ملف خاص في “الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفيتي”، الجزء الرابع، إعداد د. زياد الزبيدي

(6) لينين والاتحاد

(7) مقابلة مع الكاتب الروسي ألكسندر بروخانوف، أجرتها آنا كروغلوفا

▪️▪️▪️

(6)

لينين والاتحاد

أندري بارشيف

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

19 /12/2022

مقدمة من المترجم:

مقال لمؤرخ واقتصادي روسي معروف ومؤلف كتاب “لماذا روسيا ليست أمريكا” أندريه بارشيف، المكرس للذكرى المئوية لتشكيل الاتحاد السوفيتي، تناول فيه بعض العوامل السياسية والقانونية التي أدت إلى انهياره.

▪️▪️▪️

“الصينيون الفقراء، والهنود التعساء // ينظرون بأمل إلى اتحادنا، // ينظرون بامل، من التايغا إلى البحار البريطانية // الجيش الأحمر هو الأقوى على الإطلاق!”

هذه كلمات اغنية روسية قديمة عمرها أكثر من مائة عام.  الاتحاد لم يعد كذلك، فهل اختفى الأمل؟

 ظهرت الأغنية قبل إعلان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (30 ديسمبر 1922) – في صيف عام 1920.  هل كانت كلمة “الإتحاد” ضمن كلمات الأغنية الأصلية؟  على الأرجح، نعم، لكن هذا ليس مفاجئًا – الاتحاد العسكري الاقتصادي للجمهوريات الاشتراكية السوفياتية كان موجودًا، بتكوين مختلف، منذ عام 1918.  وشمل جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، الأوكرانية، البيلاروسية، الليتوانية (أو البيلاروسية الليتوانية)، اللاتفية، الإستونية، جمهورية القرم السوفيتية، اتحاد القوقاز.

لم يعد بعضها موجودًا أثناء تدخل الغرب (التدخل الغربي والأجنبي في الحرب الأهلية 1918-1922)، وتم احتلالها من قبل قوات التحالف، التي أقامت أنظمة عميلة هناك.  بعد إنتصار الجيش الأحمر في الحرب الأهلية ورحيل الجيوش الأجنبية، تم في 30 ديسمبر 1922 إبرام معاهدة الاتحاد، ووقعها ممثلو أربع دول: روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية وبيلاروسيا وأوكرانيا واتحاد القوقاز.  وفي نص المعاهدة كان هناك البند 26: تحتفظ كل جمهورية من جمهوريات الاتحاد بالحق في الانفصال بحرية عن الاتحاد.

 هل يمكننا القول إن الاتحاد السوفيتي مات بسبب هذه النقطة؟  يمكنك قول ذلك، لكنه لن يكون صحيحًا.  كمثال: جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية، التي تشبه الاتحاد السوفياتي، لم يكن لديها مثل هذا البند في الدستور، لكن تم تقسيمها.  علاوة على ذلك، أعطي هناك (في الدستور) للشعب الصربي “دور في تشكيل الدولة” – ولم يساعد.  أكتب هذا لأن المقترحات الخاصة بجعل “دور في تشكيل الدولة” للشعب الروسي (في الدستور) أصبحت مسموعة في بلدنا، على سبيل المثال، اقترح ذلك خومياكوف.  ولكن ذلك لم ينجح في يوغوسلافيا.

 السبب بسيط.  بغض النظر عن مدى ذكاء القواعد المكتوبة، فكل شيء يعتمد على من سيقوم بتنفيذها.  لا توجد قوة عليا تنفذ بأعجوبة الإجراءات التي يحددها الناس – فقط الناس أنفسهم.

 طوال تاريخه، احتوت القوانين الأساسية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية على أحكام تضمن سلامة الاتحاد.  على سبيل المثال، بالنسبة للوضع عام 1991، كان هناك مثل هذا البند في القانون الجنائي لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية:

 “المادة 64: خيانة الوطن

  • الخيانة للوطن الأم، أي فعل ارتكب عمداً من قبل مواطن من الاتحاد السوفيتي للإضرار بسيادة الاتحاد السوفيتي أو سلامته الإقليمية أو أمن الدولة وقدرته الدفاعية:… وكذلك مؤامرة للاستيلاء على السلطة، –

 يُعاقب عليه بالحرمان من الحرية لمدة تتراوح بين عشر سنوات وخمسة عشر عامًا مع مصادرة الممتلكات، أو عقوبة الإعدام مع مصادرة الممتلكات “.

 كان للقوانين الجنائية لجمهوريات الاتحاد أيضًا حكمًا مشابهًا (في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، بعد كل شيء، لم يكن هناك قانون جنائي موحد لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية).

