ملف حول التفاعلات الراهنة في المجتمع الروسي‎، إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي

  • علماء الاجتماع الروس يحذرون
  • حول المزاج العام في روسيا
  • آراء الخبراء

■ ■ ■

مقدمة من المترجم:

سال حبر كثير حول الصراع في أوكرانيا، والهجوم الأوكراني المضاد، وتهديد روسيا بالسلاح الذري، وعودة أربع مقاطعات لحضن الأم الروسية.

في هذا الملف غصنا تحت السطح لسبر اغوار المجتمع الروسي: مزاجه، تناقضاته، تفاعلاته وحتى الصراع بين مكوناته، الذي لم يكتب عنه سوى القليل.

■ ■ ■

قناة Nezigar على تيليغرام

علماء الاجتماع الروس يحذرون

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

ايلول 2022

لاحظ علماء الاجتماع الروس زيادة ملحوظة في السخط الاجتماعي في الأيام الأخيرة، لكنهم ذكروا أن تحوله إلى مزاج احتجاجي أصبح الآن محدودًا إلى حد كبير لعدد من الأسباب.

أدت التعبئة الجزئية المعلنة إلى زيادة احتمال الاحتياج في المجتمع الروسي، والتي غالبًا ما يتم التعبير عنه في المظاهر الفردية للفعل الاجتماعي والسياسي، فضلاً عن المظاهرات المتفرقة في المدن الكبرى في البلاد وفي عدد من جمهوريات الحكم الذاتي.  في الوقت نفسه، وفقًا للخبراء، فإن العامل المقلق هو اللجوء للعنف، بما في ذلك في مكاتب التسجيل والتجنيد العسكرية في البلاد.

 هذا، وفقًا لعلماء الاجتماع، يشير إلى أن شريحة صغيرة ولكنها نشطة من المجتمع في حالة من الحرمان الفعلي أو المحتمل، وفي الواقع، مدفوعة نحو اليأس.

على خلفية التعبئة الجزئية المعلنة، يمكننا التحدث عن تقسيم المجتمع:

الغالبية ترى هذه الظاهرة على أنها ضرورية وتتفاعل وفقًا للقيام بواجبها الوطني.  يعاني جزء آخر من المجتمع من السخط الاجتماعي ويأمل في استكمال سريع للتعبئة، أو على الأقل يميل إلى الاعتقاد بأن هذا لن يؤثر على أحبائهم.

في الوقت نفسه، يقول علماء الاجتماع، إن نسبة حاملي السخط الاجتماعي ارتفعت إلى 30-40٪، لكن الغالبية العظمى منهم ليسوا مستعدين للاحتجاج.  من نواح كثيرة، يتم التعبير عن الاستياء في شكل لا يظهر للعيان.

 في المجتمع، وفقًا لعلماء الاجتماع، هناك وعي كبير بأن الاحتجاجات في سياق مواجهة واسعة النطاق مع الغرب والحرب في أوكرانيا لها تأثير مدمر على الدولة.

 في الوقت نفسه، يتزايد الشعور بالظلم والقلق في هياكل المجتمع الروسي.  تخلق هذه العوامل متعددة الاتجاهات مستوى عالٍ من عدم اليقين في المجتمع، لكنها حتى الآن لا تؤدي إلى زيادة حادة في إمكانات الاحتجاج.

 محاولات تنسيق المزاج الاحتجاجي من جانب المعارضين، وفقًا للخبراء، تتم بشكل منتظم، لكنها لا تعطي التأثير المطلوب، بينما لا يوجد تقريبًا داخل البلاد أي إمكانات للتنسيق بعد ازاحة المعارضة غير النظامية.  وفقًا للخبراء، فإن هذا الوضع يعيق بشكل كبير إمكانية تحويل السخط الاجتماعي إلى احتجاج.  في الوقت نفسه، يشير المحللون إلى أنه على خلفية التعبئة، تتراجع الثقة في التلفزيون وهناك طلب ثابت للبحث عن مصادر بديلة للمعلومات، بما في ذلك في الشبكات الاجتماعية وقنوات التليغرام، بينما يظل التواصل المباشر للمواطنين أولوية والمصدر الأكثر موثوقية، والذي يسمح لك بتشكيل صورتك الخاصة للعالم.

 يعتقد علماء الاجتماع أنه لن يكون هناك على الأرجح زيادة حادة في مشاعر الاحتجاج في الأسابيع المقبلة، لكن المستوى الحالي من السخط الاجتماعي مرتفع بالتأكيد ويترك مخاطر ردود الفعل الاجتماعية غير المواتية والمدمرة.

