نشرة “كنعان”، 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022

السنة الثانية والعشرون – العدد 6415

في هذا العدد:

محاورات في الاقتصاد السياسي: للسعودية أدوات إرهاب وهي أداة صهيمريكية، عادل سماره

الاصطفاف في المعسكرات ليس مجرد اختلاف، محمود فنون

عيون حمراء كالجمر … فانتازيا مُحتملة الحدوث، رشاد أبوشاور

المكان الخطأ، ناديا خوست

✺ ✺ ✺

محاورات في الاقتصاد السياسي:

للسعودية أدوات إرهاب وهي أداة صهيمريكية

عادل سماره

إحذروا من هللوا للسعودية في تخفيض إنتاج النفط وتلاعبات بوتين ببن سلمان. بوتين كما الحاوي الماهر في مداعبته أردوغان وبن سلمان وهو يعلم أنهما أفاعي وتحقيره لبن حمد. امريكا لن تتضرر من تخفيض إنتاج النفط بل تربح لتبيع نفطها رديىء النوعية وعالي كلفة الاستخراج. وإذا كانت امريكا تربح من تبريد غرف النوم في أوروبا فلماذا لا تربح من تخفيض إنتاج النفط وقد تبيع لأوروبا مزيدا من البطانيات.

صار من الوضوح بمكان أمرين:

الأول: أن المراقب الدقيق يعلم بأن من يحكم راس المال العالمي طغمة مالية/سياسية يسمونها أوليغارشية مالية، قليلة العدد متعددة الأذرع تتحكم بالبنوك وكبريات الشركات المعولمة. ومن بين هذه “الطبقة” إن صح التعبير اوليغارشية أمريكا وأوروبا والتوابع في المحيط ومنها السعودية. وهذه الطبقة تنتعش بالحروب.

والثاني: إن الذين يعيبون على حكام أوروبا أنهم أغبياء او مجرد عملاء لأمريكا هم البسطاء لأن راس المال ليس وطنيا بل مصلحيا حتى المصلحة المتصاغرة إلى جيوب فرد فهذه الطبقة في أوروبا تربح من شعوبها وهي نفس الشعوب التي تربح وربحت من امتصاص دم المحيط. هذا إلى أن تتأزم الطبقات الشعبية هناك وتفعل شيئا ما حقيقي وقوي وقادر وتغييري. وهذا مرهون جدا بحراك ثوري عنيف في المحيط يقطع شرايين الدم الذي تمتصه بلدان المركز من المحيط.

نعود إلى السعودية، فحكامها جزء من أولغارشية معولمة. لذا ما المانع أن تربح من تخفيض إنتاج النفط؟ كانت في السابق تلعب دور المنتج المرجِّح اي الشاويش الممسك بصنبور انبوب النفط العالمي تأمرها أمريكا بزيادة ضخ النفط كي تبقى الأسعار منخفضة عالميا وكي تشتري بلدان المحيط منتجات أمريكا بفواتير نفط سهلة. وحين تأمرها أمريكا بزيادة الضخ تفعل ذلك. وبالطبع كان يقال حينها “تثاقلت الأسواق”.

تغيرت امريكا اليوم، لم تعد الأقدر تصديرا في العالم ولا الوحيدة القادرة على التصنيع والتصدير، اي فقدت دورا احتكاريا قاتلا للعالم. وكذلك بالمقابل اصبحت دولة نفطية بمخزون كبير يبحث عن أسواق، وهل هناك أمتع من اسواق أوروبا!

لذا، يجب ان تستخدم السعودية بشكل آخر جديد. إنها ومعذرة للآية الكريمة بمعنى “نفطكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم”.

اليوم ارتفاع اسعار النفط تخدم امريكا والسعودية وحتى روسيا، لكنها تجلب المليارات لأمريكا اولاً. هذه صناعة الحروب في راس المال الذي يعشقه الفقراء وهو يذبحهم وأحيانا ينقده الأغنياء بخبث!

والأمر اسوا. فالسعودية بعد تخفيض الإنتاج النفطي تبرعت لأوكرانيا ب 400 مليار دولار، وهذا الرقم الإعلامي فمن يدري بالمخفي؟ فهل هذا تآخي الأديان؟ أو تقسيم إبراهيم الصهيوني المال بين أولاده؟ أم الأمر الأمريكي بمعنى قبضتم فادفعوا. فهل بهذا يشاكس بن سلمان سيده بايدن؟

السعودية تقوم بتسريب الإرهاب إلى إيران.

يا للهول، وهل هناك خدمة لأمريكا أكثر من هذا؟ وخاصة غذا ما تطور الأمر لحرب!!! بهذا تساهم السعودية في تتويج نتنياهو، في حين تتمنى عودة ترامب، فإن هذا لا يوجع بايدن كما يعتقد البعض لأن أمريكا ليست بايدن ولا ترامب ولا نانسي بيلوسي ولا حتى “نانسي عجرم”، أمريكا هي الأوليغارشية والشركات وكلا الحزبين في امريكا شركاء في المجمعين الصناعيين العسكري والمدني.

إن أكبر خدمة لأمريكا هي مشاغلة إيران فكيف إذا كانت هناك فرصة لحرب أو إسقاط النظام! هل يخالط أحد الشك أن السعودية تمول أنظمة محيطة بإيران لتدريب وتمويل وتسليح الإرهابيين؟ بل وتسريب مجاهدات النكاح إلى هناك؟ كما فعلت معظم الأنظمة العربية ضد سوريا وليبيا واليمن والعراق.

قد يقول قائل بأن السعودية تدعم عربستان/الأهواز. كلا كل الأنظمة العربية قامعة لمن تحكمهم وتفرِّط بثرواتها وترابها وتلعب دور إمبريالية على وطنها نيابة عن الإمبرياليات الغربية، لذا ليست حريصة على الأهواز. وسيأتي يوم تُحل قضية الأهواز العربية وكل أرض عربية محتلة في حالة وجود وحدة عربية، دولة عربية مركزية. تُحل حتى دون حرب، فالقوي يأخذ حقه بلا حرب وبتفاهم ما. كما أن علاقات الأمم تأخذ بالاعتبار الأولويات زمانيا ومكانياً. لذا تتحالف بقوة في مكان وتتنافس بخفة في آخر.