 لكن مكتب المدعي العام لم يجرؤ على فتح قضية خيانة عظمى.

 في زمنه، حافظ ستالين على حق الجمهوريات الإتحادية في الانفصال بحرية، ربما لانه اعتقد أن الإجراءات الإدارية ستضمن أمن وسيادة الاتحاد السوفياتي.  لم تقتصر هذه الإجراءات على مواد القانون الجنائي فحسب، بل شملت أيضًا توزيع صلاحيات السلطات الحاكمة في الاتحاد السوفيتي، كما هو مكتوب في الدساتير، ويبدو أن هذا جعل انتقال الجمهورية الاتحادية إلى جانب العدو أمرًا مستحيلًا.  لكن كل آليات السلامة والأمان هذه لم تنجح: لم تقم بدورها وكالات أمن الدولة ك “عيون لحماية البلد” – مكتب المدعي العام – لم يجرؤ… على الرغم من مفارقة التاريخ، أن القانون الجنائي لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية كان ساري المفعول حتى لبعض الوقت بعد وفاة الاتحاد.

 لذا، “حق الجمهوريات في الانفصال عن الاتحاد السوفيتي”.  بالمناسبة، لا علاقة له بـ “حق الأمم في تقرير المصير” لسبب بسيط: الجمهوريات ليست أممًا، وهذا أمر مفهوم.  ومحاولات منح أي أمة بعض المزايا بموجب نفس القوانين السوفيتية تعتبر في حد ذاتها جريمة.

 لم يتم منح هذا الحق في عام 1922، ولكن تم “الحفاظ عليه”، حيث كانت الجمهوريات السوفيتية رسميًا على أراضي الإمبراطورية الروسية السابقة دولًا مستقلة.  في الواقع، خلال الحرب الأهلية ضد

التدخل الأجنبي والمتواطئين معه، تم دمج القوات المسلحة للجمهوريات في جيش أحمر واحد، وفي صيف عام 1922 اتحدت الجمهوريات في مجال العلاقات الدولية، وعملت كدولة واحدة على الجبهة الدبلوماسية.  وتم توحيد ميزانية الدولة،علما بان تمويل الجمهوريات كان يتم من قبل روسيا وليس العكس.

 لكن ما حدث قد حدث.  يُقال كثيرًا الآن أن السبب في ذلك هو الخطأ السياسي الذي ارتكبه لينين وحده، وحتى نسبوا ذلك إلى حالته الصحية عام 1922.  وهنا يطرح سؤال طبيعي: لماذا لم يصحح الورثة هذا الخطأ؟  بل إن الأمر تفاقم: على سبيل المثال، حتى لينين أيد قرار ضم جورجيا إلى اتحاد القوقاز الفيدرالي، على الرغم من مطالب الشيوعيون القوميون الجورجيون، بقيادة ب. مديفاني، بأن توقع جورجيا على معاهدة الاتحاد من تلقاء نفسها، والتي ستمنحها الحق في الانسحاب بالإضافة إلى اتحاد القوقاز.  ومع ذلك، في عام 1936، حصلت جورجيا والعديد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي الأخرى على الحقوق الكاملة كمشاركين في معاهدة الاتحاد.  وهذا غير مفهوم لأن ستالين كان حتى شتاء عام 1922 مؤيدًا لـ “الحكم الذاتي”، أي اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية دون الحق لأية جمهورية في الانفصال عنه.

 هناك تفسير واحد، باستثناء التفسير المعتاد – إنحناء ستالين غير المشروط امام هيبة لينين.  شرح لينين موقفه في ذلك الوقت، في خريف عام 1922.  لم يعد وقتها من أنصار “الثورة العالمية”، وبعد سنوات عديدة من الحرب مع الغرب، أدرك أن الصراع لا يمكن أن ينتهي إلا بانتصار كامل لأحد الطرفين.  وروسيا لمثل هذا النصر لم يكن لديها القوة الكافية.  كتب لينين منذ زمن بعيد عن أمله في النصر النهائي وشروطه:

 “الثورة الروسية انتجت حركة في جميع أنحاء آسيا.  أثبتت الثورات في تركيا وبلاد فارس والصين أن انتفاضة 1905 القوية تركت آثارًا عميقة وأن نفوذها، الذي يتجلى في تقدم مئات ومئات الملايين من الناس، لا يمكن محوه”.

 “في الواقع، نحن نتصرف الآن ليس فقط كممثلين للبروليتاريا في جميع البلدان، ولكن أيضًا كممثلين عن الشعوب المضطهدة… لقد اعتادت الشعوب على النظر إلى روسيا ك”مركز جذب”.

