السنة الثانية والعشرون – العدد 6420
في هذا العدد:
■ السجون والصراع مع القمل، عادل سماره
- مذكرات: قطعة غير مألوفة
■ لو كنت جنديا في إيران، محمود فنون
■ حين يشارك المغرب في احتلال فلسطين! عبداللطيف مهنّا
■ الانتخابات الأميركية النصفية: فوز باهت للجمهوريين وتحولات مرتقبة للديموقراطيين، د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
✺ ✺ ✺
السجون والصراع مع القمل
مذكرات: قطعة غير مألوفة
عادل سماره
11 نوفمبر 2022
للمذكرات أوجه وأهداف عديدة مما يفتح المجال لذكر أمور قد لا تخطر على ذهنية أحد خاصة وان معظم من يكتب مذكراته يهدف من وراء ذلك تظهير نفسه بإيجابياتها فقط. وربما هذا أحد أهم الفوارق بين مذكرات الساسة “الزعماء” وبين مذكرات من ليسوا ساسة ولا قادة بل من القطاعات الشعبية من المجتمع. ولكن المذكرات لكل قضية او شخوص قضية أو لحياة اشخاص هي لون من التاريخ.
ومن هنا يجب ان لا يعيق بعض جوانبها أي أمر سوى الخطر على الراوي وإن كان يمكن إنجاز هذا وتأجيل نشره لما بعد رحيل الراوي نفسه.
لكن في المذكرات جوانب ممتعة ومُفارقة ومؤلمة معاً حتى التي منها تغطي فترات الاعتقال سواء على يد العدو القومي أو العدو/الخصم الطبقي. يختلفان طبعاً ولكن في ظروف ومواقف وفترات معينة يقتربان من التشابه لا سيما حين يكون النظام المحلي تابع وأداة وتطبيعي ومستسلم أي وصل حالة “السلطة عدو الأمة”.
الحالة الأولى
لست أدرى إن كان النظام الأردني على تنسيق مع الكيان قبيل عدوان 1967 مما دفعه لتوجيه ضربة قاصمة للحزبين القوميين الأوسع شعبية في هذا القطر، حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي، والتي حصلت عام 1965. فقد كُشفت تقارير تنص على ان الكيان كان بصدد احتلال الضفة الغربية منذ عام 1963. ولا أدرى إن كان ذلك بعد فشل الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق أو خلال المحادثات للوحدة نفسها قبل أن تفشل وتحسُّبا منها.
شملت الضربة المخابراتية حينها معظم الصفين القياديين الأول والثاني للحزبين الأمر الذي أبقى الساحة الوطنية مشلولة عشية عدوان 1967 مما انعكس على التقاط الأنفاس إثر الهزيمة ومن ثم التوجه للمقاومة. هذا رغم أن كلا الحزبين كانت لهما مجموعات فدائية قبيل عام 1967 وبالطبع ضُربت مع الكوادر السياسية التنظيمية للحزبين.
كان التحقيق والتعذيب في مقر المخابرات المسمى العبدلي وهو عدة طوابق زنازين تحت الأرض وغرف تحقيق فوق الأرض. كان التحقيق والتعذيب غالبا أو كليا في الليل حتى الصباح. وخلال النهار كان يمر الحراس على الزنازين كل ساعة تقريبا بحجة العدد وتفقد الجدران. يسأل الحارس من طاقة الزنزانة وهي 10سم في 10 سم وعليها صليب من القضبان:
جديش واحد أنتم؟
نجيب خمسة حيث يكون أحدنا نائما
يقول الحارس: لا لا صحِّيه
طبعا الهدف كي يُرهق من قلة النوم.
المهم، دون تفاصيل، كنت في زنزانة مع اربعة رفاق فهد الفانك ورفيق آخر من بلدة الحُصُن وهما من حزب البعث وأنا وسمير قمحاوي وأبو سرحان من القوميين العرب.
لم يكن هناك لا تنظيف ولا حمامات…الخ.
أحسستُ يوما ان شيء ينمنم على بطني. كنت أصغرهم سناَ. رفعت دون ان يلاحظوا طرف القميص والقميص الداخلي وأمسكت بها بين إصبعين ولم أتكلم.