✺ ✺ ✺

الاصطفاف في المعسكرات ليس مجرد اختلاف
محمود فنون


8/10/2018م

ردا على بوستات نشرتها عن سلامة كيلة واصطفافه في معسكر التسويات وخندق العداء لسوريا ، كتب الأخ عوني المشني تعليقا أقتطف منه:
“يا صديقي يا محمود
ما الفرق بين التخوين والتكفير ، كلاهما منهج لا يعترف بالاختلاف ولا يقبل الاختلاف ، انا لا أدافع عن احد او اتهم احد ، انا مع حق البشر في الاختلاف والراي دون اتهامات ، سلامة يطرح فكرة الدولة الواحدة ، عشرات او مئات مثله ، ايضا في وقت ما كان طرح فكرة دولتين خيانة !!!!
هل من المنطق تخوين البشر .حقنا انتقاد الموقف ورفضه …”
صباح الخير أخ عوني
أولا: ارجو ان تكون قد حصلت على نسخة من كتابي “بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة دراسة نقدية “وفيه رد على اصحاب حل الدولتين واصحاب حل الدولة الواحدة ومن افواههم وكتاباتهم هم بأنفسهم.
ثانيا: انت متابع وتعلم ان طرح التسويات والحلول من الجانب الفلسطيني والعربي يعبر فقط عن حسن نية الطارحين تجاه إسرائيل واحتلالها لفلسطين ولم يكن ولا مرة واحدة أبدا خلال مساومة مباشرة للحل وتستهدف الحل وتطبيق حلول . أي هو تعبير عن موقف الطارحين أنفسهم فقط ومنشور في الصحف والمجلات وشاشات التلفزة والمؤتمرات الخاصة. وهذه الطروحات تعبر عن اعتراف الطارحين بحق إسرائيل في الوجود. وهذا يعني ولا بد أن يعني أن هؤلاء الطارحين قد انتقلوا إلى صف المدافعين عن وجود إسرائيل حتى ولو في أبعد الصفوف الخلفية.
ثالثا: إن النتائج على الأرض وهي التي نراها اليوم. فطرح الدولتين والاستموات في الإثبات بقبوله من قبل أصحابه لم يكن يعني إقناع إسرائيل بقبوله، أو الضغط عليها بما يفرض عليها قبوله.
رابعا: إن طرح مشاريع التسوية يتم علينا نحن الجانب الفلسطيني والعربي ويستهدفنا نحن، بما يعني أن المفاوضات والحوار ليس مع إسرائيل بل هو حوار ذاتي ومفاوضات ذاتية يدافع خلالها الطارحون عن مواقفهم من أجل تمريرها علينا وعلينا فقط. ولم نحقق منها أية مكاسب بخصوص الأرض والانسحاب والمسألة الرئيسية.
وهذا الطرح استهدف منذ البداية إجراء تغيير في الموقف الوطني الفلسطيني فقط وليس في الموقف الإسرائيلي أبدا أبدا.
خامسا: إن تبرير الطرح بهدف التأثير في الرأي العام العالمي كان ولا زال مجرد غطاء لتسويغ المواقف وتشريع الطرح دون أن يتزحزح الرأي العام الأمريكي والأوروبي قيد أنملة عمليا. وحتى بعض الألفاظ التي يتلفظ بها الساسة الأوروبيون هي فقط لتشجيع التنازلات وليس من أجل حمل إسرائيل على الإعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه ولم تصل ولن تصل إلى هذا المستوى بعد أكثر من أربعين عاما على هذه الدوامة .
سادسا: إن أوروبا وأمريكا والغرب كله لا زال يقف عند حدود وعد بلفور وصك الإنتداب من الناحية العملية وهم يقدمون الدعم لإسرائيل على هذا الأساس وليس غيره أبدا .
من هنا يأتي تقييم طرح الدولتين والدولة الواحدة وليس من أي ابواب أخرى .
ومن الملاحظ دوما أن كتابا ومثقفين يدعمون فكرة التسوية ولا يصل طرحهم إلى أبعد من أن يسوغوا طرحهم أمامنا نحن وللتأثير فينا نحن ،وقد يحصلون على لقب معتدل من الطرف الآخر. وهم لم يؤثروا أبدا أبدا في الموقف الصهيوني اليهودي ولا الاستعماري 

 الغربي تجاه مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني. وعلى هذا يكون طرحهم في صف مؤيدي إسرائيل.
إنهم يتمولون ويكتبون وينشرون ويعقدون المؤتمرات ويعتاشون في جزء كبير منهم على نفقة الغرب، ويلقون التشجيع من رجالات الغرب ورجالات يهود يتظاهرون بأنهم مع هذا الطرح وأن هذا الطرح هو منقذ الشعب الفلسطيني وهم كلهم يعلمون أن هذا الطرح في خدمة وجود الاستيطان في فلسطين.
وإذا تتبعت طروحات سلامة كيله فهو يقول في كتاباته ووثائقه أنه يؤيد بقاء ما في أيدي اليهود في أيديهم. ومن المعلوم ان بأيديهم مستوطنات منتشرة في طول البلاد وعرضها وهم يسكنون كل بيوت اللاجئين الفلسطينيين في القدس وحيفا ويافا وبئر السبع. ومعه قطامش يقول إن موقفه الأخلاقي ضد الإزاحة أي أن يبقى كل شيء في محله.
إن الشعب الفلسطيني ليس في حاجة أبدا لمشاريع وأفكار التسوية هذه. فقط إسرائيل هي التي تحتاجها. ولكن ليس من أجل أن تأخذ بها أبدا أبدا ، بل من أجل أن تتغير أفكار ومفاهيم شعبنا وثقافته الوطنية وشعاراته الكفاحية وهذا ما حصل حتى الآن وعلى أيدي قيادات تاريخية من شعبنا وحظيت بإسناد أشباه المثقفين وأشباه الساسة الذين زينوا طرح التنازلات ودعموا هذه القيادات باستحسان عظيم ولكن وصلنا إلى أوسلو وعنوانه الرئيسي هو التنسيق الأمني والحصار والمضايقات .
أي أن غصنا منا حاورنا وأقنعنا عبر مفاوضات ذاتية بالتخلي عن 78% من فلسطين والآن يحاورون من أجل التخلي عن الباقي وبقاء الحال على حاله بينما اسرائيل تقضم كل يوم أراضي جديدة وتتوسع وتوسع استيطانها .
إن فيلق الطارحين لهذه الأفكار متنوع وهو يشتمل على المتذاكين والمضللين والحالمين بحياة خاصة والمتساقطين في أقبية التحقيق والمجندين والمجندة قلوبهم ولا يوجد فيهم أبدا منتمون للنضال الثوري التحرري .
وكلهم يستفيدون من الحالة المتعفنة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ويعززون اليأس والاستسلام .
من هنا لا يكون الأمر وجهة نظر إنما هو اصطفاف في معسكرات متقابلة .
مع الاحترام والتواصل .

✺ ✺ ✺

عيون حمراء كالجمر

فانتازيا مُحتملة الحدوث

رشاد أبوشاور

كأنما اتفقوا على هذا الأمر.

استيقظوا من نومهم القلق، وفتحوا نوافذ بيوتهم وتأملوا السماء الرصاصيّة الخفيفة العتمة، وتنهدوا بأصوات مرتفعة نافثين غضبا ترسخ في الصدور منذ ردح من الزمن، فتلاقت تنهداتهم الآسفة المحتجة.

تأملوا أجساد أبنائهم وبناتهم وزوجاتهم، وقلّبوا أيديهم بعجز،ثم غادروا بيتوهم دون أن يلتفتوا خلفهم، وفي الشوارع علت الجلبة مع الخيوط الأولى للفجر…

لم يكن زحفهم الصامت يفصح عن شىء بالكلام، بل بالهمهمة المبهمة والدموع، والمزيد من الدموع، واختلاجات الأجساد، وارتجاف الأيدي، واحمرار العيون من سهر وغّل ونكد وقهر…

مشوا دون اتفاق، وداروا في الشوارع دون هدف محدد، وعندما تنبهت شرطة المرور التي تسيقظ مبكرا لمطاردة السائقين، كما اعتادت، لمعاقبتهم بمخلفات تتراكم مالا في خزينة الدولة، بهت رجالها، واحتاروا في ما يرون، فهذه الحشود الهائمة تبكي دون أن تقول شيئا، وهي لا تكف عن البكاء.