” تعتمد نتيجة الصراع، في التحليل النهائي، على حقيقة أن روسيا والهند والصين، إلخ، تشكل الغالبية العظمى من السكان.  وهذه الأغلبية بالتحديد من السكان هي التي انجذبت بسرعة غير عادية في السنوات الأخيرة إلى النضال من أجل تحررها، وبهذا المعنى لا يمكن أن يكون هناك أدنى شك بشأن الحل النهائي للنضال العالمي”.

 وهكذا، شرح لينين موقفه قبل تشكيل الاتحاد السوفيتي:

 “سيكون من الانتهازية التي لا تُغتفر إذا، عشية انجاز الشرق هذا وفي بداية استيقاظه، قوضنا سلطتنا بينهم بأدنى قدر من الوقاحة والظلم تجاه الشعوب الاخرى.  إن حتمية التوحد ضد إمبرياليي الغرب الذين يدافعون عن العالم الرأسمالي شيء مهم.  ولا يمكن أن يكون هناك شك في هذا، ومن نافلة القول إنني أوافق دون قيد أو شرط على هذه الإجراءات.  إنها مسألة أخرى عندما نقع نحن أنفسنا، حتى في الأمور الصغيرة، في علاقات إمبريالية مع الشعوب المضطهدة، وبالتالي نقوض تمامًا كل إخلاصنا المبدئي، وكل دفاعنا المبدئي عن النضال ضد الإمبريالية.  وغدا في تاريخ العالم سيكون مثل هذا اليوم الذي تستيقظ فيه أخيرًا الشعوب المضطهدة من قبل الإمبريالية، وعندها تبدأ معركة حاسمة طويلة وصعبة من أجل تحريرها”.

 متى يأتي هذا “الغد”؟  بحلول الساعات الكبيرة، ساعات التاريخ؟  من الصعب القول.  نعم، قبل مائة عام نجحت.

 كتب أول رئيس للصين الحرة، صن يات صن (ليس شيوعيًا على الإطلاق)، في خطابه الأخير لقيادة الاتحاد السوفياتي في عام 1925:

“أنتم تقودون اتحاد الجمهوريات الحرة – ذلك الإرث الملموس الذي تركه لينين الخالد للشعوب المضطهدة في العالم.  بمساعدة هذا التراث، سيحقق ضحايا الإمبريالية حتمًا الحرية والتحرر من ذلك النظام الدولي، الذي ترسخت أسسه على العبودية والحروب والظلم منذ العصور القديمة… وداعًا لكم أيها الرفاق الأعزاء، نريد أن نعرب عن الأمل في أن يأتي اليوم الذي يرحب فيه بالاتحاد السوفييتي في الصين الحرة القوية كصديق وحليف، وفي النضال العظيم من أجل تحرير الشعوب المضطهدة في العالم، سوف يسير كلا الحليفين جنبًا إلى جنب ويدا بيد إلى النصر “.

 الثمن الذي ندفعه الآن مقابل “السياسة الصادقة” – باهظ.  ربما لم يكن التوازن بين مطالب النضال ضد إمبريالية الغرب ومراعاة “حقوق الأمم” المجردة في المائة عام الماضية قد أُقيم بشكل صحيح – سيظهر المستقبل ذلك.

 لم يظهر الاتحاد السوفيتي من لا شيء ولم يختف دون أن يترك أثرا.  إنه مجرد مرحلة تاريخية في رحلة طويلة تمتد إلى الأمام والله وحده يعلم إلى متى.

️▪️▪️

(7)

مقابلة مع الكاتب الروسي ألكسندر بروخانوف

أجرتها آنا كروغلوفا

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

لقد عانيت من الرعب الكوني”

الكاتب ألكسندر بروخانوف – حول فشل لجنة الطوارئ الحكومية والسبب الرئيسي لانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991

 19 /8/2022

في 19 أغسطس 1991، تم إعلان حالة الطوارئ في الاتحاد السوفياتي.  وتم تسليم السلطة في البلاد إلى لجنة الطوارئ الحكومية (الإنقلابية-المترجم).  بالنسبة للكثيرين، كان هذا الحدث نقطة اللاعودة في عملية انهيار الاتحاد السوفياتي.  قال الكاتب ‘ألكسندر بروخانوف”، في مقابلة مع RT أجرتها “انا كروغلوفا”، إنه خلال تلك الأيام تم نقل للسلطة فعليًا من مركز الاتحاد ورئيس الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف إلى السلطات الإقليمية التي يمثلها رئيس جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية بوريس يلتسين، وأعضاء لجنة الطوارىء الحكومية “أصبحوا بيادق في لعبة كبيرة لتدمير الدولة السوفياتية”.