بقيت ممسكا بها ربما لأربع ساعات حينما فتح الحارس كي نذهب لقضاء الحاجة
فتحت إصبعَي، فإذا هي قملة شقراء، رفعت قميصي الداخلي فإذا اسرابا من القمل.
حينما عدت للزنزانة، أخذت اتحدث بشكل غير مباشر عن النظافة وانعدامها…الخ.
ضحكوا اربعتهم، وقال الفانك، شو وجدت على حالك شي. فهمت انهم “متصالحين” مع الوضع، ثم أردف: من زماان، ولا يهمك.
بقي الحال إلى أن نُقلت من التحقيق إلى السجن في منطقة “المحطة”.
كانت الطريقة الوحيدة للقضاء على القمل أن نشعل وابور الكاز الخاص بالغرفة ونضع الماء والملابس في طشت كبير إلى أن يغلي الماء فيقتل القمل وبيوضه.
الحالة الثانية في سجون الاحتلال
لم تكن المسافة الزمنية طويلة بين سجون النظام الأردني ولاحقا الاحتلال حيث اعتقلنا مع رفاق الجبهة الشعبية في ديسمبر 1967 إثر تنفيذ رفاقنا عملية مطار اللد والتي أُشهر اسم الجبهة الشعبية إثرها في 11 ديسمبر 1967.
تكررت حالة القمل في الزنازين، ولكن بعد التحقيق كانوا يرشون البطانيات بال دي دي تي.
كنا عام 1968 في سجن بيت ليد (كفار يونا) في منطقة المثلث من فلسطين. في إحدى الغرف كان الراحل الرفيق عمر خليل عمر من بيت لاهيا من قطاع غزة. وكان شاعراً. ذات يوم ونحن في ساحة “الفورة” راى عصفوراً، وحينما عدنا إلى غرفة السجن، كتب قصيدة بعنوان “إصدح حُرَّاً يا ابن الأيكِ”.
مضت الأيام وحصل أن طُلب عمر إلى سجن غزة للتحقيق مجدداً. وحينا أُعيد، أوقفته شرطة الكيان في الساحة العامة للسجن وجردوه من ملابسه ورشوه ب أل دي دي تي.
وبالصدفة كان الأسير موفق الصانوري يقوم بتنظيف الساحة.
كان مشهداً بين الحقد وبين الهزار معاً.
تقدم موفق من عمر وقال له: “إصدح حراً يا ابن الأيكِ”.
قد تبدو هذه القطعة من المذكرات غريبة أو خارجة عن المألوف، ولكن، هي قطعة من زمن المعاناة والمقاومة.
✺ ✺ ✺
لو كنت جنديا في إيران
محمود فنون
15/11/2022م
الموقف من الحراك الشعبي في إيران
أسجل أولا: أن حراك الشعوب والاحتجاجات في الشوارع هو ظاهرة موجودة عند معظم شعوب الأرض وهذه بديهية ويجب أن نراها كذلك. فاحتجاجات الشعوب وحراكها ظاهرة اجتماعية موجودة وموجودة الآن في العديد من الدول الاوروبية على سبيل المثال.
ثانيا: أنا لا أدين الشعوب فهي صاحبة البلاد ولا يتوجب إدانة الشعب على حراكه وطرائق تعبيره.
ثالثا: يتوجب النظر لاحتجاجات الشعوب ليس انطلاقا من الحكم على الجماهير الغاضبة في الشوارع فهذا لا يفيد ويوسع الهوة بين السلطات الحاكمة والجماهير المستهدفة من ممارسة السلطة.
رابعا: الأمر الاساسي الأول هو فهم وتقييم النوازع والاهداف التي قد تنتج عن مثل حراكات كهذه فهل هي موجه لأمور مطلبية محقة أو إصلاحات جوهرية تستهدف تحسين معيشة الناس واصلاح النظام ليقدم مزيدا من الخدمات ويحقق مزيدا من الإنجازات أم انقلابا على ما تحقق.