أتكون جنازة كبيرة لفقيد شديد الأهميّة؟

لكن الإذاعة لا تبث آيات من القرآن الكريم!

فما الأمر إذا؟!

مروا عبر الجموع شاقين طريقا لسياراتهم ذات الأبواق التي تشبه جعير الأبقار، فتيقنوا أن الشوارع تغص بالرجال، وأن النساء بدأن أيضا يتدفقن، ولكنهن لا يندبن، بل يحملن أطفالاً وطفلات على أكتافهن، أو على صدورهن، ورغم أنهم، وأنهن، صغار ويبكون فإنهن لا يرضعنهم، ويجرجرن أطفالا قادرين على المشي..وهم أيضا يبكون ويرفعون رؤوسهم إلى وجوه أمهات لا يتسجبن لنظراتهم المتوسلة.

ذهل الشرطة، وأوقفوا سياراتهم، وكفوا عن إطلاق أبواقها، وانهمكوا في الاتصال بمرؤوسيهم بأصوات مرتجفة، فالمدينة تخرج من البيوت، والناس يبكون ويبكون ويبكون، ويزحفون في الشوارع ويلتفون بها دون وجهات محددة، والمدهش أنهم لا يهتفون مطالبين بشىء، فهم فقط يبكون، بدرجات أصوات مختلفة علوا وانخفاضا، ولا يتوقفون لالتقاط أنفاسهم.

الوزراء استيقظوا من نومهم مفزوعين، ورئيس الوزراء توجه إلى الرئاسة، وكبار رجال الأمن اندفعوا في أرتال سياراتهم السوداء إلى مكاتبهم ودوائرهم وحصونهم…

أهي مؤامرة؟

لا يمكن إصدار بيان يتهم جهات أجنبية بأنها تقف وراء بكاء شعب بأكمله، في قلب عاصمته الحبيبة، ثم من الجهة التي تستبكي هذا الشعب؟

مدير عام التلفزيون أرسل سيارات النقل الخارجي التي دارت كاميراتها مع حركة الحشود المتحركة بتثاقل وتلاصق وببكاء لا يتوقف.

لكن المعلقين عجزوا عن قول كلمة، وبقيت ميكروفاناتهم معلقة في أيديهم يحركونها بعصبية وقلق دون أن ترتفع أصواتهم عبرها ناقلة الحدث الغريب الفريد العجيب.

ماذا نقول؟

تساءل كل واحد وهو ينظر في وجه زميله.

لنصوّر ونحتفظ بالصور في الأرشيف.

اقترب واحد منهم وسأل مواطنا باكيا:

أيها المواطن العزيز، يا أخي، لماذا تبكون؟ لماذا تبكي أنت بالتحديد؟

أشاح المواطن وارتفع صوت بكائه أعلى مع هزات رأسه، فانصرف المراسل إلى غيره، فلم يلق جوابا، أو تفاعلا مع أسئلته.

تدفق مراسلو وكالات الأنباء، والصحف الأجنبية على الشوارع، وبدأوا بالتعليقات على المشهد الذي لا سابقة له في العالم: شعب بأكمله يبكي، ويدور في الشوارع، ولا يقول كلمة، ولا يفصح عن مطالب..يا للعجب!

رجال بملابس مدنية اندفعوا وأخذوا ينتزعون كاميرات المراسلين الأجانب، وميكروفونات، ويكزون على أسنانهم وهم يخاطبونهم آمرينهم بالانسحاب فورا..وإلاّ!

انسحب المراسلون على مضض، ولكنهم تدبروا أمورهم في التصوير من الطوابق العليا حيث مكاتبهم..وهكذا خرجت الصور والأخبار التي يمكن تلخيصها بخبر واحد بكلمات قليلة: الشعب كله، في العاصمة..كله يبكي، ويدور في الشوارع والأزقة، والدولة لا تقدم تفسيرا، بل تبدو وكأنها بوغتت، وأُخذت على غفلة، وتقف عاجزة عن فعل شىء، فليس من حقها منع الشعب من البكاء.

مراسل خفيف دم تساءل أيكون هذا اليوم هو عيد للبكاء وجد في زمن بعيد، والشعب يستعيده، ولا علم للدولة به هي وأجهزتها الأمنيّة؟!

 الدولة قبل أيام قليلة كانت تحتفل بعيد ميلاد ال(…) بأغان في الإذاعة والتلفزيون، ومانشيتات الصحف، والحلوى توزع في الشوارع، والاحتفال وصف بأنه أعظم عيد فرح في تاريخ البلاد…

كيف حدث هذا البكاء إذا؟

لم يمت رئيس الوزراء غير المحبوب، والرجل الكبير بخير، وبصحة جيدة..وفي البلاد لم يقع زلزال، ولا انتشر وباء الكورونا…

لا مبرر للبكاء

                                  *                            *

لقاء مدير المخابرات مع وزير الأوقاف:

أين شيوخ المساجد الذين ندفع لهم، ونغض النظر عن سرقاتهم للزكاة؟ ماذا يفعلون؟ لماذا اختفوا؟

أرسلنا لهم يا سيدي، وعممنا في الإذاعة…

ماذا فعلوا؟

وقفوا عاجزين، فالمساجد بلا مؤمنين يرتادونها للصلاة. حتى إن المشايخ راحوا إلى الجموع وناشدوها التوجه للمساجد، فالبكاء حرام..فردوا عليهم بالمزيد من البكاء..وبعض المشايخ انضموا للبكائين، بل وانهمكوا في اللطم والبكاء وكأنهم شيعة في عاشوراء.

يأخذ في ترديد العبارة: وكأنهم شيعة..وكأنهم شيعة.

فيتلقفها وزير الأوقاف:

لتعلن الدولة ياسيدي أن التشيع اخترق البلاد وانتشر…

يبرم وجهه مشمئزا:

نحن بلد كله سنة مع شوية مسيحيين..فكيف نتهم شعبنا بالتشيع؟

لتبرير ما يحدث سيدي…

يحرك عمامته على رأسه:

لماذا لا نتهم الشيوعيين بهذا الذي يحدث؟

– يا زلمة أنا أعرف أنك جاهل ولكنك غبي فوق ذلك. الشيوعيون حزب مرخّص..وصحيفته مرمية على الأرصفة عند باعة الصحف والمجلات وعليها المنجل والشاكوش ولا أحد يتصفحها..والشيوعيون انقرضوا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي…

               *                    *

الرجل الكبير:

_ أُريد أن أعرف ما سبب ما يحدث، ولماذا؟ تقول لي يا مدير أمني بأنكم عاجزون عن معرفة سر ما يحدث؟

يضرب يده على الطاولة:

ما يحدث فضيحة..فضيحة بجلاجل. السفير الأمريكي اتصل بي مستفسرا، ولم أجد ما أرد به عليه، فماذا أقول له وهو يستشيط غضبا، وأحيانا يفرط من الضحك صائحا: هذه أغرب ثورة في التاريخ، أغرب حتى من الربيع العربي: ثورة البكاء والمشي في الشوارع..ثورة صامتة، بدون هتافات، ولا خطابات، ولا مطالب!..معقول ثورة غزيرة الدموع و..بلا مطالب؟!