 “سقوط الإمبراطورية الحمراء”

  • كنت من بين أولئك الذين دعموا لجنة الطوارئ الحكوميةفي مذكراتك، كتبت أنك كنت في حالة من النشوة طوال اليوم: “يبدو أن ما كنت أعد نفسي له قد حدث، وأن البيريسترويكا سوف يتم الإطاحة بها“.  في الوقت نفسه، قال زملاؤك من صحيفةسيفودنيا، التي كنت ترأسها بعد ذلك، إن رد فعلك كان متحفظا إلى حد ماما هو موقفك مما حدث في الفترة من 19 إلى 21 أغسطس 1991؟
  • كان هناك الكثير من المشاعر الجياشة تلك الأيام.  الأول كان رد فعل من البهجة، لأن جميع أعضاء لجنة الطوارىء الحكومية كانوا معارفي وحتى أصدقائي، لقد انخرطت في هذه الدائرة وشعرت أن هناك انتفاضة كانت تختمر هناك. وعندما حدث ذلك، كنت سعيدًا به.

 بدا لي أن هذه كانت انتفاضة ضد البيريسترويكا، وضد ياكوفليف، وضد غورباتشوف، وشيفرنادزه، ضد كل ذلك الدمار الرهيب، الذي لم يكن مرئيًا لكثير من الناس.  وكان الجميع ينظر إلى هذا على أنه تحرر كبير، وأنا – على أنه تدمير لجميع الهياكل التي تقوم عليها الدولة السوفياتية من الناحيتين التنظيمية والأيديولوجية.

 كنت سعيدًا لزملائي الذين اتخذوا هذه الخطوة الهائلة والقوية جدًا.

في اللحظة التالية كنت خائفا من أن الشعور بالانتقام سيطغى على الأشخاص الذين قمعتهم البيريسترويكا.  لم أكن أريد أن يكون انتصار لجنة الطوارىء الحكومية بداية لمذبحة ضد أنصار البيريسترويكا، تمامًا كما تعامل الفائزون مع أعضاء لجنة الطوارىء الحكومية فيما بعد.  كان ضبط نفسي حينها في الاجتماع الصباحي في الجريدة لتقييم ما يحدث محكوم بالتحديد بهذه الاعتبارات.  ثم قررت صحيفتي دعم لجنة الطوارىء الحكومية بكل الوسائل الممكنة.

 وكان الشكل الثالث لرد الفعل في الليل، عندما غادرت قوات الجيش موسكو.  عندما أصبحت موسكو عارية.  عندما كانت حشود الليبراليين تهيم في أرجاء المدينة ليلاً، عندما أُسقطت التماثيل، عندما ساد انتصار “ولائم الرعب” الديمقراطية.  ثم عانيت من الرعب الكوني، الذي لم أفهم طبيعته لفترة طويلة، والآن فقط أدركت أنه رعب مرتبط بالتحولات والتغيرات التكتونية في التاريخ الروسي ككل.

 يتحرك التاريخ الروسي بشكل متعرج: فهو يخلق إمبراطوريات جميلة، ثم يدمرها، ويسقط في الهاوية، ثم يبنيها مرة أخرى.  وكنت حاضرا في نهاية الإمبراطورية الستالينية الرابعة الحمراء.  شعرت بارتجاج في أعصاب العالم.  كان رعبي الكوني ناتجًا عن حقيقة أن هذا الصدع الروسي التاريخي الضخم التالي قد مر بي، من خلال قدري، من خلال عظامي، عبر عروقي. أصابني هذا الرعب بالشلل.

 عندما انتهى كل شيء وساد انتصار مجموعة يلتسين، جاء الفائزون إلى مكتبي – جاء مراسل كومسومولسكايا برافدا للتشفي بهزيمتي، ليرى كيف تهتز أيدي ضارب الطبل الذي شجع الانتقام الأحمر بشكل مثير للشفقة.  لكنه رأى شخصًا آخر: لقد أجرى معي مقابلة نشرت تحت عنوان “اللعنة على حريتك!”.  كانت هذه بداية كفاحي.  هذه هي الطريقة التي تطور بها موقفي تجاه تلك الأحداث التي تطورت حتى يومنا هذا.

 “تدمير المعاني والرموز”

  • كنت على اتصال بأعضاء لجنة الطوارئ الحكومية ودعمتهملو فازت اللجنة، هل كان سيتم تكليفك بأية مهام؟
  • لم أكن داخل اللجنة نفسها ولم أكن مرتبطا بتوزيع المهام.  لم يُعرض علي أن أصبح وزيراً للإعلام، إلخ. كنت بجانب أعضاء لجنة الطوارئ الحكومية، وقد ألهمتهم، وأعطيت كل هذا توجهاً إنسانياً.  لكني لم أبحث عن أي دور لنفسي.