الأمر الأساسي الثاني وهنا مربط الفرس: من هي الجهات المحركة لاحتجاجات الجماهير وماذا تريد؟ هل تريد مثلا تعزيز الاستقلال السياسي والاقتصادي وحماية منجزات وثروات البلد أم تبديدها كما حصل في ليبيا ومصر وكما يحصل في السودان وغيرها. وكما هو المستهدف في إيران.
سبق وأن قامت احتجاجات ومظاهرات في إيران ضد نظام الحكم الشاهنشاهي بهدف التخلص منه والتخلص من التبعية والخضوع للاستعمار وتحرير البلد وثرواته وكان انقلاب مصدق أكبر دليل على ما يحصل في ذلك الوقت حيث قام نظام مصدق بأعظم خطوة ثورية في ذلك الوقت بتأميم النفط الإيراني والسير بإيران في مسار جديد معادي للاستعمار والإمبريالية. أي إخراج إيران من حالة التابع الذليل والخادم للنظام الرأسمالي العالمي الذي ينهب خيرات الشعوب ويمنع تطورها..
وظلت الاحتجاجات متواترة إلى أن جاءت الثورة الإسلامية منتصرة عام 1979م والتي انتزعت إيران فورا من براثن الهيمنة الاستعمارية ودخلت مسارا تحرريا جديدا. وقد استهدف تحرير إيران من التبعية للغرب الاستعماري وفتح باب التنمية والاستثمار وبناء اقتصاد وطني مستقل.
كان هذا مسارا متجها بثبات وهو مسار تحرري بثبات أيضا. كان ولا يزال وبتصميم واصرار.
وكانت امريكا وحلفاؤها المجرم هم الخاسرون.
ومن يومها حتى الآن وإيران تتعرض لكل أشكال المضايقات والتعسف وتصمد.
كل هذا جعل ويجعل إيران مستهدفة من الحلف الاستعماري الرجعي وقد جربوا ويجربوا معها كل السبل: حصار دائم مناوشات وحروب مستمرة
لم أكن مع الاتفاق النووي مع إيران وإيران لم تسع لمثل هذا الاتفاق. ولست مع العودة إليه. ولكن هذه حقائق الصراع.
لماذا؟
لأن إيران تتقيّد. ولكن الغرب أراد مزيدا من التقيّيد، وإيران تقاوم ولا تزال وتصمد. وكان انفلاتها من قيود هذا الاتفاق بالرغم من كل الصعوبات بعد ان أوقفته أمريكا ينطوي على أقوال وأفعال تحررية. فهي قد عادت إلى التخصيب قدر ما استطاعت رغم كل مظاهر التهديد والعقوبات المجرمة مما ارغم الغرب على العودة للمفاوضات مجددا دون مزيد من الخسائر لإيران الصامدة. ولم يستطع الغرب كسر عنفوانها الوطني التحرري.
وردت مرات عديدة على التحدي بتحدي صلب وخطير ومع امريكا وبريطانيا…
وهي وقفت مع سوريا من البداية ومع حزب الله والمقاومة الفلسطينية ولم تتراجع وتتحمل كل التبعات ولولا مساندتها النزيهة والمشرفة لتكسرت معادلات وصيغت معادلات.
إنها في صلب الصراع المحتدم وهي طرف فاعل فيه بل ومن أهم مرتكزاته التي لا تنكسر.
وإيران تتجه شرقا وبثبات وهي مساهم قوي في كسر احادية القطبية الأمريكية مع الصين وروسيا والهند.
إيران صامدة – الصراع مستمر
ما يزيد على اربعين عاما والصراع مستمر: إيران في طرف، والغرب الاستعماري وأعوانه من الرجعيين ومعهم العدو الإسرائيلي في طرف.
هو صراع محتدم عبر عن نفسه بكل أشكال التآمر والحصار والاغتيالات وإثارة الفوضى والحرب الإعلامية والثقافية والتحريض والتشويه وكل أشكال التلاعب والحرمانات والمناوشات…إيران تصمد.
