المغرب الرسمي يقود قاطرة التطبيع السينمائي مع الكيان: سينمائيون مغاربة أنقذوا مهرجاناً إسرائيليّاً للأفلام، سعيد محمّد  

اندفاعة السّلالة الحاكمة في الربّاط إلى فرض سياسات التهوّد والتطبيع مع الكيان العبري على الشعب المغربيّ امتدت من فضاءات السياسة والعسكر والاقتصاد إلى عالم السينما أيضاً، بعد مشاركة رسميّة من الوزن الثقيل في مهرجان الأفلام الإسرائيلي المنسوب لحيفا المحتلّة مثلّت الثقل الدوليّ لتظاهرة حكوميّة عبريّة طالما عانت من تجنّب السينمائيين العالميين والعرب لها، لا سيّما في أجواء عدوان إسرائيلي لا يتوقف على المدن العربيّة في الضفة الغربيّة. 

سعيد محمّد – لندن 

للسلالة الحاكمة في المغرب علاقات تاريخيّة بالكيان العبري منذ أيّام الملك الحسن الثاني، وساهم جهاز الاستخبارات الاسرائيلية الخارجيّة الموساد في تأمين النظام الملكي في عدة منعطفات كادت تطيح به بما في ذلك بصماته الظاهرة على عمليّة اغتيال الشهيد المهدي بن بركة. وقد ورث محمّد الخامس، الملك الحالي، هذه العلاقات الحميمية وعمل نظامه على تطويرها نحو تطبيع رسميّ وعلنيّ شامل في السياسة والاقتصاد والنقل الجوي والشؤون العسكريّة والأمنيّة وانتقال القوى العاملة، وها هو يقود قطار التطبيع الثقافيّ العربي من بوابة السينما أيضاً عبر الدفع بمشاركة رسميّة مغربيّة كثيفة في مهرجان حيفا الإسرائيلي للأفلام ضمن دورته ال38 ( 8-17 أكتوبر/ تشرين أوّل الجاري)، والتي تقام في موازاة عدوان إسرائيلي يوميّ متصاعد ضد المدن العربيّة في شمال الضفّة الغربيّة المحتلّة. 

وقد تضمّن برنامج المهرجان عروضاً لسبعة أفلام لأربعة مخرجين من تمويل مغربي – أوروبيّ مشترك، وهي: “ملكات – 2022″ لياسمين بنكيران، و”يا خيل الله – 2013″ و”علي زاوه: أمير الشوارع – 2000″ لنبيل عيوش، و”القفطان الأزرق – 2022″ و”آية والبحر- 2019″ و”آدم – 2019” لمريم التوزاني – زوجة نبيل عيّوش -، وأيضاً “روك القصبة – 2013” لليلى المراكشي. وقد نظمّت العروض بحضور مخرجيها، وشكلت بمجموعها الثقل الدّولي للمهرجان الذي طالما عانى من تجنّب السينمائيين العالميين لإدراج أفلامهم فيه لأسباب مفهومة. ويعقد مهرجان حيفا السينمائي سنوياً منذ 1983 بتعاون بين مجلس السينما الإسرائيلي ووزارات الحكومة المعنيّة، كما بلدية المدينة التي احتلها الصهاينة إثر حرب ال1947-1948 وذلك بغرض تقديم وجه مخادع عن تعايش وتحضّر مزعومين في المجتمع العبري، إضافة إلى دعم المخرجين الإسرائيليين وصناعة الأفلام والوثائقيّات، والرسوم المتحركة، والأعمال التلفزيونيّة الإسرائيلية. ويمنح المهرجان جوائز لأفضل فيلم إسرائيلي طويل وأفضل فيلم وثائقي إسرائيلي، بالإضافة إلى ما يسمى مسابقة (الكرمل) للأفلام الدوليّة.