 الشيء الوحيد الذي كنت أتمناه هو أن تحصل جريدتي على دعم قوي وربما تصبح الصحيفة الرئيسية في الاتحاد السوفياتي.

 لأن العديد من الصحف في ذلك الوقت أصبحت من أتباع ياكوفليف، غيرت توجهها، وأصبحت ليبرالية.  حتى صحيفة “برافدا” أسقطت الميداليات من واجهة صفحتها الرئيسية.  لم يعد هناك أي صحف وطنية تقريبًا، فقط “سوفيتسكايا روسيا” وجريدتي.  حلمت، وكنت أشعر بالفخر، أن صحيفتي يمكن أن تصبح صحيفة لإحياء سوفياتي جديد، اختراق كان يتحدث عنه الجميع.

  • انتقدت صحيفتك غورباتشوف والبيريسترويكا، بينما أيدها الجميع في البلاد وفي العالم بحماس. ما الخطأ في السياسات والعمليات التي حدثت في الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات؟
  • عندما انهارت أعمدة الأنظمة في بلغاريا وألمانيا والمجر، انكسرت مصدرة ضجيجش قوي.  كان عدد كبير من الناس يموتون، وخاصة الذين ارتبطوا بتلك الأنظمة، مع الصناعة، والجيش، والاستخبارات.  لم يكن الجميع فرحين.  تمامًا كما هو الحال في الاتحاد السوفياتي.  مجموعة البيريسترويكا، التي كان تأثيرها هائلاً، كانت سعيدة.  استحوذت على قطاعات كبيرة، وخاصة المثقفين والشباب الحضريين.
  • ما هو، في رأيك، البيريسترويكا؟
  • كانت البيريسترويكا عملية أيديولوجية قوية تهدف إلى تدمير كل الثوابت التنظيمية والأيديولوجية والثقافية التي تقوم عليها الدولة.  البيريسترويكا، خطوة بخطوة، بشكل منهجي، وفقًا لخوارزمية، دمرت كل هذه المعاني.  تم تدمير المعاني المرتبطة بثورة 1917، بأبطالها، أبطال الحرب الأهلية والوطنية العظمى.  في جوهرها، تم تدمير الأسس الأيديولوجية.

 تم الترويج لفكرة أن الفترة السوفياتية بأكملها كانت فترة وحشية من القبح والنقائص.  كانوا يشيعون ان الصناعة السوفياتية تنتج فقط الكالوشات والأحذية، التي تلوث جميع الأنهار والغابات وأن المجمع الصناعي العسكري قد “شرب” كل العصير من حياتنا الاقتصادية.  بالإضافة إلى ذلك، تم تدمير الأشياء الهيكلية الرئيسية – تم تدمير فكرة الحزب الشيوعي، فكرة السلطة المركزية.  وحد الحزب ماكينة عملاقة ضخمة وكان حلقة وصل في جميع المجالات.  كان الحزب يسيطر على تعيين الأمناء العامين في الجمهوريات الإتحادية.  كان “وحدة تحكم” قوية موجودة في مركز الدولة، فحطمها غورباتشوف.  وصار كل شيء مبعثرًا.

 كان الاقتصاد السوفياتي ذو تخطيط مركزي. دعم غورباتشوف فكرة التعاونيات.  إنفصلت المصانع عن الكائن المشترك وأصبحت وحدات مستقلة، وبدأت في التعاون مع الدول الغربية.  الشباب والتعاونيون وأعضاء الكومسومول – ابتهجوا: “يا لها من نعمة أننا نستطيع ان نصبح أثرياء على الفور”.  ابتهج الفنانون والصحفيون: هذا كل شيء، لا توجد رقابة، يمكنك تحطيم كل الثوابت.

 خلال البيريسترويكا، تم تدمير النظام الأيديولوجي، وتدمير النظام الاقتصادي، وتدمير النظام السياسي.

 والناس الذين فهموا ما هي الدولة وكيف تعمل أصيبوا بالرعب من سقوط الاتحاد السوفياتي.  منذ عام 1986، كنت من أشد مناهضي البيريسترويكا.  وكتبت مقالاً بعنوان “مأساة المركزية”.