إيران تعزز وحدتها الداخلية وينمو اقتصادها وقدراتها العلمية، وتتطور قدراتها العسكرية. ومن جهة أخرى لا تستكين ولا تترك العدو يمارس دوره من طرف واحد. فهي جزء مؤثر في الصراع ضد معسكر العدو وهي موجودة في الصمود السوري والهجوم السوري وموجودة في المواجهة مع إسرائيل في لبنان ومع المقاومة الفلسطينية وهي موجودة ومساندة للمقاومة في اليمن وتعبر عن وجودها في كل المحافل وكل أشكال التعبير في مواجهة الغرب الاستعماري وحلفاءه وردت عل كل الاستفزازات والاختبارات التي تعرضت لها..
هل هذا سيمر دون رد استعماري
الجواب الرد الاستعماري موجود دائما
ودون أي توقف سيستمر الغرب في محاولة قهر إيران.
وإذا نجح من خلال أدوات تخريب داخلي فإنه سيجرّف إيران ولن يبق فيها حجر على حجر. سيجرفها ويفتتها وينهبها ويدمر كل ما بني فيها وبدون رحمة. سيجعلها قاعا صفصفا بأضعاف مضاعفة عن ما حل في ليبيا وسوريا والعراق.
واجب النظام الإيراني
قلنا إن بروز احتجاجات شعبية في أي بلد أمر مفهوم ويمكن أن تكون هذه الاحتجاجات محقة وأصيلة كذلك ويمكن أن تكون موجهة وتآمرية.
في الحالة الأولى من المفترض أن يتفهم النظام الإيراني احتقانات الشعب الذي يعاني من نتائج الحصار والمضايقات والغلاء وما يتعلق بمعيشته ويحاول قدر المستطاع اتباع السياسات التي تحفظ حقوق الجماهير وتلبي مطالبها.
أما في حالة تغذية احتجاجات وحراكات ممولة ومدفوعة الأجر وتستهدف إضعاف صمود النظام الإيراني والشعب الإيراني. فهذه لو نجحت فإنها ستؤدي إلى دمار وتجريف إيران كما ذكرنا وستدفع جماهير إيران ثمنا باهظا يطال وجودها بأعداد هائلة من القتلى والمشردين والجوعى.
إن فرص نجاح مؤامرات كهذه ومهما كانت الشعارات المرفوعة هي فرصة تدميرية للمجتمع ووحدته الداخلية وتدمير اقتصاده ومؤسساته وكل مكتسبات الناس.
لهذا فإن النظام ملزم بالدفاع عن وجوده وعن وحدة واستقرار البلد والأهم هو ملزم بالدفاع عن مستقبل الجماهير وبقائهم وبقاء مستوى معيشتهم الذي سينهار تماما فيما لو تنجح المؤامرات.
ومهما كانت الحكمة التي يتوجب أن يتحلى بها فهو لا يستطيع أن يسمح بانفلات الخيوط من يده لأن الرياح ستذرو كل شيء وبلا رحمة.
سينهبون النفط وكل ثروات البلاد ويدمرون كل قواعد الاقتصاد والثقافة والتعليم وكل شيء. ويعيدوا هيكلة كل شيء على مقاسهم بالإضافة إلى الفتك بقسوة انتقاما من صمود العقود التي مضت وبلا رحمة.
ولو كنت جنديا في إيران لدافعت عنها حتى الانتصار او الموت.
✺ ✺ ✺
حين يشارك المغرب في احتلال فلسطين!
عبداللطيف مهنّا
صادق مجلس النواب المغربي على اتفاقيتين تطبيعيتين جديدتين مع الكيان الصهيوني تتعلقان بالتعاون الاقتصادي والخدمات الجوية.. هاتان غيض لاحق من فيض سابق لتعاون شامل لكافة المجالات، السياسية والأمنية والثقافية، وحتى التنقيب عن النفط في صحرائه، وسائر ما يتوائم مع مقتضيات منحى سياسات تصهين عتيق يعلن وجديد يتسارع..
أسوأ تبرير تسوقه أبواق هذا المنحى هو أن للمغرب امتداد عضوي في الكيان الصهيوني تشكله جالية يهودية مغربية شارفت على المليون.. وفق هذا المنطق، المغرب، ونعني مغرب المخزن وليس مغرب أهلنا المغاربة، مشارك في احتلال فلسطين وتشريد أهلها وملوَّثة يديه بالدم الفلسطيني.. لماذا؟
لأن جاليته هذه، التي تخلت عن مغربها والتحقت بالثكنة الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية في فلسطين، تحتل بمقدار تعدادها بيوتاً وأراض فلسطينية، زد عليه، بأنها معروفة بالخزَّان الرئيس لليكود، ولأسوأ صنوف الصهيونية الدينية، وغلاة المستوطنين، والسائد في الساحة الفلسطينية بأن مجنديها هم الأكثر دموية في جيش الاحتلال!
