السجون والصراع مع القمل، عادل سماره

  • مذكرات: قطعة غير مألوفة

11 نوفمبر 2022

للمذكرات أوجه وأهداف عديدة مما يفتح المجال لذكر أمور قد لا تخطر على ذهنية أحد خاصة وان معظم من يكتب مذكراته يهدف من وراء ذلك تظهير نفسه بإيجابياتها فقط. وربما هذا أحد أهم الفوارق بين مذكرات الساسة “الزعماء” وبين مذكرات من ليسوا ساسة ولا قادة بل من القطاعات الشعبية من المجتمع. ولكن المذكرات لكل قضية او شخوص قضية أو لحياة اشخاص هي لون من التاريخ.

ومن هنا يجب ان لا يعيق بعض جوانبها أي أمر سوى الخطر على الراوي وإن كان يمكن إنجاز هذا وتأجيل نشره لما بعد رحيل الراوي نفسه.

لكن في المذكرات جوانب ممتعة ومُفارقة ومؤلمة معاً حتى التي منها تغطي فترات الاعتقال سواء على يد العدو القومي أو العدو/الخصم الطبقي. يختلفان طبعاً ولكن في ظروف ومواقف وفترات معينة يقتربان من التشابه لا سيما حين يكون النظام المحلي تابع وأداة وتطبيعي ومستسلم أي وصل حالة “السلطة عدو الأمة”.

الحالة الأولى

لست أدرى إن كان النظام الأردني على تنسيق مع الكيان قبيل عدوان 1967 مما دفعه لتوجيه ضربة قاصمة للحزبين القوميين الأوسع شعبية في هذا القطر، حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي، والتي حصلت عام 1965. فقد كُشفت تقارير تنص على ان الكيان كان بصدد احتلال الضفة الغربية منذ عام 1963. ولا أدرى إن كان ذلك بعد فشل الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق أو خلال المحادثات للوحدة نفسها قبل أن تفشل وتحسُّبا منها.

شملت الضربة المخابراتية حينها معظم الصفين القياديين الأول والثاني للحزبين الأمر الذي أبقى الساحة الوطنية مشلولة عشية عدوان 1967 مما انعكس على التقاط الأنفاس إثر الهزيمة ومن ثم التوجه للمقاومة. هذا رغم أن كلا الحزبين كانت لهما مجموعات فدائية قبيل عام 1967 وبالطبع ضُربت مع الكوادر السياسية التنظيمية للحزبين.

 كان التحقيق والتعذيب في مقر المخابرات المسمى العبدلي وهو عدة طوابق زنازين تحت الأرض وغرف تحقيق فوق الأرض. كان التحقيق والتعذيب غالبا أو كليا في الليل حتى الصباح. وخلال النهار كان يمر الحراس على الزنازين كل ساعة تقريبا بحجة العدد وتفقد الجدران. يسأل الحارس من طاقة الزنزانة وهي 10سم في 10 سم وعليها صليب من القضبان:

جديش واحد أنتم؟

نجيب خمسة حيث يكون أحدنا نائما​​

يقول الحارس: لا لا صحِّيه

طبعا الهدف كي يُرهق من قلة النوم.

المهم، دون تفاصيل، كنت في زنزانة مع اربعة رفاق فهد الفانك ورفيق آخر من بلدة الحُصُن وهما من حزب البعث وأنا وسمير قمحاوي وأبو سرحان من القوميين العرب.

لم يكن هناك لا تنظيف ولا حمامات…الخ.

أحسستُ يوما ان شيء ينمنم على بطني. كنت أصغرهم سناَ. رفعت دون ان يلاحظوا طرف القميص والقميص الداخلي وأمسكت بها بين إصبعين ولم أتكلم.

بقيت ممسكا بها ربما لأربع ساعات حينما فتح الحارس كي نذهب لقضاء الحاجة

فتحت إصبعَي، فإذا هي قملة شقراء، رفعت قميصي الداخلي فإذا اسرابا من القمل.

حينما عدت للزنزانة، أخذت اتحدث بشكل غير مباشر عن النظافة وانعدامها…الخ.

ضحكوا اربعتهم، وقال الفانك، شو وجدت على حالك شي. فهمت انهم “متصالحين” مع الوضع، ثم أردف: من زماان، ولا يهمك.

بقي الحال إلى أن نُقلت من التحقيق إلى السجن في منطقة “المحطة”.

كانت الطريقة الوحيدة للقضاء على القمل أن نشعل وابور الكاز الخاص بالغرفة ونضع الماء والملابس في طشت كبير إلى أن يغلي الماء فيقتل القمل وبيوضه.

الحالة الثانية في سجون الاحتلال

لم تكن المسافة الزمنية طويلة بين سجون النظام الأردني ولاحقا الاحتلال حيث اعتقلنا مع رفاق الجبهة الشعبية في ديسمبر 1967 إثر تنفيذ رفاقنا عملية مطار اللد والتي أُشهر اسم الجبهة الشعبية إثرها في 11 ديسمبر 1967.

تكررت حالة القمل في الزنازين، ولكن بعد التحقيق كانوا يرشون البطانيات بال دي دي تي.

كنا عام 1968 في سجن بيت ليد (كفار يونا) في منطقة المثلث من فلسطين. في إحدى الغرف كان الراحل الرفيق عمر خليل عمر من بيت لاهيا من قطاع غزة. وكان شاعراً. ذات يوم ونحن في ساحة “الفورة” راى عصفوراً، وحينما عدنا إلى غرفة السجن، كتب قصيدة بعنوان “إصدح حُرَّاً يا ابن الأيكِ”.

مضت الأيام وحصل أن طُلب عمر إلى سجن غزة للتحقيق مجدداً. وحينا أُعيد، أوقفته شرطة الكيان في الساحة العامة للسجن وجردوه من ملابسه ورشوه ب أل دي دي تي.

وبالصدفة كان الأسير موفق الصانوري يقوم بتنظيف الساحة.

كان مشهداً بين الحقد وبين الهزار معاً.

تقدم موفق من عمر وقال له: “إصدح حراً يا ابن الأيكِ”.

قد تبدو هذه القطعة من المذكرات غريبة أو خارجة عن المألوف، ولكن، هي قطعة من زمن المعاناة والمقاومة.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….