                            *                    *

كيف توقفت السيارات وحركة السير؟ ( من تعليقات بعض الجهات الرسميّة)

السائقون الملاعين تضامنوا مع الشعب..فهم رغم نفور الناس منهم ينتمون لهذا الشعب، و…

هناك مؤامرة! لا شك..ولكن من يقف خلفها، وكيف تم اقناع الناس بالبكاء وبحرقة؟

الناس لا يمثلون، إنهم مندمجون في المناحة الجماعية، وهم يتشبثون بالبكاء وكأنه سلاحهم الأخير في..في الماذا؟ ..وكأنه سلاحهم الأخير! لكن هذا لا يطمئن، فهم لن يستمروا في البكاء والدوران في الشوارع..ف..عيونهم تحمّر حتى لتكاد تنفجر من الاحتقان الدموي.

بماذا تنبئ العيون المحمرّة المحتقنة؟!

إنهم يبدون منهكين.

إنهم جوعى ولكنهم لايكفون عن الزحوف في الشوارع تمهيدا لما..لما..ماذا؟!

            *              *

صوت هدير البحر

الناس يتجهون إليه، و..يخلعون ملابسهم و..يلقون بأنفسهم في أمواجه.

يرتفع صوت: إنهم يهاجرووووون…

صوت: و..نحن من سنحكم؟ وممن سنأخذ الضرائب؟

صوت: ما هذا الشعب؟ يُطعم نفسه للسمك..ويخسّر فينا دفع الضرائب؟!

مع إننا من لحمه و..دمه!!

صوت مدو: إنهم يعودون بعيون شديدة الإحمرار، وهم يندفعون بضراوة..فلنهرب..فلنهرب..سيأكلوننا…

يسمع هدير طائرات تبتعد..وبكاء يتصاعد: سرقوا كلّ شئ..ويهربوووون!

صوت هدير البحر..و..هدير الناس الذي يشبه الزئير.

✺ ✺ ✺

المكان الخطأ

ناديا خوست

لا أدري لماذا تذكرت أمام مشهد لقاء البابا بشيخ الأزهر في البحرين، رتل السيارات العسكرية السعودية التي سندت الملك وقت انتفاضة شعبها مع أنها سلمية لم يرم فيها حجر. ربما لأن الكاميرات التي كانت مسددة على هيبة الرتل، سددت على منصة اللقاء الرفيع. نصح اللقاء بالحوار، لكننا لم نسمع ضرورته في البحرين لتغيير النهج الذي يطلبه شعبها المعروف بثقافته.

على كل حال، كان يفترض أن يكون اللقاء في مخيم جنين، سنداً لشباب يحاولون أن يهزوا الغائبين عن الوعي. أو للحفاوة بالشجاعة الفاتنة ورشاقة المطالبين بالاعتراف بحقهم في الوطن. أو كان يفترض أن يكون اللقاء في سورية، لأنها واجهت حرباً وظفت الوحشية في مشروع التفكيك السياسي، باسم الدين. ليوضّح أن الأديان ترفض اغتصاب الأطفال، وانحطاط جهاد النكاح، وتشريع القتل المذهبي، وتدمير الكنائس والأضرحة، وكسر مقاعد المدارس، والجباية على المعابر، ونهب بنوك الدولة، والتجارة بالآثار، وكسر شواهد الحضارة الإنسانية. لم يهدم الإسلام الكعبة التي ورثها من القدماء، بل ثبّت الحج إليها. ونصب القباب فوق أضرحة قادة الإسلام، فبقيت قروناً حتى دمرتها الوهابية.

لذلك يشعر المؤمنون الأنقياء الذين يفهمون أن الفضائل الأخلاقية أساس التديّن، بالدهشة لأن تضحيات السوريين طوال أحد عشر عاماً لم تستوقف ذلك اللقاء. فغاب الانحناء للشهداء الذين صمدوا في حصار المطارات والمستشفيات، وقتلوا بقرار وتصميم! ولم يستوقف اللقاء، ومسألة الطاقة في محور الحرب في العالم، أن السوريين يعانون من البرد، وينكّل بهم بالحصار والأزمات، ونفط السوريين يسرق ونفط الإخوة العرب ملتزم بالعقوبات!

واكب اختيار المكان الخطأ المسألة الخطأ. فهي ليست “سوء تفاهم” بين السنة والشيعة أو بين المسلمين والمسيحيين لتنصب له طاولة الحوار. بل المسألة القواعد العسكرية الأمريكية التي تحرس مخطط تفكيك الدول إلى معازل إثنية ومذهبية. وتقسيم المجتمعات العربية بمعيار الطوائف. وكسر الوحدة الوطنية المؤسسة على تاريخ ولغة وذاكرة وأدب وثقافة. ومن هذه الذاكرة شعار الثورة السورية الذي ثبّتته منذ قرن تقريباً: الدين لله والوطن للجميع. وما أكثر ما بيّن الباحثون أن فصل الشيعي عن السني عن المسيحي في تاريخ الوطن مستحيل. فمعيار التمييز بين الناس هو فقط أخلاقهم، كفاءتهم، صدقهم وشجاعتهم. لم نتصور يوماً أن صوت فيروز لن يطربنا لأن فيروز مسيحية! وأن القصائد التي غنتها في معرض دمشق الدولي، ولا نزال نرددها، كتبها شاعر مسيحي! نعرف كم تخسر العمارة العربية لو حذفت منها الكنائس! وكم نخسر من النساجين والصياغ والمفكرين والسياسيين الوطنيين، وكم نخسر من الذاكرة، لو قطّعناها بمعيار المذاهب!

ربما لمس ذلك اللقاء في البحرين جانباً فقط من الواقع بذكر الحرب في أوكرانيا، مع أنها حرب على روسيا. تمنى كما نتمنى أن تنتهي. لكنه لم يبصر جوهرها. ومع أن الأديان قدّست الحياة، لم يهتم اللقاء بجريمة تصنيع الأوبئة في مئات المخابر الأمريكية المنثورة في العالم، وتصريحات السياسيين الغربيين التي واكبتها عن ضرورة تقليص سكان الأرض. ولم يذكر خطر النازية الجديدة، المؤسسة على الاحتقار العنصري الذي يبيح حرمان بعض الشعوب من حقها في الحياة، ويمارس منع لغتها وأدبها وفنونها وتشويه تاريخها.