“متاريس عاجزة”

  • اين كنت يوم 19 اغسطس 1991؟  السؤال الذي كان فيما بعد بالنسبة للكثيرين كنظام لتحديد هويةصديق أم عدو“.
  • بعد ظهر ذلك اليوم كنت في مزرعتي بالقرب من استرا.  أيقظني جاري : “إنتهى كل شيء، جماعتنا قادمون، والدبابات تحركت”.  تركت زوجتي وأطفالي في المزرعة، وقفزت في السيارة وهرعت إلى مكتب التحرير لتحضير العدد القادم وجمع المواد لدعم لجنة الطوارئ الحكومية.  كان أول شيء فعلته هو طلب لقاء مع أهم شخص بالنسبة لي – أوليغ باكلانوف، عضو لجنة الطوارئ الحكومية.  لكن المساعد طلب الانتظار، وقال إن باكلانوف كان مشغولاً للغاية.

 بعد ذلك، بدأت ترد مكالمات غير متوقعة تمامًا لمكتب التحرير من شخصيات من النخبة السياسية السوفياتية السابقة، الذين كانت لجنة الطوارئ الحكومية مفاجأة لهم.  كان الكثيرون يعرفون عن علاقاتي الوطيدة مع أعضاء في اللجنة.

 أتذكر أن رئيس القسم السياسي في الجيش، نيكولاي شلياجا، اتصل بي وسألني: “ماذا حدث؟”

 أيضًا، جاء إلي فلاديمير سيفروك، رئيس القسم الأيديولوجي للجنة المركزية للحزب الشيوعي، مرتديًا بدلة وقال إنه مستعد للعمل مع لجنة الطوارئ الحكومية.

 لم يكن الكثير من القادة السياسيين على علم بما يحدث – كانت دائرة لجنة الطوارئ ضيقة للغاية.  أراد الناس أن يعرفوا مني ما حدث، لكنني لم أستطع قول أي شيء مؤكد.

  • هل كنت في البيت الأبيض ذلك اليوم؟(مقر مجلس السوفيات الأعلى اي البرلمان كان يسمى أيضآ البيت الابيض- المترجم)
  • نعم، ذهبت إلى البيت الأبيض.  رأيت ذلك الحاجز الذي بني من “أعواد الخيزران والاغصان” والذي كان رمزيًا بحتًا.  في نفس المكان لاحقًا، في عام 1993، كان هناك حاجز آخر حيث كانت هناك خزانات قديمة وعوارض فاسدة، عاجزة عن مقاومة أي شيء.

رأيت نشوة الناس الذين كانوا هناك.  لم أدخل البيت الأبيض لأنه كان مليئًا بخصومي وكان بإمكانهم ببساطة ضربي.  ولكن هناك، بالقرب من المبنى، كانت هناك تلك الدبابة الشهيرة.  لقد تحدثت مع قائدها.  كان مرتبكًا جدًا لأنه لم يفهم ما كان يحدث.  أخبر الجميع أنه وُضع هنا لحراسة مبنى البرلمان.  صعدت الفتيات فوق الدبابة، وقمن بتنظيفها بالورود.  أصبحت جزءًا من العرض السياسي.  كانت هذه هي الدبابة التي صعد عليها يلتسين وأعلن حكمه.

  • ماذا حدث ايضا في تلك الايام؟
  • بالإضافة إلى حقيقة أنني كنت منخرطًا في الصحيفة، كنت حينها سكرتيرًا لاتحاد كتاب الاتحاد السوفياتي.  دعاني رئيس الإتحاد سيرجي ميخالكوف إلى الاجتماع.  كان كتابنا الموقرون هناك.  عندما تكشفت الأحداث – أولاً كان هناك نجاح لجنة الطوارىء، ثم تم تقليص جميع سلطاتها تدريجياً، ولم يتم القبض على يلتسين، وبدأت لجنة الطوارىء في الانهيار – غيّر ميخالكوف موقفه: من الدعم إلى الحذر.  ثم اتخذ الاتحاد قرارًا: ليس للتعبير عن دعمه للجنة الطوارئ الحكومية، بل على العكس من ذلك، دعوة المثقفين والشعب إلى ضبط النفس.  لم نكن نريد أن يبتلع الصراع الناس ويؤدي إلى حرب أهلية.

 هرع أحد أعضاء اتحاد الكتاب، الذي كان حاضراً في الاجتماع، إلى جريدة كومسومولسكايا برافدا وأجرى مقابلة هناك، حيث قال إن اتحاد كتاب اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية يدعم لجنة الطوارئ الحكومية.  لقد كان استفزازا.  في وقت لاحق، كان هذا بمثابة ذريعة لتحطيم اتحاد الكتاب في الاتحاد السوفياتي، الذي كان معظم أعضائه من الوطنيين السوفيات: ميخالكوف، بونداريف، كوزيفنيكوف، كاربوف وآخرين.