وحتى لا يعتب علينا أحد من مطبّعي النظام العربي مغارب ومشارق، نزيد هؤلاء من الشعر بيتاً، فنقول: إن كل من طبَّع، أو صالح، أو سالم، أعداء الأمة في فلسطين، أو نأى بنفسة متخلياً عن خوض الصراع معهم لاستعادة فلسطينها، أو شارك المحتلين في حصار غزة، أو أشاح بوجهه عما يجري في القدس، هو خائن لأمته خيانته لقضية قضاياها الوجودية والمركزية.
.. هزلت حتى نكاد ألَّا نستغرب مشاركتهم المستعربين اجتياحاتهم الدموية لمخيم جنين، وتهنئة بن غفير، وسموتريتش، باجتياحهم للكينيست وأخذ مقاعدهم في صدارة “الكابينت” أو المجلس الوزاري المصغَّر!
✺ ✺ ✺
الانتخابات النصفية: فوز باهت للجمهوريين
وتحولات مرتقبة للديموقراطيين
د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
أطلقت وسائل الإعلام الأميركية المختلفة العنان لتوقعاتها بفوز مرشحي الحزب الجمهوري بصورة شاملة، أطلقت عليها مصطلح “الإعصار الأحمر”، سرعان ما اصطدم بواقع أشبه بحال الانقسام العمودي في المجتمع الأميركي، بنسب متقاربة، وأتت النتائج لتعيد حال الشلل السياسي بين الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، في رسم سياسات البلاد وإنجاز الأجندة المعلنة، ورسّختها استطلاعات الرأي المتواصلة بأن الغالبية الساحقة من الشعب الأميركي، 75%، يعارضون السياسات الراهنة، اقتصادياً واجتماعيا وارتفاع معدلات الجريمة، وهي تأتي على رأس أولويات الناخبين.
ارتفعت نداءات الاتهامات المتبادلة، خصوصاً بين أقطاب الحزب الجمهوري، لتواضع أداء مرشحيه في ولايات ودوائر انتخابية راهن عليها كثيراً، أبرزها منصب مجلس الشيوخ في ولاية بنسلفانيا الذي فاز به مرشح الحزب الديموقراطي عوضاً عن مرشح الرئيس ترامب، محمد أوز، وذلك على الرغم من رصد أموال كبيرة للإنفاق على حملة الأخير، التي عدّها المراقبون الأضخم في جولة الانتخابات النصفية المنتهية.
وجرى رصد حال من الانتعاش “الخجول” بين قيادات الحزب الجمهو ري التقليدية لما عدّوه هزيمة سياسية للرئيس السابق دونالد ترامب، وما سيتبعها من انعكاسات على مستقبله السياسي، كمرشح للحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ وانتصار باهت لقيادات الوضع الراهن ممثلاً في قادة الحزب الكبار الذين حافظوا على مسافة بعيدة من الرئيس ترامب ومرشحيه، واصطفوا إلى جانب حاكم ولاية فلوريدا، رون دي سانتيس، الذي فاز بإعادة انتخابه، واحتمال تشكيله قطباً مناوئاً للرئيس ترامب في بنية الحزب وتوجهاته.
رئيس مجلس النواب الأسبق عن الحزب الجمهوري، نيوت غينغريتش، قال في برنامج بثّته شبكة “فوكس نيوز” في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 إن “من شبه المؤكد أن (رون) دي سانتيس سيصبح نقطة تجمّع لكل شخص في الحزب الجمهوري يريد تجاوز ترامب”.
صحيفة المال والأعمال، “وول ستريت جورنال”، بشّرت قراءها في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 بـ “تسونامي دي سانتيس في فلوريدا”، وأضافت “يمكنك أن تراهن على أن ترامب كان يراقب بحزن” فوز منافسه المحتمل على رئاسة الحزب الجمهوري والمدعوم من قيادات الحزب التقليدية.