وبعد، لا يوجد في هذه اللحظة إنسان خارج الصراع العالمي. لأن الجنون العنصري قد يجعله حرب إبادة ذرية تكرر مأساة هيروشيما. وكل لقاء يتجاهل الصراع اليوم بين الهيمنة الغربية والحق في التنوع، هو خارج الزمن. يزيد في ثقل المسؤولية عن التيه أن يملك المشاركون نفوذاً روحياً. لذلك نتساءل: هل اختيار المكان الخطأ، واختيار مسألة بديلة عن مسألة جوهرية، تعبير عن موقف في الصراع العالمي، أم تعبير عن حاجة الضعيف إلى سند خارجي؟

:::::

صفحة الكاتبة على فيس بوك

Nadia Khost

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:
  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

السنة الثانية والعشرون – العدد 6415

في هذا العدد:

محاورات في الاقتصاد السياسي: للسعودية أدوات إرهاب وهي أداة صهيمريكية، عادل سماره

الاصطفاف في المعسكرات ليس مجرد اختلاف، محمود فنون

عيون حمراء كالجمر … فانتازيا مُحتملة الحدوث، رشاد أبوشاور

المكان الخطأ، ناديا خوست

✺ ✺ ✺

محاورات في الاقتصاد السياسي:

للسعودية أدوات إرهاب وهي أداة صهيمريكية

عادل سماره

إحذروا من هللوا للسعودية في تخفيض إنتاج النفط وتلاعبات بوتين ببن سلمان. بوتين كما الحاوي الماهر في مداعبته أردوغان وبن سلمان وهو يعلم أنهما أفاعي وتحقيره لبن حمد. امريكا لن تتضرر من تخفيض إنتاج النفط بل تربح لتبيع نفطها رديىء النوعية وعالي كلفة الاستخراج. وإذا كانت امريكا تربح من تبريد غرف النوم في أوروبا فلماذا لا تربح من تخفيض إنتاج النفط وقد تبيع لأوروبا مزيدا من البطانيات.

صار من الوضوح بمكان أمرين:

الأول: أن المراقب الدقيق يعلم بأن من يحكم راس المال العالمي طغمة مالية/سياسية يسمونها أوليغارشية مالية، قليلة العدد متعددة الأذرع تتحكم بالبنوك وكبريات الشركات المعولمة. ومن بين هذه “الطبقة” إن صح التعبير اوليغارشية أمريكا وأوروبا والتوابع في المحيط ومنها السعودية. وهذه الطبقة تنتعش بالحروب.

والثاني: إن الذين يعيبون على حكام أوروبا أنهم أغبياء او مجرد عملاء لأمريكا هم البسطاء لأن راس المال ليس وطنيا بل مصلحيا حتى المصلحة المتصاغرة إلى جيوب فرد فهذه الطبقة في أوروبا تربح من شعوبها وهي نفس الشعوب التي تربح وربحت من امتصاص دم المحيط. هذا إلى أن تتأزم الطبقات الشعبية هناك وتفعل شيئا ما حقيقي وقوي وقادر وتغييري. وهذا مرهون جدا بحراك ثوري عنيف في المحيط يقطع شرايين الدم الذي تمتصه بلدان المركز من المحيط.

نعود إلى السعودية، فحكامها جزء من أولغارشية معولمة. لذا ما المانع أن تربح من تخفيض إنتاج النفط؟ كانت في السابق تلعب دور المنتج المرجِّح اي الشاويش الممسك بصنبور انبوب النفط العالمي تأمرها أمريكا بزيادة ضخ النفط كي تبقى الأسعار منخفضة عالميا وكي تشتري بلدان المحيط منتجات أمريكا بفواتير نفط سهلة. وحين تأمرها أمريكا بزيادة الضخ تفعل ذلك. وبالطبع كان يقال حينها “تثاقلت الأسواق”.

تغيرت امريكا اليوم، لم تعد الأقدر تصديرا في العالم ولا الوحيدة القادرة على التصنيع والتصدير، اي فقدت دورا احتكاريا قاتلا للعالم. وكذلك بالمقابل اصبحت دولة نفطية بمخزون كبير يبحث عن أسواق، وهل هناك أمتع من اسواق أوروبا!

لذا، يجب ان تستخدم السعودية بشكل آخر جديد. إنها ومعذرة للآية الكريمة بمعنى “نفطكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم”.

اليوم ارتفاع اسعار النفط تخدم امريكا والسعودية وحتى روسيا، لكنها تجلب المليارات لأمريكا اولاً. هذه صناعة الحروب في راس المال الذي يعشقه الفقراء وهو يذبحهم وأحيانا ينقده الأغنياء بخبث!

والأمر اسوا. فالسعودية بعد تخفيض الإنتاج النفطي تبرعت لأوكرانيا ب 400 مليار دولار، وهذا الرقم الإعلامي فمن يدري بالمخفي؟ فهل هذا تآخي الأديان؟ أو تقسيم إبراهيم الصهيوني المال بين أولاده؟ أم الأمر الأمريكي بمعنى قبضتم فادفعوا. فهل بهذا يشاكس بن سلمان سيده بايدن؟

السعودية تقوم بتسريب الإرهاب إلى إيران.

يا للهول، وهل هناك خدمة لأمريكا أكثر من هذا؟ وخاصة غذا ما تطور الأمر لحرب!!! بهذا تساهم السعودية في تتويج نتنياهو، في حين تتمنى عودة ترامب، فإن هذا لا يوجع بايدن كما يعتقد البعض لأن أمريكا ليست بايدن ولا ترامب ولا نانسي بيلوسي ولا حتى “نانسي عجرم”، أمريكا هي الأوليغارشية والشركات وكلا الحزبين في امريكا شركاء في المجمعين الصناعيين العسكري والمدني.

إن أكبر خدمة لأمريكا هي مشاغلة إيران فكيف إذا كانت هناك فرصة لحرب أو إسقاط النظام! هل يخالط أحد الشك أن السعودية تمول أنظمة محيطة بإيران لتدريب وتمويل وتسليح الإرهابيين؟ بل وتسريب مجاهدات النكاح إلى هناك؟ كما فعلت معظم الأنظمة العربية ضد سوريا وليبيا واليمن والعراق.

قد يقول قائل بأن السعودية تدعم عربستان/الأهواز. كلا كل الأنظمة العربية قامعة لمن تحكمهم وتفرِّط بثرواتها وترابها وتلعب دور إمبريالية على وطنها نيابة عن الإمبرياليات الغربية، لذا ليست حريصة على الأهواز. وسيأتي يوم تُحل قضية الأهواز العربية وكل أرض عربية محتلة في حالة وجود وحدة عربية، دولة عربية مركزية. تُحل حتى دون حرب، فالقوي يأخذ حقه بلا حرب وبتفاهم ما. كما أن علاقات الأمم تأخذ بالاعتبار الأولويات زمانيا ومكانياً. لذا تتحالف بقوة في مكان وتتنافس بخفة في آخر.