 “الانهيار الأرضي للتاريخ”

  • كيف تصور هزيمة لجنة الطوارىء الحكومية؟
  • عندما قتل ثلاثة شبان أشعل المحتشدون النار في عربات جنود المشاة، وسفكت الدماء، كان هناك شعور بالصدمة.  وبعد ذلك استدعى يازوف قوات الجيش من العاصمة.  بعد مغادرة القوات، كان هناك شعور بالفراغ، كانت موسكو مكانا خالٍ من الهواء، كنت أختنق.

  ثم حدث “إستعراض” يلتسين: تم حظر لجنة الطوارىء الحكومية، وتبع ذلك الاعتقالات واحدة تلو الأخرى، وأعلنوا: “القبض على كريوتشكوف”، “القبض على يانايف”، “قتل بوغو”.  ثم انتشرت الاخبار: “تم القبض على باكلانوف”.  وبعد ذلك بدقائق قليلة، جاءت مكالمة من مساعد باكلانوف، الذي قال: “أردت أن تقابل أوليغ  باكلانوف”.

تفضل، هو في مكتبه في اللجنة المركزية “.  أقول: “كيف؟  إنه رهن الاعتقال! “أجابوني: لا، لم يعتقل.  ذهبت لرؤية باكلانوف في موسكو مليئة ب “الديمقراطيين المنتصرين”.  دخلت مبنى اللجنة المركزية عبر البوابات الدوارة حيث وقف الحراس وانتظرتهم ليأخذوني إلى مكان ما.  كان المبنى مليئًا بالناس.  ذهبت إلى مكتب باكلانوف، حيث كان يلتقي بوزراء وجنرالات ومصممين – كان النائب الأول لرئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي.

 كان أكبر عالم في علوم الفضاء – تحت قيادته، تم إنشاء Energia-Buran (نظام طيران فضائي قابل لإعادة الاستخدام. – RT).

 لم يكن هناك سكرتير ولا عمال هاتف في غرفة استقبال باكلانوف.  كان باب المكتب مفتوحًا، فدخلت ورأيته: طويل، نحيف، لحيته طويلة، يتجول في المكتب، بمفرده، لديه آلة تعمل هناك لقص الوثائق.  تعانقنا، سألته: “ماذا حدث؟  ماذا حدث؟”  قال لي: “ارتعد يازوف وكريوتشكوف”.  لم يقل أي شيء آخر.  بعد ثلاث ساعات تم اعتقاله.

 ثم بدأ جنون الفائزين.  تم حظر صحيفتي. ولكن بمجرد أن سمح لها بعد إعادة تسجيلها، كان أول شيء فعلته هو نشر عشر صور مع باكلانوف، والتي التقطت خلال مقابلة معه، تظهر أنني لست خائفًا، وأنني ما زلت مؤيدا للجنة الطوارىء، وأني وفي بعلاقاتي الرفاقية مع باكلانوف.  (تم إغلاق صحيفتي مرة أخرى في سبتمبر 1993، عندما انحازت إلى مجلس السوفيات الأعلى ضد يلتسين. ومنذ نوفمبر 1993، تم نشرها تحت اسم “زافترا” – RT.)

  • عندما توفي باكلانوف، أطلقت عليه لقبآخر عملاق سوفياتي“.  هل يمكنك أن تصف قليلاً الأعضاء الآخرين في لجنة الطوارىء الحكومية؟
  • دراما أعضاء لجنة الطوارىء الحكومية أنهم كانوا طبيعيين منفتحين.  كانت رياح التاريخ الروسي تهب بالفعل في أشرعة أخرى.  كان عصر إمبراطورية روسية أخرى ينتهي – الحمراء، الرابعة.  قبلها كانت هناك مملكة ثالثة – رومانوف، كانت هناك مملكة ثانية – مملكة موسكو، وكانت الأولى – إمبراطورية كييف – نوفغورود.  لقد انتهى هذا الوقت الرائع.

 كان أعضاء لجنة الطوارئ الحكومية طيبين للغاية ونبلاء وعاملين مجتهدين.  لكن وقتهم كان ينفد.  لقد كانوا قادة دولة آخذة في الزوال، وأرادوا منعها من الزوال.  لكن كان هناك بالفعل انهيار أرضي.  تراجع التاريخ.  ركضوا نحو هذا الانهيار، لكنهم قذفوا بعيدًا، ولم يتمكنوا من التعامل مع هذا الانهيار الأرضي التاريخي.  وكان يلتسين وأتباع يلتسين وكامل مجموعة الليبراليين الذين تسببوا في هذا الانهيار الأرضي، هم أناس من القاع، حيث سقط التاريخ الروسي لفترة من الوقت.