■ ■ ■

حول المزاج العام في روسيا

أليكسي ماكاركين

النائب الأول لرئيس مركز التقنيات السياسية

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

تشرين اول أكتوبر 2022

ينقسم المجتمع الروسي فيما يتعلق بالمجال السياسي إلى ثلاثة أجزاء – أقليتان كبيرتان والأغلبية. الأقليات مستقرة في تفضيلاتها. هذا لا يعني أن مزاج أشخاص معينين لا يمكن أن يتغير – لكن الحديث عندها عن حالات معزولة.

الأقلية الأولى – هم الموالون بالكامل للسلطة. إنهم لا يشاهدون التلفزيون فحسب، بل يرون أنه مصدر غير مشروط للمعلومات التنظيمية. وإذا واجهوا معلومات بديلة، فإنهم يرفضونها بشكل بديهي.

ميزة أخرى لهذه الأقلية – هي التعويل على التاريخ، ومقارنة الأحداث الجارية مع السوابق التاريخية (في المقام الأول مع الحرب الوطنية الكبرى). هؤلاء الأشخاص مستعدون “للنجاة بحياتهم survive”، والعيش “يوم واحد”، متذكرين كيف نجت الأجيال السابقة، والتي ينظر إليها كنموذج.

الأقلية الثانية – هم معارضو السلطة من الطبقة الحداثية. إنهم لا يثقون بالتلفزيون، بل يختلفون معه تمامًا، ويحصلون على المعلومات بشكل أساسي من الإنترنت.

إنهم يعيشون في الغالب يومهم و(الذي أصبح الآن أكثر صعوبة) غدًا  وبعد الغد. عادة ما يكون موضوع “الغد” مهمًا بالنسبة لهم، حيث يركزون على قيم التنمية. إنهم لا يريدون التركيز على “النجاة بروحهم”، ولكن لأسباب مختلفة (تتعلق بمواقف الحياة الفردية) يختارون استراتيجيات حياتية مختلفة – شخص ما يهاجر، ولكن معظمهم يبقى. يختار الكثير من الناس الهجرة الداخلية، يطبقون الرقابة الذاتية، ويحدون من دائرتهم الاجتماعية.

 وأخيرا، الأغلبية. إنهم غير مسيسين وغير ناضجين بما فيه الكفاية. لا يهتمون كثيرا بالتاريخ، وأفق تخطيطهم، كقاعدة عامة، محدود. عادة ما يعيش هؤلاء الأشخاص حياة بسيطة دون أي طموحات أكبر، يعيشون في الوقت الحاضر (وإن لم يكن “يوم واحد”). في وقت الأزمات، عادة ما يلتفون حول العلم، أي أنهم يدعمون السلطة – لأنها “تخصهم” في المواجهة مع “الغرباء”، وأيضًا فيما يتعلق بالشعور بأن لا أحد باستثناء السلطة سيحميهم – لذلك لا بد من  “الاعتماد عليها”. ولكن إذا طالت الأزمة، فقد يبدأ الدعم بالتآكل.

في الوقت نفسه، فإن عامل القوة مهم بالنسبة لهم – قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، رأى هؤلاء الأشخاص القوة ليس في غورباتشوف، ولكن في يلتسين، ومالوا إلى جانبه.

الآن لا يوجد مركز آخر للجذب – وسيختار الناس استراتيجيات العمل بشكلٍ فردي، سوف تنتشر ظاهرة “ازدواجية التفكير” Double thinking، المعروفة جيدًا في العصر السوفيتي.

فيما يتعلق بالأرقام – مع جميع عيوب الاحصائيات، يمكن افتراض أن الأغلبية أي أكثر من نصف الروس يهتمون بالقضايا العامة (لا تنسوا أن هناك جزءًا كبيرًا من السكان يتم استبعادهم بالكامل من أي مواضيع عامة، بما في ذلك عدم التواصل مع علماء الاجتماع).

من هنا، الأقليتان الانف ذكرهما، على التوالي – يشكلان في المجموع أقل من النصف مع بعض الافضلية للموالين للسلطة.

■ ■ ■

قناة Nezigar على تيليغرام

آراء الخبراء

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

ايلول 2022

وفقًا لعدد من المراقبين، على خلفية التصعيد الجيوسياسي المستمر، يتصاعد التوتر داخل النخبة في روسيا.  ادلى الخبراء بتقييم امكانية النزاعات المحتملة.

1) ميخائيل فينوغرادوف

رئيس مؤسسة سانكت بطرسبورغ للسياسة:

الجدل الذي بدأ يتكشف هو رد فعل طبيعي تمامًا على ثاني فشل عسكري كبير على التوالي من الجانب الروسي.  على نطاق أوسع، فإنه يعكس عدم القدرة على التركيز بشكل كامل حول أي من المشاريع.