✺ ✺ ✺

الاصطفاف في المعسكرات ليس مجرد اختلاف
محمود فنون


8/10/2018م

ردا على بوستات نشرتها عن سلامة كيلة واصطفافه في معسكر التسويات وخندق العداء لسوريا ، كتب الأخ عوني المشني تعليقا أقتطف منه:
“يا صديقي يا محمود
ما الفرق بين التخوين والتكفير ، كلاهما منهج لا يعترف بالاختلاف ولا يقبل الاختلاف ، انا لا أدافع عن احد او اتهم احد ، انا مع حق البشر في الاختلاف والراي دون اتهامات ، سلامة يطرح فكرة الدولة الواحدة ، عشرات او مئات مثله ، ايضا في وقت ما كان طرح فكرة دولتين خيانة !!!!
هل من المنطق تخوين البشر .حقنا انتقاد الموقف ورفضه …”
صباح الخير أخ عوني
أولا: ارجو ان تكون قد حصلت على نسخة من كتابي “بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة دراسة نقدية “وفيه رد على اصحاب حل الدولتين واصحاب حل الدولة الواحدة ومن افواههم وكتاباتهم هم بأنفسهم.
ثانيا: انت متابع وتعلم ان طرح التسويات والحلول من الجانب الفلسطيني والعربي يعبر فقط عن حسن نية الطارحين تجاه إسرائيل واحتلالها لفلسطين ولم يكن ولا مرة واحدة أبدا خلال مساومة مباشرة للحل وتستهدف الحل وتطبيق حلول . أي هو تعبير عن موقف الطارحين أنفسهم فقط ومنشور في الصحف والمجلات وشاشات التلفزة والمؤتمرات الخاصة. وهذه الطروحات تعبر عن اعتراف الطارحين بحق إسرائيل في الوجود. وهذا يعني ولا بد أن يعني أن هؤلاء الطارحين قد انتقلوا إلى صف المدافعين عن وجود إسرائيل حتى ولو في أبعد الصفوف الخلفية.
ثالثا: إن النتائج على الأرض وهي التي نراها اليوم. فطرح الدولتين والاستموات في الإثبات بقبوله من قبل أصحابه لم يكن يعني إقناع إسرائيل بقبوله، أو الضغط عليها بما يفرض عليها قبوله.
رابعا: إن طرح مشاريع التسوية يتم علينا نحن الجانب الفلسطيني والعربي ويستهدفنا نحن، بما يعني أن المفاوضات والحوار ليس مع إسرائيل بل هو حوار ذاتي ومفاوضات ذاتية يدافع خلالها الطارحون عن مواقفهم من أجل تمريرها علينا وعلينا فقط. ولم نحقق منها أية مكاسب بخصوص الأرض والانسحاب والمسألة الرئيسية.
وهذا الطرح استهدف منذ البداية إجراء تغيير في الموقف الوطني الفلسطيني فقط وليس في الموقف الإسرائيلي أبدا أبدا.
خامسا: إن تبرير الطرح بهدف التأثير في الرأي العام العالمي كان ولا زال مجرد غطاء لتسويغ المواقف وتشريع الطرح دون أن يتزحزح الرأي العام الأمريكي والأوروبي قيد أنملة عمليا. وحتى بعض الألفاظ التي يتلفظ بها الساسة الأوروبيون هي فقط لتشجيع التنازلات وليس من أجل حمل إسرائيل على الإعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه ولم تصل ولن تصل إلى هذا المستوى بعد أكثر من أربعين عاما على هذه الدوامة .
سادسا: إن أوروبا وأمريكا والغرب كله لا زال يقف عند حدود وعد بلفور وصك الإنتداب من الناحية العملية وهم يقدمون الدعم لإسرائيل على هذا الأساس وليس غيره أبدا .
من هنا يأتي تقييم طرح الدولتين والدولة الواحدة وليس من أي ابواب أخرى .
ومن الملاحظ دوما أن كتابا ومثقفين يدعمون فكرة التسوية ولا يصل طرحهم إلى أبعد من أن يسوغوا طرحهم أمامنا نحن وللتأثير فينا نحن ،وقد يحصلون على لقب معتدل من الطرف الآخر. وهم لم يؤثروا أبدا أبدا في الموقف الصهيوني اليهودي ولا الاستعماري 

 الغربي تجاه مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني. وعلى هذا يكون طرحهم في صف مؤيدي إسرائيل.
إنهم يتمولون ويكتبون وينشرون ويعقدون المؤتمرات ويعتاشون في جزء كبير منهم على نفقة الغرب، ويلقون التشجيع من رجالات الغرب ورجالات يهود يتظاهرون بأنهم مع هذا الطرح وأن هذا الطرح هو منقذ الشعب الفلسطيني وهم كلهم يعلمون أن هذا الطرح في خدمة وجود الاستيطان في فلسطين.
وإذا تتبعت طروحات سلامة كيله فهو يقول في كتاباته ووثائقه أنه يؤيد بقاء ما في أيدي اليهود في أيديهم. ومن المعلوم ان بأيديهم مستوطنات منتشرة في طول البلاد وعرضها وهم يسكنون كل بيوت اللاجئين الفلسطينيين في القدس وحيفا ويافا وبئر السبع. ومعه قطامش يقول إن موقفه الأخلاقي ضد الإزاحة أي أن يبقى كل شيء في محله.
إن الشعب الفلسطيني ليس في حاجة أبدا لمشاريع وأفكار التسوية هذه. فقط إسرائيل هي التي تحتاجها. ولكن ليس من أجل أن تأخذ بها أبدا أبدا ، بل من أجل أن تتغير أفكار ومفاهيم شعبنا وثقافته الوطنية وشعاراته الكفاحية وهذا ما حصل حتى الآن وعلى أيدي قيادات تاريخية من شعبنا وحظيت بإسناد أشباه المثقفين وأشباه الساسة الذين زينوا طرح التنازلات ودعموا هذه القيادات باستحسان عظيم ولكن وصلنا إلى أوسلو وعنوانه الرئيسي هو التنسيق الأمني والحصار والمضايقات .
أي أن غصنا منا حاورنا وأقنعنا عبر مفاوضات ذاتية بالتخلي عن 78% من فلسطين والآن يحاورون من أجل التخلي عن الباقي وبقاء الحال على حاله بينما اسرائيل تقضم كل يوم أراضي جديدة وتتوسع وتوسع استيطانها .
إن فيلق الطارحين لهذه الأفكار متنوع وهو يشتمل على المتذاكين والمضللين والحالمين بحياة خاصة والمتساقطين في أقبية التحقيق والمجندين والمجندة قلوبهم ولا يوجد فيهم أبدا منتمون للنضال الثوري التحرري .
وكلهم يستفيدون من الحالة المتعفنة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ويعززون اليأس والاستسلام .
من هنا لا يكون الأمر وجهة نظر إنما هو اصطفاف في معسكرات متقابلة .
مع الاحترام والتواصل .

✺ ✺ ✺

عيون حمراء كالجمر

فانتازيا مُحتملة الحدوث

رشاد أبوشاور

كأنما اتفقوا على هذا الأمر.

استيقظوا من نومهم القلق، وفتحوا نوافذ بيوتهم وتأملوا السماء الرصاصيّة الخفيفة العتمة، وتنهدوا بأصوات مرتفعة نافثين غضبا ترسخ في الصدور منذ ردح من الزمن، فتلاقت تنهداتهم الآسفة المحتجة.

تأملوا أجساد أبنائهم وبناتهم وزوجاتهم، وقلّبوا أيديهم بعجز،ثم غادروا بيتوهم دون أن يلتفتوا خلفهم، وفي الشوارع علت الجلبة مع الخيوط الأولى للفجر…

لم يكن زحفهم الصامت يفصح عن شىء بالكلام، بل بالهمهمة المبهمة والدموع، والمزيد من الدموع، واختلاجات الأجساد، وارتجاف الأيدي، واحمرار العيون من سهر وغّل ونكد وقهر…

مشوا دون اتفاق، وداروا في الشوارع دون هدف محدد، وعندما تنبهت شرطة المرور التي تسيقظ مبكرا لمطاردة السائقين، كما اعتادت، لمعاقبتهم بمخلفات تتراكم مالا في خزينة الدولة، بهت رجالها، واحتاروا في ما يرون، فهذه الحشود الهائمة تبكي دون أن تقول شيئا، وهي لا تكف عن البكاء.