  ديمتري يازوف – شغيل، جندي مخضرم، وجندي حرب، شارك في تحرير برلين، حازم، وفهم معنى قيادة الفيالق والجيوش من جميع الأنواع العملاقة مثل الجيش السوفياتي.  لكنه للأسف أجرى مقابلات، وهو رهن الاعتقال بالفعل في الزنزانة، مرتديًا بنطالًا رياضيًا، وتاب، وطلب الصفح من زوجة يلتسين.  كان مشهدا مروعا.

  • لماذا اعتذر لها؟
  • لأنه عندما “طهر” غورباتشوف الجيش وعزله من منصب وزير الدفاع، ذهب إلى فلاديفوستوك، كنت هناك في ذلك الوقت.  استعراض غورباتشوف قوات منطقة الشرق الأقصى، وكان يازوف هناك.  وكانت رايسا زوجة غورباتشوف تحب يازوف.  وأبلغت زوجها أنه ينبغي تعيينه وزيراً جديداً للدفاع.  شعر يازوف بالامتنان لها لجعله وزيرا للدفاع، وطلب منها العفو عن خذلانه.

 “الفراغ الدستوري

  • في رأيك، لجنة الطوارىء الحكوميةماذا كانت: مؤامرة أم اتفاق بين غورباتشوف ويلتسين؟
  • مؤامرة ضخمة.  كانت لجنة الطوارىء الحكومية هي الخطوة الأخيرة لسحق الاتحاد السوفياتي.

 تم إعداد كل شيء بواسطة البيريسترويكا، وكان الاتحاد السوفياتي قد دمر بالفعل تقريبًا.  كان “الْقِدْرُ” لا يزال سليمًا، لكنه كان يسقط بالفعل في الهواء.

كانت هناك مشكلة نقل الصلاحيات من المركز الفيدرالي الاتحادي إلى المركز الإقليمي.  كان المركز الفيدرالي يمثله غورباتشوف، وكان المركز الإقليمي هو يلتسين.  كان من الضروري القيام بكل شيء حتى يتم نقل سلطات الدولة من غورباتشوف الكرملين إلى يلتسين.  وقد تم ذلك بمساعدة لجنة الطوارئ الحكومية.

 خلقت لجنة الطوارئ ثلاثة أيام من الفراغ.  خلال هذا الفراغ الدستوري، لم يكن هناك رئيس دولة واحد.  تولى يلتسين السلطة – سيطر على الجيش والمخابرات والمالية وجميع الهياكل الأخرى.

 عندما فشلت لجنة الطوارىء وعاد غورباتشوف من فوروس على شاطىء البحر الأسود إلى موسكو، لم يطالب يلتسين بإعادة سلطاته.  على الرغم من أنه كان يجب عليه فعل ذلك.

 اتضح أنه لم تكن لجنة الطوارىء الحكومية هي التي أطاحت به، ولكن يلتسين.  استولى يلتسين على كل سلطاته منه.  ولم ينطق غورباتشوف بكلمة.  وهذا يشير إلى أنها كانت مؤامرة أيضًا.

 لو كان غورباتشوف هو سلفادور أليندي، لكان قد قاتل حتى النهاية.  ولكنه سلم الدولة ببساطة إلى يلتسين.

 كيفية تطور لجنة الطوارىء الحكومية هي مسألة أخرى.  قيل لي إن قائمة أعضاء لجنة الطوارئ تمت الموافقة عليها من قبل غورباتشوف نفسه، بما في ذلك العديد من الأشخاص، بما في ذلك رئيس الكي جي بي KGB فلاديمير كريوتشكوف.  بصفته الشخصية المركزية لأمن الدولة، كان من المفترض أن يأمر كريوتشكوف باعتقال يلتسين.  لم يصدر هذا الأمر.  لم تكن حتى خيانة، لقد كان عملاً متعمدًا.  شعر بقية أعضاء لجنة الطوارىء بالخداع وهرعوا إلى غورباتشوف ليطلبوا منه العودة إلى موسكو في أقرب وقت ممكن.  وطردهم غورباتشوف من “فوروس” ليمزقهم الحشد إلى أشلاء.

 لذلك أعتقد أن لجنة الطوارئ هي مشروع ل KGB.  في مركز هذا المشروع كان Kryuchkov، رئيس KGB.  وعندما حان الوقت “ساعة الصفر”، تم نقل الصلاحيات.  كان هذا هو معنى لجنة الطوارئ.  تبين أن أعضاء لجنة الطوارئ المساكين والجهلة، الذين تم اللعب بهم ببراعة في الظلام، كانوا مجرد ضحية الطور الأخير من هذه اللعبة.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….