رافق ذلك تناغم عدد من تصريحات قادة الحزب الديموقراطي في مديح الحزب الجمهوري التقليدي، المعلن منها والمستتر، خصوصاً منذ حملة الانتخابات الرئاسية الماضية، ومنها ما قاله الرئيس جو بايدن في خصمه الجمهوري ميتش ماكونيل من أنه “رجل عاقل” وذلك في أيار/مايو 2022. رئيسة مجلس النواب عن الحزب الديموقراطي أيضاً أشادت بالحزب المقابل قائلة “بلادنا بحاجة إلى حزب جمهوري قوي. أنه أمر غاية في الأهمية”، وذلك في شباط/فبراير 2021.
جدير بالذكر ما أكده تقرير مستقل عن الحزبين، “كوك بوليتيكال ريبورت”، وفيه أن أصوات مؤيدي الحزب الجمهوري تجاوزت بنحو 6 ملايبن صوت من أصوات مؤيدي الحزب الديموقراطي في سباق انتخابات مجلس النواب، ما أسفر عن فوز الحزب الجمهوري بأغلبية “باهتة” من أصوات مجلس النواب، وما فرض تراجعاً على منافسته رئيسة المجلس نانسي بيلوسي، التي أعلنت عدم ترشحها مجدداً لأي منصب بعد تخطيها عتبة 84 عاماً.
إرهاصات الحزبين
خسارة الحزبين لفرط توقعاتهما في جولة الانتخابات السابقة تستدعي مراجعة، ولو متواضعة، من قبل استراتيجييهما، والإعداد لمرحلة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتجنّب ما يمكن من أخطاء سابقة سواء في الأداء العام أو لناحية تجديد دماء الزخم السياسي.
يواجه الحزب الديموقراطي معضلة شائكة في “إمكانية” إعادة ترشيح الرئيس جو بايدن، على خلفية أهليته العقلية والجسدية، وكذلك لنائبته كمالا هاريس، التي عجزت عن نيل دعم قواعد الحزب الانتخابية وتأييدها. ومصيرهما لحين بدء جولة الانتخابات المقبلة أصبحا حديث الشارع الدائم، وتفضّل قطاعات انتخابية مؤثرة استبدالهما قبل وقوع المحظور، واضطرار الشريحة القيادية التدخل في وقت لاحق.
من بين أبرز الأسماء المتداولة حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسم، الذي فاز بولاية جديدة هناك، ويحظى باحترام وتأييد قطاعات متعددة من الناخبين على خلفية أدائه مهامه بفعالية واقتدار. وذهب البعض إلى اقتراح إقدام الرئيس بايدن على تنحية أو إقالة نائبته، كمالا هاريس، وتعيين نيوسم كنائب للرئيس، ليفسح في المجال “دستورياً” للأخير تبوأ منصب الرئاسة ودخول السباق الرئاسي مسلّحاً بتجربة يبنى عليها في البيت الأبيض.
كما يجري تداول حاكمة ولاية مشيغان غريتشين ويتمر التي فازت بإعادة ترشيحها للمنصب أيضاً، وما قد يعوّل على نفوذها في استقطاب ولايات الوسط الأميركية بالغة الأهمية لكلا الحزبين، كمرشحة محتملة للانتخابات الرئاسية المقبلة، وبقاء رموز أخرى مرشّحة، كما هي العادة، منهم أعضاء في مجلس الشيوخ، اليزابيث ووران وإيمي كلوبوشار، واستبعاد دخول المرشح الرئاسي السابق بيرني ساندرز، بعد أدائه المتواضع وانقلابه على وعوده للتيار التقدمي داخل الحزب إبّان مؤتمره السنوي.
أما الحزب الجمهوري فيواجه جملة تحديات أبرزها بقاء الرئيس السابق دونالد ترامب فاعلاً في الحياة السياسية، ومؤثراً بنسبة معتبرة في قواعد الحزب الانتخابية.