أتكون جنازة كبيرة لفقيد شديد الأهميّة؟

لكن الإذاعة لا تبث آيات من القرآن الكريم!

فما الأمر إذا؟!

مروا عبر الجموع شاقين طريقا لسياراتهم ذات الأبواق التي تشبه جعير الأبقار، فتيقنوا أن الشوارع تغص بالرجال، وأن النساء بدأن أيضا يتدفقن، ولكنهن لا يندبن، بل يحملن أطفالاً وطفلات على أكتافهن، أو على صدورهن، ورغم أنهم، وأنهن، صغار ويبكون فإنهن لا يرضعنهم، ويجرجرن أطفالا قادرين على المشي..وهم أيضا يبكون ويرفعون رؤوسهم إلى وجوه أمهات لا يتسجبن لنظراتهم المتوسلة.

ذهل الشرطة، وأوقفوا سياراتهم، وكفوا عن إطلاق أبواقها، وانهمكوا في الاتصال بمرؤوسيهم بأصوات مرتجفة، فالمدينة تخرج من البيوت، والناس يبكون ويبكون ويبكون، ويزحفون في الشوارع ويلتفون بها دون وجهات محددة، والمدهش أنهم لا يهتفون مطالبين بشىء، فهم فقط يبكون، بدرجات أصوات مختلفة علوا وانخفاضا، ولا يتوقفون لالتقاط أنفاسهم.

الوزراء استيقظوا من نومهم مفزوعين، ورئيس الوزراء توجه إلى الرئاسة، وكبار رجال الأمن اندفعوا في أرتال سياراتهم السوداء إلى مكاتبهم ودوائرهم وحصونهم…

أهي مؤامرة؟

لا يمكن إصدار بيان يتهم جهات أجنبية بأنها تقف وراء بكاء شعب بأكمله، في قلب عاصمته الحبيبة، ثم من الجهة التي تستبكي هذا الشعب؟

مدير عام التلفزيون أرسل سيارات النقل الخارجي التي دارت كاميراتها مع حركة الحشود المتحركة بتثاقل وتلاصق وببكاء لا يتوقف.

لكن المعلقين عجزوا عن قول كلمة، وبقيت ميكروفاناتهم معلقة في أيديهم يحركونها بعصبية وقلق دون أن ترتفع أصواتهم عبرها ناقلة الحدث الغريب الفريد العجيب.

ماذا نقول؟

تساءل كل واحد وهو ينظر في وجه زميله.

لنصوّر ونحتفظ بالصور في الأرشيف.

اقترب واحد منهم وسأل مواطنا باكيا:

أيها المواطن العزيز، يا أخي، لماذا تبكون؟ لماذا تبكي أنت بالتحديد؟

أشاح المواطن وارتفع صوت بكائه أعلى مع هزات رأسه، فانصرف المراسل إلى غيره، فلم يلق جوابا، أو تفاعلا مع أسئلته.

تدفق مراسلو وكالات الأنباء، والصحف الأجنبية على الشوارع، وبدأوا بالتعليقات على المشهد الذي لا سابقة له في العالم: شعب بأكمله يبكي، ويدور في الشوارع، ولا يقول كلمة، ولا يفصح عن مطالب..يا للعجب!

رجال بملابس مدنية اندفعوا وأخذوا ينتزعون كاميرات المراسلين الأجانب، وميكروفونات، ويكزون على أسنانهم وهم يخاطبونهم آمرينهم بالانسحاب فورا..وإلاّ!

انسحب المراسلون على مضض، ولكنهم تدبروا أمورهم في التصوير من الطوابق العليا حيث مكاتبهم..وهكذا خرجت الصور والأخبار التي يمكن تلخيصها بخبر واحد بكلمات قليلة: الشعب كله، في العاصمة..كله يبكي، ويدور في الشوارع والأزقة، والدولة لا تقدم تفسيرا، بل تبدو وكأنها بوغتت، وأُخذت على غفلة، وتقف عاجزة عن فعل شىء، فليس من حقها منع الشعب من البكاء.

مراسل خفيف دم تساءل أيكون هذا اليوم هو عيد للبكاء وجد في زمن بعيد، والشعب يستعيده، ولا علم للدولة به هي وأجهزتها الأمنيّة؟!

 الدولة قبل أيام قليلة كانت تحتفل بعيد ميلاد ال(…) بأغان في الإذاعة والتلفزيون، ومانشيتات الصحف، والحلوى توزع في الشوارع، والاحتفال وصف بأنه أعظم عيد فرح في تاريخ البلاد…

كيف حدث هذا البكاء إذا؟

لم يمت رئيس الوزراء غير المحبوب، والرجل الكبير بخير، وبصحة جيدة..وفي البلاد لم يقع زلزال، ولا انتشر وباء الكورونا…

لا مبرر للبكاء

                                  *                            *

لقاء مدير المخابرات مع وزير الأوقاف:

أين شيوخ المساجد الذين ندفع لهم، ونغض النظر عن سرقاتهم للزكاة؟ ماذا يفعلون؟ لماذا اختفوا؟

أرسلنا لهم يا سيدي، وعممنا في الإذاعة…

ماذا فعلوا؟

وقفوا عاجزين، فالمساجد بلا مؤمنين يرتادونها للصلاة. حتى إن المشايخ راحوا إلى الجموع وناشدوها التوجه للمساجد، فالبكاء حرام..فردوا عليهم بالمزيد من البكاء..وبعض المشايخ انضموا للبكائين، بل وانهمكوا في اللطم والبكاء وكأنهم شيعة في عاشوراء.

يأخذ في ترديد العبارة: وكأنهم شيعة..وكأنهم شيعة.

فيتلقفها وزير الأوقاف:

لتعلن الدولة ياسيدي أن التشيع اخترق البلاد وانتشر…

يبرم وجهه مشمئزا:

نحن بلد كله سنة مع شوية مسيحيين..فكيف نتهم شعبنا بالتشيع؟

لتبرير ما يحدث سيدي…

يحرك عمامته على رأسه:

لماذا لا نتهم الشيوعيين بهذا الذي يحدث؟

– يا زلمة أنا أعرف أنك جاهل ولكنك غبي فوق ذلك. الشيوعيون حزب مرخّص..وصحيفته مرمية على الأرصفة عند باعة الصحف والمجلات وعليها المنجل والشاكوش ولا أحد يتصفحها..والشيوعيون انقرضوا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي…

               *                    *

الرجل الكبير:

_ أُريد أن أعرف ما سبب ما يحدث، ولماذا؟ تقول لي يا مدير أمني بأنكم عاجزون عن معرفة سر ما يحدث؟

يضرب يده على الطاولة:

ما يحدث فضيحة..فضيحة بجلاجل. السفير الأمريكي اتصل بي مستفسرا، ولم أجد ما أرد به عليه، فماذا أقول له وهو يستشيط غضبا، وأحيانا يفرط من الضحك صائحا: هذه أغرب ثورة في التاريخ، أغرب حتى من الربيع العربي: ثورة البكاء والمشي في الشوارع..ثورة صامتة، بدون هتافات، ولا خطابات، ولا مطالب!..معقول ثورة غزيرة الدموع و..بلا مطالب؟!

