووي (انظر السيناريوهين الأول والثاني).
لا يوجد سوى ثلاثة سيناريوهات موضوعية لتطور الأحداث، ولا يُؤخذ في الاعتبار سوى أولئك الذين يفهمون هذا على مستوى الذات ويختارون واحدًا منهم، أي أنهم يعيشون حقًا ويتخذون قرارات مسؤولة بشأن مصيرهم، من أجل مصير الوطن والشعب والإنسانية. هم فقط يعنون شيئا في ميزان التاريخ.
وببساطة لم يعد هناك مجال لحزب الخيانة، لأن وقت التنازلات والتسويات قد ولى. هذا ألم وهمي مثل السراب. إما نحن أو هم. هذا كل شىء.
_______
- تابعوا “كنعان اون لاين” Kana’an Online على موقعنا: https://kanaanonline.org/
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org