القُطرية والتراث وأصل طبق الكسكسي! عبداللطيف مهنا

لم يقيَّض لي زيارة الجزائر ولا المغرب، لكنني أحب كلا القطرين محبتي لمغارب الأمة مثلما هي محبتي لمشارقها.. وزيادة، تعني لي الأولى هاته القلعة النضالية الشاهقة التي شادتها دماء مليون ونصف شهيد، وأجدني كعربي فخور بها، وكفلسطيني منحازاً أبداً لهاً، والثانية، من منا لا تعني فيما تعني عنده، وهو غير قليل، الأمير عبد الكريم الخطابي والمهدي بن بركة، وأجدني، وأيضاً كعربي وكفلسطيني، أُبرِّء أهلنا هناك من شائن صهينة ولاتهم..

 وإذ أفهم الخلاف، وأتفهَّم الاختلاف، وهما المزمنان بين النظامين في القطرين، ولي موقفي منهما ومن تداعياتهما ولست هنا بصدده، إلا أنني لا أفهم علام كل مثل هذه المعارك الدونكيخوتية المفتعلة الدائرة بينهما حول نسبة نقوش الزرليخ التراثية، وموسيقى الراي، وفن كناوة المسمى في الجزائر بالديوان، وحتى طبق الكسكسي!

مثلاً، وزارة الثقافة المغربية احتجت مستنكرةً تصاميم استوحتها شركة “اديداس” الألمانية لألبسة الرياضيين الجزائريين من نقوش قصور المشور التلمسانية التراثية الجزائرية، باعتبارها تراثاً مغربياً صرفاً!

نعم، لذات النقوش مثيلها في قصور المغرب، أما موسيقى الراي فقد نشأ في شرق المغرب وغرب الجزائر في حقبة لم تكن بينهما حدوداً رسمها مستعمر، وتخيلوا الأمر ذاته لفن كناوة أو الديوان، أما بخصوص الكسكسي فالأطرف أن اليونيسكو هي من أنهت نزاعاً على نسبته شاركت فيه تونس وموريتانيا حين سجلته لديها تراثاً مغاربياً!

قبل اليونيسكو كانت بلاد الشام قد سبقت فحسمت نسبة الكسكسي فسمته “مغربية”، ومغربية هنا تعادل صفة مشرقية، باعتبار أن للأمة جناحان، مشرق ومغرب، وهناك تسميات أخرى لهذه “المغربية” في جنوب الشام، إذ تدعى في أجزاء من فلسطين “مفتولاً”، وبعض قرى القدس “مرمعونا”، وفي النقب “كسكسوناَ”، ولا أعرف بماذا تكنى في باقي أجزاء الوطن العربي!

.. إنه غيض من فيض مهازل تفشي بلاء القُطرية في زمن وهن فيه عنفوان حلم الوحدة لدى أمةٍ كسيرة، عروبتها هويَّةً، ووحدتها تراباً، باتا شرط وجود.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف. ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.