                            *                    *

كيف توقفت السيارات وحركة السير؟ ( من تعليقات بعض الجهات الرسميّة)

السائقون الملاعين تضامنوا مع الشعب..فهم رغم نفور الناس منهم ينتمون لهذا الشعب، و…

هناك مؤامرة! لا شك..ولكن من يقف خلفها، وكيف تم اقناع الناس بالبكاء وبحرقة؟

الناس لا يمثلون، إنهم مندمجون في المناحة الجماعية، وهم يتشبثون بالبكاء وكأنه سلاحهم الأخير في..في الماذا؟ ..وكأنه سلاحهم الأخير! لكن هذا لا يطمئن، فهم لن يستمروا في البكاء والدوران في الشوارع..ف..عيونهم تحمّر حتى لتكاد تنفجر من الاحتقان الدموي.

بماذا تنبئ العيون المحمرّة المحتقنة؟!

إنهم يبدون منهكين.

إنهم جوعى ولكنهم لايكفون عن الزحوف في الشوارع تمهيدا لما..لما..ماذا؟!

            *              *

صوت هدير البحر

الناس يتجهون إليه، و..يخلعون ملابسهم و..يلقون بأنفسهم في أمواجه.

يرتفع صوت: إنهم يهاجرووووون…

صوت: و..نحن من سنحكم؟ وممن سنأخذ الضرائب؟

صوت: ما هذا الشعب؟ يُطعم نفسه للسمك..ويخسّر فينا دفع الضرائب؟!

مع إننا من لحمه و..دمه!!

صوت مدو: إنهم يعودون بعيون شديدة الإحمرار، وهم يندفعون بضراوة..فلنهرب..فلنهرب..سيأكلوننا…

يسمع هدير طائرات تبتعد..وبكاء يتصاعد: سرقوا كلّ شئ..ويهربوووون!

صوت هدير البحر..و..هدير الناس الذي يشبه الزئير.

✺ ✺ ✺

المكان الخطأ

ناديا خوست

لا أدري لماذا تذكرت أمام مشهد لقاء البابا بشيخ الأزهر في البحرين، رتل السيارات العسكرية السعودية التي سندت الملك وقت انتفاضة شعبها مع أنها سلمية لم يرم فيها حجر. ربما لأن الكاميرات التي كانت مسددة على هيبة الرتل، سددت على منصة اللقاء الرفيع. نصح اللقاء بالحوار، لكننا لم نسمع ضرورته في البحرين لتغيير النهج الذي يطلبه شعبها المعروف بثقافته.

على كل حال، كان يفترض أن يكون اللقاء في مخيم جنين، سنداً لشباب يحاولون أن يهزوا الغائبين عن الوعي. أو للحفاوة بالشجاعة الفاتنة ورشاقة المطالبين بالاعتراف بحقهم في الوطن. أو كان يفترض أن يكون اللقاء في سورية، لأنها واجهت حرباً وظفت الوحشية في مشروع التفكيك السياسي، باسم الدين. ليوضّح أن الأديان ترفض اغتصاب الأطفال، وانحطاط جهاد النكاح، وتشريع القتل المذهبي، وتدمير الكنائس والأضرحة، وكسر مقاعد المدارس، والجباية على المعابر، ونهب بنوك الدولة، والتجارة بالآثار، وكسر شواهد الحضارة الإنسانية. لم يهدم الإسلام الكعبة التي ورثها من القدماء، بل ثبّت الحج إليها. ونصب القباب فوق أضرحة قادة الإسلام، فبقيت قروناً حتى دمرتها الوهابية.

لذلك يشعر المؤمنون الأنقياء الذين يفهمون أن الفضائل الأخلاقية أساس التديّن، بالدهشة لأن تضحيات السوريين طوال أحد عشر عاماً لم تستوقف ذلك اللقاء. فغاب الانحناء للشهداء الذين صمدوا في حصار المطارات والمستشفيات، وقتلوا بقرار وتصميم! ولم يستوقف اللقاء، ومسألة الطاقة في محور الحرب في العالم، أن السوريين يعانون من البرد، وينكّل بهم بالحصار والأزمات، ونفط السوريين يسرق ونفط الإخوة العرب ملتزم بالعقوبات!

واكب اختيار المكان الخطأ المسألة الخطأ. فهي ليست “سوء تفاهم” بين السنة والشيعة أو بين المسلمين والمسيحيين لتنصب له طاولة الحوار. بل المسألة القواعد العسكرية الأمريكية التي تحرس مخطط تفكيك الدول إلى معازل إثنية ومذهبية. وتقسيم المجتمعات العربية بمعيار الطوائف. وكسر الوحدة الوطنية المؤسسة على تاريخ ولغة وذاكرة وأدب وثقافة. ومن هذه الذاكرة شعار الثورة السورية الذي ثبّتته منذ قرن تقريباً: الدين لله والوطن للجميع. وما أكثر ما بيّن الباحثون أن فصل الشيعي عن السني عن المسيحي في تاريخ الوطن مستحيل. فمعيار التمييز بين الناس هو فقط أخلاقهم، كفاءتهم، صدقهم وشجاعتهم. لم نتصور يوماً أن صوت فيروز لن يطربنا لأن فيروز مسيحية! وأن القصائد التي غنتها في معرض دمشق الدولي، ولا نزال نرددها، كتبها شاعر مسيحي! نعرف كم تخسر العمارة العربية لو حذفت منها الكنائس! وكم نخسر من النساجين والصياغ والمفكرين والسياسيين الوطنيين، وكم نخسر من الذاكرة، لو قطّعناها بمعيار المذاهب!

ربما لمس ذلك اللقاء في البحرين جانباً فقط من الواقع بذكر الحرب في أوكرانيا، مع أنها حرب على روسيا. تمنى كما نتمنى أن تنتهي. لكنه لم يبصر جوهرها. ومع أن الأديان قدّست الحياة، لم يهتم اللقاء بجريمة تصنيع الأوبئة في مئات المخابر الأمريكية المنثورة في العالم، وتصريحات السياسيين الغربيين التي واكبتها عن ضرورة تقليص سكان الأرض. ولم يذكر خطر النازية الجديدة، المؤسسة على الاحتقار العنصري الذي يبيح حرمان بعض الشعوب من حقها في الحياة، ويمارس منع لغتها وأدبها وفنونها وتشويه تاريخها.

وبعد، لا يوجد في هذه اللحظة إنسان خارج الصراع العالمي. لأن الجنون العنصري قد يجعله حرب إبادة ذرية تكرر مأساة هيروشيما. وكل لقاء يتجاهل الصراع اليوم بين الهيمنة الغربية والحق في التنوع، هو خارج الزمن. يزيد في ثقل المسؤولية عن التيه أن يملك المشاركون نفوذاً روحياً. لذلك نتساءل: هل اختيار المكان الخطأ، واختيار مسألة بديلة عن مسألة جوهرية، تعبير عن موقف في الصراع العالمي، أم تعبير عن حاجة الضعيف إلى سند خارجي؟

:::::

صفحة الكاتبة على فيس بوك

Nadia Khost

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org