التظاهرة المغربيّة في مدينة حيفا المحتلّة تضمنت أيضاً لقاء مفتوحاً للعموم مع المخرجات المغربيّات ياسمين بانكيران، ليلى مراكشي، صوفيا علوي، بحضور ياسمين بوشفر من رابطة نُقاد السينما المغاربة ومشاركة ممثلة إسرائيليّة من أصل مغربيّ، ولقاء خاصاً مع المخرج والمنتج نبيل عيّوش، ونظمّت على هامشها ندوة حول “آفاق التعاون المغربي – (الإسرائيلي) في قطاع السينما” شاركَت فيها خديجة العلمي المنتجة السينمائية التي تحدثت عن الحوافز المالية والضريبية يمكن أن تستفيد منها صناعة السينما الإسرائيلية لإنجاز عمليات التصوير والإنتاج في المغرب، مؤكدة بالخصوص على أنّه “لا توجد أي رقابة – على الأفلام الأجنبيّة  – في المغرب”، و يوسف بريطل ممثّل وزارة الثقافة والاتصال المغربية، الذي نقلت الصحف عنه القول بإنّ “الترتيبات جارية حالياً لتوقيع اتفاقية بين المغرب و(إسرائيل) حول الإنتاج السينمائي” بعدما دعا بدوره رأس المال اليهوديّ للاستفادة من الإمكانيات الهامة للمغرب في مجال الإنتاج السينمائي من مواقع طبيعية، واستوديوهات متطورة وكوادر محترفة وفرق كومبارس رخيصة. وتحدثت في الندوة أيضاً مريم كوهين، وهي مخرجة إسرائيلية من أصل مغربي، عن مشاريع لها لإنجاز أعمال وثائقيّة حول حياة اليهود المغاربة على أساس أن تاريخهم الثقافي والاجتماعيّ لم يتم تناوله بما فيه الكفاية بعد، فيما اختتم الإسرائيلي من أصل مغربيّ رافائيل باربيباس، المسؤول عمّا يدعى “غرفة التجارة والصناعة المغربية – (الإسرائيلية) الندوة بدعوة المنتجين السينمائيين في المغرب و”إسرائيل” إلى العمل سويّة لإنجاز إنتاجات مشتركة، مؤكداً على أنّ الطرفين في الرباط وتل أبيب “لديهما العزم على تجاوُز مختلف الحواجز، والرّفع من وتيرة الحوار والتعاون في المجال السينمائي”.

وقد نظمّت هذه اللقاءات والندوة على هامش المهرجان بالتعاون ما بين صندوق رابينوفيتش للفنون وغرفة التجارة والصناعة المغربية- (الإسرائيليّة)، ووزارة الخارجية الإسرائيليّة، ووزارة الثقافة والاتصال المغربيّة. ولوحظ اهتمام واسع مقصود من قبل وسائل إعلام النظام الملكيّ الرسميّة بمتابعة المشاركة في المهرجان الإسرائيلي وإبراز أهم نشاطاتها، لا سيما لناحية ما وصفته بالزّخم النسائي و”الفرصة التي أتيحت للمغربيّات لعرض أعمالهن وجعل أصواتهن مسموعة من خلال السينما المغربية التي وصلت الى العالم، ولأول مرة الآن أيضاً من خلال مهرجان حيفا الإسرائيلي للأفلام” – دائماً على حد تعبير أحد المواقع الإخباريّة المغربيّة -.

المشاركة العربيّة في المهرجان الإسرائيلي اقتصرت حصراً على الأفلام المغربيّة الممولة من الجانب الأوروبيّ، بعدما فشلت جهود هيئة المهرجان في استقطاب مخرجين عرباً (ومغاربة) آخرين فشلاً ذريعاً ولم تنجح إلا في استدعاء من تخلوا منذ زمن عن أصولهم العربيّة ويعيشون ويعملون في الغرب، فعرضت فيلم “فتى من السماء” للمخرج السويدي (من أصل مصري) طارق صالح – وهذا أعماله ممنوعة من العرض العام في مصر وأُعتبر فيلمه الأخير هذا اهانة لمؤسسة الأزهر -، وفيلم “الاختبار” للمخرج الكردستاني (إقليم أربيل العراقي) شوكت أمين كوركي – بتمويل ألماني -، وفيلم “حرقة” للأمريكي (اليهودي من أصل مصري)  لطفي ناثان عن الربيع العربي في تونس، إضافة إلى “صيف أمل” للفرنسيّة (من أصل إيرانيّ) صدف فروغي، فيما سيمنح الفنان الإسرائيلي من عرب ال1948 مكرم خوري “جائزة الإنجاز لمجمل الأعمال مدى الحياة” بعد مهنة مديدة في تمثيل الأدوار العربيّة ضمن الأعمال التلفزيونيّة والسينمائيّة الإسرائيلية.

وإذا كان من حق الإسرائيليين ادعاء مشاركة أعمال مصرية وتونسيّة وعراقيّة وإيرانيّة في مهرجانهم العتيد – وهو أمر لا أساس له من الصحة وغير دقيق وتلفيق ظاهر -، فإن اللّافت كان ترداد عدد من الصحف العربيّة لتلك التّرهات دون تقص او تبيين، مساهمة منها فيما يبدو في نشر ثقافة التّطبيع وخطاب الهزيمة، في وقت لا تزال فيه جهود التطبيع التي تدعمها الأنظمة العربيّة تراوح مكانها بين الأطر الرسميّة والمخابراتيّة والنّخب الفاسدة الملتصقة بالأنظمة فحسب، دون نجاحات تذكر بين المثقفين والطبقات العاملة.

:::::

المصدر: مدونة “الثقافة المضادة” 

https://counterculture1968.wordpress.com

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف. ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.