بعض أركان الحزب بشّرت بمنافسة حامية أشبه “بالحرب الأهلية” لإقصاء الرئيس السابق ترامب، وخطب ودّ مؤيّديه الكثر بغية محاصرة نفوذه على أقل تقدير، لكن “خطاب دونالد ترامب المناوئ للمؤسسة الحاكمة استطاع التغلب على القيادات التقليدية من قبل”، وفق ما جاء في أسبوعية “نيو ريبوبليك” المحافظة، في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2022.
الذراع الإعلامي المهيمن على خطاب الحزب الجمهوري وتياراته المحافظة والمتشددة، ممثّلة في امبراطورية مالك شبكة “فوكس نيوز”، روبرت ميردوخ، اصطف مبكراً إلى جانب حاكم ولاية تكساس، الفائز الجديد، رون دي سانتيس، ناصبةً العداء للرئيس السابق ترامب، الذي اتهم منافسيه الآخرين بالتواطؤ مع قيادات الحزب التقليدية، وأبرزهم دي سانتيس وحاكم ولاية فرجينيا غلين يونغكين، اللذان يراهن عليهما تصدر قوائم الحزب الانتخابية في جولة الانتخابات الر ئاسية.
من المبكر، في علم السياسة، القفز على أهلية دونالد ترامب بإعلان نيته كمرشح رئاسي عشية انعقاد جلسات حوارية لقيادات الحزب قبل بضعة أيام، وظهر منتشياً بفوز مرشحه لمنصب سيناتور عن ولاية أوهايو، جي دي فانس، الذي حذّر بدوره قواعد الحزب من الانجرار وراء الدعايات المناوئة قائلاً: “يتكرر كل عام اصطفاف الآلة الاعلامية لإعلان الموت السياسي لترامب، لكنه يبقى أكثر الشخصيات شعبية في الحزب الجمهوري عاماً تلو آخر”، كما جاء في يومية “نيويورك تايمز”، في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2022.
ترامب جسّد نبوءة السيناتور الفائز عن ولاية أوهايو بإعلانه تأييده ترشيح نائب رئيس مجلس النواب، كيفن مكارثي، لمنصب رئيس المجلس، الذي فاز بأغلبية مريحة، مذكّراً ايضاً بالمراهنات الخاطئة لقيادات الحزب التقليدية التي “ناصبت دونالد ترامب العداء عام 2016 وخسرت بقوة”.
لا بد لأي قراءة موضوعية ومنصفة لجولات الانتخابات الأميركية، وآخرها الانتخابات النصفية للعام الحالي، أن تُدرج نتائج الانتخابات في أنها، في العموم، تصب في مصلحة الحفاظ على الوضع القائم، كما يطلق عليه رسمياً، أو لمصلحة الطبقة السياسية الحاكمة في كلا الحزبين ومموليها من رؤوس الأموال المالية والصناعية، على نحو أدق، وفي كل الجولات التي تشهد تبادل مراكز السلطة بينهما حصراً.
أما ما يشاع من أن المرحلة السياسية المقبلة ستشهد شللاً في أداء أفرع الحكومة الأميركية المختلفة، وربما ينطوي باطنها على بعض الصحة، لكن أركان الدولة وسياساتها الاستراتيجية، وخصوصاً في إدامة بسط نفوذها وهيمنتها على العالم، تمضي في أدائها غير عابئة بالتوازنات اليومية والتقلبات المتعددة في أولويات أجندة الحزبين.
بهذا الصدد، ستشهد البلاد دعماً متواصلاً لميزانيات وزارة الدفاع وإنتاج أسلحة جديدة، في ساحات الاشتباك الأرضية والفضائية ومنها الحروب الإلكترونية، وكذلك استمرار توافق الحزبين على تعزيز نظرية “تفوّق الولايات المتحدة، وقيادتها المقبلة للعالم”، على الرغم من التطورات الدولية التي طرأت على المشهد السياسي العالمي، وأفول بعض تحالفات الولايات المتحدة نفسها، مثل المجموعة الصناعية – مجموعة الدول السبع، وبروز تحالفات دولية أقوى وأمتن مثل “البريكس” و “مجموعة شنغهاي”، وتقاطر عدد من الدول العالمية الواعدة للانضمام إليها.
:::::
مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن
الموقع الإلكتروني:
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org