 يبدو أن التعبئة هي واحد من هذه المشاريع، لكن هذا لا يحدث حوله اجماع أيضًا – وزارة الدفاع تتعرض لضغوط متزامنة من الدعاية والنشطاء العاملين من داخل النظام، مما يؤدي إلى إضعاف معنويات الجيش من الأسفل إلى الأعلى بالكامل.

على نطاق أوسع، هذا هو نتيجة تحريم النقاش حول ما إذا كان من الصواب بدء الحرب في شباط فبراير الماضي.

 لا يوجد موقف موحد تجاه هذا سواء في المجتمع أو في مؤسسات الدولة، ولكن التحليل العام المتفق عليه للنجاحات والأخطاء أمر مستحيل.

 بشكل عام، لا يزال لدى النخب مخاوف رئيسية – الخوف من النصر والخوف من الهزيمة.  لكن النشاط في هذا الاتجاه، وحتى إنشاء “حزب للحرب” و “حزب السلام”، محدود للغاية بل إنه مستحيل بسبب عدم وجود أي نوع من الثقة حتى بين أولئك الذين يشعرون ويقيمون الامور بنفس الطريقة.

2) أوليغ إيفانوف

 رئيس مركز تسوية النزاعات الاجتماعية:

 المواجهة بين حزبي “الحرب” و “السلام” موجودة حتى في زمن السلم، ومن الواضح أنها موجودة الآن.  بالطبع، في الوضع الحالي، “حزب الحرب” أقوى بكثير، ولا داعي للحديث عن أي نوع من المنافسة هنا.  “حزب الحرب” يشمل في المقام الأول قوات الجيش و الأمن والمجمع الصناعي العسكري.

  بينما يشمل “حزب السلام” النخب التي عانت أكثر من غيرها من العقوبات الاقتصادية.  هؤلاء هم، أولاً وقبل كل شيء، القلة من أصحاب المصارف وغيرها، وشخصيات من الوسط الثقافي والتعليم العالي الموالية للغرب.

 واليوم، الصراع في مرحلة التصعيد، وقد تم الإعلان عن تعبئة جزئية في روسيا. وقبل مرحلة الذروة، فإن المفاوضات لا تزال بعيدة جدا، لذلك يعزف على الكمان الأول “حزب الحرب”.

تتراجع المصالح الاقتصادية إلى الخلفية، لأن الطبيعة الحضارية والجيوسياسية لهذه المواجهة واضحة للجميع.

3) فلاديمير إيفانوف

أستاذ مشارك في قسم الإدارة الحكومية والبلدية في جامعة الصداقة:

في الوقت الحاضر، لا يخفى الانقسام بين النخب على المستوى العام.  كانت الهجمات الأخيرة والقاسية غير المعتادة التي قام بها يفغيني بريغوجين ورمضان قديروف، المقربان من الرئيس بوتين، ضد وزارة الدفاع تستهدف جزءاً من الناس المتابعين للأحداث على الجبهة، وتسببت بشكل عام في رد فعل كبير.  يشار إلى أن عددًا من السياسيين والمتقاعدين العسكريين رفيعي المستوى انضموا إلى الخلاف الذي بدأ في وسائل الإعلام حول من يتحمل مسؤولية الانسحاب من كراسني ليمان “الجنرال لابين أم هيئة الأركان العامة للجيش الروسي”.

في ظل الظروف الحالية، يجب اتخاذ تدابير تنظيمية، من بين أمور أخرى، لمنع حدوث أزمة خطيرة محتملة في القيادة المركزية وانقسام لا يقل خطورة داخل الجنرالات.  الاتهامات المتبادلة والبحث عن المذنبين – ليسا أفضل ما يمكن أن يحدث في ظروف التعبئة بل هو أيضاً مؤشر على ضرورة حدوث تغييرات عاجلة في كادر وزارة الدفاع.

4) قسطنطين كالاتشيف

رئيس فريق الخبراء السياسيين:

هناك “حزب الصقور” و “حزب الفطرة السليمة”.  سيكون ذلك أكثر دقة.  لكن المشكلة أعمق بكثير.  ماذا يريد الإنسان أكثر – أن يعيش أم يموت؟

جاء فرويد بفكرة أن من الطبيعة البشرية أن الانسان يريد الموت.

جزء من النخبة لدينا – من أتباع ثاناتوس (إله الموت عند الإغريق – المترجم).  يريدون الدم والموت.  وقسم منهم – يحتفظ بالفطرة السليمة.  لكني أعتقد أنهم أقلية.  بالطبع، سنموت جميعًا.  سيتم استخدام الأسلحة النووية.

يقع اللوم عليهم هم أنفسهم – لقد فقدوا إرادة الحياة.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف. ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.